بعد أقل من أسبوعين على المؤتمر الثامن عشر لإتحاد كتب المغرب، والذي انتخب الأستاذ عبد الرحيم العلام لمسؤولية الرئاسة، كان قد عرف وقائع نقاشات محتدة، أصدر الإتحاد بيانه الختامي وتحددت مهام المكتب المنتخب. عن تقييم المؤتمر، وأبرز القضايا التي نوقشت، وتقسيم المهام، ومسألة الفروع والسياسة الثقافية، ومواضيع أخرى مرتبطة بالإتحاد، يحدثنا الأستاذ العلام في هذا الحوار الشامل. رئيس اتحاد كتاب المغرب، عبد الرحيم العلام: « المؤتمر الوطني الثامن عشر لإتحاد كتاب المغرب أحدث قطيعة مع الأساليب التقليدية للإلتواء والكولسة، والمكتب التنفيدي الحالي اختيار مباشر للمؤتمرين.» « موقف الاتحاد من حركة 20 فبراير مفبرك بكامله ولم أصدر لا أنا ولا المكتب التنفيذي أي بيان مضاد للحركة» « الإخوة في المكتب التنفيذي جاؤوا إلى الاجتماع متجردين من أية خلفيات مسبقة جاعلين مصلحة الاتحاد ومستقبله فوق أي اعتبار.»
ما هو تقييمك بشكل عام للمؤتمر الوطني الثامن عشر لاتحاد كتاب المغرب؟ إن انعقاد المؤتمر كان، في حد ذاته، رهانا صعبا، خاصة وأن البعض عمل جاهدا من أجل تأجيله، أو إفشاله وجره نحو مصير غامض، مع العلم أننا كنا قد تجاوزنا الفترة القانونية لعقد المؤتمر بوقت كثير. كما يتجلى نجاح المؤتمر في المناخ الإيجابي الذي مرت فيه جلسته الافتتاحية، والتي استقطبت أطيافا رسمية وحكومية وحزبية وجمعوية، فضلا عن حضور بعض مؤسسي الاتحاد ورواده ورؤسائه السابقين، ممن تم تكريمهم، احتفاء بمرور خمسين سنة على تأسيس هذه المنظمة الثقافية العتيدة، في جو إنساني مؤثر، استحبه الحاضرون، وحظي بتغطية إعلامية واسعة،ة مما يعكس بشكل جلي المكانة المرموقة التي يحظى بها الاتحاد من قبل المكونات الحيوية في بلادنا. من هنا، فإن المؤتمر الأخير كان حدثا ثقافيا غير مسبوق، يذكرنا بالمؤتمرات الأولى للاتحاد، إذ سبقه توتر وصراع ونقاش واسع، وواكبه، أيضا، نقاش واهتمام إعلامي كبير، استمرت أصداؤه إلى اليوم. ورغم سعي قلة من الأعضاء إلى التحريض على مقاطعة المؤتمر، وهذا حقهم، فإن عدد المؤتمرات والمؤتمرين الذين استجابوا للمشاركة في مؤتمرهم العام، تعدى عدد الذين حضروا في المؤتمر السابق، وهو دليل على مدى تشبث الأعضاء بمنظمتهم، ومدى حرصهم على عدم التفريط فيها، فضلا عن مشاركتهم الفعالة في النقاش والسهر لليلتين متتاليتين. أما النجاح القوي، فأراه في النقلة النوعية التي تحققت في انتخاب رئيس الاتحاد في الجمع العام، ما يحصن الاتحاد من الهزات التي تعرض لها في الماضي، على اعتبار أن الرئيس مسنود بثقة المؤتمرين، ومطوق بأمانة المنظمة والمحافظة عليها، الأمر الذي يساهم في ترسيخ قيم الثقافة الديموقراطية، على مستوى تدبير شؤون منظمتنا، ويتماشى وروح المطالب المجتمعية المتطلعة إلى الديموقراطية والعدالة. طبعا هذا لا يعني أن الرئيس سيصبح مستأثرا بالقرار، كما يتوهم البعض، لكون هذا المجال هو مجال ثقافي أصلا، ليست فيه مصالح أو مطامع، لكن التوجه العام للبلاد فرض اختيار المؤتمرين لهذا الأسلوب الديموقراطي، كما أنه عودة إلى الأصل. من مظاهر نجاح