لقد مرت اليوم سنة كاملة على انتخابات 25 نونبر التي اعتبرناها تاريخية بالنظر للظروف السياسية والاجتماعية التي جرت في ظلها، وبالنظر للإطار الدستوري الجديد والمتقدم الذي أطرها، وبالنظر للتعبئة السياسية التي ميزت المرحلة سواء في ما يتعلق بسلوك الناخبين أو السلطات على حد سواء. وعلى الرغم من النتائج التي لم تكن في صالح حزبنا، فقد نوهنا في حينه بهذه الانتخابات واعتبرناها تشكل المدخل الممكن لتناوب ثاني ببلادنا، وهو التحليل الذي جعلنا نختار المعارضة احتراما للإرادة الشعبية وإتاحة الفرصة لفاعلين جدد يدعون قدرتهم على تحقيق التغيير ومحاربة الفساد والاستبداد. ولقد أشرنا في حينه على تهافت خطاب الحزب المدعي، ونبهناه إلى أن الأطروحة الدعائية التي بنى عليها حملاته الانتخابية غير واقعية و لا تحمل في طياتها برنامجا قابلا للتفعيل. كما حذرناه من أن خطابه الشعبوي تارة والميال لاستغلال العاطفة الدينية أحيانا أخرى يحمل في طياته مخاطر عديدة من ضمنها شحن الفئات الشعبية بأوهام وشعارات ستصطدم لا محالة بعناد الواقع وتؤدي لا قدر الله إلى كوارث ناتجة عن اليأس والإحباط. واليوم ونحن نودع السنة الأولى بعد هذه الانتخابات يحق لنا الشروع في تقييم موضوعي لهذا الاستحقاق الوطني بعد هذه المسافة الزمنية الموضوعية، ويحق لنا مساءلة الحزب الذي تبوأ الصدارة وتحمل مسؤولية تدبير الشأن العام. فالشعار المركزي الذي أطر الحملة الانتخابية للحزب الأغلبي كان هو "محاربة الفساد والاستبداد" فإلى أي حد تمكن بعد سنة من التسيير من الشروع في تحقيق هذا الشعار على أرض الواقع؟ وإذا كان من باب الموضوعية ألا نطالب هذا الحزب بحصيلة خارقة على هذا المستوى، فإننا على أقل تقدير نطالب بالخطة التي أعدها والإستراتيجية التي هيأها والمنهجية التي يسلكها لمحاربة الفساد. وهو ما نظن أنه ليس مطلبا تعجيزيا، وإلا فإن الشعار الكبير الذي رفع في الحملة الانتخابية لم يكن إلا سلوكا سياسويا وشعبويا للإستهلاك واللعب على عواطف الطبقات الشعبية المحرومة. ومع كامل الأسف, فإننا لم نلمس طيلة السنة الماضية أية استراتيجية معلنة ولا خطة واضحة ولا منهجية معقولة لمحاربة الفساد. وكل ما تابعناه هو نشر لائحة لأسماء المستفيدين من مأذونيات النقل، وتم نشرها دون مرافقتها بتدابير وإجراءات عملية للقطع مع هذا النوع من الامتيازات الذي شكل منهجا في الحكم لعقود وكان الإتجاه العام يسير بشكل تدريجي نحو القطع معه منذ حكومة التناوب. وعلى الرغم من تنبيهنا للحكومة من لا جدوى مثل هذه الخرجات الإعلانية المستهلكة والتي أثارت حفيظة حتى بعض مكونات ألأغلبية، فإن الحكومة لم تجد بديلا عن هذا الحل السهل واستمرت فيه عبر نشر لائحة المستفيدين من المقالع بل بشكل أكثر كاريكاتورية, حيث أخرت النشر لشهور وخرجت اللائحة غامضة تحمل في غالبها أسماء شركات. إننا نطالب الحكومة باختصار، أن توضح لنا منهجيتها في محاربة الفساد، الذي نظن أن القضاء عليه يتطلب استراتيجية محكمة وشاملة تمتد على مراحل زمنية وفق خطة وبرنامج عمل شجاع يمزج بين التصور الواضح والتحرك الميداني بشراكة مع الفاعلين المؤسساتيين والنسيج المدني. ولقد لاحظنا