برزت لائحة من التساؤلات على هامش الإعلان الرسمي عن تأسيس "مركز الدراسات القرآنية"، http://www.hespress.com/?browser=view&EgyxpID=17654 التابع للرابطة المحمدية للعلماء، (أُعلن عنه يوم الجمعة 25 دجنبر 2009) وهمت هذه التساؤلات، كما اطلعنا على بعض حيثياتها، الاستفسار عن طبيعة المركز ووظيفته، والجديد الذي يمكن أن يقدمه لإثراء الساحة المعرفية المغربية تحديدا، بالنظر إلى السبق المشرقي في تأسيس مثل هذه المراكز، والتواضع المغربي الجلّي في تدشين مؤسسات تُعنى بالانخراط المسؤول والرصين في طرق باب مؤرق للغاية، يحمل عنوان التعامل مع الدراسات القرآنية، عبر التقييم والتفكيك والتقويم. وبسبب مطبّات وقلاقل هذا التعامل، أشرنا سلفا، عبر هذا الموقع إلى حتمية استحضار أسماء وازنة طرقت هذا الباب، من قبيل محمد شحرور، نصر حامد أبو زيد، يوسف صديق، المنصف بن عبد الجليل، محمد أركون، عبد الوهاب المؤدب، عبد الكريم سوروش، حسن حنفي، مصطفى محمود، واللائحة تطول، ويكفي تأمل بعض معالم تعامل أسماء مغربية تشتغل في الشأن الديني، مع مداخلة محمد أركون في الحلقة ما قبل الأخيرة من برنامج "مباشرة معكم"، والتي خُصّصت لموضوع قراءة وتفكيك ظاهرة "الإسلاموفوبيا"، حيث اقتربت بعض هذه القراءات من مرتبة "تكفير" أركون، والمثير، أن الرجل، دعا في ذات البرنامج إلى تأسيس معهد للدراسات التاريخية والأنتربولوجية المقارن، على أن يحتضن المغرب هذا المركز، وواضح أن الحديث عن تأسيس مراكز، يندرج عموما ضمن خيار الرهان على البحث العلمي والقول المعرفي المؤسِّس، وليس الخطاب الإيديولوجي والشعبوي المُميّز لخطاب العديد من التيارات في مجالنا التداولي الإسلامي (العربي والمغربي). نحن لا ندافع عن محمد أركون، لأنه "يملك" جيشا من الباحثين والكتاب ينتصرون لأطروحاته في الشرق والغرب، قد يكون أبرزهم الباحث السوري هاشم صالح، ولكن، ندافع عن سمو فكرة، تنتصر بشكل أو بآخر لطبائع "الإسلام المغربي"، الذي يُعتبر "كنزا روحيا" كبيرا لا تملكه هيئة الأممالمتحدة، بتعبير رئيس دولة أسيوية شيوعية، (على مُروجي خطاب التسامح في حقبة ما بعد منعطف اعتداءات نيويورك وواشنطن، أن يستحضروا، أن المغرب، كان أول دولة عربية وإسلامية تستقبل بابا الفاتيكان، قبل صدة تلك الاعتداءات، وبالتالي، يبقى هذا المغرب في غنى عن تلقي دروس في التسامح والسلم والسلام، سواء من قبل أقلام الخارج والداخل على حد سواء). بالعودة إلى السبق المغربي الخاص بتأسيس "مركز الدراسات القرآنية"، وجب التذكير بداية، أنه منذ أواسط القرن الماضي عرفت موجة القراءات المعاصرة للقرآن الكريم تناميا متزايدا في الساحة الثقافية والعلمية، انخرط فيها كتاب مسلمون ومستشرقون، يشتركون في إثارة قضايا مرتبطة بالقرآن الكريم من خلال توظيف مناهج لسانية، وسوسيولوجية، وتاريخية، وأنثروبولوجية، وبدهي أن منطلقات وأهداف هذه القراءات اختلفت، كما تعددت المناهج التي اعتمدتها في مقاربة الكتاب الخاتم، إلى درجة أن بعضها، في غفلة عن طبيعة القرآن المجيد وخصائصه الكلية، رام استنطاقه بالآليات والأدوات المنهاجية نفسها التي تطبق على النصوص البشرية بأبعادها النفسية والأنثربولوجية والسياسية، وسياقاتها التي تتبلور فيها، مما لا يتواءم مع حقيقة النص القرآني المُنزل. كما يلاحظ المتتبع للمشهد الثقافي المعاصر أن هناك اتجاهات رفعت عنوان الحداثة والتحرر والعقلانية، للطعن في قدسية القرآن وإطلاقيته وتصديقه وهيمنته على ما عداه من الكتب السماوية، ناهيك عن الفهوم البشرية التي تحكمها النسبية والمحدودية، ونقرأ ضمن شعارات هذا التيار مثلا، أن "الوحي لم يعد مُنتِجا للحقيقة اليوم"، وبدهي أيضا، أن تترك هذه الدعاوى ردود أفعال طغى على معظمها الانفعال والتشنج، فأضحت أسيرته، عوض التزام العلمية في الفهم المتعقل القادر على إيجاد الحلول العملية بدل الشعارات، وهذا للتذكير، عين ما اطلعنا عليه في بعض الردود على مداخلة أركون في حلقة برنامج "مباشرة معكم". ونعتقد أنه لا يمكن بحال تجاوز هذه الاختلالات الفهمية إلا بإدراك للمناهج والطرائق التي اعتمدها