الاعتقاد السائد هو أن ما يميز الذكر عن الأنثى هي الكروموزومات xy و xx، إلا أن بعض اختلالات هذا اليقين الجنسي تكشف عن حقيقة أكثر تعقيدا. من جهة تجتهد المجتمعات الغربية للسير نحو مساواة في الأدوار الاجتماعية بين النوعين، ومن جهة أخرى تؤكد آخر الأبحاث دقة وهشاشة آليات تمييز وتحديد الجنس لدى الجنين، بل أكثر من ذلك تشير الدراسات العلمية أن الكروموزوم المحدد للذكورة أي الكروموزوم y قد يتعرض للانقراض. هل هي فرضية أم مقاربة جريئة؟ ربما الأمر لا يطرح بهذا الشكل إذا سلمنا بأن هذه الوقائع الإجتماعية والعلمية تساهم في زعزعة إطار منظومة مقاربتنا السائدة للتمييز حسب الجنس والنوع. فمقاربة النوع هي كل الاختصاصات التي يعطيها كل مجتمع للرجل أو للمرأة وفقا لجنسه. لكن قضايا النوع «الانتقائي تبقى هي محور وملتقى عدة تخصصات، وذلك لأنها ولدت من دراسات ومقاربات تمت في ميدانين مختلفين: الطب والفكر النسائي. هناك حقيقة تاريخية، فالقانون الألماني يعترف منذ نونبر 2013 أنه يمكن للكائن البشري أن لا ينتمي، لا إلى نوع الذكورة ولا الى النوع الأنثوي، ولكن إلى نوع غير محدد، مع ما يحمله هذا التصنيف من عواقب بالنسبة لمولود تحت هذا التصنيف الثالث. وتشير ماري كريستين سابواسيي التي تشرف على مختبر دراسات تحديد الجنس والخصوبة بجامعة نيس أن هذه الحالات ماتزال من الطابوهات. فحتى قبل أن يتشكل الشخص اجتماعيا وبسيكولوجيا، فإن تحديد الجنس يطرح داخل الرحم آليات جينية جد معقدة. ويؤكد ريك بايو الخبير فيل بيولوجيا التطور والتوالد بالمعهد الوطني الفرنسي للبحث الزراعي أنه «لدى الجنين تبقى الغدد والمسالك التناسلية هي الأعضاء الوحيدة التي تتوفر على إمكانيات أصلية مزدوجة (ذكر أو انثى) في نفس الوقت. إنه صراع دائم خلال تطور الجنين بين الجينات التي تعمل على الدفع نحو الذكورة والجينات التي تدفع نحو الأنوثة». لكن هذا الصراع الدقيق له أجانب سلبية: نوع من الهشاشة وبعض الاختلالات والغموض المحتمل هشاشة لابد من تنسيبها: فبدون قوة هذا النظام، هل كان بمقدور جنسنا البشري أن يستمر ويبقى منذ 4 ملايين سنة بالإمكان فهم هذه »القوة الخفية« فالتوازن بين الجنسين يبقى حيويا بالنسبة للكائن البشري. فخلال تطور الجنين، إذا ما أصبح المنحى الأنثوي قويرا، فإن المنحى الذكوري لا يستطيع القضاء عليه والعكس صحح، وهكذا سيختل التوازن بين الجنسين. وهذا التوازن يبقى رهينا أيضا بالتوازن بين تشكل الحيوانات المنوية الحاملة لكروموزوم X وتلك الحاملة للكروموزوم Y، وللتذكير فالشخص العامل لكرموزوم XX يكون أنتي والشخص الحامل لكروموزوم XY يكون ذكرا. إلا في حالة وقوع اختلالات في تحديد الجنس: فلدى الشخص المتداخل جنسيا« فإن الجنس الظاهر يتناقض مع الجنس الكروموزومي. فالشخص الحامل XY يبدي مظهرا أنثويا، والشخص XX يبدي مظهرا دوريا. وفي هذه الحالة نتحدث عن »تحول جنسي كامل« وهذه الاختلالات يمكن ز تنجم عن أعطاب جينية أو ناتجة عن التعرض لبيئة هورمونية تعرقل التطور الجنسي وتتضمن المقررات الدراسية لعلوم الحياة والأرض في باب »تشكل الذكر والأنثى« صورة مشيرة لحدبة، شالجدر التنسالي«، الذي يظهر عند الجنين البشري في نهاية الأسبوع الثامن من الحمل، وهذه الحدبة بداية تشكل الأعضاء التناسلية ا لخارجية، وهذا الجدر التناسلي حتى هذه المرحلة، متشابهة تماما عند الجنين الذكر أو الأنثى. هل كل شيء يتحول عند هذه اللحظة في اتجاه الذكورة أو الأنوثة؟ الجواب هو لا بالتأكيد: فالمصير الجنسي يشكل منذ التلاقح الأول حسب إن كان الحيوان المنوي حاملا لكروموزوم X أو Y. وتؤكد إديت هيرد الأستاذة بكوليج دوفرانس، المتخصصة في الكروموزوم X بمعهد كوري أن الإنسان هو أنثي في الأصل من حيث الكوموزومات الجنسية: فالشخص بدون الكروموزوم »Y« يصبح أنثى مهما كان عدد الكروموزومات التي يحملها، ولكن على مستوى الجينات تتحول هذه الحقيقة الكروموزومات التي يحملها. ولكن على مستوى الجينات تتحول هذه الحقيقة الكروموزومية الى حقيقة مضادة. والتفسير يبدأ مع تشكل الأعضاء التناسلية الداخلية: ويبدأ هذا التشكل لدى الجنيني الذكر فيا لأسبوع السادس ونصف من التطور، لماذا؟ لأنه، لدى الذكر، يبدأ »اشتعال« الجين الأساسي لتحديد الجنس: الجين SRY الموجود في الكروموزوم Y وهنا نقطة القطيعة، اللحظة الفاصلة التي يتحدد فيها كل شيء ويتجه الجنين نحو مصيره الذكوري. الجين SRY الذي ظل غير معروف لمدة طويلة، تمكن العالمان البريطانيان بيتروغودفلو وروين لوفال بادج من تحديده سنة 1989. ولأ}ل ذلك قام هذان الباحثان من تفكيك شفرة الحمض النووي ADN لأربعة أشخاص مختلطي الجنس: إمرأة XY فقد لديبا الكروموزم Y الجين المبحوث عنه وثلاثة ذكور XX تمكن أحد الكروموزومات X لديهم من استعادة هذا الجين (SRY)، وفي سنة 1993، طرح الباحث كين ماكلريفي من فريق مارك فلوس (معهد باستور بارين) طرح فرضية أن الجين SRY يكبح أيضا تطور المنحى الأنثوي. وترى الدكتورة ماري كريستين شابوازي «كنا نعتقد أن البرنامج الأنثوي يشتغل تلقائيا في غياب الجين SRY. لكننا نعرف اليوم أن هذه النظرة خاطئة، هناك برنامج ذكوري وبرنامج أنثوي تتحكم فيهما على التوالي سلسلة من الجينات «الذكورية» أو «الأنثوية»، والجينات الذكورية تشعل تطور الأعضاء الذكورية وفي نفس الوقت تقمع تطور الأعضاء الأنثوية، والسلسلة من الجينات الأنثوية تقوم بالعكس، وبالتالي على المستوى الجيني، من الخطأ القول بأن الكائن هو أنثى بالضرورة...». تم التعرف على الجين SRY قبل من 20 سنة، لكن سلسلة الجينات التابعة والمتدخلة في العملية بدأ للتو التعرف عليها، فاشتعال جين SRY يشعل نشاط الجين SOX9 الذي يحمله الكروموزم 17: وهذا الكروموزوم الأساسي يأخذ المشعل في تشكيل الذكورة. وبعد ذلك بقليل يؤدي الجين SRY إلى وجب الجين RSPO 1 الذي يحمله الكروموزوم 1 وهذا الحجب يوقف مسلسل الأنوثة. من جانب آخر بدأ التعرف على الجينات المتدخلة في برنامج الأنوثة: يوم 30 يناير الماضي كشف فريق اريك بايو أهمية الجين FOXL2 في تشكل البويضات وهذا الجين يقمع جينات البرنامج الذكوري وينشط الجينات الأنثوية، وكشفت التجارب على الماعز أن الجنين XX الذي لم يعد يتوفر على الجين FOXL2 يطور خصيتين مكان الرحم، ونفس الجين موجود لدى الانسان. لنعد إلى البرنامج الذكوري، أكدت دراسة أمريكية نشرت يوم 2 شتنبر 2013 أن التحول نحو مصير ذكوري رهين بتوازن دقيق للجين SRY، وقد تابع فريق من أوهايو عائلة رغم أن والدها يحمل تحولات للجين SRY كان لديه طبع