أن السيد رئيس الحكومة أدرك متأخرا هذه الحقيقة فأصبح يهرب إلى خطاب تبريري يستعمل لغة العفاريت والتماسيح بدل تصحيح مسار حكومته وعقلنة برنامجها قبل فوات الأوان. إن ما يحز في نفوسنا، كفريق اشتراكي، أن ما نقف عليه في تقييمنا اليوم من تردد حكومي، ومن غموض في التدبير، ومن ارتجالية في التعامل مع الملفات الأساسية... وغيرها من مظاهر الهشاشة في التحالف الحكومي، والهواية في تدبير القطاعات إلى درجة أن بعض الوزراء يهددون باستقالتهم كلما واجهوا مشاكل أو صعوبات وكأننا أمام أطفال ضيقي النفس وليس أمام سياسيين ووزراء مسؤولين ... إن ما يحز في النفس، أن كل ذلك يتم في ظل دستور جديد ومتقدم بنى عليه المغاربة آمالا كبرى وهم الذين ناضلوا وضحوا لعقود طويلة من أجل إقرار مقتضيات دستورية تعيد ترتيب السلطات وتحقق توازنها وتقوي المؤسسات ومن ضمنها البرلمان والحكومة ورئاستها التي ناضلنا في الاتحاد الاشتراكي بكل تجرد وموضوعية من أجل تقويتها وإعطائها الصلاحيات اللازمة للقيام بأدوارها وتحمل مسِؤولياتها. لكن الملاحظ اليوم أن السيد رئيس الحكومة لا يكلف نفسه عناء تفعيل اختصاصاته وصلاحياته الدستورية والمؤسساتية بل إننا نلاحظ أنه يتجه نحو التراجع عن المسار الدستوري الذي يقوي المؤسسات ويحيل على القوانين التنظيمية الكفيلة بصيانة هذا التوجه وترسيخه. وبكل أسف, فإن أول امتحان أمام السيد رئيس الحكومة هو القانون التنظيمي الذي تخلى بموجبه عن التعيين في عدد من المؤسسات مما يعد خطوة تسير في اتجاه يخالف صراحة مسار الدستور الجديد وهو ما نعتبره مؤشرا سلبيا في هذه المرحلة الانتقالية التي نؤسس فيها لنقلة دستورية متكاملة عبر عدة قوانين تنظيمية ومنظومة تشريعية من المفروض أن يؤطرها التأويل الديمقراطي للدستور. ومن المفارقات التي سجلناها في هذا الإطار أننا كنا في هذه المحطة أيضا من أشد المدافعين على اختصاصات السيد رئيس الحكومة عبر اقتراح تعديلات تمنحه صلاحيات التعيين في عدد من المؤسسات التي أعدنا تصنيفها بشكل موضوعي، لكن الغريب أن تعديلاتنا رفضت من طرف الحكومة التي فضلت الاستمرار في الانتكاسة نحو التأويل غير الديمقراطي للدستور. واليوم ونحن نناقش مشروع ميزانية 2013 وهي ثاني ميزانية نتدارسها في ظل الحكومة الجديدة والدستور الجديد، فإننا نقوم بهذه المهمة البرلمانية الرئيسية في غياب أهم قانون تنظيمي يؤطر إعداد الميزانية وتقديم دراستها أمام البرلمان وتحديد شروط وآجال دراستها. وعلى الرغم من وعود الحكومة بأن يشكل إصلاح القانون التنظيمي للمالية أولوية لديها، بل إنها حددت سنة 2012 كتاريخ لهذا الإصلاح، فقد نكثت الوعد و أخلفت الموعد، وها نحن نناقش وندرس مشروع القانون المالي وفق الشروط الدستورية والتنظيمية لما قبل دستور 2011. هذا في الوقت الذي كان فيه هذا المشروع الأساسي جاهزا ومعدا من طرف الحكومة السابقة، لكن حكومتكم أخرته السنة الماضية بدعوى تحيينه و ملاءمته مع الدستور، وها هي تأخره هذه السنة من جديد بدعوى التشاور والإشراك والحال أن عملية التشاور كانت قائمة ولم تعمل الحكومة على استثمارها بالشكل الناجع منذ شهور. السيد الوزير، إذا كانت هذه هي الوثيرة