المؤتمر الأخير، أيضا، التمثيلية الوازنة للمرأة في أجهزة الاتحاد، خلافا للمؤتمر السابق، على الرغم من أن المؤتمرين قد لاحظوا أن الكتلة النسائية الناخبة ليست بالقوة العددية التي تمنحها حصة 30 بالمائة، ولكن شعورهم وإدراكهم ضرورة مسايرة التوجه العام الذي يحكم المجتمعات المتقدمة، ثم تخصيص تمثيلية الكاتبة المغربية بتلك النسبة، ولأول مرة في تاريخ الاتحاد، بما هي، أيضا، دعوة للكاتبات كي يكتبن وينشرن وينخرطن في العمل الجمعوي، ويتحملن المسؤولية فيه. كانت أجواء النقاش ساخنة، لكنها انتهت بانتصار العقل والحكمة، وتم الاحتكام إلى الأسلوب الديموقراطي الذي هو التصويت، واعتماد مبدأ الأغلبية للحسم في أية نقطة خلافية. ورغم أن المؤتمرين ذوو خلفيات فكرية وانتماءات حزبية مختلفة، فإن النقاش انصب على المسألة الثقافية، وعلى مآل الاتحاد كمنظمة ثقافية مستقلة. وبذلك، تمكن المؤتمرون من إبطال تلك الفكرة التي رددت قبل المؤتمر، مطالبة الأحزاب برفع أيديها عن الاتحاد. وكشاهد وحاضر ومشارك في هذا الخضم، يمكن لي أن أقول إن المؤتمر الوطني الثامن عشر قد أحدث قطيعة مع الأساليب التقليدية، وتعتبر لحظة انتخاب الرئيس محطة فاصلة مع أسلوب التوافق الذي كان يتم بطرق ملتوية، إذ الصورة الحالية للمكتب التنفيذي تظهر أن الأمور قد تمت وفق إرادة المؤتمرات والمؤتمرين، وليس نتيجة إملاءات من جهة ما، حزبية أو غير حزبية... هناك شكوى دائمة من أن الاتحاد لا ينخرط فيه إلا ذوو العلاقات عبر معارفهم، فهل من مسارات واضحة لصالح الكتاب الشباب، وبم سينفعهم الانضمام إلى الاتحاد؟ هذا كلام فيه الكثير من المغالاة، ويطرح دائما في مؤتمرات الاتحاد، كما أنه يثير أحيانا بعض ردود الفعل من لدن هذا الكاتب- المرشح أو ذاك. فالاتحاد ليس منظمة شعبية جماهيرية، ذلك أن الانتساب إليه مقصور على الكتاب، لكن ليس كل الكتاب، أي من يتوفر منهم على الجدارة والحضور والإنتاج. هناك من ينتقد الاتحاد على كونه قد فتح أبوابه بتسامح كبير للشباب، علما بأنه لا يوجد موقف مسبق من الشباب أو غيرهم، فالانتماء إلى الاتحاد مفتوح أمام مختلف الفئات العمرية، إذ لا وجود لأي حاجز، عمري أو إيديولوجي أو ثقافي أو لغوي، أمام أحد، بدليل أن الاتحاد أحدث منذ عشرين سنة خلت جائزة للأدباء الشباب، كمحفز لهؤلاء على الكتابة والعطاء، ومن ينال منهم الجائزة يصبح عضوا في الاتحاد بكفية آلية، شريطة أن يتقدم بطلب شخصي في الموضوع. نحن شاعرون بالتحولات الثقافية في مجتمعنا، كما في مجتمعات أخرى، بحيث إن مفهوم الكاتب لم يعد بمثل المحددات والأدوار التقليدية، فضلا عن أن الانتماء إلى الاتحاد محكوم أولا بالحصول على العضوية التي تبث فيها لجنة العضوية والتحكيم، منتخبة من المؤتمر العام، وهي لا تنفرد بقرارها، بل تستند، كذلك، إلى رأي المكتب التنفيذي، بمعنى أن ثمة تشاورا وتنسيقا واسعين، وتعددا في الرأي المعلل. كما أن اللجنة المذكورة تستند في مباشرة مهامها إلى تنزيل حقيقي للمعايير المحددة في القانون الأساسي للاتحاد. وقد أولت اللجنة التحضيرية للمؤتمر أهمية خاصة لموضوع