ما هي طبيعة الخلافات التي يعيشها اتحاد كتاب المغرب، هذه المؤسسة الثقافية العريقة التي تناوب على تسييرها استقلاليون واتحاديون، وأوصلت بعضهم إلى سدة الوزارة أو إلى مناصب إدارية كبيرة، وخلقت إشعاعا ثقافيا للمغرب، وحضورا وازنا على المستوى العربي، في وقت كان فيه الانتماء إلى اتحاد كتاب المغرب، هو انتماء إلى مغرب الحداثة والديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير، مما جعل من هذه المنظمة المغربية نقطة ضوء في العالم العربي ومختبرا سريا للخلاف السياسي والثقافي.. لكن ما الذي تغير، حتى هوى الصرح إلى الحضيض؟ هنا نتتبع بعض خيوط الدمية ومن يمسك بها. دعا عبد الحميد عقار رئيس اتحاد كتاب المغرب المنتخب في المؤتمر ال17 المنعقد في نونبر الماضي في بيان صادر باسمه، أول أمس، إلى عقد مؤتمر استثنائي لاتحاد كتاب المغرب في أجل أقصاه ثلاثة أشهر، يبدأ من تاريخ صدور هذا البيان، على أن يكون المؤتمر الاسثنائي في يوم واحد وبجدول أعمال محدد مقصور فقط على انتخاب مكتب تنفيذي ورئيس جديد للاتحاد، وإدخال بعض التعديلات الجزئية على القانون التنظيمي للاتحاد، مع الإبقاء على أعضاء المجلس الإداري. وقال عبد الحميد عقار في البيان الموقع باسمه، إن الدعوة إلى المؤتمر الاستثنائي ليست موجهة ضد أحد من أعضاء المكتب التنفيذي، بل ضد تفكير وممارسة «يمثلان سابقة غريبة عن تاريخ المسؤولية في الاتحاد»، وكان عدد من أعضاء المكتب التنفيذي قد طالبوا عقار بالاستقالة وتوزيع المسؤوليات من جديد داخل المكتب التنفيذي، بعد استقالة جمال الموساوي أمين مال الاتحاد بسبب ما اعتبره هذا الأخير سيادة أجواء عدم الثقة بين أعضاء المكتب التنفيذي، في الوقت الذي أشار فيه عقار إلى وجود سجالات ورغبات عدائية اتجاهه من عضوين من أعضاء المكتب التنفيذي، لم يسمهما في البيان. من جهة أخرى أقدم ستة من أعضاء المكتب التنفيذي لاتحاد كتاب المغرب من أصل اثنين على إصدار بلاغ موجه إلى الرأي العام الثقافي في البلاد على خلفية البيان الصادر عن عبد الحميد عقار باسمه الشخصي وباعتباره رئيسا لاتحاد كتاب المغرب والداعي إلى مؤتمر استثنائي في مدى أقصاه ثلاثة أشهر، بسبب الخلافات الموجودة داخل المكتب التنفيذي، والتي لم تجد طريقها إلى الحل. وأشار البلاغ, الذي يحمل توقيع كل من عبد الرحيم العلام وهشام العلوي ومحمد بودويك وحسن بحراوي ومصطفى النحال وسعيد عاهد,. إلى أن «المكتب التنفيذي لاتحاد كتاب المغرب اجتمع كما كان مقررا يوم السبت7 فبراير بمقر الاتحاد بالرباط بحضور أغلبية أعضائه، وغياب رئيس الاتحاد، الذي اكتفى بتوجيه رسالة شخصية لأعضاء المكتب، يعترض فيها على مشروعية اجتماع سبق أن دعا هو نفسه، بصفة رسمية، إلى عقده». وأضاف بلاغ الستة بأنه كان من المقرر في هذا الاجتماع استكمال هيكلة المكتب التنفيذي عقب استقالة أمين مالية الاتحاد، من أجل صياغة أرضية للاشتغال متوافق عليها بين جميع الأعضاء، للبدء في بلورة مشروع برنامج عمل، يشمل من جملة ما يشمل مباشرة تجديد مكاتب الفروع. واعتبر البيان أن إقدام رئيس الاتحاد على نشر بلاغ انفرادي