التي ستسيرون بها من أجل إقرار أزيد من عشرين قانون تنظيمي نصت عليها الوثيقة الدستورية، فما نظن أنكم ستتمكنون من إنجازها في الوقت المحدد لها وهو نهاية ولايتكم الحالية. فها قد مرت سنة كاملة من هذه الولاية ولم تستطيعوا إخراج إلا قانون تنظيمي يتيم يتعلق بالتعيينات، وقد أخرجتموه في حلة محافظة تتعارض مع المنطق الدستوري الجديد. إننا نطالبكم بتفعيل المقاربة التشاركية التي جاء بها الدستور، والتي ادعيتم من خلال تصريحكم الحكومي أنكن ستعتمدونها في التعامل مع مكونات البرلمان خاصة المعارضة التي بوأها الدستور مكانتها اللائقة في المؤسسة البرلمانية. إننا كفريق برلماني أساسي ضمن مكونات المعارضة لم نر منكم طيلة السنة الماضية أية مبادرة تشركنا كقوة اقتراحية، بل ولم نلمس منكم حتى إرادة الإشراك التي عبرتم عنها في خطاباتكم وتصاريحكم وأنتم اليوم ملزمون طبقا لمنطوق الدستور. فحتى المخطط التشريعي الذي تتحدثون عنه منذ شهور وتروجون له كمنجز حكومي غير مسبوق، لم نشرك لا في إعداده وتهيئه، ولا في الحوار الوطني المفروض حوله في هذه المرحلة الإنتقالية، ولا حتى استشرنا في تسطير أولوياته، وها نحن ننتظر إحالته علينا منذ عدة أشهر ولم نطلع على بعض خطوطه العريضة إلا عبر الصحافة الوطنية كما وقع بالضبط بالنسبة لتصريحكم الحكومي الذي ادعيتم أنه وقع تسريبه. إننا نظن أن منطق الدعاية الإعلامية والتسريبات سواء بالنسبة لتصاريحكم أو مخططاتكم أو حتى نشر اللوائح التي تسمونها محاربة للفساد، قد أصبح منهجا حكوميا لا نشجعكم على الاستمرار فيه لأنه لن يعود بالنفع على بلادنا ولن يفيدكم طويلا في الهروب من مواجهة الواقع وتحمل مسؤولياتكم بكل شجاعة. إن النزعة الإقصائية والهيمنية أصبحت تستفحل وتطغى على تسييركم الحكومي وعملكم البرلماني، ولا أدل على ذلك من مسارعتكم إعداد مقترحات قوانين تنظيمية والتسرع بوضعها باسم فريقكم في مجلس النواب وهي النصوص التنظيمية التي تعد امتدادا للدستور واللازم فيها اعتماد مقاربة تشاركية بين البرلمان والحكومة وحتى الأحزاب غير الممثلة بالبرلمان والنقابات وتنظيمات المجتمع المدني. فهل المشكل يتعلق بتحرير مقترحات والإسراع لتحقيق السبق بها واستغلالها بشكل سياسوي؟ إن المفارقة الكبيرة أننا لسنا وحدنا من يشكو إقصاء حكومتكم وتغييبها للمقاربة التشاركية، فحتى أطراف من أغلبيتكم تنعتكم بذلك وتشكوكم بشكل علني، ناهيك عن مكونات المجتمع المدني التي يؤكد الدستور على مبدأ وأسلوب إشراكها، وغيرها من أحزاب ونقابات تنصلتم حتى من الالتزامات والوعود المقطوعة معها، بل إن الإقصاء وغياب ثقافة الإشراك طال حتى بعض مؤسسات الحكامة وهي الشريك المؤسساتي الذي لا غنى عنه. واليوم، ها نحن نسمع أحد مسؤولي فريق حزبكم بمجلس النواب يطعن في شرعية مجلس المستشارين ويشكك في دستورية دراسته لمشروع الميزانية. بل إن السيد وزير العدل استغل جلسة الأسئلة الشفوية ليطعن في دستورية مجلس المستشارين. أفلا يعبر هذا عن استشراء ظاهرة الإقصاء بشكل مرضي ضمن أطراف ومفاصل ومكونات حزبكم. فحتى المؤسسة البرلمانية تريدون إقصاء نصفها وحرمانه من حقه الدستوري في دراسة ميزانية الدولة والقانون