"بنت بن دريوش "أو"بنت سلطانة" ... منانة دحاس : في أحضان قرية ذات طبيعة معطاء، بقدر الجهد و الكد والقناعة رأت" بنت سلطانة "النور و "الظلام" معا !.. في مدشر الخيص الذي تفصله ما يشبه الطريق عن زومي وعن وزان والشاون، تفصله فصلا عن محيطه حتى الآن - اسألوا الأستاذ محمد العربي المساري فلديه الخبر اليقين؟ - هناك زوجت، وهي بعد في الشهادة الإبتدائية ... بل وفي ريعان الطفولة براءة ويناعة... فكان عليها أن تمسح من ذهنها لأكثر من ربع قرن حبها للتمثيل وللحق في التعليم أيضا ...أوقفت كل هذه السنين، خصوصا بعد الرحيل المفجع لزوجها، لتعليم بناتها الأربع وابنها محمد بأجرة بسيطة جدا في بلدية شفشاون الجميلة كثيرا ... لكن الأيام والشهور و الأعوام أكملت دورتها لتفتح أمام منانة فرصة التمثيل في الجزء الأول من مسلسل "بنات للا منانة " ، ثم "الحسين والصافية "، في أدوار امرأة تقليدية بلباسها الجبلي الوضاء . تقول إنها أصبحت ممثلة بالصدفة، وتضيف في دردشة مع أحد المواقع الإلكترونية بالمغرب : بأن الفضل يعود إلى أشخاص شجعوها أو ساعدوها ، وعلى رأسهم وعينهم الطيبة نعيمة المشرقي : إحدى أمهاتنا في المسرح والسنيما، وفي الإقتدار أيضا وأيضا ... في تطوان، وفي لقاء تحضيري لمشروع شريط سنيمائي للمخرج المثابر الشريف الطريبق، كان لنا مع الممثلة منانة دحاس هذا الحديث البسيط والقصير..... كان أول ظهور لك كممثلة في مسلسل بنات "للا منانة"، ثم - حسب تتبعي - في بعض حلقات مسلسل "الحسين والصافية"، كيف عشت التجربتين معا؟ لقد كانتا، قولا وفعلا، امتحانا لي وفرصتين لا ثمن لهما. انتقلت فيهما من الخيال إلى الواقع ، ومن حالة الإنحصار المعنوي إلى تعلق جامح بالسنيما والتمثيل، وذلك بكل اللذة التي تغمرني منذ لحظة أداء دور "أم حفصة القرعة " وكزوجة لممثل تقمص شخصية "الكواي" بتلقائية الفنان وبساطته المبدعة، والى الآن ... وجدت الأمر صعبا في البداية :إذ لم يكن الوقوف أمام الكاميرا سهلا في المرات الأولى، خصوصا وقد نودي- هذه المرة - علي في آخر لحظة لسد ثغرة غياب ممثلة كان هذا الدور مسنودا إليها... وبعبارة واحدة كنت سعيدة ومحظوظة في آن واحد. قبل أن أسالك عن أول تجربة لك في مجال السنيما، حدثينا عن ردود الفعل بخصوص دور" أم حفصة القرعة" الذي أديتيه في مسلسل "الحسين والصافية " كان الأمر بالنسبة إلي عاديا جدا ، لكنه بعد العرض التلفزيوني للمسلسل وإعادة عرضه، أحدث ردود فعل عديدة ومختلفة : من بينها مثلا أن المدشر الذي صورت فيه مشاهد مرتبطة بهذا الدور، ثار غضب ساكنته ورفضوا أن يكون دوارهم فضاء لتصوير حلقات الجزء الثاني من المسلسل المذكور... فالمسألة بالنسبة إليهم كانت غاية في البساطة والحزم : لا وجود عندنا لأنثى بلا شعر... هيا ابحثوا عنها في أرض الله الواسعة : وهنا فرضت نفسها فرضا، العلاقة التفاعلية الضرورية بين الخيال والواقع بين الفن والتاريخ، وبين الفنان وأهله، وذلك بصفة ملموسة وعفوية . هذه واحدة : أما الأخرى فعلى صلة بي. لقد واجهت أقوالا ومواقف غريبة، لكنها محدودة ومنتظرة في واقع مجتمعي محافظ يطوقه الفقر والجهل من كل جانب . لقد قيل لي : ألم تجيدي غير أن تكوني أما لبنت "قرعاء"؟ - لماذا اخترت - في المسلسل طبعا - رجلا مهنته "كواي" وليس مديرا لشركة أو غنيا ...؟ بيد أن الذي أثلج صدري وأ فرحني كثيرا: هو أن تفاعل بناتي وابني والعديد من صديقاتي ومعارفي كان إيجابيا ومشجعا ... الناس ، وأقول الغالبية العظمى - وخصوصا في المناطق الشاسعة من وطني والتي لا تختلف في ظروفها وأوضاعها الاجتماعية والثقافية عما يميز مسقط رأسي الخيص زومي بنواحي وزان- الناس لا يدركون أن التمثيل شيء والواقع شيء، وأن الرابط بينهما مزيج من الخيال والفكر، من الفن والحياة ، ومن العواطف والانفعالات والعلاقات و المواقف الإنسانية ... الناس ، وليس كل الناس ، غالبا. وفي الشروط والظروف الإقتصادية والإجتماعية والثقافية المشار اليها - ما يسقطون نفسياتهم وأحلامهم وأوهامهم ومكبوتاتهم على ما يرون ويسمعون.. من أجل ما يريدون ولو في العالم الإفتراضي ما قبل الرقمي !... هده بضعة أمثلة قد تلخص في جانبها الإيجابي والسلبي معا : ردود الفعل المرتبطة بهاته التجربة التي أعتز بها .. وهنا أستغل منبر جريدتنا «الإتحاد الاشتراكي» لأوجه تحية تقدير وامتنان لكل من ساعدني و علمني وأخذ بيدي. بعد هذا وغيره، أنت الآن وجها لوجه ، مع أول تجربة سنيمائية في مسارك الفني...أي دور أسند إليك ؟ بل أي قضية اجتماعية وثقافية ...و... يثيرها هذا العمل السنيمائي الجديد للشريف الطريبق؟ كعادتي ، والوضوح دائما مدخل من مداخل الحقيقة، لا أعرف حتى الآن إلا دوري في هدا العمل الجديد للمخرج الشريف الطريبق ..لا علم لي حتى بعنوان الفيلم . كل ما أنا متأكدة منه هو أن الدور الذي أسند إلي يراعي حجم تجربتي وطموحي معا. وسأتعاطى معه بالمحبة والجدية اللازمتين . يهمني كثيرا أن لا أكرر نفسي، وأن أنجز ما طلب مني كخطوة صغيرة إلى الأمام، ولا يهمني المقابل المادي إلا ما كان في رزقي و حقي ... صحيح أني في حاجة الى المادي والمعنوي في وقت واحد ، لكني في غمرة أول تجربة سنيمائية لي أعمل وأتطلع إلى الأبقى والأسعد. إنها المشاركة، تكفيني المشاركة في أعمال جدية ...وأنا اليوم جدة لأربعة أحفاد - والخير في الطريق !- أجد نفسي في عالم شابات وشباب، بل إلى جانب نساء ورجال، يساهمن ويساهمون ، في خدمة هواية ومهنة التمثيل في بلادي ومنطقتي على حد سواء ... يكفيني أن أكون حاضرة في شريط سنيمائي يعلق عليه المخرج وفريقه نفس الآمال التي لي كباقي الزميلات والزملاء كلمة أخيرة، وليست آخرة صحافة الإتحاد وأعماله كلها كانت وينبغي أن تبقى روافع وعوامل مساعدة على الإنعتاق، و منبرا للفن، للثقافة، للبسطاء و لأقوياء النفوس ... إن الشعوب والمجتمعات والدول لا تستمر، ولا تبدع، ولا تزدهر بالغذاء المادي وحده ... إنها تنتعش وتنعش في ضبط معادلة التناغم بين الإكتفاء المادي والإشباع الفني الروحي ، وفي توازنهما وتفاعلهما المستدام ... فما أحوجنا إلى هذا التوازن اليوم، في مغربنا الحبيب وعالمنا العربي الجريح ، من الشام الخلاق من نكبته إلى المغرب الكبير المنشود في تعدده وغناه..