هل الكروموزوم الذكوري مهدد بالانقراض؟ الكروموزوم «y» أصغر فصائل الكروموزومات لكنه أغلاها، وأكثر عنادا محكوم حسب زعم بعض علماء الجينات بالتناقض أكثر فأكثر إلى أن ينمحي تماما... أم أنه أصبح مستقرا ومقاوما كما يؤكد خبراء آخرون؟ منذ حوالي 10 سنوات يطرح النقاش والجدل بين كبار الخبراء في هذا المجال، لكنه اليوم أخذ طابعا أكثر إثارة من خلال عدة دراسات من بينها دراستان نشرتا بالعدد الأخير من مجلة "nature". ومن المفارقات المثيرة أن هذا الكروموزوم الضعيف والهش هو الذي يحدد الجنس، الكرومووم «y» هو كروموزوم حامل النوع القوي للجنس والحاضن للجنس بعضلاته البارعة والمحدد للجنس القوي.. أي أنه في النوع البشري اليوم كما عند أغلب الكائنات الثدية، الذكور تتكون من كروموزوم «y» وكروموزوم «x». والإناث تتكون من التقاء كروموزم «x»«x». البروفسور دفيد بيج، مدير معهد ويتهيد بجامعة ماساشوسيت، يعتبر من أبرز المختصين في كروموزروم «y»، وهو الذي اكتشف سنة 1999 أول تحول لجين الكرومزوم «y» المسؤول عن العقم الذكوري، وهو الذي أنهى سنة 2003 تحديد مواصفات هذا الكرومزوم. وفي مواجهته البروفسورة جيني غريفز من الجامعة الوطنية الأسترالية التي توقعت منذ أزيد من عشر سنوات «النهاية المبرمجة» للكروموزوم «y»: أي نهايته خلال 10 ملايين سنة. وتقدم مقاربتها لهذه النبوءة بقولها أن «المقارنة بين الثديات وبعض الفقريات الأخرى التي تتقاسم سلفا بعيدا مشتركا... تساعدنا على تتبع ورصد التطور التاريخي لكروموزوماتنا الجنسية، وأيضا لفهم طابعها الغريب جدا...» عمليا، حسب الباحثة فإن الكروموزوم x راكم فيما بيدو جينات مهمة في هوية والوظائف التناسيلة الذكورية والأنتوية.. وتضيف العالمة الاسترالية أن «الجينات« x »لعبت دورا مهما في التطور السريع للجنس البشري. من جانبه أصبح الكروموزوم «y» البشري صغيرا جدا، وفقد أغلب جيناته باستثناء جين تحديد الجنس الذكر (الجين sry) وهو يتدهور بسرعة، وربما قد ينقرض تماما خلال ملايين السنين القادمة، مع ما يحمله ذلك من عواقب غير معروفة بالنسبة لجنسنا البشري. ولفهم البقية لابد من العودة إلى تاريخ تطور كروموزوماتنا الجنسية. هذه الحكاية بدأت منذ حوالي 300 مليون سنة، أدى تحول جين (sox3) عن سلف قديم مشترك لكل الثديات إلى خلق جين جديد(sry) الذي حدد خصائص الجنس الذكوري. وقفز هذا الكروموزوم الجديد على أحد الكروموزومات غير الجنسية، الجد الأول للكروموزوم(y) أو بروتو y ، وأصبح الزوج الثاني لهذا الكروموزوم الجد الأول للكروموزوم x أو بروتوx . في هذه المرحلة ظل الكروموزومان متشابهين باستثناء جين تحديد الجنس. لكن اكتساب الجين sry أدى إلى تراكم تدريجي للتحولات على البروتو(y) حافظت على الخصائص المحددة للذكورة مما أدى تدريجيا إلى تمايز متزايد بين البروتوy والبروتو x واللذين أصبحا في النهاية مختلفين، وفقدا القدرة على تبادل أجزاء كروموزومية فيما بينهما خلال تشكل الخلايا التوالدية. وهذا التبادل ضروري وحيوي في مسلسل الإصلاح الذاتي للكروموزومات. وأصبح البروتو y يحكم عدم قدرته على التفاعل مع شريك، أصبح ضعيفا أمام تراكم الحوادث الجينية . وهذا التراكم أدى إلى إضعافه تدريجيا، حيث فقد الكروموزوم ثلثي عتاده الجيني الأولى، أما الكروموزوم x فقد حافظ على نفسه. الإناث تتوفر على x مرتين، وبالتالي حافظت على إمكانية التفاعل فيما بينها والتوالد الذاتي. وقبل 300 مليون سنة، كان بروتوy يضم حوالي 1000 جين، أما اليوم فإن الكروموزوم y لا يأوي أكثر من عشرات الجينات، وفقد %97 من جيناته القديمة. وبهذه الوتيرة سينقرض الكروموزوم y بعد حوالي 5 ملايين سنة حسب جيني غريفز. ويبدو أن دراسة جديدة نشرت في مجلة علوم يوم 24 نونبر 2013، تؤكد ماذهبت إليه الباحثة الاسترالية: لدى الفئران، فقط جينان لا يكفيان لخلق ذكور. وقام فريق من جامعة هاواي بتجربة حول فئران جينيا وحرمانهم من الكروموزوم Y تم وضع الباحثون في هذه الفئران بجينين فقط من y: الجين SRY الذي يتحكم في تكوين الخصيتين وآخر يتدخل في صنع الحيوان المنوي وقد تمكنت هذه الفئران من إنتاج المني مع بعض الاختلالات، وبعد التخصيب اصطناعيا أمكن ولادة ذكور خصبة. من جهته يتضمن الكروموزوم X العديد من الجينات المهمة في إنتاج الحيوانات المنوية،وهو دور لم نكن نتوقعه بالضرورة من هذا الكروموزوم .وتستخلص جيني غريفز من ذلك أن كروموزوم Y لم يعد ضروريا لضمان وظائفه «الذكورية». ويقر البروفسور دفيد بيج بهذه «الحياة المزدوجة» للكروموزوم X ويظهر في دراسة نشرت يوم 21 يوليوز 2013 في مجلة NATURE GENETIES أن أجزاء مهمة من الكروموزم X أصبحت متخصصة في إنتاج المني. وهكذا فإن X البشري يضم 340 جينا نشيطا فقط في الخصية. ويؤكد دفيد بيج أن تفكك واندحار الكروموزوم Y توقف قبل 25 مليون سنة، وأظهرت الدراسة أن الكروموزوم Y لم يفقد سوى جين واحد خلال 25 مليون سنة الماضية، ولم تفقد أي جين خلال مليون سنة الاخيرة. في بدايته كان الكروموزوم Y يعيش اندحارا وكان يفقد جيناته بوتيرة سريعة جدا، لكن Y تمكن من الصمود ،ومنذ ذلك الحين استعاد عافيته، وهذا يدحض فكرة انقراضه. ونشرت مجلة NATURE يوم 24 أبريل دراستين تميلان أيضا في صالح بقاء الكروموزوم Y ، وفي التعليق المرافق لهاتين الدراستين، يخلص اندرو كلارك من جامعة كورنوبل قائلا : يبدو أن الكروموزوم Y يتوفر على إمكانية التأقلم السريع مع تغيرات التطورات.