المالي الذي يؤطر المالية العمومية طيلة السنة. إننا نستغرب لهذا التهجم السافر على المؤسسات، وإننا سنواجه مثل هذه الدعوات التحريضية وهذا التوجه الإقصائي الممنهج بكل ما أوتينا من قوة, سواء كمعارضة من داخل البرلمان أو كحزب تقدمي اشتراكي يؤمن بالحوار وبالإشراك وناضل من أجل الديمقراطية والمؤسسات وضحى بمناضليه وقادته من أجل سيادة الديمقراطية وحقوق ألإنسان في بلادنا، وبفضل هذه النضالات تمكنتم اليوم من ترؤس هذه الحكومة التي لن نسمح لها بالتراجع عن هذا التوجه الديمقراطي الحداثي الذي راكمته بلادنا طيلة عقود من التضحيات. وحتى إن كانت بعض الملاحظات تخص مجلس المستشارين، فإننا نحملكم المسؤولية في تأخركم في إجراء ما يلزم من استحقاقات انتخابية محلية ومهنية وغيرها من أجل تمكين البرلمان المغربي من تجاوز المرحلة الانتقالية التي ينص عليها الدستور والتي أطلتم أمدها بسبب تدبيركم الحكومي الذي لم يركز على الأولويات. إنكم السلطة التنفيذية والتنظيمية الموكول إليها السهر على توفير الشروط الضرورية لقيام المؤسسات بأدوارها ومهامها الدستورية. ونتمنى رغم عثراتكم المتكررة أن تسهروا على توفير الشروط الضرورية والموضوعية لقيامنا بمهامنا كمؤسسة برلمانية لها أدوارها الدستورية الرقابية والتشريعية والدبلوماسية بما يمكن مؤسسة البرلمان من استكمال أشواط التحول الدستوري والمؤسساتي الذي ليس تغيير دستور 2011 إلا انطلاقة له. وفي هذا الإطار، فإننا بمناسبة المناقشة العامة لمشروع الميزانية نثير انتباهكم إلى أننا نسائلكم حول سياستكم العامة وحول الإصلاحات الكبرى التي دشنتها بلادنا منذ سنوات والتي انتم اليوم مؤتمنون على استكمالها بكل حكامة، وحول المؤشرات العامة التي حققت فيها بلادنا تقدما وتلك التي كنا في طريق انجازها لتكون بلادنا في مكانها الدولي المرموق... أما الميزانيات القطاعية والبرامج الفرعية والسياسات الحكومية التدبيرية فسنتركها خلال الدراسة التفصيلية لمواد المشروع المالي ولباقي اللجان القطاعية خلال دراستها لميزانيات الوزارات. لقد جئتم اليوم من جديد بخطاب يؤجل كل الإصلاحات الكبرى، وهو نفس الخطاب الذي جئتم به السنة الماضية، رغم وعودكم بأن تكون هذه السنة المنطلق الحقيقي للإصلاح. فعلى مستوى صندوق المقاصة الذي أصبح معضلة وطنية تكبح تقدم الاقتصاد الوطني وتعيق إقلاعه، فإنكم لم تتحلوا بالشجاعة اللازمة لاختيار سيناريو إصلاحي متكامل من ضمن السيناريوهات المعدة والموجودة منذ عهد الحكومات السابقة. لكنكم بالمقابل اخترتم الحل السهل للتنفيس من الأزمة التي وضعكم أمامها تضخم هذا الصندوق، فلجأتم إلى الزيادة المباشرة في أسعار المحروقات مما زاد من تأزيم الطبقات الهشة والفئات المحرومة من المواطنين. فعوض أن يكون إصلاح صندوق المقاصة بأسلوب يقطع مع استنزافه من طرف الفئات الميسورة والشركات الكبرى ويمكن الفئات الصغيرة والفقيرة من الحصول على الدعم اللازم، وقع العكس تماما حيث يكتوي اليوم مئات الآلاف من الموظفين والمستخدمين والمياومين من زياداتكم النارية في أسعار المحروقات التي لم تؤثر على وسائل النقل، فحسب بل ألهبت أسعار الخضر واللحوم وكل المواد