تتعدد شهادات معاناة مرضى السرطان وذويهم، التي تحبل بتفاصيل مؤلمة، بفعل التداعيات الصحية والمادية للمرض ووقعه على المصاب وذويه، آلام تنطلق مع اكتشاف المرض، بعضها يتحول إلى آمال بفعل التغلب على هذه الانتكاسات والخروج منها، والبعض الآخر يبقى رهين هذه الأزمات التي تكون خاتمة مشواره في هذه الدنيا. لوكيميا الدم يعاني الأطفال المرضى بالسرطان وأهلهم معاناة شديدة لا يمكن لأحد أن يتصوّرها، باستثناء من اكتوى بحرّ ولهيب هذه التجربة القاسية، حفظكم الله منها. لقد تغيرت حياتي رأسا على عقب بعد الكشف عن إصابة ابني بلوكيميا الدم، إذ لم يعد للحياة عندي أي معنى، فلم يعد يهمني سوى استرجاع فلذة كبدي لعافيته، حيث وجدتني في دوامة من الانفعالات والأحاسيس أتخبط وسطها أنا ووالدته، تارة مسلحين بالآمال وتارة أخرى ونحن نعيش الأحزان. هؤلاء الأطفال هم في أشد الحاجة إلى الرعاية والمساعدة، بعيدا عن بعض التعقيدات الإدارية التي تفتقد وبكل أسف لحس الرحمة والإنسانية. صدمة الخبر هي لحظة عصيبة جدا، من الصعب التفاعل معها، فالتوصل بخبر الإصابة بالسرطان يشكل صدمة كبيرة، تسري معها في أنحاء الجسم كله رعشة بسبب الخوف من الموت وفراق الأحباب. هكذا اختارت عائشة، وصف الحالة التي عاشتها وهي تعرف لأول مرة بأنها مصابة بسرطان الثدي. «خبر لم أقو مع سماعه على الوقوف على رجلي، شعرت بخوف لم أشعر به في حياتي، كنت أتلمس درجات الدرج وأشعر بعدم القدرة على المشي وأنا أغادر عيادة الطبيب، كانت لحظات صعبة ومليئة بالرعب، تلك المسافة في اتجاه المنزل، أظلمت واسودت الدنيا فجأة أمام عيني ». إصرار وتحدّ رجاء، تؤكد نفس إحساس عائشة، الذي عاشته هي الأخرى، إلا أنها ورغم قساوة الصدمة ووقعها عليها، فقد تجاوزت مرحلة الإحباط، متسلحة في ذلك باحتضان أسرتها لها، «قررت أن أخوض وأنجح في هذه التجربة القاسية، وهو ماتمكنت منه بالفعل، إذ وجدتني متسلحة بالصلابة وبرباطة الجأش وقوة الإحتمال، وبدأت استمع إلى الطبيب بهدوء دون خوف أو غضب أو توتر، واتبعت مراحل العلاج إلى أن شفيت، وإن كانت مرحلة تجاوزتها بعدد من التداعيات التي يشهد جسمي على تفاصيلها». تفاعلات مختلفة تلقي خبر الإصابة بالسرطان، لايقف تأثيره عند حدود المريض لوحده، بل يتعداه إلى محيطه العائلي، والذي تختلف طريقة تفاعله مع هذا المعطى الجديد، ففي الوقت الذي يكون بعض المقربين صمّاما للامان وذرعا لتجاوز الأزمة، يكون البعض الآخر سببا في الانهيار ومضاعفة جرعات الألم المادي والمعنوي. «في بداية المرض كنت حزينة وكانت حالتي النفسية صعبة، لكن ساعدني كثيرا وجود زوجي إلى جانبي الذي كان يدعمني في تحمل المرض» تقول رشيدة. في حين عبّرت فتيحة عن الحالة التي عاشتها بعد معرفتها بخبر المرض بالقول، «خرجت من عند الطبيب وأنا كلي حيرة وخوف، لم أتمكن من النوم طوال تلك الفترة، كان من الصعب علي تقبل كل شيء، والأصعب من ذلك هو كيف أن أطلع زوجي وأبنائي وأسرتي على ما حلّ بي. لم أكن أريد إخبارهم في البداية، لكن لم أقو على تحمل الأمر لوحدي سيما وأن وضعيتي الصحية لا تحتمل الصمت». «وأنا في طريقي لإجراء العملية، أحسست برفقة أولادي وزوجي، وباقي أفراد الأسرة، وإن كنت متخوفة وحزينة، فقد كنت أحس بمشاعرهم خلال تلك اللحظات التي جعلتني أشعر بالقلق عليهم لا على نفسي». تقول سعيدة. دعم شريك الحياة رغم أن ربطة رأسها تدل على أنها فقدت كل شعرها، إلا أن عائشة كانت تبتسم وهي تتحدث، مستحضرة كيف عاشت وقع اكتشافها لورم في ثديها الأيسر، الامر الذي استوجب استئصاله بالكامل لأنها لم تكتشف الأمر مبكرا، ومن ثم الخضوع للعلاج الإشعاعي، فالكيميائي، «حولني العلاج إلى إنسانة خاملة، بالكاد تستطيع مساعدة أطفالها في الدراسة، بعد أن كنت إنسانة طبيعية أمارس كل الأعمال، لكن زوجي تحمّل العبء وأصبح يقوم بكل الأدوار، التي تخص الأم والتي تخص الأب كذلك». بدورها بشرى، تعتبر بأنها محظوظة جدا مقارنة بكثير من النساء ممن أصبن بالمرض؛ وهي تشدد على دعم زوجها لها، غير مخفية لامتنانها وحبها له لأنه أصبح أكثر تمسكا بها من قبل، رغم التغيرات الجسدية التي أصابتها. وعلى نفس المنوال سارت نسرين، وهي التي قطعت أشواطا طويلة في العلاج من مرض سرطان الثدي الذي هاجم ثديها الأيمن، ثم انتقل بشراسة للثدي الأيسر، حيث خاضت معركة شاقة ومضنية، إذ خضعت أولا لعملية استئصال لثديها الأيمن ثم العلاج بالأشعة، فالعلاج الكيميائي، «لولا دعم زوجي عندما اكتشفت إصابتي بالمرض، لما استمررت، فقد أصر على أن يكون لي خير سند».