كان موضوع الدراسات القرآنية المعاصرة محور أول يوم دراسي نظمته مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث في معرض افتتاح الأيام العلمية من خلال مشاركة ثلة من الباحثين طيلة يوم السبت 28 سبتمبر 2013 تحت عنوان «الدراسات القرآنية المعاصرة وسؤال المنهج... أبو القاسم حاج حمد ومحمد شحرور نموذجا»، في لقاء احتضنه «صالون جدل للفكر والثقافة» التابع للمؤسسة. افتتح اللقاء الأستاذ الباحث مولاي أحمد صابرالذي رأى أن الحديث عن دراسات قرآنية معاصرة، قد يحيل على وجود دراسات قرآنية غير معاصرة، تنتمي إلى الموروث الثقافي (من أصول فقه وعلوم القرآن...) حيث حررت وأنتجت وفق ظروف ثقافية واجتماعية وسياسية، ينبغي الإحاطة بها لفهم مثل هذه الدراسات. ونتيجة للتحوّلات الحضارية والمعرفية التي عرفتها الإنسانية اليوم في شتى حقول المعرفة، والتي كان لها الأثر الكبير على الساحة العربية والإسلامية بشكل عام ... ظهر ما يعرف اليوم بالدراسات القرآنية المعاصرة التي عنيت بتوظيف آلية المعرفة المعاصرة في فهم النص القرآني طمعا في نسج أجوبة تستجيب لمقتضيات الواقع المعاصر؛ فالمشاريع العلمية في هذا الحقل متعددة ومتنوعة، وسيتم الاكتفاء بنموذجين بارزين في هذا المجال، نظرا للأهمية المعرفية والعلمية لكليهما، وهما: مشروع أبي القاسم حاج حمد ومشروح محمد شحرور. على أساس أن مقاربة المشروعين ستكون على أساس المنهج بدل المضمون من خلال العمل على الكشف عن نقط التلاقي والاختلاف بينهما ، والبحث في مدى صلاحيتهما وارتباطهما مع مقتضيات ومتطلبات الواقع المعاصر. وقدم الدكتور محمد الناصري ورقة بعنوان «علم التفسير وأزمة المنهج، قراءة في المقدمة التفسيرية للحاج حمد»، إذ توقف مليا عند طبيعة تفاعل الراحل حاج حمد مع الأزمة التي طالت العلوم الإسلامية، وتحديدا الأزمة التي طالت علم التفسير الذي لم يكن يوما في منأى عن الأزمات المنهجية والمعرفية التي عرفتها غيره من العلوم، حيث لم تحل خصوصيته باعتباره العلم الوحيد ضمن العلوم الإسلامية الذي يحتك فيه العالم مباشرة مع كلام الله عز وجل المنزه عن كل خلل أو فساد أو اضطراب من وجود ثغرات عند المشتغلين به، تعود إلى تصورهم العام لطبيعة علم التفسير ولمقاصده وغاياته. كما توقف المحاضر عند معالم علاقة أبي القاسم حاج حمد بالقرآن الكريم، مجتهدا في تقييم مشروع صاحب «العالمية الإسلامية الثانية»، وبالتالي اجتهاداته التفسيرية في تجاوز التراث التفسيري. «النص والنص المضاد: دراسة في إشكالية الاستلاب الديني عند المفكر السوداني الحاج حمد...»، كان عنوان مداخلة الأستاذ الباحث عبد القدوس أنحاس، حيث افتتح مداخلته بأسئلة مؤسسة: هل يصبح النص التراثي شكلا من الإعاقة الثقافية ومصدرا من مصادر القلق المعرفي؟ هل أضحى النص الشرعي مدخلا منهجيا للارتباك والاضطراب المنهجي في ظل قتامة المشهد النهضوي في البلاد العربية؟ أم أن العقل المسلم أضحى عاجزا عن مواكبة كونية النص المتجددة في آفاق «أفلا يتدبرون، أم على قلوب أقفالها»، حيث انقلب من حال التوهج والتجديد والقراءة الواعية وخلق نقاط مركزية للاستيعاب والاستناد إلى حال العقل المأزوم، عقل سيتمخض في نهاية المطاف عن هوامش فكرية وشظايا معرفية لا رابط بينها، وفي أحسن الأحوال تناصات مفككة بتعبير المسيري، وفي دركها الإيديولوجي استلابات معرفية بتعبير حاج حمد، أو لصوصية فكرية بتعبير جبران في كتابه « لصوص الله»؟ واعتبر المحاضر أن الراحل حاج حمد ينطلق في مقاربته النقدية من محاولة إعادة قراءة نصوص التراث الإسلامي من منطلق جدلي، يكون فيه القرآن مصدرا لاستيعاب التفاعل الجدلي بين العناصر الثلاثة، وهو ما يعني أن العلاقة بالقرآن مؤسسة على أنه كتاب مطلق؛ أي أنه المعادل الموضوعي للوعي بالوجود الكوني وحركته، وهو ما يعني تجاوز القواعد التقليدية المعمول بها في الحقل التراثي. كما أشار المتدخل إلى الحضور الجلي لمفهومين أساسيين عند حاج حمد؛ أولهما: الاستيعاب وثانيهماالاستلاب، على اعتبار أن الثاني نتيجة لتراكمات سالفة، حيث إن عدم استيعاب الواقع بحيثياته السننية وقوانينه الكونية تجعل من الباحث أو المفسر عنوانا للاستلاب؛ وبخصوص الأبعاد المختلفة لإشكالية الاستلاب الديني حسب حاج حمد، فقد أجملها أنحاس في النقاط الأساسية التالية: استلاب ديني يلغي الذات ومكتسبات الإنسان الحقة كالحرية مثلا؛ استلاب النزوع العلمي؛ استيلاب حق الإنسان في ممارسة أدنى مستويات السيادة والتشريع بمنطق ما تفسر به الحاكمية الإلهية «وأن احكم بينهم بما أنزل الله»؛استلاب الوجود الإنساني للمرأة ككيان ثقافي ومكون اجتماعي؛ استلاب الفعل الحضاري وقوة العمل، باعتبارها تحقيقا للذات الإنسانية؛ استلاب كثير من الفضائل... وبخاصة ما يتعلق منها بالجوانب الغريزية، لا ينظر إليها في ذاتها، وإنما يتم التعاطي معها من خلال الزواجر والنواهي كمحاولة نفسية للسيطرة على الأحاسيس؛ الفهم الاستلابي للإرادة الإلهية في علاقتها مع الإنسان والكون؛ وأخيرا، استلاب الإنسانية المحضة في فهم البعد الجزائي في الشريعة، حيث يتم تضخيم البعد الجنائي وتقديمه على سائر أقسام الدين بشكل عام. وجاءت آخر مداخلات الجلسة الصباحية تحت عنوان: «السنة النبوية بين محمد شحرور وأبي القاسم حاج حمد»، ألقاها الأستاذ الباحث عبد اللطيف طريب، إذ أكد في مقدمة محاضرته أن مشروع أبي القاسم حاج حمد ومحمد شحرور يندرج في إطار تقديم نظرة جديدة للقرآن الكريم، تعتمد رؤى ومناهج غير تقليدية، من خلال تناول السنة النبوية، باعتبارها المصدر الثاني للمعرفة والشريعة الإسلامية ولو أن هذا التناول تم بشكل ثانوي في المشروعين مما جعل المشروعين وغيرهما من مشاريع الدراسات القرآنية المعاصرة، ينخرطان بالضرورة في قضايا وإشكالات السنة النبوية من حيث أرادت تقديم رؤية جديدة ومغايرة للقرآن الكريم، حتى تعيد لهذا النص خصائصه ومميزاته. ومما يدل على قيمة تأثير السنة النبوية على تناول القرآن الكريم برؤية تقوم على اعتباره نصا مستقلا مستغنيا عن غيره، يضيف طريب، أن الدكتور شحرور واجه قضية السنة النبوية ضمن فصل من كتابه الأساس عن القرآن (الكتاب والقرآن)، ثم طور فكرته في كتاب (نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي) لتتبلور هذه القضية عنده أخيرا ضمن كتاب مستقل، صدر العام الماضي بعنوان ( السنة النبوية والسنة الرسولية). أما أبو القاسم حاج حمد، فقد أردف نظريته في المنهجية