العضوية، توج عملها بمصادقة المؤتمر على مقترحاتها وتعديلاتها. وفي هذا الإطار، تم توسيع قاعدة أعضاء لجنة العضوية والتحكيم من ثلاثة أعضاء إلى خمسة، تضم أعضاء من جيلي الرواد والشباب، بهدف تحصين عمل اللجنة وضمان تعدد الآراء وتوسيع قاعدة التشاور، كما تم تقنين طلب العضوية بشروط أدق وأكثر صرامة، منها على الخصوص الشرط القاضي بأن يتوفر المرشح للعضوية على كتابين منشورين على الأقل، يعرضان، رفقة طلبه، على أنظار اللجنة. وفضلا عن تمثيلية الشباب داخل أجهزة الاتحاد، وهو ما شكل، أيضا، نقلة نوعية في المؤتمر الأخير، مما يفند أي صراع للأجيال داخل منظمتنا، فقد ارتأى المكتب التنفيذي، في إطار توزيع المهام بين أعضائه، أن يحدث مهمة جديدة تعنى بإبداعات الشباب، في إطار اهتمام الاتحاد المتزايد بهذه الفئة العمرية، وتحفيزها على الكتابة والبحث والإبداع. ومما لا شك فيه أن الانتماء إلى منظمة اتحاد كتاب المغرب تظل له قيمة رمزية واعتبارية ونكهة خاصة، ليس فقط بالنسبة للمبتدئين من الكتاب، بل حتى بالنسبة للشيوخ منهم، وهو أمر يعكسه، بشكل جلي، تزايد عدد طلبات العضوية التي يتوصل بها الاتحاد باستمرار، فقط شعورا من الجميع بأن الانتماء إلى اتحاد كتاب المغرب، هو أيضا انتماء إلى خيمة ثقافية آمنة، برصيدها الرمزي والتاريخي والنضالي، وانتماء إلى أفق ثقافي، يؤمن بقيم ومبادئ الحرية والعدالة والاختلاف والتعدد والصراع المثمر. اتهمت في المؤتمر بأنك كنت ضد حراك عشرين فبراير، واستغللت منصبك كنائب للرئيس لإصدار بيان ضد الحركة بالتوازي مع مهرجان أصيلة الثقافي، وهو البيان الذي ينكر أعضاء من المكتب السابق انهم وافقوك عليه، بل ويذهبون إلى أنك موظف بالمهرجان السابق الذكر، وأنك تخلط المسؤوليات وتستغل منصبك لصالحه، ما تعليقك؟ ج: لا أساس لذلك من الصحة، وقد أريد به باطل، والتأثير على ترشيحي لرئاسة الاتحاد، فحتى موضوع موقف الاتحاد من حركة 20 فبراير مفبرك بكامله، ولم أصدر لا أنا ولا المكتب التنفيذي أي بيان مضاد للحركة، وإلا فإني أنتظر قراءته عبرك، أو عبر من يزعم ذلك، لقد تم ذلك فقط للنيل مني ومن سمعتي، وإلا لم لم يعاود المتهجمون انتقادهم، بعد أن تحاشيت الرد عليها ، لكونها تستهدفني أنا فقط، ولا علاقة لها بالاتحاد الذي حافظت عليه وعلى مبادئه وقيمه. أيعقل لشخص أن يصدر بيانا لوحده، لم أفعلها ولن أفعلها قط، لأن ذلك ليس من مبادئي. بل العكس، لقد برمجت تدخلات لأعضاء في حركة 20 فبراير في ندوة نظمناها بالمركب الثقافي سيدي بليوط بالدار البيضاء، انسجاما مع حركتهم ومواقفهم، فكيف يعقل أن أصدر، قبل ذلك أو بعده، بينا يندد بالحركة. كذلك الأمر بالنسبة لموضوع أصيلة، فهو مفبرك، وطرحه شخص واحد فقط، لذا أنا أفضل تحاشي الإجابة. هل أنت مطمئن للمكتب التنفيذي الجديد، أم أنه لن يصمد أكثر من أشهر كما يتوقع البعض؟ ج - هذا هاجس افتراضي، يحمل، بين طياته، نوعا من المصادرة الفكرية. طبعا، أنا مطمئن جدا للتشكيلة الجديدة للمكتب التنفيذي المنتخب في المؤتمر الأخير، فهو أولا مكتب حظي بثقة المؤتمرات والمؤتمرين، ممن نبادلهم الشعور ذاته والتقدير نفسه، ونثق في اختياراتهم، التي أطرها الجو الديموقراطي النوعي الذي ساد أشغال المؤتمر، والمناخ الشفاف والنزيه الذي مرت فيه عملية التصويت والتنافس بين أكثر من مرشح، سواء بالنسبة للترشح لمنصب الرئاسة أو لباقي أجهزة الاتحاد الأخرى. فتشكيلة المكتب التنفيذي الجديد، تضم أخوات وإخوانا أقدرهم جميعا، بما لهم من حضور إنساني وثقافي وإبداعي وإعلامي وازن، وأيضا بما يتوفرون عليه من رصيد رمزي في مجال العمل الجمعوي الثقافي والإعلامي، فضلا عما لمسه فيهم المؤتمرون، وأنا واحد منهم، من استعداد للتطوع والعمل داخل المكتب التنفيذي، أو داخل أجهزة الاتحاد الأخرى، وتلك إشارات دالة لا تدع مجالا للشك في تركيبة المكتب التنفيذي وفي حيويته، والذي يسعد بتمثيلية أربع نساء مبدعات فيه. وإذا كان المكتب التنفيذي السابق قد صمد، بمن بقي فيه، لأزيد من ثلاث سنوات، وقدم إنجازات نوه بها المؤتمرون في مؤتمرهم الأخير، رغم الظروف الصعبة التي مر بها المكتب وكادت أن تعصف به، ففي اعتقادي أن المكتب الجديد، يختلف كثيرا عن سابقه، سواء في تركيبته أو في طريقة انتخابه، والتي كان أساسها الارتهان إلى القواعد الديموقراطية، بعيدا عن الأساليب التقليدية المولدة لحالات الشد والتوتر، بما فيها اللجوء، في آخر لحظة، إلى الإنزال وجبر الخواطر ومكافأة المجندين في الخفاء، وهو ما يولد حالات الفوضى والعزوف واللاستقرار واللاطمأنينة داخل الأجهزة التنفيذية لأية جمعية. لذا، بإمكاننا أن نتفاءل كثيرا ونثق كثيرا في تركيبة المكتب التنفيذي الجديد، وأن نراهن على استمراريته، بما أن أعضاءه قد أبانوا جميعا عن حرصهم على مواصلة الرحلة، بكل جدية وبروح المسؤولية، شعورا منهم بالثقة الكبيرة التي وضعها فيهم المؤتمرون، ممن منحوهم أصواتهم وراهنوا على حضورهم. هذا، دون أن ننسى أن العمل داخل الاتحاد مبني أساسا على التطوع والتضحية، وإن حدث أن أحس عضو بتعب أو أصاب نشاطه فتور، فذلك أمر عاد وطبيعي داخل الاتحاد، مادام أنه لم يتجاوز بعد مرحلة العمل التطوعي. أصدرتم بلاغا للمكتب التنفيذي في شأن توزيع المهام بين أعضائه، في منطقة بعيدة عن المركز. فهل لك أن تقربنا من السياق الذي مرت فيه هذه العملية ؟ لقد تمت عملية توزيع المهام، بدورها، في جو ساده الانسجام والتوافق والتناغم بين أعضاء المكتب، وبنفس روح المسؤولية ونكران الذات التي يتحلى بها جميع الأعضاء، وجعل مصلحة الاتحاد فوق أي اعتبار ذاتي أو شكلي. وقد كان لقرار الإخوة أن يعقد الاجتماع الأول الخاص بتوزيع المهام بين أعضاء المكتب خارج المركز، أثره في نجاح اجتماعنا، إذ وقع الاختيار على مدينة شيشاوة الصامدة، كأول قبلة يزورها المكتب التنفيذي، في حرصه على الانفتاح أولا على إحدى القلاع المشكلة للهامش الثقافي ببلادنا، خاصة وأن زيارتنا، أيضا، لهذه المدينة كانت بهدف حضور أعضاء المكتب التنفيذي اللقاء التكريمي الذي نظمته إحدى الجمعيات الثقافية التنموية المحلية، احتفاء بالباحث والمترجم وعضو الاتحاد وأحد الفاعلين في فروعه وفي مجلسه الإداري، الدكتور حسن المودن، وهي