بمجرد الإعلان عن الاستقلال سنة 1956 كان هناك حرص على بناء منظومة للتعليم العالي باعتبار ذلك مندرجا في إطار بناء هياكل الدولة في مغرب ما بعد الاستقلال. و تجسد هذا الحرص في إحداث اول جامعة مغربية بمفهومها العصري سنة 1957 وهي جامعة محمد الخامس بالعاصمة الرباط، و قد توالى بناء هذه المنظومة ليصل سنة 1964 إلى 13 مؤسسة جامعية. منذ البداية كان تدبير منظومة التعليم العالي محكوما بالرغبة في إقامة سلطة مركزية تحتكر القرار كيفما كانت طبيعته بما فيما ذلك القرار التربوي من جهة و مراقبة كل شيء من جهة أخرى. هذا المنطق هو الذي كان وراء «مركزة» منظومة التعليم العالي حيث أقيمت اغلب المؤسسات الجامعية بالعاصمة الرباط رغم أن عدد الطلبة تضاعف بين 1957 و منتصف السبعينيات من القرن الماضي إلى 12 مرة. إن رهان السلطة السياسية على منظومة التعليم العالي على مستوى تزويد الهياكل الجديدة للدولة بالأطر و الاديولوجيا الرسمية سرعان ما تبينت محدوديته و كانت والى مداخله الاعتقالات التي طالت صفوف المعارضة الاتحادية سنة 1963 و التي شملت قيادات طلابية بارزة، لقد انتبهت السلطة الحاكمة إلى حقيقة مفارقة تتمثل في كون منظومة التعليم العالي أضحت معقلا لإنتاج المعارضة السياسية للنظام القائم سواء في صيغتها الإصلاحية او في صيغتها الجذرية، هذه الحقيقة هي التي تفسر تلك السياسة المثيرة للاستغراب و المتجسدة في عدم إحداث أية مؤسسة جامعية جديدة بين سنوات 1964 و 1977 رغم تضاعف أعداد الطلبة بشكل كبير. لقد اعتبرت السلطة الحاكمة منظومة التعليم العالي رافدا من الروافد المعارضة السياسية أكثر منها مشتلا لتكوين الأطر سواء تعلق الأمر ب»النقابة الوطنية للتعليم العالي» الممثلة لهيئة التدريس أو تعلق الأمر ب»الاتحاد الوطني لطلبة المغرب»، وهو ما يفسر تلك العلاقة المتشنجة بين السلطة و الهيئتين التمثيليتين المشار إليهما، و على سبيل المثال فإن السلطة السياسية سعت إلى استصدار حكم قضائي بحل «الاتحاد الوطني لطلبة المغرب» و هو ما لم يستجب له القضاء سنة 1964، قبل أن تقدم على منعه بتاريخ 24 يناير 1973. إذا كانت مرحلة 1957 و 1975 بمثابة لحظة تأسيسية لمنظومة التعليم العالي، فإن تدبير هذه اللحظة أنتج العديد من المفارقات و افرز الكثير من السلبيات دفعت كل القوى السياسية و النقابية ذات الصلة برفع شعار «الإصلاح الجامعي» و إن كان تصور السلطة السياسية للإصلاح يختلف في العمق عن تصور المعارضة السياسية. يمكن اعتبار ظهير 25 فبراير 1975 أول خطوة كبيرة في اتجاه الإصلاح الجامعي من منظور السلطة الحاكمة، فهو أول قانون منظم للجامعات بشكل شمولي، و رغم تشابه عديد من مقتضياته بقانون التوجيه الجامعي الذي اعتمدته فرنسا سنة 1986، غير أن رهاناته كانت مختلفة عن رهانات ذلك القانون ، فظهير 25 فبراير 1975 و باسم الإصلاح الجامعي كان يروم بلوغ رهاني المرحلة التأسيسية لمنظومة التعليم العالي و المتجسدين في جعل المؤسسات الجامعية آليات لتصريف الايدولوجيا الرسمية من جهة و تزويد الدولة بالأطر التي هي في حاجة إليها من جهة أخرى. فتكوين الأطر كان من المهام الأساسية التي أناطها ظهير 25 فبراير بالجامعة إضافة إلى مهام تلقين التعليم