لو طرح هذا السؤال في مرحلة أخرى من تاريخ المغرب وتاريخ اتحاد كتابه، لاستغرب البعض، وتساءل واعتبره غير منطقي وغير واقعي، بالنظر إلى أحكام القيمة التي كانت سائدة حول النساء عموما وبالنتيجة حول الكاتبات. لكن طرحه اليوم، بعد كل المكتسبات التي حققتها النساء، يجعل معظم الكتاب يجدونه سؤالا واردا وطبيعيا ومشروعا؛ بل وقد يُنَظِّرون كثيرا لهذا الأمر حتى يخجل طارح السؤال من التشكيك في حسن نواياهم، غير أنهم لحظة التطبيق، يفضلون التصويت على بعضهم. هذا بالضبط ما حدث في المؤتمر الثامن عشر لاتحاد كتاب المغرب. فلأول مرة في تاريخ الاتحاد تترشح امرأة للرئاسة، ولأول مرة يوضع الكتاب في المحك، وتبدو عقليتهم الذكورية صافية لا غبار عليها، تقول بشكل مباشر، ومن خلال النتيجة الهزيلة التي حصلت عليها المرأة المرشحة، إن الاتحاد ليس مستعدا بعد لأن يولي على رأسه امرأة. طرحت المسألة، ولأول مرة في المؤتمر السادس عشر لاتحاد كتاب المغرب. طرحتها ولم يكن ضمن جميع اتحادات الكتاب العرب ولا امرأة واحدة على رأسها. وطالبت بأن يسجل الاتحاد السبق على الصعيد العربي، بترشيحه وتصويته على امرأة، معللة ذلك بالمكتسبات التي حققتها المرأة في المغرب، وبكون الاتحاد يحوي زبدة المجتمع التي من المفروض أن تكون في طليعة النضال النسائي. لكنني كنت كمن يطلق صرخة في واد، بعدها بقليل سمعنا بأن امرأة كانت على رأس اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين وهي الشاعرة هدى أبلان ثم امرأة ثانية على رأس اتحاد الكتاب التونسيين هي الشاعرة جميلة الماجري، فيما ظل اتحاد كتاب المغرب سجين عقلية أقل ما يمكن أن توصف به هو التخلف. هذه المرة تجرأت امرأة وترشحت للرئاسة، لكن هزالة النتيجة كانت معبرة. (12 صوتا من مجموع 204). لكنني مع ذلك سأفترض جملة من المعطيات التي قد تكون دفعت ببعض الكتاب إلى الإحجام عن التصويت لصالحي، والترتيب هنا لا يعني المفاضلة في الأهمية. من بين هذه المعطيات، عدم اعتمادي الإعلان عن ترشيحي مسبقا، وعدم خوضي حملة انتخابية للترشيح. وعلى فكرة فشخصيا أعتبر الإعلان عن الترشيح مسبقا مسألة إيجابية جدا، إذ توقف التأويلات والإشاعة، كما أنها توضح ما ينوي المترشح القيام به بعد النجاح. ولعل ذلك يعود إلى كوني لم أفكر في الأمر حتى آخر لحظة، وقررت أن أضحي بنفسي وأعلن عن ترشيحي فقط لأختبر اتحاد كتاب المغرب، وكانت النتيجة خير دليل على رسوب هذا الأخير في الاختبار. المعطى الآخر هو عدم لجوئي إلى الكولسة. فأنا لا أستسيغ هذا العمل، وأرى أن الشفافية تستدعي أن يعمل من يرغب في الترشح على أن يكون واضحا أمام الجميع، وبالتالي لا يحتاج إلى العمل في الخفاء على إقناع هذا أو استجداء ذاك. ثم هناك من الكتاب من لا يعتبرونني كاتبة أصلا. وهم محقون في ذلك. فإذا كنت أنا نفسي لا أعتبر نفسي كاتبة بالمعنى المتداول. أي أنني لا أتوفر سوى على كتاب يتيم لا يخول لي حسب القانون الأساسي الجديد للاتحاد حتى صفة العضوية، فكيف لي أن أصبح رئيسة للاتحاد. أنا