عبر وسائل الإعلام يدعو فيه إلى عقد مؤتمر استثنائي في أفق حدده في ثلاثة أشهر، هو قرار غير ملزم، لأنه طبقا للقوانين التنظيمية للاتحاد لا يحق، حسب البلاغ، الدعوة لمؤتمر من دورة استثنائية إلا بطلب من ثلثي أعضاء الاتحاد الذين أدوا واجب انخراطهم في آخر مؤتمر. وخلص البلاغ إلى أن دعوة عقار لمؤتمر استثنائي لا تكتسي أية صبغة رسمية ولا يحق للرئيس ولا لأي عضو آخر الدعوة إلى عقد مؤتمر استثنائي للاتحاد. على مستوى آخر استغرب الشاعر والكاتب علال الحجام في تصريح ل«المساء» الدعوة لعقد مؤتمر استثنائي لاتحاد كتاب المغرب، واعتبر هذه الدعوة إهانة للكتاب بالنظر إلى طبيعة الخلافات السائدة الآن وهي خلافات بسيطة وكان يجب أن تطرح وتناقش لمصلحة الاتحاد وانتهى الأمر. وأشار الحجام إلى أن اتحاد كتاب المغرب، وبعيدا عن المزايدات كان منذ تأسيسه في عهد الدكتور محمد عزيز الحبابي منظمة موحدة للكتاب بقطع النظر عن انتماءاتهم السياسية وتوجهاتهم الثقافية والفكرية. وذكر الحجام بالفترة التي تأجج فيها الصراع في عهد رئاسة عبد الكريم غلاب. وهو صراع كان بالأساس موجها ضد بعض المثقفين الموالين للسلطة ومن يمثلهم، من طرف المثقفين الوطنيين، وبالتالي فمنطقه وخلفياته كانت واضحة. أما عن الصراعات التي طبعت مسار اتحاد كتاب المغرب في مختلف محطاته التاريخية فما كان يطبعها هو الاختلافات البسيطة، إذ لا تكون عميقة بالقدر الذي تخلف أخدودا أو شرخا عميقا في جسد الاتحاد. وأردف الحجام قائلا: إن المؤتمرات كانت فرصة لتبادل الرأي وإبراز الاختلاف الذي قد يصل إلى مرحلة حادة في وسائل التعبير، وعلى عكس ما يروج له تسود حرية الرأي والاختيار في من يمثل الاتحاد على المستوى المركزي والهيئات المقررة، ليظل الاتحاد منظمة موحدة لكل الكتاب. رئيس اتحاد كتاب المغرب عبد الحميد عقار الذي وجه الدعوة للكتاب والكاتبات من أجل عقد مؤتمر استثنائي داخل مدى ثلاثة أشهر، سألته «المساء» فيما إذا كانت هذه الدعوة تعكس عمق أزمة يعيشها الاتحاد جعلت مجموعة من الأصوات حتى قبل المؤتمر تؤكد على تراجع الاتحاد وأنه لم يعد يشكل وقودا للحركة الثقافية المغربية، وأجاب عقار بأن هذا حكم آني نابع من وضع يحياه اتحاد كتاب المغرب اليوم، واستعرض في هذا الإطار حصيلة السنوات الأربعة الماضية: قائلا لقد عرف الاتحاد تألقا على مستوى الحضور الثقافي والإسهام في الإشعاع والتنوير، وكانت له مواقف مشرفة لصالح حرية التعبير وحرية الصحافة. واعتبر إصدار ستة أعداد من مجلة آفاق رقما قياسيا بالمقارنة مع السابق، إضافة إلى أكثر من 26 مؤلفا للمبدعين والمبدعات، وتفعيل حضور الاتحاد عبر وسائل الإعلام وفي المؤسسات الوطنية وبالتعاون مع جمعيات ومنظمات مستقلة وصحافية، وتمثيل صوت الكاتب المغربي بالتركيز على الثقافة وأولويتها بالنسبة للمجتمع. وفي تفسيره للوضع الحالي أكد عقار أن هناك ركودا ووضعية انتظارية تدعو إلى مؤتمر استثنائي. وفي تعليقه على مفارقة الصراع الحاصل بين أصحاب لائحة موحدة قدمت للمؤتمر، باستثناء عبد الرحيم العلام، اعتبر عقار مسألة اللوائح مبالغ فيها وقيل حولها