بعد أن احتضنت كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الحفل التأبيني لأب السوسيولوجية المغربية محمد كسوس وتلاه حفل الأربعينية للمناضل إدريس العراقي الذي نظم بفضاء كلية الحقوق والعلوم الاقتصادية والاجتماعية، شهدت رحاب كلية العلوم أكدال يوم الجمعة الماضي حفل الأربعينية للأستاذة والمناضلة خديجة البدوري. وما يجمع بين هؤلاء الأهرام في مجال العلم والثقافة والفكر خاصيتان اثنتان، أولا أنهم ينتمون إلى نفس الجامعة جامعة محمد الخامس أكدال، ثم أنه كان لهم الأثر الكبير في النضال والقيادة بحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بالنظر للسمعة الطيبة التي تمتاز بها بين جميع الزملاء والزميلات في جامعة محمد الخامس، وكذا حضورها الفعال ومسارها النضالي المتميز بحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أبت حشود كبيرة إلا أن تحضر هذه الأربعينية التي تليت فيها آيات من الذكر الحكيم في البداية وتخللتها كلمات طيبة وشهادات في حق الراحلة ومسارها العلمي والنضالي من أجل تثبيت بحث علمي نافع، وله بصمات في تاريخ الجامعة المغربية. وخلال هذا الحفل الأربعيني للفقيدة خديجة البدوري الذي حضرته بعض الوجوه البارزة كمحمد درويش وفتيحة سداس عضوي المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وفتح الله ولعلو عمدة الرباط، وعبد الحفيظ بوطالب جوطي الرئيس السابق لجامعة محمد الخامس أكدال، وعبد الحق منطرش الرئيس السابق للنقابة الوطنية للتعليم العالي، وعدد من رؤساء الشعب والمختبرات بكلية العلوم والأساتذة الجامعيين.. خلال هذا اللقاء ألقى وائل بنجلون التويمي رئيس جامعة محمد الخامس أكدال، كلمة رثاء مؤثرة في حق الفقيدة خديجة البدوري تعرض فيها لمسارها العلمي ومثابرتها من أجل العلم والمعرفة لكي يستفيد منها طلاب المغرب، وسعيها قيد حياتها للتأطير والتكوين وتحفيز الطلبة لإنجاز أبحاث علمية ذات مستوى عال يليق بمستوى الجامعة المغربية. كما عدد بنجلون الخصال والأخلاق الإنسانية التي كانت تمتاز بها الفقيدة، حيث قال «نتذكر اليوم زميلتنا العزيزة خديجة البدوري تلك الشخصية الفذة، التي انشرحت لها نفوسنا ، والتي تميزت بخصال سمحاء جلبت إليها محبة كل من سعد بمعرفتها، كانت خديجة هادئة، متواضعة بقدر سعة كفاءتها العلمية ، مخلصة في صداقتها، عظيمة الهمة، نظيفة القلب واليد واللسان، انطلقت الى الرفيق الأعلى ونحن رفاقها ما زلنا نتوق للقياها وللحديث إليها.» وأكد في السياق ذاته على أنها كانت أستاذة جليلة أعطت بغير حساب، تاركة بصماتها في الجامعة المغربية كما الشموع من أجل إضاءة طريق العلم والمعرفة والكفاءة، طريق الخير والعطاء، طريق النور والمعرفة للأجيال القادمة من بعدها، الأساتذة من أمثالها يبنون الأمم، وكانت الأستاذة بدوري من بناة الأمم، لم تتوان يوما عن القيام بمسؤولياتها الجسام، في تشييد الجامعة المغربية وتكوين الشباب من لأساتذة والباحثين وتحمل مسؤولية مختبر الفيزيولوجيا الحيوانية بكلية علوم الرباط، ونيابة جامعة محمد الخامس أكدال. وفي شهادة مؤثرة أشار رئيس الجامعة إلى أن الفقيدة كانت تزرع بقلبها فينمو العلم في طلابها، كانت كبيرة في عطائها، دقيقة في تعاملها مع الآخرين ، عطوفة حنونة على الصغار من عائلتها وملاطفة مع الكبار من طلابها. تتفانى في مصلحة الآخرين، تضحي للكبير والصغير بغير منّ فأحبها الجميع وبادلتهم المحبة، لم تفرّط أبدا