يبدو عبد الله العروي المفكر المغربي المعاصر، من أهم المثقفين الدارسين لمفهوم الدولة، فقد تناول هذه المسألة بكل تفرّعاتها، في سياق مشروعه لرفع العرب إلى مستوى الحداثة، وخصص لها حلقة من سلسلة كتبه عن (المفاهيم)، في إطار بحثه عن اندماج العرب في الحداثة أو العصر. فقبل كتابه (مفهوم الدولة) كان قد تعرض لها في (مفهوم الحرية). ولم يكن موضوع الدولة بعيداً جداً عن أبحاثه كلها، التي كانت مسكونة بالهموم السياسية رغم ما تحمله من تأمّلات عميقة، ومن دقّة المفاهيم، وكثافة الأفكار وشمولها، فمنذ أن أصدر كتابه الهام (الأيديولوجية العربية المعاصرة 1967)و(أزمة المثقفين العرب 1970)، وبالعربية (العرب والفكر التاريخي1973)، غدا جلياً لقرائه أنهم بصدد خطاب جديد كل الجِدّة، بما يحمل من رهانات فكرية وتماسك ورصانة، وأثارت تلك المؤلفات الافتتاحية في تكاملها وتناسقها خطاباً حداثياً متماسكاً وغنيّا بالدلالات، وسجّل العروي بها حضوراً ملموساً في ميدان الثقافة العربية، إلى أن صار معلماً من معالمها. ثم استمر في إغناء ما بدأه من دراسة لتمظهرات الحداثة العربية ولمفاهيمها بإصداره سلسلة المفاهيم : (مفاهيم الأيديولوجيا 1980) تلاه (مفهوم الحرية1981)ثم(مفهوم الدولة 1981) و(مفهوم التاريخ ) أعقبه بكتابه الكبير(مفهوم العقل1996). شكلت بتكاملها وعمقها مدخلاً نظرياً للحداثة، ودرساً نظرياً لعبور العرب نحوها، مسلحاً بهاجس المنهجية التاريخية، ليقدم بذلك منظوراً جديداً للإصلاح السياسي والثقافي، وكان مدخله إلى ذلك الدعوة للانخراط في الحداثة، والاقتباس دون مواربة من تجربة الحداثة الأوربية، كشرط لا بدّ منه لتجاوز العرب لتأخّرهم التاريخي، ولبؤسهم الاقتصادي والاجتماعي للارتقاء إلى مستوى العصر(3). فغدا العروي من أكبر دعاة الحداثة السياسية في الفكر العربي المعاصر، تجلّى ذلك في وضوح دعوته إلى التاريخانية الرامية إلى الدفاع عن واحدية التاريخ البشري، من أجل أن تتمكن الإنسانية في كل مكان من التعلم من دروس الحداثة الأوربية(4). فغدت هذه التاريخانية التي حاول العروي بلورتها تياراً له حضوره في الحياة الثقافية-السياسية العربية، تجلت في العديد من التصورات يمكن اختصارها في أربعة مقومات : 1 - ثبوت قوانين التطور التاريخي، أي حتمية التمرحل التاريخي. 2 - وحدة الاتجاه (الماضي الحاضر المستقبل) 3 - إمكانية اقتباس الثقافة، التي تومي إلى وحدة الثقافة. 4 - إيجابية دور الثقافة والسياسي، بما تعني من إمكانية اختصار الزمن(5). هذه التاريخانية بتوجهاتها العامة حاول العروي استخدامها في بلورة خطاب لتقدم بلاده والعالم النامي. وبما أن التاريخانية حدت بفلاسفة الغرب إلى الانكباب على تاريخ مجتمعاتهم وحضاراتهم، فإنها عند العروي كما يقول "دليل يحيلني إلى مجتمعي وتاريخه. ولو اكتفيت بالتموضع في التاريخانية كفلسفة، أو كتلة أفكار لكنت مجرد داعية كما هو شأن البرغسونيين والسارتريين العرب...والمعطى التاريخي الذي تحيلنا إليه التاريخانية هو التأخر العربي، وهذا المفهوم يعيننا كبلدان مستعمرة سابقاً توجد في وضعية تحكم علينا.. أن نُعيد إنتاج ما أنتجه الغرب، وأن نكرر التجارب الغربية لنستوعبها تماماً كما نفعل بالنسبة للاختراع العلمي الذي سبقنا إلى اكتشافه غيرنا، ونضطرّ نحن لعرضه على مخابرنا ..