أسس ومنطلقات العلاقة بين النقابي والسياسي: )فإن للجذور تأثيرها وامتدادها( كونيا كانت العلاقة بين السياسي والنقابي هي الأصل: عرفت المرحلة التاريخية الممتدة من 1848 إلى منتصف القرن الماضي العلاقة الوطيدة إلى حدود الاندماج بين هاتين الحركتين سياسيا وايدولوجيا واستراتيجيا. و تمكنتا من التعبير عن نفسهما سياسيا، عبر تشكيل حركات جماهيرية نقابية ومطلبية و(أحزاب عمالية أو وطنية جماهيرية) وعلى صعيد عالمي تجلت تلك العلاقة في (الامميتين الاشتراكية والشيوعية بالنسبة للحركة العمالية، وفي حركة عدم الانحياز ومؤتمر القارات الثلاث بالنسبة لحركات التحرر الوطني). في سياق سياسي وتاريخي خاضع لهيمنة هاتين الحركتين ستندمج معظم القوى الاجتماعية الشعبية في المنظمات الجماهيرية لهاتين الحركتين، وقد عزز هذا الارتباط كون الحركة الجماهيرية والعمالية والحركات السياسية الاشتراكية والوطنية استطاعت، نسبيا وبتفاوت، دمج مطالب و تطلعات القوى الاجتماعية الصاعدة بما في ذلك الحركة الفلاحية التاريخية في برامجها الاجتماعية والسياسية حاملتين لمشروع اجتماعي وسياسي تحرري شامل. وتمكنت هاتين الحركتين من إدخال تغييرات بنيوية على النظام الرأسمالي مست كل الميادين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية (ولقد حققت نتائج جد مهمة في مختلف هذه الميادين( ولم تتشكل الحركات السياسية أو النقابية المستقلة إلا في حالات استثنائية، وكحركات هامشية تدور في فلك الحكام أوالقوى المناهضة للثورة... الحركة النقابية وحركة التحرر الوطني: مقدمات ظهور علاقة النقابي بالسياسي وسيعرف المغرب نموذج للتجربة العالمية وبخاصة في هياكل العلاقات وفي الهداف مع بعض التميز في الخصوصية التي تعني هنا الخصاص والتخلف وليس شيئا آخر o تزامن بروز الطبقة العاملة مع التغلغل الاستعماري وبدايات التصنيع وإنشاء المرافق (موانئ/ سكك حديدية/ طرق/ بنى تحتية / مناجم / وأشغال عامة... ( ظهور العديد من القطاعات الخدماتية وما تقتضيه من مستخدمين سواء في القطاعات الخدماتية الحيوية أو التكميلية... )وظيفة عمومية / تعليم / صحة / / أبناك / فنادق / قطاع التجارة...( § بروز البعد التحرري الوطني كأحد الثوابت التي قامت عليها الحركة النقابية في بلدنا كمكون من المكونات الثلاث لحركة التحرر الوطني:)مقاومة، جيش التحرير، حركة جماهيرية( ممثلة في تأسيس الحركة الوطنية ل )نقابة. إ.م.ش 1955( بحراسة من المقاومة نقابة مناضلة § الوعي بالطبيعة الاستغلالية للاحتلال والقهر الاستعماري... مشاركة الحركة النقابية في الكفاح الوطني من أجل الاستقلال جنبا إلى جنب مع حركة التحرر الوطني. ونالت نصيبها من القمع والتصفية... · الحركة النقابية ودولة الاستقلال: علاقة أدت إلى نتائج غير متوقعة · الاستفادة من الحماس الوطني مع إعلان الاستقلال وإغراق التنظيمات النقابية بالعناصر الوصولية والانتهازية باعتماد الولاءات قاعدة لإسناد المسؤوليات... o انخراط الحركة النقابية في بناء دولة الاستقلال الحديثة كمطلب تجسد مع أول حكومة تقدمية... حكومة الاتحاد الوطني ق. ش. التي منحت النقابة الكثير من الإصلاحات في العديد من المجالات دونما نضال آو كفاح )إصلاح نظام الأجور والضمان الاجتماعي وإصلاح قانون الشغل وقانون حوادث الشغل والسلم المتحرك للأجور ...