بصداقة صديق. كما عدد بنجلون عدد من الخصال الحميدة التي كانت تمتاز بها الفقيدة «إننا حين نستحضر الآن خصال أختنا ورفيقتنا خديجة، تحضرنا بشاشتها الفطرية، وطيبوبة عشرتها، ورهافة مشاعرها، وتألق أفكارها المتنورة، وجسارة شخصيتها... كانت المرحومة في ميدانها المهني نعم المربية والمرشدة المثالية ، وفي مجالها الجمعوي والنقابي، المناضلة الشجاعة والجريئة في مواجهة كافة التحديات، كما كانت تتميز بفكرها الحداثي المتنور، والمناهض للسلوكات المرفوضة». ومن جهته قدم عميد كلية العلوم الرباط الدكتور سعيد أمزازي كلمة طيبة في حق الفقيدة ،أكد من خلالها على مسارها العلمي والنضالي حيث أشار فيها إلى أن الكلية تقف اليوم مع ذكرى وفاة واحدة ممن أفنوا أعمارهم في سبيل العلم والمعرفة والتعليم، لأستاذة كانت بالأمس بيننا كونت أجيالا وأطرا عديدة أنا واحد منهم، وتركت بصمات حقيقية ،علمية وتربوية. وأوضح أمزازي بنفس المناسبة أن الفقيدة جاورت المختبر لعدة سنوات ،وبصمت على حضور متميز رفقة ثلة من الأساتذة، ربت وعلمت وأطرت بتفان دون كلل أو ملل ، وكانت واحدة من خيرة الأساتذة ، كامرأة ،ومؤطرة، ومكونة ومناضلة ومخططة، ومسيرة .رسمت مسارا حافلا علميا وتربويا ونضاليا . وفي شهادة لعميد الكلية، أوضح فيها أن الراحلة خديجة بدوري كانت محبة لكليتها، مضحية بوقتها وعملها من أجل رفع اسمها عالياً، سباقة في الذود عنها، كانت صديقة وفية للصداقة والعشرة، أستاذة بارعة، حريصة على سيرة طلابها ومستقبلهم. أستاذة قديرة، وفيرة ، وثقافتها، فقد وفيتَ أهل البحث وكل مَنْ طَلبَ وحتى مَنْ أمر، ستبقى ذكراها في قلوب الأهل والأصدقاء محفورة طوال الدهر، ذكراها لا يمحوها الزمن وتظل مطبوعة في قلوب وعقول كل من عرفها أو ناله الشرف بمعرفته... لأن جرحنا عميق برحيلها كريمة النفس والخاطر. وفي السياق ذاته أكد أمزازي أن الفقيدة كانت نعم المدرسة في أداء واجباتها ومسؤولياتها، لو أردنا ذكر صفاتها لعجز اللسان عن وصفها. ولضاقت الصفحات لذكرها .وإذا اختصرتها سأقولها بشهادة قريب ومعايش لهذه الفقيدة العزيزة، كطالب وكأستاذ، كانت نقية من الغرائز التي لا ترى إلا مصالحها ، عفيفة النفس ، قوية الإرادة، ثابتة العزيمة، لينة في قراراتها،.. هادئة وسلسة ومرنة الطبع والطباع.. كتومة.. قنوعة.. متواضعة.. محبة...صريحة...صادقة... ومواظبة ومثابرة على عملها بجد دون أن تتأثر إرادتها يوما، كانت بحق معلمْة الأجيال قل نظيرها....أفضالها لا تنسى لكل طلابها وسيذكرونها أجيالاً وأجيالاً مدرسين ، دكاترة ، وأكاديميين. كما قدم الدكتور التغزوزتي رئيس المختبر بالكلية، المسار العلمي والتكويني للفقيدة خديجة البدوري حيث قال فيا لبداية أنه العرض الصعب علي في طيلة حياتي العملية، الذي يلزمني تقديمه في ثلاث دقائق وأنا عايشت الفقيدة وعرفتها كزميل في العلم لمدة تفوق 28 سنة». ولدت الفقيد بمدينة فاس، وتابعت دراستها الابتدائية والثانوية بها إلى أن حصلت على الباكالوريا سنة 1966 والتحقت بالمدرسة العليا للأساتذة ثم الإجازة في العلوم سنة 1970 ، وفيما بعد ديبلوم الدراسات المعمقة سنة 1971 ودكتوراه السلك الثالث سنة 1974 والدكتوراه الوطنية سنة 1981، 35 سنة في خدمة البحث العلمي والتعليم العالي، كما نشرت أكثر من 40 مقاله علمية و65 مداخلة علمية بمؤتمرات دولية ووطنية و 12 مشروع عقد واتفاقية بحث، وحاصلة على وسام ملكي ووسام من فرسا تقديرا لجهودها العلمية.