بادرة طيبة والتفاتة نبيلة من الإخوة أعضاء المكتب تجاه صديق لنا جميعا، بغاية مشاركته تلك اللحظة الإنسانية والأدبية الرفيعة، كما أنها زيارة جمعتنا بعدد من أعضاء الاتحاد، ممن حضروا المؤتمر الأخير وشاركوا فيه، فشكل اللقاء بهم، ومن بينهم الرئيس الأسبق للاتحاد الشاعر حسن نجمي، مناسبة لاستعادة لحظات المؤتمر الأخير، بل وتنقية الأجواء، من منطلق أن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، مادام أن المستفيد الأول والأخير من حالات الصراع والنقاش والتوتر التي عرفها المؤتمر، هو الاتحاد، الذي هو، في نهاية الأمر، خيمتنا جميعا. شكلت لحظة توزيع المهام بين أعضاء المكتب التنفيذي في التجربة السابقة، مباشرة بعد المؤتمر الوطني السابع عشر، بؤرة للعثرة التي أصابت الاتحاد، ما الفرق هذه المرة؟ خلافا لاجتماع توزيع المهام في الولاية السابقة، بما اعتراه من أخذ ورد، ساهمت فيه عوامل ذاتية وأخرى خارجية، كان من نتائجها توتر اللحظة وتفجر الاجتماع، وإصابة المكتب التنفيذي بتعثر دام حوالي سنة، قبل أن يستعيد المكتب التنفيذي، بمن بقي فيه، عافيته ورحلته التي امتدت حوالي ثلاث سنوات أخرى، إلى أن وصل الاتحاد إلى محطته الكبرى، التي هي المؤتمر الوطني الثامن عشر. ومن بين أهم ما ساهم في نجاح اجتماعنا الأول، الذي يعتبر بعد كل مؤتمر اجتماعا تأسيسيا، بما أنه الاجتماع الذي يبلور فيه الأعضاء ملامح خارطة طريق عملهم، كون الإخوة في المكتب التنفيذي قد جاؤوا إلى الاجتماع متجردين من أية خلفيات مسبقة، جاعلين مصلحة الاتحاد ومستقبله فوق أي اعتبار، إذ حصل الاتفاق منذ البداية على ضرورة الوفاء للمنظمة ولقيمها ولمبادئها التي تأسست عليها، والوفاء لروح المؤتمر الأخير ولتوصياته ولنتائجه، فحصل توافق وانسجام نادرين بين الأعضاء، الذين ارتضوا الأسلوب الجماعي في تدبير شؤون الاتحاد والمرحلة المقبلة، في إطار مقاربة تشاركية، ترتهن إلى مبدأ استقلالية الاتحاد، وتلك قناعة بدت طبيعية لدى الجميع، مادام أن ترشيحهم لتحمل المسؤولية كان ترشيحا مستقلا، لم تتحكم فيه أية نوايا أو إملاءات خارجية، وبذلك ساد اقتناع لدى الجميع بأن المرحلة الجديدة، تشكل محطة أساسية في مسار الاتحاد وهو يدخل خمسينية جديدة بتفاؤل ورهانات بديلة، عليه أن يضاعف الجهود لكسبها، تنظيميا وثقافيا. هذا، فضلا عن عوامل أخرى متضافرة، ساهمت في نجاح اجتماعنا، وفي أن يسوده التفاهم بين جميع الأعضاء، ما سهل عملية توزيع المهام، نتيجة تفهم كل عضو لرغائب الآخر، ولما يناسب اهتماماته، وما يستطيع القيام به، ما ساهم في خلق جو، ساده الوئام والتآخي ونكران الذات. هل لك أن تقدم لنا أمثلة على ذلك، فيما يتعلق بالطريقة التي تم بها توزيع بعض المهام على الأعضاء ؟ لقد وافق الجميع، وبدون تردد، على أن تسند مسؤولية نائب الرئيس إلى عضوين اثنين، ليساعدا الرئيس في مهامه والإنابة عنه، شعورا من الجميع بأهمية المحطة المقبلة، وبضرورة تكثيف الجهود لكسب رهاناتها، فكان كل نائب يمثل جيلا بعينه، أخذا بعين الاعتبار ما راكماه معا من تجارب وحضور داخل أجهزة الاتحاد وخارجها، فوقع الإجماع على الشاعرين إدريس الملياني وعبد الدين حمروش لتولي هذه المهمة. كما ارتأى الإخوة أن تسند مهمة أمانة مالية الاتحاد لكاتبة، ولأول مرة في تاريخ تدبير شؤون المكتب التنفيذي، هي الشاعرة وداد بنموسى، لاعتبارات منها ما يرتبط بأهليتها لتولي هذه المهة بكل جدارة، ولارتباط جانب من تكوينها المهني بمجال المحاسبة، فضلا عن تجربتها السابقة في مجال المال والأعمال بالقطاع الخاص، عدا أن هذا الاختيار يزكي التوجه الجديد للاتحاد على مستوى مقاربة النوع، وتمثيلية المرأة الكاتبة وجدارتها في تحمل مسؤولية حساسة ودقيقة. وتلك اعتبارات يمكن سحبها على باقي المهام الأخرى التي أسندت لأعضاء المكتب الآخرين، كل حسب اهتماماته واستعداده. وتكفي قراءة طبيعة المهام الأخرى، في ارتباطها بأسماء الأعضاء الذين يتولونها، كي نتبين أن التوزيع لم يكن اعتباطيا أو إرضاء لنزوات، بل كان توزيعا موضوعيا وشفافا ومنصفا، مع أنه، في نهاية الأمر، هو توزيع تقني للمهام، وليس توزيعا صارما وبحدود، تنتفي معه روح العمل الجماعي والتشاور والتفاعل التلقائي واتخاذ المبادرة من هذا الطرف أو ذاك. فحتى مهمة نائب الكاتب العام، تمت إحاطتها بمسؤوليات إضافية، من أجل تفعيلها، وأيضا من أجل تمكين نائب الكاتب العام من تحمل المسؤولية كاملة وليس فقط بالنيابة. نفس الأمر بالنسبة للمهام الأخرى التي تساير اختصاصاتها المتغيرات الجديدة التي تعرفها بلادنا، على مستوى الاهتمام بالمرأة الكاتبة والشباب والانفتاح على المجتمع المدني والرقمي وتقوية العلاقات الخارجية للاتحاد، وتنشيط الحياة الثقافية ببلادنا، الذي هو أحد ركائز عمل الاتحاد. ولتقوية هذه المهام وتحصينها، اتفقنا في المكتب التنفيذي على أن يقوم كل عضو بصياغة توصيف للمهمة المنوطة به، وتقديم تصور تقني عنها، وذلك بهدف توسيع مهام أعضاء المكتب التنفيذي، المسطرة في القانون الأساسي للاتحاد، حرصا من الإخوة الأعضاء على تفعيل مهامهم، بشكل يكون أكثر مردودية وفاعلية وتأثيرا. هكذا إذن يتبين أن لحظة توزيع المهام، التي سبقتها لحظة تقييم نتائج المؤتمر الأخير ومناقشة الآفاق المستقبلية لعمل الاتحاد، حيث امتد الاجتماع لأزيد من خمس ساعات، لم تكن لحظة شكلية أو حالة مسطرية فقط، بقدر ما كانت لحظة محددة لملامح خارطة طريق ثقافية مستقبلية في عمل المكتب التنفيذي، بما هي ملامح منفتحة على المحطة المقبلة المتعلقة بانتخاب مكاتب فروع الاتحاد. ومتى ستباشرون عملية تجديد مكاتب الفروع؟ مما لا شك فيه أن نجاح المؤتمر الأخير، وحجم المكتسبات التي حققها، ونجاح المكتب التنفيذي في أولى خطواته نحو التأسيس لتقاليد جديدة في العمل الجمعوي، أساسها الديموقراطية والاستقلالية والتضامن في تدبير المهام والمسؤوليات، ستتلوها خطوات نتمنى أن تكون بدورها ناجحة لعملية تجديد مكاتب الفروع، لما لهذه العملية من قيمة مضافة لعمل الاتحاد ككل، ومن أهمية وتأثير في نجاح المشروع الثقافي للاتحاد، وفي تنشيط الحياة الثقافية، على المستوى المحلي والجهوي. وفعلا، بدأت الحركة تدب في جسم مكاتب الفروع، استعدادا