( · تحول النقابة إلى شبه مؤسسة من مؤسسات الدولة والاستفادة من عطاءات الدولة منح وبرص وامتيازات ... الحركة النقابية وبداية التصادم: بين مكونات التحالف السياسي النقابي · بعد انقلاب النظام على الحكومة الوطنية حكومة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وتصميمها الخماسي الأول دولة ذات صبغة مركزية وبيروقراطية انقلبت على البقية الباقية من الإصلاحات التي خلفتها الحكومة الوطنية، دولة يحكمها هرم مخزني على رأسه حكم فردي استفرد بجميع السلط وجمعها في يده... استمرار النظام المخزني يوسع هيمنة دولة السلطة على المجتمع ويسعى إلى الحلول محل مؤسسات الدولة الاعتيادية التي كانت تضطلع بمهام بناء الدولة الوطنية الديمقراطية... تصفية المقاومة وجيش التحرير، إيقاف مسلسل استكمال تحرير التراب الوطني، تعطيل الإصلاحات الديمقراطية ومصادرة و تقييد الحقوق المدنية والسياسية وبداية تصفية للمعارضة التقدمية بالمحاكمات والتآمر والقمع... انسحاب المركزية النقابية من دورها النضالي رغم كونها طرفا قياديا في التحالف السياسي النقابي تركها لحركة التحرر تواجه مصيرها لوحدها، بل تخلفت على العديد من المهام المشتركة للتحالف كمقاطعة الدستور الممنوح والذي كان المشاركة مع التصويت بلا وكاتخاذ موقف من التزوير المفضوح والتخلي حتى عن العمال وهم يفقدون مكاسبهم · وهكذا تحولت العلاقة النقابية السياسية أداة عرقلة وجمود وإنهاك للحركة السياسية والنقابية على حد سواء، فكانت حركة 30 يوليوز 72 وسيلة لتحرير العمل السياسي من المعيقات والمحبطات التي استمر يعيشها بفعل تأثير القيادة النقابية، وبفعل اعتيادات المساومة التي أطلقتها القيادة النقابية منهجا للنضال النقابي، حيث كانت تسخر بعض القيادات النقابية الإقليمية والجهوية لعزل الطبقة العاملة وإبعادها على الكفاح الذي تباشره الجماهير الشعبية باعتماد الانتظارية والمساومة وكل الأساليب الانتهازية ... سمات الانحراف النقابي: الامتيازات، والبيروقراطية إخضاع الحركة النقابية والهيمنة عليها نتيجة ما أغرقت به من عناصر انتهازية، وبواسطة التخويف من القمع، أو من خلال العلاقات الزبونية الحاصلة بفعل ما تم تحقيقه من امتيازات وحوافز... إغراق الجهاز النقابي في القرارات الإدارية وتدبير وتسيير العديد من المؤسسات ذات الإمكانيات المالية الهائلة بل والاقتصادية الريعية من تعاضديات ومكاتب ومؤسسات مما أفرز طبقة بيروقراطية واتكالية مستفيدة من جملة المنافع والمساعدات ومن غياب حرية الرأي بين المنخرطين وغياب المشاركة الديمقراطية في التسيير والتدبير الأمر الذي حول القيادة إمارة مدى الحياة... كانت هذه المقدمات مدخلا للانتقادات التي استمرت توجه للاتحاد المغربي للشغل على اعتبار أنه تخلى عن النضال لأجل تحقيق ملفات الإصلاحات الكبرى المطروحة آنئذ، وتراجعه أمام أول عملية قمع تطول كاتبه العام... وهكذا بقيت التراجعات تتناسل... معارك التصحيح وتأسيس ك.د.ش. على قاعدة إعادة الارتباط بحركة التحرر. § وتأسست الكونفدرالية الديمقراطية للشغل ردا عن الأوضاع التي آل إليها )إ.م.ش( من ممارسات بيروقراطية وباقي النتائج المشار إليها والمبينة سابقا، حصل ذلك بعد استشهاد القائد النقابي والحزبي عمر بنجلون )...