في باحة مسرح محمد الخامس، ابتداء من الساعة الخامسة والنصف ليوم الجمعة والى حين الدعوة للالتحاق بالقاعة، كانت أسئلة المصير تلقي بظلالها على الحلقات والدردشات الجانبية بين أعضاء اتحاد كتاب المغرب ورموز المشهد الإعلامي والسياسي وضيوف المؤتمر الوطني الثامن عشر للاتحاد. بين النبوءات التي تتوقع أن يعلن المؤتمر الذي وصف بأنه "استثنائي جدا" وفاة منظمة شكلت منذ تأسيسها قبل نصف قرن ركنا في صناعة تاريخ المغرب الثقافي، ومن يثق في إمكانية تجاوز الاتحاد لأزمته العاصفة التي ارتفعت نذرها في الأيام القليلة السابقة لهذا الموعد الحاسم، تضاربت التكهنات واحتدمت النقاشات، لكنها أجمعت على وصف هذه المرحلة بأنها غير مسبوقة في احتقانها وفاصلة في مخاضها. جاءت الجلسة الافتتاحية للمؤتمر حاملة تباشير حذرة حول أجواء المؤتمر. تعاقبت الفقرات بسلاسة: كلمة عامة للرئيس المنتهية ولايته عبد الرحيم العلام، وصلة موسيقية ساحرة للثنائي الحاج يونس على العود وأمير علي على الكمان، احتفاء برواد مؤسسين للاتحاد، في ظل حضور حكومي بارز إلى جانب فعاليات من مختلف أطياف المجتمع المدني. لكن من قال إنه ليس إلا الهدوء الذي يسبق العاصفة كان على صواب. مباشرة بعد إطلاق أشغال المؤتمر، الذي تابعت مجمل فصوله وكالة المغرب العربي للأنباء، بدا أن سفينة الاتحاد في مواجهة المجهول، والشركاء في مجرة الإبداع ليسوا على قلب رجل واحد. ساعات طويلة من الخلافات المسطرية التي اتخذت أحيانا شكل مشاحنات حادة عادت بالمؤتمرين إلى حقيقة الوضع الهيكلي لاتحاد كتاب المغرب، وعناد الواقع المرير للأزمة التنظيمية التي شكلت عنوان السنوات الأخيرة من عمر المنظمة. وجدت حدة الاصطفاف وانقسام المؤتمر تعبيرها في تمركز النقاش حول مسألة تدقيق هوية المؤتمرين. البعض تمسك بها كعملية بديهية وضرورية للتأكد من أهلية من سيشارك في حسم نتائج التصويت على وثائق المؤتمر وقيادته المقبلة (حسن نجمي، عبد الصمد بلكبير، عبد الغني أبو العزم، عزيز أزغاي وآخرون) وآخرون اعتبروها تكتيكا شكليا "لوضع العصا في العجلة" ونسف المؤتمر (عبد الرحيم العلام، رشيدة بنمسعود، أنور المرتجي، مصطفى الغثيري وآخرون). سيكتسي التوتر أبعادا أخطر بانتقاله إلى صفوف المكتب التنفيذي نفسه، حين اعترض مصطفى النحال عضو المكتب على عرض التقريرين الأدبي والمالي دون الإطلاع عليهما، علما أن المكتب قدم نفسه للمحاسبة أمام المؤتمرين بستة أعضاء فقط من مجموع تسعة. كان يلزم تدخل بعض حكماء الاتحاد من أمثال مبارك ربيع ومصطفى القباج من أجل تهدئة الوضع والتوصل إلى حل توفيقي، يتمثل في تشكيل لجنة لتدقيق قائمة المؤتمرين بالموازاة مع مباشرة عملية عرض التقريرين الأدبي والمالي والمصادقة عليهما. عندئذ خفت حدة التوتر، وأتيح للمشاركين فسحة لتجاوز مفعول الصدمة وشعور الإحباط الذي لم يخفه كتاب وكاتبات اكتشفوا صدفة أنهم طرحوا في لحظات الانسداد والمواجهة السؤال ذاته: "ماذا أفعل هنا؟