وراثي ذكوري ويبقى خصبا، ابنة أي XY التي ورثت منه نفس التحول أظهرت حالة جنسية مخالفة كليا، لم تكن لديها لا غدة تناسلية ولا إفرازات هورمونية، ويتساءل الخبراء لماذا انتج نفس الجين SRY المتحول ذكرا لدى الأب ولكنه لم ينتج ذكرا لدى البنت ؟». وتلاحظ ماري كريستين ... نشاط الجين SRY كان مهما مرتين لدى الأب أكثر منه لدى البنت، بينما كان الباحثون يتوقعون أن يتضاعف هذا النشاط 100 مرة...». ويعتقد اريك بايو أن الاختلاف بين والأب والبنت قد يكون مصدره اختلاف في سلسلة الجينات المرتبطة بجين SRY وبالتالي فإن البيولوجيين استقوا القاعدة من الاستثناء استثناءات في تطور الاعضاء التناسلية الخارجية، أما فيما يتعلق بالتحولات الجنسية الكاملة فإنها تطال شخصا واحدا من 50 ألف شخص. وخلال 20 سنة الأخيرة، تمكن فريق وحدة البحث الجيني والتطور البشري بمعهد باستور من تحديد العديد من الجينات المتدخلة في تطور الغدد التناسلية لدى الإنسان. وهذا الفريق يشرف على مجموعة كبيرة من الحمض النووي من مختلف أنحاء العالم. ويؤكد الفريق أنه يتوصل من الولاياتالمتحدة ومصر والهند وفرنسا بعينات من الحمض النووي ADN لمرضى يعانون من اختلالات تحديد الجنس بهدف وضع تشخيص جيني». وفي 70% من الحالات لا نعرف بالتحديد الجينات المسؤولة... ... لكن هذه الوضعية ستتغير لأننا نستعمل تكنولوجيات حديثة ذات جودة عالية في تشخيص وتشريح الحمض النووي». ويوم 18 فبراير، تمكن هذا الفريق من تحديد جين (FOG2) متحول لدى فتيات XY لديهن اختلالات في تحديد الجنس. في سنة 2010 أظهر هذا الفريق أن أحد الأسباب الشائعة لعدم الخصوبة (لدى الذكور أو الإناث) ناجمة عن تحولات في أحد جينات تحديد الجنس (NR5A1) »هذه الدراسات له تأثير مباشر على فهمنا لأسباب عدم الخصوبة البشرية التي تزداد وثيرتها». تم لماذا يحس بعض الأشخاص أنفسهم ينتمون الى الجنس الآخر غير الجنس الذي ولدوا عليه؟ الخبراء في هذا المجال قليلون. لكن كوليت شيلان أستاذة علم النفس السريري بجامعة باريس ديكارت تقدم فرضية للجواب «نقدم فرضية أنه يمكن أن يوجد مؤثر بيولوجي لوضعية هؤلاء الأشخاص دون أن نجد حتى الآن سبباً بيولوجيا أكيداً». وحسب آخر المعطيات يوجد شخص من كل 20 ألف شخص معني بالتحول الجني. وفي سنوات 1950 كان 3 إلى 4 رجال مقابل امرأة يطلبون إعادة تحويل جنسهم. واليوم هناك تساوي بين الجنسين يطلبون ذلك. وهناك أكثر من 300 شخص يتقدمون كل سنة الى مؤسسات عمومية فرنسية ونصفهم يقومون بعمليات جراحية. لكن العديد من المختلطين جنسياً يتوجهون إلى مؤسسات خاصة أو إلى الخارج. كتب أفلاطون قبل 380 سنة قبل الميلاد «قديماً كانت الطبيعة البشرية مختلفة عما هي عليه اليوم. كان هناك 3 أنواع من الرجال: الجنسان اللذان يتواجدان اليوم (الذين كان متحدين كسياميين، وثالث مكون من الإثنين (...) شكل فصيلة خاصة سميت «أندوجين»، لأنها تجمع الذكر والأنثى« كلمة «قديما» عند أفلاطون تحيل على الأسابيع الأولى للحياة الجنينية، وتؤكد البيولوجيا اليوم هذا التصور جزئياً. والبقية نعرفها. الإنسان تحدى زوس Zeus، وكرد فعل قام هذا الأخير بفصل نصفيه الذكر والأنثى. هذين النصفين لم يتوقفا عن البحث عن نصفهما الآخر المنزوع منهما... بتصرف عن «لوموند»