الغذائية الأساسية في حياة المواطنين. وأنتم اليوم تتكلمون عن إصلاح تدريجي لهذا الصندوق، وعن استهداف للفئات المقصودة بالدعم، وعن استفادتكم منذ أزيد من عشرين تجربة عالمية في هذا المجال... وهو ما نظن أنه حلقة أخرى من حلقات دعايتكم الإعلامية الإستهلاكية التي أشرنا إليها سابقا. أما فيما يخص صناديق التقاعد فقد ادعيتم قدرتكم على الشروع في إصلاحها خلال 2012. وقد وجدتم سيناريوهات الإصلاح جاهزة من خلال اللجنة التي أطلقت حوارا وطنيا حول هذا الملف الوطني منذ سنوات. لكننا ننصت مضطرين إليكم من جديد هذه السنة وأنتم تعدوننا بقرب الشروع في تفعيل الإصلاح. إننا جد قلقين من تنبيهات المسؤولين على الصناديق المختلفة للتقاعد ببلادنا، والتي بعد أن دقت ناقوس الخطر منذ سنوات حول وضعية توازناتها المالية، فإنها وصلت إلى درجة الإعلان عن أن بعضها سيدخل مرحلة العجز ابتداء من هذه السنة. وإننا لجد مستغربين من أن الحكومة لا تشاطرنا نفس القلق من المسار الذي يأخذه هذا الملف الوطني المصيري الذي بدأ يتحول إلى معضلة مالية ذات آثار اجتماعية وخيمة بمثابة قنبلة موقوتة تهدد الاستقرار الاجتماعي وترهن مستقبل الأجيال المقبلة. ونذكر الحكومة في هذا الصدد إلى أن حكومة التناوب أعطت الأولوية لهذه المعضلة منذ أزيد من عشر سنوات، واستطاعت أن تنعش هذه الصناديق بضخ أزيد من 11 مليار درهم مما مكنها من استعادة توازناتها التي كانت مهددة، لكن هذا التوجه لم يستمر بإصلاحات تضمن استدامة التوازنات على المدى البعيد وهي التوصيات التي كنا حريصين على تسطيرها. إن تغافل بؤر الأزمة هاته الكامنة في عمق الكيان الوطني والهروب إلى الأمام بادعاء إحداث القطيعة مع نهج الإصلاحات السابقة يشكل خطرا ينذر بنسف المجهود الوطني الذي بذلناه منذ أزيد من عقد لإخراج بلادنا من السكتة القلبية. ولقد نبهناكم خلال مناقشة ميزانية السنة الماضية إلى مخاطر تجاهل مسار الإصلاحات المفتوحة، فأجبتمونا أن الميزانية الماضية هي في إطار الاستمرارية، في حين أن ميزانية 2013 ستشكل نقلة نوعية تعبر عن بصمتكم الجديدة في التدبير، لكن ما نلمسه اليوم هو أنكم تراجعتم حتى على الاستمرار في الإصلاحات الهيكلية والإنقاذية اللازمة للخروج من دائرة الخطر خاصة في ظرفية تحيط بها تهديدات الأزمات المالية والاقتصادية والاضطرابات السياسية والاجتماعية. إننا نتوجه إلى العناية الإلهية لتشملنا برحمتها وتكمل رأفة السماء بنا إلى غاية ربيع السنة المقبلة كي تكون السنة الفلاحية جيدة وتخفف عن الفلاحين والمواطنين الضعفاء قساوة ما يعانونه من أزمات ونكبات وانسداد للأفق. فلولا هذه الأمطار الرحيمة لكنا في وضع لا نحسد عليه، ولكان توقعكم للنمو فوق 4.5% ضربا من الخيال مثلما أدرك المواطنون اليوم أن وعودكم خلال الحملة الانتخابية ب7% من النمو إنما هو أضغاث أحلام، بل إن نسبة 5.5 الذي حاول التصريح الحكومي أن يخفف بها من المبالغة أصبحت اليوم من صميم المبالغة. إن أقل ما يمكن أن نصف به توقعاتكم ومؤشراتكم ضمن ميزانية 2013 هي أنها تعاني شدة الهشاشة بالنظر للواقع المالي والاقتصادي الوطني، وبالنظر لما تقترحونه من منهجية في التدبير وبالنظر