، ما موقعي في ما يجري، أين الأسئلة الحارقة والأفكار الخلاقة التي أتطلع إليها؟". تواصلت طيلة السبت مناقشة التقريرين الأدبي والمالي اللذين صودقا عليهما، قدم المكتب التنفيذي استقالته، وجاء تشكيل رئاسة المؤتمر ليعود التشنج من جديد قبل التوافق على لجنة برئاسة الشاعر عبد الرفيع الجواهري وعضوية مليكة نجيب وأمال الأخضر وخالد الخضري وبهاء الدين الطود. شكلت هذه المحطة مناسبة لطرح قضايا هامة حول الواقع التنظيمي للاتحاد وطبيعة أنشطته والأسئلة الوظيفية المطروحة عليه في سياق التحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية الراهنة، التي يعرفها المغرب ومحيطه الاقليمي والدولي. وطرح المؤتمرون إشكالية السياسة اللغوية للاتحاد وعلاقة المكتب التنفيذي بالفروع وسؤال الحكامة الثقافية وتمثيلية الشباب والمرأة داخل الهياكل ومعايير النشر المعتمدة، وموقع المنظمة في علاقاتها مع المجتمع المدني? والرفع من مستوى الخدمات الاجتماعية المقدمة للكتاب? وتوطيد استقلالية المنظمة وإشعاعها الوطني والدولي. في غضون ذلك، وبعده، ظلت معركة الكواليس مفتوحة خارج القاعة وفي جوانب الفندق والفضاءات المجاورة. بالهمس أحيانا حفاظا على "علاقات جيدة" مع جميع الأطراف وفي جلسات جانبية علنية، أحيانا أخرى، تمحور النقاش حول تقويم حصيلة القيادة السابقة، بين من يثني على "الصمود والمثابرة في تدبير مرحلة الأزمة"، يقول البعض، ويؤيد ترشيح العلام، ومن ينتقد "خروقات وممارسات غير شفافة"، يرد آخرون، ويدعون بالتالي إلى قيادة بديلة. وبالرغم من إعلان ثلاثة منافسين ترشحهم لرئاسة الاتحاد، هم عبد الرحيم العلام ومحمد بودويك وبوسلهام الضعيف، قبل بدء أشغال المؤتمر، فإن الغموض وترقب المفاجأة ظل يلف القائمة النهائية للمتنافسين التي ستشمل فضلا عن الثلاثة ليلى الشافعي وعبد الناصر لقاح. وحين أعلن الجواهري عن فتح لائحة المرشحين للاتحاد، كانت المعطيات الأولية وتوقعات جل الأعضاء على ثقة بأن الكفة تميل إلى العلام، الذي بدا أنه نجح في امتصاص ضغط معارضيه الذي حاصره في البداية. في وقت مبكر من صباح الأحد، أعلن عن فوز عبد الرحيم العلام برئاسة الاتحاد، واتضح أن المؤتمر في طريقه إلى نهاية أفضل مما توقع له الكثيرون من أعضاء الاتحاد وخارجه. تشكل مكتب تنفيذي جديد تبنى كوطا نسائية من أربع مقاعد من مجموع 11 عضوا. طلع صباح الأحد والاتحاد قد ربح رهان البقاء في موسم العاصفة التنظيمية، لكن انتظارات النخبة المثقفة قائمة. فأهل البيت والمهتمون بالشأن الثقافي عموما مجمعون على أن الأهم هو الغائب: دينامية تنظيمية جديدة أكثر فعالية ومرونة، إسهام نوعي في تنشيط الحياة الثقافية الوطنية، تقديم أجوبة حقيقية على دور الثقافة في الحراكات المجتمعية المتسارعة والنهوض بالوضع الاعتباري للكاتب المغربي.