كل هؤلاء، كما أن هذا التجاوز لا يمكن تحقيقه بدون الرصد الدقيق للنتائج والآثار التي خلفتها هذه القراءات، وشرط ذلك كله، القيام بقراءات وكشوف منهجية علمية، في إطار عمل مؤسسي، طويل النفس، للتعاطي العلمي مع هذه الطروحات، وتصويب ما ينبغي تصويبه منها، وتفنيد ما ينبغي تفنيده منها؛ وفقا للضوابط العلمية والشرعية المرعية. ومن ينكر أن الفتنة تقبل بشبهة ولا تدبر إلا ببيان، وهو بيان وجب أن يكون قوليا وفعليا في الآن نفسه، يُصدّق فيه الفعلُ القولَ، ولا يكذّبه، يعضّده ويساهم في تحققه وتحقيقه، ومن هنا أهمية الإعلان عن تأسيس المركز المغربي للدراسات القرآنية، حتى لا يبقى الحقل المعرفي المشتغل على الدراسات القرآنية (إن كان هذا الحقل قائما أصلا، على الأقل قبل تاريخ تأسيس المركز)، حكرا على مؤسسة دون سواها أو على شخص دون غيره، ونستحضر في هذا الصدد، بعض الإشارات الواردة في خطاب رسمي ألقاه الملك محمد السادس بتطوان يوم 27 شتنبر 2008، عندما وجّه رسالة إلى من يهمهم الأمر، مفادها أنه أصبح ضروريا "تعبئة كل الطاقات العلمية التي تزخر بها بلادنا"، وما أكثر هذه الطاقات المهمشة تارة أو المُغيّبة تارة أخرى، وفي "أحسن" الأحوال، طاقات متقوقعة على الذات، وتبنت خيار تطليق الاشتباك في مواجهة لائحة من التحديات العقدية والمذهبية والإيديولوجية التي يعُج بها مجالنا التداولي، سبق أن تطرقنا إلى بعض منها في أكثر من مناسبة، وأكثر من مقام، لمن ألقى السمع وهو شهيد. وواضح أخيرا، أن التصدي لهذه التحديات الجمّة، يستوجب جهدا مزدوجا؛ نظريا وعمليا، والتزاما يقوم على الفعل قبل القول. وهذا من المقتضيات التشريعية لمفهوم الواجب في الإسلام، وبحكم أن مخاطبة مجتمع بأكمله، ليست كمخاطبة إنسان واحد، فأُذن المجتمع، وعين المجتمع، أجهزة استقبال جماعية لها خصائصها وقابلياتها، إذ لا تتلقى إلاّ الخطاب الذي استجمع مواصفات البلاغ، وملامسة مختلف مراكز وقنوات ومؤسسات وهيئات هذا المجتمع، مما يقتضي العلم والصبر والدأب، بهدف تحقيق الأهداف سالفة الذكر وغيرها، ومن دواعي الارتياح إعلان أن المركز المذكور سوف يعتمد على الوسائل الآتية: النقد المعرفي؛ القائم على التفكيك والمناقشة والتوضيح، لمختلف المدارس الفكرية المهتمة بالدراسات القرآنية، ولما تصدره من منشورات ودوريات، في الشرق والغرب على السواء، مع العناية بالإنتاج والتوليد المعرفيين، حتى يعود للمرجعية المعرفية القرآنية صفاؤها. نشر البحوث والرسائل والأطروحات المتميزة التي تعنى بالدراسات القرآنية، باللغة العربية أساسا، وبسائر اللغات الحية، ولا سيما منها الإنجليزية والفرنسية والإسبانية. عقد الندوات والمؤتمرات العلمية لمناقشة مختلف القضايا والمستجدات في مجال الدراسات القرآنية، مع الحرص على أن يتم اختيار المواضيع بدقة عالية، حتى نخلص إلى نتائج عملية محددة، وتوصيات علمية معتمدة. إنشاء مكتبة متخصصة في الدراسات القرآنية، بمختلف اللغات الحية، تعمل على حصر شامل لكل ما كتب في هذا المجال قديما وحديثا، مع العمل على تصنيفه، وتبويبه، وفهرسته، ليكون متاحا للدارسين والباحثين في مختلف التخصصات. التنسيق مع أقسام الدراسات الإسلامية، وأقسام العلوم الإنسانية بالجامعات، وطنيا ودوليا، وتيسير عنايتهم بالدراسات القرآنية المنهجية المعرفية، مع إبراز أبعاد ذلك ودلالاته. إنشاء موقع" الدراسات القرآنية المنهجية المعرفية" على شبكة الإنترنت باللغة العربية وبما تيسر من اللغات الحية، يهتم بموضوعات الدراسات القرآنية. إعداد ورعاية أجيال من نوابغ الباحثين، من مختلف بقاع العالم، ومن المملكة المغربية على وجه الخصوص، وتوجيههم للتخصص في الدراسات القرآنية المنهجية المعرفية. إصدار مجلة دورية علمية متخصصة في الموضوع، تتغيى إعادة الاعتبار للدراسات القرآنية المنهجية، وتُعرف بأبحاث ودراسات المركز. تصدير باحث شاب، ويتعلق الأمر بالباحث محمد المنتار، للإشراف على المركز المذكور، مما يمكّن من استشفاف نظرة استراتيجية مستقبلية تراهن على الاستمرارية وطول النفس، في نقل واضح للفصاحة من الألسن إلى الأيدي والأبصار.