لتداعيات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية. لقد كنا ننتظر من الحكومة مشروع ميزانية أكثر إبداعا، خاصة وأنها طيلة سنوات المعارضة كانت تنتقد هذه البنية وتدعي امتلاكها لبدائل أخرى أكثر نجاعة. لكن ما نلاحظه هو استمرار نفس التدبير الموازناتي ونفس التجميع القطاعاتي الذي تم انتقاده منذ سنوات. إننا اليوم نلمس عجز الحكومة التام على عدة مستويات: عجز في إقرار إصلاح جبائي على أساس العدالة الضريبية، ولم تفلح ولو بشكل جزئي في إقرار الضريبة على الثروة، ولا حتى بسن إجراءات أكثر فعالية في محاربة التملص الضريبي. عجز على مستوى إصلاح منظومة الأجور على أسس موضوعية وواقعية والحد من المفارقات والاختلالات غير المنصفة في هذا المجال. عجز عن محاربة اقتصاد الريع الذي اكتشفت الحكومة أنه أكثر تغلغلا وتجذرا مما كانت تتوقع إبان رفعها لشعار محاربة الفساد، وبالتالي فإن نشر بعض اللوائح لن يكون كافيا للقطع مع اقتصاد الريع. عجز عن إصلاح نظام المقاصة المختل الذي يمتص ملايير الدراهم من الميزانية دون أن تؤدي إلى الهدف المنشود وهو دعم الفئات الفقيرة, بل يستفيد منه المضاربون، والحكومة مستمرة اليوم في نفس التوجه مع رتوشات جزئية لن تؤثر على بنية هذا النظام. عجز في مواجهة الاختلال المتنامي للميزان التجاري والتحدي الذي أضحى يشكله بالنسبة للاقتصاد الوطني ومستقبل توازنه. عجز في إصلاح أنظمة التقاعد التي هي على حافة الإفلاس بعدما اختلت توازناتها وتهدد مستقبل ملايين المتقاعدين المغاربة والأجيال اللاحقة. - عجز في الحد من النزيف الذي يعاني منه الاقتصاد الوطني جراء تهريب ملايير الدراهم نحو الخارج دون اتخاذ تدابير صارمة لحماية الاقتصاد الوطني. إننا لن نستطيع جرد كل مناحي العجز الحكومي، لكن بصفة عامة يمكننا القول إن مشروع هذه الميزانية يؤشر على عجز الحكومة في تملك سياسة اجتماعية واقتصادية واضحة تؤهلها لفرض الإصلاحات الجوهرية التي يحتاجها الاقتصاد الوطني ومواجهة مخلفات السياسات المختلة والمستفيدين منها بكل شجاعة ومسؤولية. لكننا مع كامل الأسف نلاحظ أن الحكومة اختارت الهروب إلى الأمام والتراجع عن طموحاتها الإصلاحية المبالغ فيها عبر تبريرات تدعي فيها أن التوازنات أجبرتها على مراجعة مقاربتها في الإصلاح. ونحن هنا نؤكد أن ما نراه هو تراجع عن الإصلاح وليس مراجعة لمقاربته. وإننا في الفريق الاشتراكي لنؤكد للحكومة ألا مناص لها من الرجوع إلى استئناف الإصلاحات التي كانت مفتوحة من أجل مصلحة الوطن ومستقبله وتحقيق رهان التنمية المنشود. إننا ننبه الحكومة إلى هذه المآخذ والثغرات بكل غيرة وطنية ونحن واعون بالتحديات التي تواجه بلادنا على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية... لكن أيضا على مستوى قضية وحدتنا الترابية التي رغم التقدم الكبير الذي أحرزناه دوليا عبر شجاعة اقتراحنا لمبادرة الحكم الذاتي، فمه ذلك مازال خصوم وحدتنا يتربصون بنا ويتحينون الفرص للنيل من وحدتنا الترابية. ولذلك فإن الإصلاحات المهمة التي قامت بها بلادنا في العشرية الأخيرة والتي كانت لها آثارها الاقتصادية والتنموية ينبغي تعزيزها بالإصلاحات الهيكلية