الكثير من القيل والقال، ذلك أن المؤتمر كان فيه نقاش وتباين في وجهات النظر، وحسم الأمر بواسطة التصويت الفردي والسري كتعبير عن إرادة الكاتبات والكتاب حتى يمكن فرز أجهزة بطريقة ديمقراطية. وأشار عقار إلى أن الوضع الحالي يترجم بالفعل حرصا على المواقع وأسلوبا في الوصول إليها، غريبا عن تاريخ المسؤولية في تاريخ المغرب. وأضاف عقار بأن هناك نوعا من الانقلاب، ولم يحدث صراع وخلاف حول البرنامج الثقافي. لكون هذا الأخير لم يوضع بعد، ولهذا السبب يقول عقار سارعت إلى عقد المؤتمر الاستثنائي. من جهته يرى عبد الرحيم العلام أحد الموقعين الستة على بلاغ المكتب التنفيذي الأخيرأنه «إذا كان لا بد من الحديث عن «أزمة» ما يجتازها اتحاد كتاب المغرب اليوم، فيمكن اعتبارها، مع ذلك، أزمة إيجابية، لكونها تستهدف بالدرجة الأولى تطوير عمل الاتحاد، بالشكل الذي عبر عنه أعضاء الاتحاد بأصوات متعددة، وفي مناسبات مختلفة، وذلك وفق تصور جديد لتدبير شؤون منظمة عتيدة ذات تاريخ طويل، ودور ثقافي مؤثر، وحضور رمزي واسع في الساحتين الوطنية والعربية. بما هو تصور يندرج في إطار أفق جديد للتصحيح، يتغيا إنقاذ منظمتنا، ويتماشى وتوصيات المؤتمر الأخير وانتظاراته، وينسجم مع القانون الأساسي للاتحاد، بحيث ما فتئ الإخوة في المكتب التنفيذي يؤكدون على أن تكون مصلحة الاتحاد فوق أي اعتبار، بغض النظر عن الأشخاص والمواقع والمهام، والنزعات الذاتية، التي بدا أن رئيس الاتحاد، الذي انتخبه المكتب التنفيذي وليس المؤتمر، غير مستعد لتجاوزها والتخلي عنها، وما خروجه علينا مؤخرا ببلاغ انفرادي يشوش به على الرأي الثقافي العام، ويدعو فيه إلى عقد مؤتمر استثنائي، بشكل غير قانوني، سوى جانب من تجليات تلك النزعة الذاتية والفردية، وكأننا عاجزون جميعا عن تدبير شأننا الداخلي، وفق ثقة المؤتمر فينا. من هنا، فإنني أستبعد شخصيا أن تكون ثمة أزمة أو خلافات شخصية أو سياسوية، بقدر ما هي خلافات طبيعية حول منهجية العمل التي أرادها المكتب التنفيذي جماعية وموضوعية وحداثية وشفافة، بعيدا عن أساليب المناورة والتعتيم والتضخم الذاتي». وحول طبيعة الدور الثقافي المتراجع الذي أصبح عليه الاتحاد يقول العلام «صحيح أنه، في الآونة الأخيرة، أصبح البعض يطرح سؤال جدوى الاتحاد اليوم، في ظل ظهور جمعيات وأندية ثقافية جديدة، في المشهد الثقافي والأدبي بالمغرب، وهو وضع طبيعي يكاد يكون متشابها في مشاهد ثقافية أخرى، من غير أن يتخلى الكتاب عن خيمتهم الأولى، وعن تاريخها وتراكمها الثقافي المتنور، وأنا هنا أتحدث عن اتحاد كتاب المغرب. صحيح أيضا أن ثمة متغيرات كثيرة طرأت على مشهدنا الثقافي، بما في ذلك تراجع دور المثقف والثقافة في مجتمعاتنا، إلا أن ذلك لا يمنع من التأكيد على ضرورة التشبث باتحاد كتاب المغرب، كمنظمة ثقافية مستقلة ومؤثرة في الرأي العام الثقافي، باعتراف الجميع، داخل الوطن وخارجه، وكخيمة ثقافية تستضيف إليها كتابنا وإبداعاتهم وأصواتهم ومواقفهم، جيلا بعد آخر. ولا أدل على ذلك من تزايد عدد المؤتمرين، ممن حضروا المؤتمر الأخير، وأدوا واجب اشتراكهم».