كان الفعل النقابي، منذ المهد الوطني، هو المحك والمدرسة للفعل الوطني والسياسي. وفي الاحتكاك مع الشعبة النقابية، تلقى الوطنيون الكبار دروس الواقع الحقيقية وتعلموا أيضا المقاربة المبنية على التحليل الملموس للواقع الملموس. وليس صدفة أن القادة الكبار، كانوا منذ الوعي الأول يدركون أن تأطير العمال وتطوير العمل النقابي هو إحدى المدارس الكبرى لتكوين الذات أولا، ثم تكوين الأنوية الصلبة لحمل المشاريع المستقبلية، سواء تعلق الأمر بالتحرر الوطني أو بالتحرر من أغلال الاستغلال، أو من أجل بناء المجتمع الديموقراطي والعادل. لا نخفي على القراء أن التطورات التي تعرفها بلادنا حديثا كانت وراء سؤال بسيط، وهو ما إذا كانت النقابة والفعل النقابي مازالا قادرين على إنقاذ السياسة ، بالعودة الى بدايات الانحياز الوطني والديموقراطي والتقدمي في البلاد لكل من ارتبط اسمه بهذا الجانب. ليس اعتباطيا أن جزءا من النخبة المغربية، من مستويات ومشارب عديدة ، تربى في الفعل الميداني، طلابيا ونقابيا ومهنيا ومركزيا وعماليا .. إلخ. كما أن حاصل القول هو أن الإطار النقابي شكل شرطا ضروريا للعمل اليساري في العالم وفي المغرب أيضا، بل ارتبط ذلك بتواجد الاحزاب اليسارية والاشتراكية والشيوعية والتروتسكية وما إلى ذلك، وكان وقتها التوجه الدعوي يعتبر أن النقابات، بهذا المعنى، ««حوض من حياض الجحيم، فاجتنبوه لعلكم تفلحون».