بينما كان الرئيس السوري بشار الأسد يدلي بصوته مبتسما بصحبة زوجته البريطانية المولد أسماء في الاستفتاء على الدستور الجديد, كانت قواته تقصف مدنيين بائسين ومسلحين منشقين في حمص ثالث كبرى المدن السورية وقلب الانتفاضة على حكمه. ومع افتقاره لغطرسة صدام حسين وشطحات معمر القذافي, لم يكن من المحتمل أن ينضم الأسد صاحب الصوت الهادىء إلى حكام آخرين مستبدين في الشرق الأوسط تلطخت أيديهم بالدماء. لكن بعد مقتل الآلاف خلال حملة قمع مستمرة منذ 11 شهرا للاحتجاجات, أثار طبيب العيون الذي درس الطب في لندن غضب دول مثل الولاياتالمتحدة وبريطانيا كانت تشيد به ذات يوم كإصلاحي محتمل. وذكر بعض من يعرفون الأسد (46 عاما) أن ذلك خطأ كان يسهل الوقوع فيه نظرا لجاذبيته واعتدال سلوكه وميوله الإصلاحية التي يقولون إنها تحولت إلى ثقة زائدة بالنفس وموهبة في التلاعب بالمجتمع الدولي. وقال احد مستشاريه السوريين السابقين إنه اصبح مقتنعا بأنه «الرجل الذي اختاره الله» بعد أن استقر به الأمر في منصبه. وأشار الباحث الأمريكي ديفيد ليش الذي التقى بالأسد عدة مرات أثناء إعداد كتابه (أسد دمشق الجديد) الذي صدر عام 2005 إلى تغير مماثل في شخصية الزعيم السوري. وقال ليش لرويترز «أنا شخصيا شهدت بشار يصبح أكثر ارتياحا للسلطة. بدأ مع مرور الأعوام يصدق المتملقين والدعاية المحيطة به بأن رفاهية البلد مرتبطة برفاهيته.» وقتل قرابة 60 مدنيا وجنديا في نفس يوم الاستفتاء على الدستور الذي وصفته وزيرة الخارجية الأمريكية بأنه «أكذوبة» و»حيلة مثيرة للسخرية». ويقول الذين عرفوا الأسد إنه مقتنع بأنه يحارب انتفاضة مدفوعة من الخارج ويشترك فيها أسلاميون ومنشقون على الجيش وإنه يعتزم سحقهم. ويقول المؤيدون والمنتقدون على السواء إن الأسد أصبح اسير مصالح قوية بعد أن فشل في تغيير نظام حكم جامد وفاسد تسيطر عليه أسرته والطائفة العلوية التي ينتمي إليها في بلد يغلب السنة على مواطنيه. وقال أندرو تابلر مؤلف كتاب (في عرين الأسد.. داخل حرب أمريكا الباردة مع سوريا برئاسة الأسد) «هو واقع فيما نسميه معضلة الديكتاتور.. إذا أجرى إصلاحات الآن فسيقوض الذين يعتمد عليهم (أجهزة الأمن) لدرجة كبيرة في الحفاظ على نظامه. هو في ورطة حقيقية.» ولم يكن الأسد معدا ليتولى الزعامة لكن شقيقه الأكبر باسل الوريث المحتمل للسلطة بعد حافظ الأسد توفي في حادث سيارة عام 1994 فتولى بشار الرئاسة بعد وفاة الأب عام 2000. وذكر التلفزيون الرسمي السوري أن قرابة 90 في المئة من الناخبين وافقوا على الدستور الجديد الذي خلا من مادة كانت تنص على أن حزب البعث هو قائد الدولة والمجتمع ويسمح بالتعددية السياسية ويحدد فترة الرئاسة بولايتين مدة كل منهما سبع سنوات. وينتظر إجراء انتخابات برلمانية في غضون ثلاثة أشهر. لكن تحديد مدة الرئاسة لن يطبق باثر رجعي الأمر الذي يوحي بأن الأسد الذي يتولى السلطة منذ عام 2000 يمكن أن يظل في المنصب على مدى ولايتين أخريين بعد انتهاء ولايته الحالية عام 2014. ورغم مقاطعة الزعماء العرب وتركيا الحليفة السابقة ما زال الأسد يعول على حلفاء مثل روسيا والصين وإيران لمساندته على الصعيد العالمي. ووصف وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الاستفتاء بأنه «خطوة مهمة على طريق الإصلاح». وكانت واشنطن ذكرت أنها تعارض التدخل العسكري لكنها فتحت الباب الأسبوع الماضي على ما يبدو أمام تسليح المعارضة السورية في آخر المطاف قائلة إنها ربما تضطر لبحث خيارات أخرى إذا استحال حل الأزمة السورية دبلوماسيا. ويعتقد أن مسؤولين سوريين وجهوا إلى الأسد رسائل بالبريد الإلكتروني قبل المقابلة التي أجراها مع شبكة إيه.بي.سي التلفزيونية الأمريكية وتمكن نشطاء «أنونيمس» المتسللون من اختراقها نصحوا فيها الرئيس «بالتلاعب» بالجمهور الأمريكي. وجاءت في رسائل البريد الإلكتروني نصائح بعدم الحديث عن الإصلاح مشيرة إلى أن الأمريكيين لا يبالون بذلك ولا يفهمونه وأنه يمكن بسهولة استمالتهم عندما يسمعون أن أخطاء ارتكبت ويجري الآن إصلاحها. ولم يقتنع بعض الذين كانوا مقربين من دائرة الرئاسة بأن الأسد يسعى حقا للتغيير وهو الذي نقل عنه قوله الأسبوع الماضي إن الإصلاحات ربما يجب أن تنتظر حتى الجيل التالي. وقال تابلر الذي كان يعمل في وقت ما مستشارا لمشاريع أسماء الأسد الخيرية ورافق زوجها خلال زيارة رسمية للصين «اكتشفت في وقت مبكر جدا أن النظام الذي يرأسه فاسد ويستعصي على الإصلاح ووحشي أيضا لدرجة أن الصورة التي يسعى بشار لترويجها لا تستحق المراهنة عليها.» وأضاف «نجحت طبيعته المخادعة في إرباك المجتمع الدولي.» وقال ليش الذي يعكف حاليا على تأليف كتاب بعنوان (سقوط حكم عائلة الأسد) «في رأيي أن رؤية بشار الأولى فشلت وأن الموجود الآن.. حتى إذا تمكن من البقاء.. كائن مختلف تماما يشبه كوريا شمالية في الشرق الأوسط.» لكن عبد النور متشائم بخصوص مستقبل سوريا التي امتدت فيها الاضطرابات من المحافظات إلى العاصمة. ومع استمرار المنشقين عن الجيش والمشاركين في الانتفاضة في قتال قوات الحكومة وقع عدد من أعمال القتل الانتقامية من الموالين للأسد الأمر الذي يثير مخاوف من احتمال نشوب حرب أهلية بين ابناء أمة يتألف شعبها من مزيج من السنة والعلويين والمسيحيين والأكراد والدروز. وقال عبد النور «ستتصاعد الأمور ولن تترك إلا خيارا واحدا.. قتل جميع المحتجين.»