متفقة معهم ولو أن بعض الكتاب كتبوا كتابا واحدا وشكلوا طفرة نوعية في مجال الكتابة، وآخرون كتبوا عشرات الكتب دون أن ترقى من حيث الكم أو النوع لكتاب واحد حقيقي. لكنني أعترف أنني كسولة جدا، وأن لدي كنوزا من الحكايات تنتظر التدبيج، ولا أعرف متى سأجلس إليها لأخرجها إلى النور. لكنني عضوة في اتحاد كتاب المغرب، بل وأعتبر نفسي عضوة نشيطة أيضا، ولدي سمعة طيبة وسط الكتاب، ثم، وهذا ما لا يفهمه الكثيرون، فالاتحاد بحاجة إلى قادة مدبرين يعرفون كيفية تسييره ومخلصين، أكثر من حاجته إلى كتاب مهما علا شأن كتاباتهم، فهم ينجزونها في خلوتهم، وعندما يسيرون الاتحاد تبدو عوراتهم واضحة للعيان. تسيير الاتحاد يستلزم كتابا لديهم مرجعية في العمل داخل المجتمع المدني، وتمرسوا بآليات الاشتغال. باختصار كتاب أو كاتبات يعرف (و)ن كيف يدبرون شأن الاتحاد. الأدهى من ذلك أن النساء وحدهن لم يكن الضحية الوحيدة للاتحاد، بل الشباب أيضا. فإذا كان الاتحاد لم يسمح للمرأة بتقلد الرئاسة فإنه لم يسمح أيضا للشباب بذلك. وهكذا ترشح للرئاسة شابين هما عبد الناصر لقاح الذي حصل على ثلاثة أصوات وبوسلهام الضعيف الذي حصل على صوتين. وهذا مؤشر آخر على كون الاتحاد ما يزال غير قادر على وضع الثقة لا في النساء ولا في الشباب، في وقت ينادي فيه الجميع بضرورة وضع الثقة في هذه الشريحة من المجتمع. غير أن هناك الكثير مما يحسب لهذا المؤتمر. فلأول مرة في تاريخ الاتحاد، توضع كوطا للنساء بنسبة 30 في المائة، ولو أن الأسلم والأجدى هي المناصفة التي ينص عليها الدستور. كما أن تمثيلية النساء والشباب في المكتب التنفيذي كانت واضحة، فمن بين 11 عضوا في هذا المكتب، هناك أربع نساء ويمكن ببعض التجاوز اعتبار جميع أعضاء المكتب شبابا عدا شخصا واحدا. وهذا أمر مشجع، يصب دماء جديدة في مياه الاتحاد. كما أن المكتب التنفيذي مثل بعض جهات المغرب، إذ توجد فيه تمثيلية الجهة الشرقية والشمالية والوسط، في أفق تمثيلية الجنوب والصحراء أيضا التي تظل مغيبة في معظم مؤتمرات الاتحاد. غير أن فوز عبد الرحيم العلام بالرئاسة كان فوزا مستحقا. فالعلام يعتبر مثل طاحونة الناعورة، لا يكف عن الاشتغال والعمل بالرغم من كل ما قيل عنه. وقد دبر الاتحاد في قمة أزمته شبه وحيد، إلا من أمين المال الذي كان يحضر بين الفينة والأخرى. وشخصيا أعتبر أن المؤتمر أنصف العلام عندما وثق به ومكنه من قيادة الاتحاد. بعد أن عبر عبد الرحيم العلام، حتى خلال المؤتمر، عن قدرة خارقة في تلقي الضربات من المؤتمرين ومن بعض أعضاء المكتب التنفيذي على حد سواء. ولعل صبره ودبلوماسيته وقدرته على امتصاص غضب الآخرين بحنكة كبيرة يحسد عليها، فضلا عن تدبير شؤون الاتحاد في قمة أزمته هي ما خول له إمكانية الحصول على ثقة المؤتمرين. خلاصة القول، أتمنى أن يستطيع الاتحاد السير قدما باتجاه المساهمة في نقاش المعضلات الثقافية الحقيقية، معتمدا فكرا جهويا متفتحا ومتعددا. وأن يضع حدا مع كل ما يمت بصلة للاسترزاق، إذا كان هنالك استرزاق ما.