والمؤسساتية ومن ضمنها إقرار الجهوية المتقدمة التي أعطاها الخطاب الملكي الأخير أولوية في برنامج تفعيل مقتضيات الدستور الجديد. وعليه فإن الحكومة مطالبة بالإضافة إلى العمل على التفعيل القانوني والمؤسساتي لنظام الجهوية المتقدمة، بالاجتهاد في إبداع الميزانيات الجهوية بما يتوافق مع خصوصية كل جهة وإمكانياتها الطبيعية والبشرية مع الأخذ بعين الاعتبار إمكانيات التكامل الوطني بما يحقق المزيد من النمو والثروة وبما يزيد من تعزيز الوحدة الوطنية. لكن مشروع الميزانية لم يتضمن إجراءات تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الترابية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، و نذكر هنا برفض الحكومة لتعديلات فريقنا بالزيادة في موارد الجهات، وهو ما يتناقض والحد الأدنى المعلن عنه في البرنامج الحكومي بشأن التضامن المجالي واستدراك العجز الاجتماعي في الجهات. إذا كان المشروع قد خصص 85 مليار درهم للقطاعات الاجتماعية ، وهو نصف مبلغ الاستثمار العمومي، فإن أثره محدود على حياة المواطنين بدليل تراجع ترتيب المغرب في التصنيف الدولي للتنمية البشرية من الرتبة 124 إلى الرتبة 130. وهو التراجع الذي نلمسه بجلاء في التربية والتكوين والصحة العمومية حيث تسود الاختلالات وسوء الخدمة العمومية على الرغم من الموارد المخصصة لها. و من أهم المؤشرات الاجتماعية هي توفير الشغل وتحسين أوضاع للمأجورين. ومع كامل الأسف، فإن الحكومة تفتقر إلى رؤية استراتيجية ناجعة في هذا الشأن, حيث نعيش تعثرا في الحوار الاجتماعي وحيث إن الإجراءات الحكومية المقترحة لدعم التشغيل غير ناجعة ولن تحدث الدينامية المطلوبة في سوق الشغل. كما أن الإجراءات المقترحة على مستوى بعض المبادرات الاجتماعية مثل صندوق التماسك الاجتماعي تظل جزئية وإسعافية حيث إنها لا تندرج في رؤية شمولية تطبعها الاستمرارية وحيث إنها تفتقر إلى الموارد التي تضمن لها الديمومة، مما يجعلها ضعيفة النجاعة والمردودية ويجعل آثارها محدودة النتائج. لقد حققت بلادنا الكثير من التقدم على مستوى القطع مع ماضي الانتهاكات والظلم الذي كانت له فاتورته الاقتصادية والاجتماعية والذي أدى المواطنون ثمنه غاليا. وبفضل هذه التضحيات تحظى بلادنا اليوم باحترام المنتدى الأممي وبمكانتها الدولية المرموقة. فبلادنا تترأس الاتحاد البرلماني الدولي، وتحظى بالعضوية المؤقتة لمجلس الأمن, بل إننا نترأسه خلال هذا الشهر، مما يعطي لبلادنا مكانها العالمي المميز. لكن هل نعد ديبلوماسيتنا بالشكل الذي تستفيد به بلادنا بالشكل الكافي من هذا الموقع الدولي المتميز؟ وهل نقوم بدورنا كاملا لنصرة قضايانا العربية والإفريقية التي نحن جزء لا يتجزأ منها. لقد أعطى المغرب الكثير لنصرة القضية الفلسطينية العادلة على مر عقود من الصراع العربي الإسرائيلي ومن الغطرسة الصهيونية على شعب مقهور وأعزل. وتعتبر لجنة القدس التي يترأسها جلالة الملك نموذجا لهذا التضامن، إضافة إلى المستشفى الميداني الذي أقيم في غزة تضامنا معهم في محنة الاعتداء الصهيوني. لكننا لاحظنا تقاعسا حكوميا كبيرا لدرجة أنه لم تتم أية زيارة لغزة على غرار وزراء عرب آخرين.