العالي و القيام بالبحث العلمي والمساهمة في نشر المعرفة و الثقافة . يبدو ظهير 25 فبراير 1975 في ظاهره خطوة إصلاحية باعتماد خيار اللامركزية الجامعية حيث نص على تمتيع المؤسسات الجامعية بنوع من الاستقلالية. غير انه في جوهره كان إجراء للتحكم في منظومة التعليم العالي بأسلوب جديد حيث يرتكز على الضبط و التحكم؛ فهذه اللامركزية الجامعية التي اعتمدها ظهير 25 فبراير 1975 كانت محكومة بمنطق مركزي مبالغ فيه ؛ حيث يعين المسؤولون على المؤسسات الجامعية مباشرة من قبل السلطة الحكومية ذات الصلة و تكمن صلاحيتهم في تنفيذ توجهات هذه السلطة. رغم الانتقادات الموجهة لظهير 25 فبراير منذ صدوره ، فقد وجدت السلطة الحكومية ذات الصلة صعوبات في تنزيله على ارض الواقع ، و لم يشرع في تجسيده عمليا إلا بعد مرور حوالي 12 سنة من صدوره . إن تعثر تنزيل مقتضيات ظهير 25 فبراير يفسر بعديد من المتغيرات السياسية و السوسيو اقتصادية التي عاشها المغرب أواخر السبعينيات و خلال ثمانينيات القرن الماضي مما جعل ما اعتبر إصلاحا جامعيا سنة 1975 أمرا متجاوزا هو بدوره في حاجة إلى إصلاح و في هذا الإطار تندرج بعض مشاريع الإصلاح الجامعي التي ارتبطت بأسماء بعض الوزراء المشرفين على القطاع كمشروع الطيب الشكيلي الذي عبرت عنه بشكل جزئي مراسيم 18 يناير 1991 أو مشروع محمد الكنيدري الذي ترجمته جزئيا مراسيم 15 فبراير 1993. إذا كانت المرحلة الممتدة مابين 1957 و 1975 لحظة تأسيسية لمنظومة التعليم العالي، و إذا كانت المرحلة الممتدة بين 1975 و بداية التسعينيات لحظة لقتل السياسية داخل المؤسسات الجامعية، فإن مرحلة جديدة( بدأت منذ مطلع التسعينيات و تستمر إلى الآن يراد من خلالها أن يخدم الإصلاح الجامعي هدفا سياسيا جديدا متمثلا في تكريس الخيار الليبيرالي أو تكريس اقتصاد السوق من خلال عديد من الآليات من بينها المؤسسات الجامعية. تجد هذه المرحلة أساسها الدستوري فيما نص عليه دستور 1992 حول حرية المبادرة الخاصة في فصله الثالث عشر، و في إطار هذا الخيار كان حرص السلطة السياسية على التعامل بشكل إيجابي مع تقرير البنك الدولي حول أوضاع التعليم العالي في المغرب سنة 1995. فالتقرير في عمقه كان يروم جعل المؤسسات الجامعية دعامة أساسية من دعامات بناء اقتصاد السوق، ومادام أن تقرير البنك الدولي يدعو إلى التوافق بين الأطراف المعنية بالعملية التربوية حول الأهداف، فقد سعت السلطة الحكومية ذا الصلة إلى فتح حوار مع «النقابة الوطنية للتعليم العالي» أفضى إلى «أرضية توافقية» تضمنت في «وثيقة المبادئ» من جملة ما تضمنت ضرورة ترسيخ التمثيلية الانتخابية للأساتذة و الطلبة. إن رهان الدولة مع مطلع التسعينيات المتمثل في بناء أسس اقتصاد السوق بعد تنصيص دستور 1992 على حرية المبادرة الخاصة و صدور تقرير البنك الدولي سنة 1995 هو الذي حدد توجهات مشروع الإصلاح الجامعي الذي قدمه ادريس خليل و الذي ترجمته بشكل جزئي مراسيم 19 فبراير 1997 المتعلقة بإصلاح نظام الدراسات العليا و النظام الأساسي للأساتذة الباحثين و هو الرهان نفسه الذي حدد توجهات «الميثاق الوطني للتربية و التكوين» الذي شكل مرجعية قانون رقم00.01 أو ما يسمى بقانون الاصفار الثلاثة .