«آلخيل، آلمكاحل.. والحافيظ الله»، نداء للاستجابة يطلقه “مقدم السربة” لتحقيق طلقة واحدة، عندما يضغط جميع الفرسان على زناد “المكحلة” ل “تخريجة” مدوية واحدة دون تأخير. إن سار الأمر دون تخلف طبقا لنداء “لمقدم” نجحت “التخريجة”، وإن تأخر فارس في الضغط على الزناد، اختل إيقاع الطلقة، ليشكل نشازا في أداء المجموعة. لكن فرجة المواسم في عروض التبوريدة لا تخلو من حوادث دامية، قد تتسبب في عاهات مستديمة لبعض الفرسان، وقد تجعلهم أحيانا عرضة للهلاك. لكن كل ذلك لا يثني عزائمهم عن مواصلة الرحلة، رحلة الاستمتاع بامتطاء صهوة الجواد، وتزيينه بأبهى الحلل، وارتداء أجمل الأزياء التقليدية لتمثيل “السربة” أحسن تمثيل، في تظاهرات موسمية، عنوانها البارز «المفاخرة» بالفرس، وذكر مناقب الفارس وتمرسه، لنيل المراتب الأولى في حفلات التتويج عند نهاية المواسم. انطلقت مهرجانات “التبوريدة” مع الأيام الأولى لفصل الصيف فشد الفرسان الرحال صوب المواسم، فما يكاد ينفض واحد حتى ينعقد الثاني. لكن التسابق من أجل الاحتفال قبل حلول شهر الصيام، جعل بعض المواسم تنعقد في نفس الفترة. فمنذ أيام انطلق موسم الولي «سيدي عبد الرحمان» في عامه الثاني، بعد سبات عَمَّرَ 14 سنة، ارتأى المشرفون عليه، بعد تأسيس جمعية، إحياءه في عامه الثاني، ليستقطب أزيد من 15 “سربة” من مجموعة من المدن المجاورة. وخلال نفس الفترة ينعقد مهرجان دار بوعزة على مقربة من المنطقة الساحلية المعروفة ب «دار كوش»، ويستقطب بدوره عشرات من فرق التبوريدة، التي تتنافس لإظهار مقدراتها على أداء وصلات من أجل نيل إعجاب جماهير البيضاء التي تحج بأعداد كبيرة لمتابعة هذه الفرجة التقليدية. لكن فرجة التبوريدة لا تمر دائما بسلام. فبعد زوال أول أمس الخميس أصاب فارس شاب عينه، عند إطلاق البارود من بندقية، في “تخريجة” للسربة التي ينتمي إليها. ولأن الإصابة كانت بليغة حمل الفارس على متن سيارة للإسعاف إلى «المستشفى الحسني»، ومنه نقل إلى مستشفى 20 غشت، بعد أن غمرت الدماء وجهه في تسديدة بندقية، لم تكن موفقة. فعوض أن تتوجه إلى السماء، أصابت عينه فأدمته لينقل على وجه السرعة إلى المستشفى لتلقي العلاج. وقبل ذلك بيوم تعرض فارس ثان من سربة أخرى إلى رذاذ طلقة بارود، عند أداء “تخريجة” في لوحة من لوحات “سربته”، فتسببت شظايا الطلقة في جروح طفيفة، أدمت وجهه. وفي مواسم أخرى سالفة لقي شاب حتفه غرقا عند كان يقوم بعملية استحمام لجواد من جياد التبوريدة المشاركة في المهرجان. وبموسم سيدي عبد الرحمان، كذلك فَقَدَ أحد الفرسان توازنه فسقط من صهوة جواده، بعد أن أفلتته حوافر الجياد المتبارية على “لمحرك”، ليحمل بدوره إلى المستشفى لتلقي العلاج. هي ذي حوادث التبوريدة التي لا يخلو موسم منها. بعضها يكون “خفيفا” ومعتادا، لا يثني عزائم الفرسان عن مواصلة المشاركة في باقي أيام الاحتفال. وبعضها الآخر، يكون “كارثيا” يزهق بعض أرواح المتبارين، نتيجة أخطاء غير محسوبة العواقب. لكن كل ذلك لا يمنع باقي الفرسان من استمرار “سربات” تشد الرحال من مدن مختلفة للمشاركة في مواسم التبوريدة. لأن الولع، يفوق المخاطر، ولأن المقدم يردد دائما: “آلحافيظ الله”.