المدن كائنات حية، ولها أسماء مثل جميع الكائنات ، وأسماء الدروب و»الحومات» هي خدمة حضرية من أهدافها تسهيل التواصل، ذلك ما قاله الباحث مصطفي عيشان أستاذ الجغرافيا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمراكش ، في لقاء نظم مساء الأربعاء 28 ماي 2014 بالمقهى الأدبي الكرمة ، بمناسبة الذكرى 13 لتصنيف جامع الفنا تراثا عالميا ، حول موضوع «أحياؤنا هنا وهناك بين الأمس والغد». و أضاف أن هذه الأسماء من عناصر التعمير، وإتلافها يعتبر آفة حضرية وحضارية ، مقدما معطيات تاريخية وجغرافية من خلال مشروع «خريطة طوبونيميا المدينة من خلال أحيائها»، الذي كانت نتيجته صدور خريطة وثيقية لأحياء المدينة العتيقة لمراكش، بعد سنوات من الاشتغال رفقة فريق من الشباب المهتم بهذا المجال. وقال مصطفى عيشان عن هذا العمل إن «الهدف الرئيس الذي كان لدينا هو التوعية بكنز ثقافي ومحاربة جانب من التلوث الثقافي ودعم السياحة الثقافية، والتعامل مع اللوحات والأماكن والمزارات السياحية، والتركيز على السلوك المدني وتفعيل دور الخريطة كوسيط للتنمية». وجاء في عرض مصطفى عيشان أن مدينة مراكش العتيقة تتكون من حوالي 75 حومة، كل حومة تتشكل من مجموعة من الدروب يبلغ عددها الإجمالي حوالي 2000 درب. وأضاف أن كل درب يتكون من مجموعة من المنازل وتنتظم بعض المنازل فيما بينها داخل «صابات» وهي ممرات ذات سقوف، موضحا أن من بين مكونات مجالات المدينة ساحات تدعى «الكارة» وهو مصطلح يوناني أي «الاكورا»، وساحات تدعى «الرك» وهو مصطلح صحراوي يعني الأرض المنبسطة، مما يعني تداخل الثقافات هنا. الحومة بمعنى «حام حول»، بذلك فسر عيشان الاسم، موضحا أن كل حومة تحوم حول مسجد، الذي يتوسط المنازل المكونة للحومة. وتحدث كذلك على التغير الذي فرضته وسائل النقل، وأعطى مثالا بباب احمر الذي كان يتوفر على مدخل وحيد، لكن أدخلت عليها تعديلات اليوم غيرت ملامحه. هذا وأشار عيشان إلى التصنيف التاريخي «لحومات» مراكش العتيقة حسب الدول التي حكمت المغرب، فأحياء «أزبزد» و»أسول» و»باب الدباغ» و»حارة السورة»، حومات مرابطية، والقصبة وسيدي إسحاق وقاعة بناهيض، حومات موحدية، أما الحومات السعدية فهي كل من المواسين وسيدي بن سليمان والملاح، وأخيرا الحومات العلوية التي تتمثل في قاع المشرع وبوسكري وباب احمر. هذا التقسيم الذي تحدث عنه عيشان تجاوزه التقسيم الإداري الذي طغى التقسيم التقليدي للمجال وبالتالي كما قال «فكرة الحومة التي كانت تم قتلها». إذا كانت أسماء الأحياء الحديثة تعطي اعتمادا على اجتماع المجلس، فإن الأحياء التقليدية تكون لها أسماء شعبية منبثقة من الذات، حيث صنف أستاذ الجغرافيا أسماء الحومات والدروب في مراكش العتيقة حسب مجالات لها علاقة بالمعيش اليومي للساكنة. فهناك أسماء لها علاقة بالطبخ ك»درب الخل، درب الملحة، درب الخميرة ...»، وأخرى لها علاقة بالماء وهي 28 دربا، ك»درب السقاية، درب القادوس، درب العنبوب....»، وثالثة لها ارتباط بالحيوانات والنباتات وهي 30 دربا، ك»درب الحنش، درب أغراب، درب النخل، ... أسماء أخرى لها ارتباط بالبيئة الاجتماعية ومنها تلك التي تبدأ بكلمة «سيدي، سي، مولاي، لالة..» تعبيرا عن التقديس والتشريف وعددها 64، بالإضافة إلى دروب تبرز الجانب الديني في الثقافة المراكشية، منها درب الجامع، درب الزاوية، درب الصمعة، وأسماء لها ارتباط بالثقافة الموروثة من الاستعمار، ك»درب المكينة، البومبة، الكاراج، السبيطار...، وأسماء لها ارتباط بالمواقع الجغرافية للقبائل وعددها 41، وأخرى لها ارتباط بالسلطة، أو بالمهن وغيرها. من خلال هذا العمل الذي نال استحسان الحاضرين قدم مصطفى عيشان رؤية دعا من خلالها إلى النهوض بالموروث الثقافي للمدينة الحمراء بوصفها وجهة سياحية عالمية، كما دعا إلى نفض الغبار عن هذا الموروث، فهل يمكن لهذه دعوة أن تنال بعض الاهتمام من قبل مسؤولي المدينة، من أجل انقاد الصورة الثقافية لمدينة يوسف بن تاشفين.