أتيحت لزوار الدورة العشرين من معرض الدارالبيضاء الدولي للنشر والكتاب، التي أسدل عليها الستار ليلة الأحد الماضي، ثلاث فرص للقاء الكاتب المغربي الطاهر بن جلون، والإنصات إليه متحدثا عن كتابه الأخير «الاستئصال» (دار النشر غاليمار) وعن قضايا أخرى. الفرصة الأولى منحها لقراء صاحب جائزة غونكور البرنامج الرسمي للدورة ضمن محور «ساعة مع كاتب»، وقد حاوره خلالها الباحث عبد الرحمان طنكول. بينما وفر رواق سوشبريس الفرصتين الثانية والثالثة. «الاستئصال» محكيات لتأمل تيمات الحياة والمرض والألم، وهي «نص قاس وعنيف، بجمل قصيرة ومباشرة تهدف إلى وصف الألم بأفضل شكل»، ردد الطاهر بن جلون، موضحا أن كتابه يستلهم فضاء وأجواء المستشفى، خاصة القسم المخصص للمصابين بسرطان البروستات. يشكل الكتاب الأخير، حسب صاحبه، منعطفا في مسار الكتابة لديه، وقد فرضت فكرته المحورية نفسها عليه عقب نقاش مع أحد أصدقائه الأطباء المتخصصين في معالجة أمراض السرطان، وأنجزت عن طريق زيارات ولقاءات مباشرة مع المرضى في أحد مستشفيات باريس، رغم أن الرجال المصابين بالمرض «يتحدثون بصعوبة عن إصابتهم به». الكتاب الأخير للطاهر بن جلون، يعترف مؤلفه، «حكاية بدون زخرفات ولا غش أدبي، تتناول الآلام التي يعانيها المرضى»، ولذا فهو قد يكون صادما لقارئه المحتمل، وقد عبر ناشره للمؤلف عن هذا التخوف، طالبا منه تغيير العنوان على الأقل، لكن الشاعر والروائي المغربي بالعنوان الأصل، أي «الاستئصال». في «الاستئصال»، يستعير الراوي صوت شخصية متخيلة مصابة بسرطان البروستات للحكي، علما أنه كان قد أصيب هو نفسه بذات المرض، وقد لجأ لهذا الخيار حتى لا يتحول النص إلى مجرد اعترافات ذاتية. ولا يجد البطل نفسه مجبرا على استئصال البروستات فقط، بل على التعرض للعديد من العلاجات المستأصلة والمهينة أيضا. مثلما يجبر على تعلم كيفية العيش ب «عضو غائب» وإلغاء عدة مكونات من حياة جسده. تقول الشخصية الرئيسية: «أصبحت حياتي الجنسية تشبه اليوم بهو أية محطة من محطات القطارات. برد قارص يعبره، وبعض المسافرين يركضون لركوب قطار أخير، وعشاق يقبلون بعضهم البعض. متشردون ينقص سنهم باستمرار يتسكعون فيه ويتحدثون إلى كلابهم. الجو بارد، الجو قبيح، الجو حزين، مأساة صامتة، ألم أخرس. فقدت الإحساس الجغرافي. سواء كنت في باريس، جنيف أو الجزائر العاصمة، فأنا لم أعد أشعر بالاختلاف. انطفأ نفَسي. توقف. الدم الذي ينفخ العضو الذكري لم يعد ينساب. من المقرر أن يعود، لكن ليس الآن. إنه متعطل لحظته». وخلال لقاءاته الثلاثة مع زوار المعرض وقرائه، تناول الطاهر بن جلون عدة قضايا أخرى بالإضافة إلى التعريف بكتابه الأخير، من ضمنها مساره الأدبي ودور الأدب في رحم التحولات الراهنة ومحدودية قدرته على الفعل في مجريات الأحداث وتغيير وجهتها، مؤكدا ببلاغته المعهودة على ضرورة الأدب: «قد لا يغير نص أدبي شيئا على أرض الواقع، لكنه، وفي انتظار بلوغ القصيدة إلى السلطة، فالأسوأ هو لا يكتب المرء كلمة».