يتابع المغاربة، بكيفية متأنية وجدية، تطورات الوضع في تونس، وبالأخص تطورات قضية اغتيال المناضل اليساري شكري بلعيد. ولاحظت أن كل النقاشات التي تفتحها القنوات التونسية الفضائية أو الدولية، مثل «فرانس 24»، لا تخلو من مشاركة مغربية متواصلة ودقيقة، تكشف الأسئلة التي يطرحها الملاحظ المغربي أنها مشاركة العارف والمتتبع .. والحائر. وقد تابع المغاربة، سياسيين وإعلاميين ومواطنين عاديين، الكشف عن الذين اغتالوا شكري بلعيد، ويتابعون أطوار مطاردة الجاني الرئيسي. حقيقة الأمر أن الخلية التي قامت بالجريمة النكراء، يراد أن تقدم على أنها من صنع التيار السلفي الجهادي، والحال أن أعضاء منها تابعون إلى الميليشيات التي سمت نفسها لجن حماية الثورة، وهي لجن يعرف الجميع في العالم أنها من إنشاء النهضة، وتدبير النهضة، والمسؤولية السياسية والتأطيرية فيها تعود إلى حزب النهضة الحاكم. لقد أطلق النقابي التونسي حفيظ حفيظ، المساعد الأول للأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر نقابة وأقوى هيئة تمثيلية ومدنية في بلاد بورقيبة، قنبلة حقيقية عندما قال إن إرهابيا سابقا في الجزائر يتولى اليوم إدارة المخابرات في بلاد تونس. وهو تصريح يحمل كل الخطورة، ومدى تغلغل التيار الإرهابي في دواليب الدولة. والذين يعتبرون أن السلفيين هم مجرد أكوام من العقد تتجول بقمصان أفغانية واهم. والذين يعتبرون أن مشروعهم غير مشروع النهضة واهم، مرتين. مازلنا نذكر الفيديو الذي دار في الكرة الأرضية، والذي يتحدث فيه راشد الغنوشي إلى جماعة السلفيين. وفحوى الحديث، بكل تلخيص مفيد، هو «مشروعنا هو مشروعكم». والاختلاف في التنفيذ لم يكن أبدا مجرد فرق كبير ولا إلحاح قوي من طرف زعيم النهضة. لقد كان الاغتيال خطة مشتركة بقيمة واحدة، ويبدو أن هذا التحالف ليس تحالفا بقدر ما هو تركيب للأدوار، وترتيب أولويات ما بين القتل بالرصاص والقتل بالذبح أو الاغتيال الشامل لكل صاحب رأي مخالف. ما يقع في تونس يعنينا، ويعنينا لا كدولة تتابع مختبرا حيا، تتابع التاريخ وهو يمكر بالحداثة وبالعصر الحالي، بل أساسا كمشروع له ارتداداته في كل دول الجوار. لقد كان بورقيبة مقتنعا للغاية بأن نموذجه في تدبير الاستقلال كان هو النموذج الذي اتبعه المغرب فيما بعد بسنتين. وبذلك كان يواجه خصمه اللدود ابن يوسف.. وهو اعتقاد نظنه مازال ساريا بكيفية أخرى لدى النخبة الأوصولية التونسية، التي تعتبر نموذجها قابلا للتصدير، وربما تعتبر أن الثورات كلها، والتحولات كلها جاءت بإرادة من النهضة، وسرت في العالم سريان النار في الهشيم. وهو تسويق خطير الدلالة، لا يعفينا من التتبع الجيد لأحداث تونس، في تفاعلات السياسة والعلاقة بين مكونات المجتمع وفي تتبع أشكال المقاومة والصراع الفكري والمجتمعي لوقف الزحف الدموي الإرهابي. لدينا سلفيون في أحضان الدولة اليوم، ويستقبلون باسمها، بعد الذي تم وبعد الشرارات التي تطلق هنا وهناك. وإذا كان الفنانون والفنانات ورجال السينما هم الهدف المعلن لدى التيارات المتزمتة والرجعية، فإن الحقيقة هي أن القطاعات المنتجة، رمزيا وفكريا، قادمة لا محالة في اللائحة. فكلما رأت التيارات المتزمتة رأسا تفكر أو تبدع تحسست سكاكينها تحت الجلباب الأفغاني تارة، وفي جيب البذلات العصرية تارة أخرى..