المعرفية القرآنية بتطبيقات يتبين من خلالها نظرته المغايرة للسنة النبوية ووجه علاقتها بالقرآن، وكان من الضروري أيضا أن يفرد لها فقرة ضمن المداخل التأسيسية لكتابه الأم (العالمية الإسلامية الثانية)، وفيه أيضا نجد تطبيقات تعزز من فهم مكانة السنة في علاقتها بالقرآن الكريم. واجتهد المحاضر في إجراء مقارنة بين أطروحتي كل من حاج حمد ومحمد شحرور، لمعرفة الأسباب التي دفعت كلا منهما لتناول السنة النبوية، وهل اتفقت منطلقاتهما أم اختلفت؟ وإلى أي حد نجح كل منهما في إعادة موضعة السنة النبوية في البناء المعرفي والتشريعي الإسلامي على أسس قوية تصمد أمام القراءة التقليدية أو تتجاوزها؟ بالنسبة للجلسة المسائية، فقد افتتحها الأستاذ الباحث عبد الله هداري بمحاضرة جاءت تحت عنوان «تحليل النص الديني عند محمد شحرور وأبي القاسم حاج حمد: فرضيات تأويلية حول منهج القراءة»، وأشار بداية إلى أن المنهج المتحكم في بناء المشروع الفكري عند كل من محمد شحرور وحاج حمد، يستحق اهتماما بالغا، واشتغالا موازيا، لابد أن يقدم فرضيات للتحليل بخصوص منهج كل منهما، سواء من حيث قواعدهما الظاهرة، أو الثاوية، والاشتغال على بنية الإدراك التصورية عندهما، للعالم والنص الديني، وعلاقة كل منهما بالآخر، وعلاقة الإنسان بالغيب والعالم. لهذا، فنحن أمام عملية كشف معرفية، قد تعيد بناء تصور جديد عن منهج هذين العلمين، وآليات اشتغالهما. في هذا السياق، أكد المحاضر على أن هذه المحاولة التطبيقية، لابد وأن تسترعي الانصراف الأكاديمي التام تجاه كل ما يمكن أن يخدم الخلاصات العلمية الصرفة، البعيدة عن التبجيل أو الاعتبار المجانيين. قصد الوقوف على الأرضة الصلبة، المفترضة، في مشروع كل منهما، والقدرة على تركيبها، والخروج بخلاصات معرفية حول البناء المنهجي المتصور لكل منهما. واختممت أشغال الجلسة المسائية ومعها اليوم العلمي بمحاضرة للأستاذ الباحث عبد الرحيم خالص تحت عنوان «المفهوم والمعنى: بحث حول محددات التجديد الديني وتجليات المناهج العلمية في الدراسات القرآنية المعاصرة... مدخل عام إلى أبحاث أبي القاسم حاج حمد ومحمد شحرور»، مجتهدا في الإجابة على سؤال محوري: ما هي أهم المفاهيم التي يوظفها كل من أبي القاسم حاج حمد ومحمد شحرور لإعطاء معنى معينا لمختلف أبحاثهما على مستوى الدراسات القرآنية المعاصرة؟ وأيُّ منهج علمي يتّبعانه في تلك الدراسات؟ وتتفرع على هذا السؤال لائحة من الأسئلة: إلى أي حد يمكن الاستجابة لمختلف حاجيات ومتطلبات الواقع المعاصر، من خلال الإشكاليات النظرية والأطروحات الفكرية التي تنتجها نخبة الفكر التنويري المعاصر على مستوى الدراسات الدينية الإسلامية عامة، والدراسات القرآنية المعاصرة خاصة؟ وما مدى قدرة الدراسات القرآنية المعاصرة من خلال مختلف مناهج التحليل والتفكيك والنقد المعتمدة والمطبقة على النصوص التراثية (الدينية) إجمالا (وعلى رأسها القرآن)، على قيادة مرحلة فكرية تنويرية؟ ثم ما موقع كل من أبحاث أبي القاسم حاج حمد وكتابات محمد شحرور، ضمن السياق العام للدراسات القرآنية المعاصرة من جهة، ومدى قدرتها على فتح باب الاجتهاد الديني عامة، وتدشين باب التجديد الديني خاصة من جهة أخرى؟