لعمليات تجديدها، ولم لا إحداث فروع جديدة، داخل المغرب وخارجه. يبقى فقط أن نستكمل الإجراءات القانونية للمكتب التنفيذي، كي نباشر عملية تجديد الفروع وانتخاب مكاتبها، ومن ثم، فتح نقاش جدي حول فروع الاتحاد وحول طريقة تدبيرها لشؤونها المحلية، والسعي نحو توفير الإمكانيات اللازمة لمباشرة وظائفها ومهامها، بنفس الروح، وفي نفس الجو المطبوع بالانسجام والتوافق بغاية تحريك المشهد الثقافي ببلادنا وتطويره. هذا، دون أن ننسى أن كتاب فروع الاتحاد قد حظوا، هم أيضا، بثقة المؤتمرين، بعد أن تقررت في المؤتمر الأخير، خلافا لما تم في المؤتمر السابق، تمثيليتهم فعليا في عضوية المجلس الإداري للاتحاد، إلى جانب الرؤساء السابقين للاتحاد وأعضاء المكتب التنفيذي وخمسة عشر عضوا منتخبا في المؤتمر وأعضاء لجنة العضوية والتحكيم، الأمر الذي سيوسع من صلاحيات تدخل مكاتب الفروع ومشاركتهم في بلورة أية خطة ثقافية مستقبلية للاتحاد. إلى حين تجديد مكاتب الفروع، مالذي تنوون القيام به الآن؟ في انتظار أن نستكمل الإجراءات القانونية لدى السلطات المحلية، كي يتسنى لنا مباشرة عملية تجديد مكاتب الفروع بشكل قانوني، سطرنا برنامجا أوليا، يتضمن زيارة بعض الإخوة الأعضاء، من مؤسسي الاتحاد ورؤسائه السابقين وبعض أعضائه الرواد، للتواصل ومعهم، واستشارتهم والاستفادة من تجاربهم وخبراتهم، في أفق التفكير في تشكيل لجنة استشارية لاتحاد كتاب المغرب، وكذا زيارة بعض المسؤولين الحكوميين، من شركائنا التقليديين وغيرهم، ومدراء بعض المؤسسات العمومية ورؤساء بعض المجالس المنتخبة، وذلك بهدف تجديد التواصل معهم، والنظر في مضمون اتفاقيات الشراكة والتعاون مع قطاعاتهم ومؤسساتهم، وذلك حتى يتسنى للمكتب التنفيذي تسطير برنامج ثقافي على المدى القريب، يأخذ بعين الاعتبار الإمكانيات المتوفرة لدى الاتحاد والمقترحة عليه. فضلا عن ذلك، سيستقبل الاتحاد في شهر أكتوبر المقبل، وفدا عن اتحاد كتاب الصين، للنظر في تفعيل اتفاقية التعاون مع منظمتهم، بما هو لقاء يندرج في صلب السياسة الثقافية الدبلوماسية التي رسخها الاتحاد في المرحلة السابقة، والرامية إلى الانفتاح أكثر على آفاق وثقافات وحضارات وجغرافيات جديدة، من بينها الصين، من أجل الاستفادة من حضورها الثقافي، ومن وزنها الاقتصادي، ومن ثورتها التكنولوجية المؤثرة في عالم اليوم. موازاة مع ذلك، نحن بصدد تسطير برنامج ثقافي طموح، سنعرضه على الأجهزة المختصة للمصادقة عليه، ويتضمن، في مرحلة أولى، التفكير في تنظيم مناظرة وطنية حول الثقافة المغربية، تشارك فيها كل المكونات الثقافية واللغوية والفكرية والإبداعية ببلادنا، احتفاء بمرور خمسين سنة على تأسيس اتحاد كتاب المغرب. كما سيجتمع المكتب التنفيذي، نهاية الأسبوع الجاري، بوفد عن الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق بمقر الاتحاد بالرباط، لتدارس السبل الكفيلة بدعم علاقات التعاون والصداقة بين الاتحادين الشقيقين. هذا جانب من إطلالتنا الأولى والسريعة على محيطنا وعلى العالم، ستتلوها، بدون شك، خطوات أخرى أجمل وأفيد وأرحب...