تكثر خلال فصل الصيف مواسم التبوريدة في مختلف مناطق المغرب، حيث يتباهى الفرسان في إبراز خبراتهم في هذا التراث الأصيل والقديم الذي ورثوه أبا عن جد، وعملوا على الحفاظ عليه من الإندثار. فترى الأسر المغربية تحج إلى هذه الساحات للاستمتاع بمنظر الخيول تسابق الريح والفرسان يطلقون العنان لصرخاتهم ويتفننون في إخراج الطلقات من بنادقهم في وقت واحد بشكل متناغم. لكن هناك «تبوريدة» من نوع آخر نعيشها بشكل يومي، تبوريدة لاتحتاج إلى مواسم خاصة وفضاءات ومواقيت معينة. تبوريدة تجعل المواطن يضع يده على قلبه من هول الطلقات المصوبة في اتجاهه والتي تصيب جيبه وتدخله دوامة الحاجة والاقتراض وسياسة انتظار حلول آخر الشهر ليطلع بحسرة على ماتبقى من دراهم من أجره الشهري الضعيف أصلا ! هكذا يجد المواطن المغلوب على أمره نفسه في مواجهة تبوريدة من نوع خاص، ليس للفرجة ، فلامكان للفرجة هنا ف»المبورِد« هنا هو الأسعار وغلاء المعيشة، و»المبورد« هو المشغل الذي يمتص دماء العاملين والأجراء، »المبورد« هو طاحونة القروض التي لاتبقي من »الخلصة« آخر الشهر إلا النزر القليل! إنه العبء الضريبي والتباين الطبقي والمضاربات العقارية التي اشتعلت نيرانها من دون أن تتدخل الدولة لحماية المغلوبين على أمرهم، المبورد هنا هو من تملك الأراضي وألهب أسعار المساكن الإقتصادية بزيادات صاروخية من دون أن يتدخل أحد لوقف النزيف. أليست هذه تبوريدة من الطراز العالي؟ أليسوا »فرسانا« من نوع خاص تمكنوا بدهاء من الاستحواذ على السوق في فترة قياسية وبمسميات مختلفة، تمكنوا بعدها من نسج شبكة عنكبوتية تتصيد الفرائس المغلوبة على أمرها والتي لاتجد ملاذا آخر غير التوجه نحوها كرها. الغريب في الأمر أن لكل واحد ميدان تبوريدته، فمنهم من اختار العقار حيث وجد من يسهل له طريق »التبورد« على المواطنين، ومنهم من اختار المواد الغذائية والخضر، ومنهم من اختار صحة المواطنين ، وآخرون توجهوا نحو اتصالاتهم، ومنهم من فضل مياههم وكهرباءهم ، والبعض الآخر اختار تنقلاتهم ، ومنهم من اختار قليلا من كل هذا وذاك وجمع كل مايمكنه من التبوريد »مزيان« واللائحة طويلة ... المهم إذا كانت للتبوريد مواسمه، فإن في بلادنا من »استحلى« اللعبة وأضحى »يتبورد « علينا طيلة السنة، لم لا وليس بيننا من يوقف هؤلاء »المتبوردين « رحمة بالمواطن الذي أرهقته حوافر خيول المتبوردينو فأصبح غير قادر على تحمل المزيد ، خاصة وأن لا مؤشر في الأفق يبشر بقرب اقتصار التبوريدة على الأماكن المخصصة لها أصلا إنه زمن التبوريدة بامتياز في المغرب!