يجمع رجال القانون من خلال جمعياتهم المهنية، على أن أخطر مشكل يواجهه القضاء هو عدم تنفيذ الأحكام ليس فقط من طرف الافراد والجماعات والمقاولات، ولكن كذلك من طرف الدولة، ممثلة في السلطة التنفيذية والمؤسسات العمومية التابعة لنفوذها وسياستها. كما يؤكد القضاة أنفسهم أن ما يشوش على صورة السلطة القضائية لدى المتقاضين خاصة وعموم المواطنين عامة، هو الحصول على حكم بالحماية وإرجاع الحقوق، والتعويض عن الضرر، دون تمكن المحكوم لفائدته من الاستفادة من منطوق هذا الحكم لامتناع المحكوم ضده عن التنفيذ، مما يؤدي الى الشك في القاضي وفي الدولة وعدم الثقة فيهما. وقد وقفنا خلال ممارستنا الصحفية داخل المحاكم، زيادة على ما نتوصل به يوميا وباستمرار من مراسلات المتقاضين بخصوص التظلم من عدم التنفيذ الاحكام، يليها التظلم من حكم غير مصادف للصواب - حسب المتقاضي - فالتأخيرات المرتبطة بمسطرة التقاضي التي هي ضرورية لكن المتقاضي يجعلها ويرتب عليها بعض السلبيات، وأخيرا ادعاء الوساطة والتدخلات وعدم الموضوعية والرشوة. ويمكن القول إن تجربة قاضي التنفيذ كانت إيجابية في بدايتها إلا أنها عرفت هي الاخرى، مثل العديد من محاولات الاصلاح التي دشنها كل وزير على حدة خلال العشرين سنة الماضية، عرفت مجموعة من العراقيل من بعض مساعدي القضاة المفروض فيهم التمسك بالقانون بدل التعامل بمنطق الزبون، وبعض المتقاضين الذين يصرون على خرق القانون بالتحايل عليه. ونعتقد أن من بين ما زاد الطين بلة في ما يخص مبادرات إصلاح القضاء خلال هذه المدة هو أن كل وزير يظن أن برنامجه هو لوحده كفيل بإصلاح المنظومة القضائية المتعددة الفرقاء، فيتم إقصاء البعض، أو إنزال الاصلاح من الفوق، فيكون رد الفعل من طرف من يعتبر أن وجهة نظره لم يتم الاستماع اليها وبالأحرى الاخذ بها، يكون سلبيا على العملية كلها. وقد تراكمت الاقتراحات، ومشاريع الاصلاح التي أنجزتها الوزارة، وجمعية هيئات المحامين وجمعية «عدالة» ، وغيرها من القطاعات المرتبطة في وظيفتها بالعدالة، وجمعيات المجتمع المدني، ومع ذلك فإن تجارب النجاح في تنفيذ الاحكام كان شبه منعدمة لا في ما يخص الاتفاقات المبرمة مع شركات التأمين من أجل تخصيص ميزانية سنوية لأداء تعويضات أحكام حوادث السير. و حوادث الشغل، ونزاعاته، والتجربة الرائدة للمحكمة الادارية بالدار البيضاء، بمبادرة من الأستاذ فكير عبد العتاق التي توصل من خلالها الى اتفاق مع بعض المؤسسات العمومية وشبه العمومية على تنفيذ الاحكام الصادرة ضدها. اليوم، خطة إصلاح منظومة العدالة التي فتحت أمام الجميع وحلت بكل المحاكم ستعقد آخر لقاءاتها قريبا، وسيكون لموضوع تنفيذ الاحكام مكانة خاصة جدا إذ بدونه سيتهدر المجهودات البشرية والمصاريف المالية، وستبقى دسترة السلطة القضائية مجرد حبر على ورق، وكما هي اليوم القواعد العامة بشأن التنفيذ الجبري للاحكام المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية. (من الفصل 428 الى الفصل 451) بما فيها الصيغة التنفيذية المنصوص عليها في الفصل 433 الآمرة ب »بناء على ذلك يأمر جلالة الملك جميع الأعوان ويطلب منهم أن ينفذوا الحكم المذكور (او القرار) كما يأمر الوكلاء العامين للملك ووكلاء الملك لدى مختلف المحاكم ان يمدوا يد المعونة لجميع قواعد وضباط القوة العمومية وأن يشدوا أزرهم عندما يطلب منهم ذلك قانونا«. إذا كنا بالفعل نريد إقامة حكم القانون الذي تسهر عليه السلطة القضائية، فلابد من العمل على إعادة الثقة في القاضي الذي أعطاه المشرع سلطة البراءة والادانة والتمتيع بظروف التخفيف من العقوبة من عدمها، لأن هيبة الدولة من هيبة القاضي.