( وتأكد للجنة العمالية والنقابية الحزبية استحالة إصلاحه من الداخل... ولم يصبح هذا التنظيم الذي وصف تارة بالتاريخي وأخرى بالتصحيحي بمنأى عن المؤثرات الحزبية مهما حاول المحافظة العلاقة المتوازنة مع مختلف القوى الحزبية لتشاركه ويشاركها النضالات حول الملفات الكبرى المطوحة لبناء الدولة الوطنية الديمقراطية مع المحافظة على الاستقلالية النسبية للتنظيم النقابي اتجاه الأحزاب وأساسا اتجاه الحكم. وسنعود إلى محتوى العلاقة بين السياسي والنقابي ونتائجه. نماذج لتحول العلاقة نحو النقابي والحزبي § كان أول ردود الفعل الحزبية هي رد فعل حزب الاستقلال من خلال الإعلان عن تأسيس إطار نقابي جديد حمل اسم الاتحاد العام للشغالين بالمغرب UGTM و الذي ظل منذ تأسيسه وإلى حدود الآن يمارس العمل النقابي وفق التوجهات الاستقلالية ووفق الرؤى و التوازنات الخارجية و الداخلية لحزب الاستقلال, § وهكذا تأسست بعد انشقاق المؤتمر الاتحادي الوطني عن الاتحاد الإشتراكي أسس هذا الأخير إطارا نقابيا جديدا يحمل اسم الفدرالية الديمقراطية للشغل FDT § ونتيجة خلاف داخل حزب المؤتمر الاتحادي تأسس الحزب الاشتراكي والذي اقتضى وجوده تأسيس نقابة ODT. § وخارج منظومة العائلة اليسارية الاتحادية نشير إلى أن الأحزاب اليمينية بدورها تنشئ نقابات خاصة بها ونعطي مثالا بما قام به حزب العدالة و التنمية حيث انخراط بدوره في المشهد السياسي المغربي بإحياء وضم إطار نقابي قديم نسبيا هو الاتحاد الوطني للشغل UNT والذي كان تابعا لحركة الخطيب § وفي هذه الوضعية التي ساهمت في تمييع النضال والفعل النقابيين نتيجة توالد العيد من الأحزاب التي فرخت بدورها العديد من النقابات حيث أصبح التداخل بين الحزبي و النقابي تعكسه مجموعة من الخصائص والسمات: كاحتلال عناصر القيادات النقابية التابعة مواقع قيادية في الأجهزة المسيرة للأحزاب المشرفة التي خلقتها, وتصبح وثائق ومنشورات النقابات بالألوان المميزة للأحزاب... وظهور القيادات الحزبية تتصدر المناسبات النقابية في تجمعات و استعراضات فاتح ماي... وهذا الخلط والتداخل ميع علاقة النضال السياسي بالنضال النقابي مما تسبب في جعل النضال النقابي يمنى بانتكاسة لا يمكن التقليل من انعكاساتها الخطيرة ... المطلوب النضال من أجل الوحدة النقابية المناضلة § وأعتقد أن الحركات النضالية التي يقودها العمال وشغيلة القطاعات الخدماتية بهذا الإقليم أو ذاك... والتي يحصل فيها التنسيق بين الأجهزة المحلية للنقابات المناضلة وذات التمثيلية مقدمات على طريق النضال الوحدوي النقابي وشعور ينبغي لله أن يتطور ليشمل قضايا الإصلاحات الكبرى السياسية التي تعني الجميع وكذا الملفات المطلبية النقابية التي تعنى بالحياتي اليومي... § والواقع الموضوعي يقتضي أن يلتف العمال والشغيلة حول نقابة مناضلة ومستقلة على الطبقات المستغلة لأجل مطالبهم النقابية الحياتية لأن مصالح العمال واحدة باختلاف انتماءاتهم و توجهاتهم الأيديولوجية والعقائدية. وفي نفس الآن يمكنهم أن يلتزموا بانتماءاتهم السياسية والإيديولوجية علما أن قضايا بناء الدولة الوطنية الديمقراطية تكون مطلبا مشتركا بين مختلف الأحزاب المتقاربة والنقابة إذ يحصل حولها الإجماع نقابيا وحزبيا... وفي اعتقادي أن الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد المغربي للشغل يشكلان قاعدة هذه الوحدة وعلى باقي النقابات الحزبية المنتسبة لنفس العائلة أن تنضم بكل نضالية ونكران الذات ضدا على العقلية الحزبقراطية ... ولأجل مصلحة الوطن والمصير المشترك توجهات إستراتيجية لعلاقة الضال النقابي بالسياسي ضرورة النضال لإيقاف جبهات الهجمات 1- جبهة الهجوم الاقتصادي: حيث يتركز هجوم الدولة و البورجوازية المالية والصناعية حول مجموعة أهداف منها تقليص وعاء الأجور. والتراجع عن المكتسبات القانونية للعمال والشغيلة بتفكيك التشريعات المنظمة لعلاقات الشغل باعتماد ما يسمى (المرونة)، وإعادة النظر في قانون الوظيفة العمومية والقوانين الأساسية للموظفين. و فرض مزيد من القيود على الحريات النقابية وإفراغ التمثيلية النقابية من محتواها والحد من الحق في الإضراب و قمع النضالات وتجريم الحركات الاجتماعية. 2- الهجوم الاجتماعي: يتركز الهجوم الاجتماعي خلال العقدين الأخيرين حول هدف تقليص الميزانيات الاجتماعية والاستثمارات العمومية خاصة المرتبطة منها بالبنيات والمرافق المنتجة للخدمات العمومية. والبنيات التحتية. ويترج هدا الهجوم من خلال التقليص التدريجي للموارد المالية الموجهة نحو الاستثمار والميزانيات الاجتماعية وخوصصة الخدمات العمومية ورسملة الحماية الاجتماعية وتفكيك صندوق الموازنة والمقاصة وتحرير أسعار المواد والخدمات ذات الاستهلاك الشعبي الواسع والإصلاح الرجعي للنظام الضريبي... 3- الهجوم السياسي: يستهدف الهجوم السياسي خلال العقدين الأخيرين باستفادة من انغلاق الحياة السياسية ومنع تشكل فضاءات للحرية والنقد تسمح بتطور قوى سياسية واجتماعية مستقلة عن النظام السياسي. ويدمج الهجوم السياسي بين آلية الاحتواء و الارتشاء. ويترجم هدا الهجوم السياسي من خلال إعادة صياغة القوانين المنظمة للحريات العامة وحرية التعبير، في اتجاه مزيد من القيود على الممارسة الإعلامية وتسييج الحياة العامة والحياة السياسية من خلال سن تشريعات قمعية جديدة (قانون مكافحة الإرهاب والهجرة السرية والسكن العشوائي و التهريب والمخدرات والباعة المتجولين....) و تقليص هامش الحريات الفردية من خلال توسيع مجال "المقدسات" واستخدام مبرر خطر الإرهاب لإرهاب المجتمع وفرض حالة استثناء غير معلنة. الخلاصة: - إرساء قواعد نظام الدولة البوليسية ... نعتقد أننا لسنا بصدد التراجع عن وضعية الربط بين النضال النقابي والسياسي لأن المرحلة تقتضي فيما تقضيه الخروج من وضعية التمزق نحو الالتحام النضالي والوحدة التنظيمية وتمثين أسس التلاقي على قاعدة برنامج نضالي سياسي نقابي جماهيري لتحقيق البديل المرحلي المتمثل في: ضرورة النضال لتحقيق البديل المرحلي: إعادة النظر في أسس بناء الدولة نحو الدولة الديمقراطية الوطنية على قاعدة دستور ديمقراطي ينظم علاقة الدولة بالمجتمع من خلال الإقرار بالحريات وبناء القواعد الديمقراطية والاعتراف باستقلالية المجتمع المدني... إقرار سياسة تحقق التنمية الشاملة على قاعدة اختيارات اقتصادية واجتماعية ذات بعد استراتيجي.تحرري ... o تنزيل الحوار الاجتماعي منزلة الخيارات الوطنية للدولة و مأسسته و توفير الآليات لمتابعة نتائجه وفق قواعد ديمقراطية سواء عند رسم السياسات ووضع القرار أو عند متابعة التنفيذ باعتباره ضرورة للتنمية والاستقرار والعدالة الاجتماعية . تأسيس قواعد للعلاقة المبدئية والتشاركية بين الأطراف الاجتماعية وتنظيماتها الجماهيرية نقابات وجمعيات والقوى السياسية من أجل توازنات اجتماعية جديدة يحكمها ميثاق مشترك حول الإصلاحات الكبرى المشار إليها لأجل بناء المجتمع الديمقراطي الحر والعادل... مع احترام استقلالية النقابات وعدم التدخل في شؤونها التنظيمية واختياراتها