هكذا يكون الموقف التاريخي على وجه الإجمال هو فهم وتقصد مجموعات الغايات والأهداف التي تندرج في سياق التطور ونضطر إلى قبولها و تلبيتها" (6) . فالعروي يدعو للانخراط في الحداثة، على ضوء تجارب أوربا في التطور التاريخي، والإلحاح على المرحلة الليبرالية من هذا التطور لاستيعابها بقصد الولوج في روح العصر، وقد عاين من هذا المنظور مسألة (الدولةالإسلامية)و التجربة السياسية في الإسلام، والمعنى الفعلي لشعارات الإسلاميين المعاصرين عن هذه الدولة. تعرّض العروي للعديد من الخيارات المنهجية المختلفة لدراسة الدولة في التجربة السياسية الإسلامية، فهناك طريقة علماء الاجتماع، وطريقة علماء التاريخ، وأيضاً الفلاسفة. يهتم الفيلسوف بالسؤال عن ماهية الدولة وغايتها، بحيث أن السؤال عن(ماهية الدولة)يدور في واقع الأمر حول هدفها، والحال أن من يسأل عن هدف الدولة يسبح في المطلقات، ويركّز عالم الاجتماع أو صاحب اجتماعيات السياسة على سؤال وظيفة الدولة، ويختلف سؤال المؤرّخ عن سابقيه، إذ إنه يكتفي بتسجيل ما أثبتته الوثائق الصحيحة القطعية حتى لو تعارضت مع تحليلات الفيلسوف وأوصاف عالم الاجتماع. وعلى الرغم من صعوبة تصنيف العروي إلاَّ أنه يميل في تحليلاته إلى منهجية المؤرخ دون أن يفتقر إلى الانغماس في منهجيات اجتماعيات السياسة، وتوترات الفيلسوف الفكري وشموله. نموذج الدولة الحديثة: لفت عبد الله العروي نظرنا إلى أنّ هناك أربعة نماذج لدراسة وظائف الدولة القائمة ووسائلها: (نموذج الدولة التاريخي )نموذج دراسة فريدريك انجلس التي ربطت نشوء هذا الدولة باستقرار قبائل الرحّل والملكية الخاصة والكتابة، منذ القرن الخامس عشر قبل الميلاد، وهي ناتجة عن تفكك نظام القرابة، المتميز بالإقامة المستقرة وبالملكية الفردية، يستلزم شرطة، وهذه تستلزم جباية، وكلاهما يستلزم قانوناً تنظيمياً. والثاني نموذج (دولة التنظيمات الجديدة) الحديثة التي عرفها عصر النهضة (عهد فريدريك الثاني)، ودولة لويس الرابع عشر وعهد الثورة، ودولة الإمبراطور نابليون الأول، والنموذج الثالث هو نموذج (الدولة الصناعية)، و التي تتميز بغلبة العمل في المصانع والمتاجر على العمل في الزراعة، والرأسمالي النقدي على الملكية العقارية وتعطي الأولوية للصناعة على الفلاحة في سلم الأولويات، فينعكس هذا على وظائف الدولة فيها. والرابع نموذج اجتماعيات أواسط القرن التاسع عشر التي تتجلى كجهاز المترتّب على التداخل بين العلم والصناعة، وارتفاع نسبة قطاع الخدمات، بالإضافة إلى اعتمادها على وسائل الاتصال السمعية والبصرية والإعلاميات حتى سمّاها العروي بالنموذج الإعلاموي، وكلها عوامل غيرت من قدرات ووظائف الدولة . بيد أن مركز اهتمام اجتماعيات السياسية المعاصرة هو نموذج الدولة الحديثة ? الصناعية التي هي امتداد لدولة نابليون، وتقع في محل الوسط، تبقى لدى العروي منطلق كثير من الدول الحالية والمعيار النموذجي، وهو الذي يعنيه حالياً بالدولة، ومنطلق كثير من الدول الحالية ويعني العروي بها الدولة الحديثة التي تتميز بنظام : الإدارة، الاقتصاد، التعليم، والأهم الجيش الوطني والبيروقراطية، فقد استبدلت الثورة الفرنسية الجيش التقليدي بالجيش الحديث الذي تميّز بالوطنية، الشعبية، الديمقراطية، فتحوّل هذا الجيش إلى مدرسة للعقلنة، ولإذكاء الشعور الوطني، وفك احتكار الاستقراطية للمناصب، تعاونه في ذلك البيروقراطية التي تطبق القوانين الموحدة والانضباط، ويتم اختيارها بالمباراة، وتتقاضى راتباً معيناً. وقد استخدم ماكس فيبر مفهوم البيروقراطية محوراً لاجتماعيات السياسة وعلامة على اكتمال الدولة العصرية، فالبيروقراطية يتفرع عنها الانضباط، وتحفّز على اتِّباع طريقة عقلانية في الحياة، إذ يتميز السلوك البيرقراطي بالتفريد والتعميم والتجريد. فضلاً عن ذلك يرى العروي، أن الدولة بلا حرية ضعيفة متداعية والحرية خارج الدولة طوبى خادعة، بحيث أن السؤال المطروح حسب العروي هو : كيف الحرية في الدولة والدولة بالحرية؟ وكيف الحرية بالعقلانية في الدولة؟ كيف الدولة للحرية بالعقلانية؟ يتفق العروي مع فيبر في النظر إلى العقلانية، على أنها ورغم إمكانية تلمُّس آثارها، قبل العصر الحديث، في القطاعات المختلفة للأنظمة المختلفة في الشرق والغرب، غير أنها لم تتبلوركعملية شاملة وعميقة إلاَّ في الغرب الحديث، وهو يكتب "نستنتج أن الدولة منذ بداية التاريخ تحمل معها قدراً من العقلانية، وهذا شيء طبيعي، مادامت العقلانية تعني التنظيم، والتنظيم يعني اكتشاف طريقة أسهل وأقرب لتحقيق الهدف..بيد أن هذه العقلانية القديمة تظل جزئية...أما الدولة الأوربية الحديثة فإن عقلانيتها شاملة وقارّة، وتنتشر باستمرار، تغزو مجالاً بعد مجال، تحدد الأهداف الجزئية، وتشكل المنطق الباطني لكل سلوك"(7)، ويرفض العروي مع فيبر التفسيرات الأحادية لحداثة الدولة. ولا ينفي بحال علاقة الدولة الحديثة بالقومية من جهة والرأسمالية من جهة أخرى. ويرى أنه من غير المستبعد، أن تكون مميزات الدولة الحديثة : الجيش الشعبي المحترف، بيروقراطية مرتبة، السوق الوطنية، توحيد قومي، وبالتالي يمكن"أن نضع ازدهار الوعي القومي أساساً لنشأة الدولة العصرية دون أن نبدِّل شيئاً في مواصفات فيبر". فهو يضع جانباً الدولة المُتخيلة الطوبى ويلتفت إلى الدولة القائمة، فيجد أن "الدولة منفصلة عن، ومتحكمة في، المجتمع الإنتاجي، تفرض عليه قانوناً يمثل منطق الموضوع الذي لا يخضع لوجدان أو العقل الفرد. تظهر لنا تلك الدولة كمجموعة أدوات تنظيمية وقمعية ?جيش، قضاء، إدارة ?وميزة تلك الأدوات هي البيروقراطية، أي استعمال العقل الحسابي لترتيب العمل الجماعي بهدف اقتصاد الوقت والجهد"(8). ومن ثم توصل إلى تعريف لجهاز الدولة الحديثة، في تعبير مختصر، يقول "جهاز الدولة الحديثة بيروقراطية مفصولة عن المجتمع ومبنية على منطق العقل الموضوعي"، فيجمع في هذا التعريف بين فكرة الدولة الهيغلية الناتجة عن فصل المصلحة العامة عن المصلحة الخاصة، والدولة التاريخية الماركسية الناتجة عن نشأة الملكية الخاصة، والدولة الحديثة الفيبرية المبنية على عملية العقلنة. ويتميز لديه هذا التعريف بموضوعيته وواقعيته قياساً إلى النظرة الطوباوية التي تستخفّ من دور الدولة في حياة الإنسان، كما يتميّز برفض الماورائية التي تضع هدف الدولة خارجها، والفردانية التي تجعل من الفرد هدفاً للدولة، والاجتماعوية التي تغلب قانون المجتمع المدني على قانون الدولة. فالخط العام الذي يستخلصه العروي من مفكري(الدولة الحديثة) الثلاثة : هيجل، ماركس، فيبر، هو النظرة إلى جهاز الدولة الحديثة على أنه مفصول عن المجتمع ومبني على منطق العقل الموضوعي، والذي لا يمكن أن يقوم إلاَّ على استبعاد الهوى والطوبى. وينبه إلى أن كل مذهب قابل للتحول إلى طوبى، والطوبى في قضية الدولة هي الفوضى، وبالتالي تتحول الليبرالية والثيوقراطية والماركسية إلى الطوبى عندما تتخيل المستقبل ولم تستبق من الدولة إلاَّ الشبح، فيدعو قائلاً "لنترك إذن الدولة المُتخيلة ونرى الدولة القائمة"(9). وعلى ذلك يضع العروي حدّاً فاصلاً بين التقليد الذي يضع للدولة هدفاً خارجها، والتعامل الحداثي الذي يأخذ بجدّ الدولة القائمة الفعلية ويُدرج حياته السياسية فيها وينطلق منها، ويصبّ جهوده على التعامل مع آليات عملها لإحداث التجديد ولا يتطلّع إليها من خارجها أو على قياس نموذج يستلهمه من خارجها، بينما ينطلق الموقف التقليدي الطوباوي من افتراض وجود نموذج لها خارج أبنيتها، فيقود هذا الافتراض بالنتيجة إلى الاستخفاف بالدولة الفعلية القائمة، وهي سيرة أغلب الأيديولوجيين العرب وفي مقدّمتهم الإسلاميون. ويعمم العروي وصف (الطوباوية )ليشمل بعض الحداثيين الذين يغالون في موقفهم الإيديولوجي فيضعون الهدف فوق الدولة الفعلية، فوق جهاز الدولة الحديث، ويتعاملون مع الدولة الفعلية كأداة على الأكثر لهذا الهدف. وبذلك يتبنى العروي أيضاً التمييز الذي أقامه فيبر بين الدولة التقليدية والدولة الحديثة، معتبراً استطلاعات فيبر تغذّي البحث "لم يعد باستطاعة أحد الاستخفاف بالإشكاليتين الفيبريتين الأساسيتين: 1 - نشأة الدولة الحديثة في أوربا انطلاقاً من الإقطاع 2- خصوصية الدولة الأوربية التي تفرض نفسها كمثل على الدول الأخرى التي تُسمى لهذا السبب تقليدية "(10). وعلى أساس هذا النموذج الحديث للدولة، الذي يستمد قوامه ومعناه من نموذج الدولة النابليونية القائم على فكرة التجريد والتوحيد والنظام والفعالية، بما تعنيه ذلك من اجتماع أدوات عقلنة المجتمع، على حساب الموقف الطوباوي. وعلى أساس التمييز مابين الدولة التقليدية ودولة الحداثة، درس العروي الدولة السلطانية التقليدية والطوبى التي صاحبت حنين الفقيه إلى الخلافة، هذا الحنين الذي لم يؤثر في إقراره بشرعية الدولة السلطانية. الخلافة والملك: يتساءل العروي عن معنى (الدولة الإسلامية )قياساً إلى مفهوم الدولة بالإطلاق، أي الشكل العام لتنظيم السلطة العليا، فيستبعد تعريف بعض المؤلفين الذين يربطون الدولة بنظام يقوم على مقاصد الشريعة الذي لم يتحقق في نظره إلاَّ نادراً، وهو منحى أيديولوجي، يقوم على طلب ما يجب أن يكون، ولا يهتم بالدولة الحالية لأنها غير شرعية في نظره، من هنا تأتي المثالية المطلقة. لذا فالمطلوب قبل أن نحلل مفهوم الدولة الإسلامية، علينا إذن أن نتعرَّف على "الكيان السياسي الذي عاش فيه فعلاً المسلمون، حتى ولو كان إسلامياً بالاسم فقط". غير أنّ هذا التعرّف يواجه بصعوبات، فإنّ المؤلفات الشرعية لا تحدّثنا عن الدولة كما هي، بل عن الدولة كما يجب أن تكون. كما أن وصف واقع الدولة الإسلامية لا يفي وحده بالغرض. إذ لا بدّ من إدراك المادة الخام التي بها وعليها تجري السياسية، ويقصد العروي بذلك فكرة الفرد عن الحكم والدولة، هذه الفكرة لا تُنشئها الدولة وحدها، فالمسؤول عنها أيضاً العائلة والمسجد والشيخ، وهؤلاء متأثرون بالمؤلفات الشرعية بتخيلاتها عن الطوبى النموذجية عن الخلافة/الدولة ، أي بالطوبى الإسلامية. وعلى هذا يصبح من الصعب بنظر العروي أن "نتطرق إلى مسألة الدولة الإسلامية في نطاق التاريخ الوقائعي وحده، أو في نطاق الطوبى وحدها". الطوبى انعكاس للواقع المعاش كما يستشفّ لنا من خلال التاريخ المدوّن. لذلك وبما أن الواقع يفسر الطوبى والطوبى تضيء الواقع، فمن مقارنة الإثنين نستخلص التجربة (11). لذلك ينطلق العروي من ذلك النموذج الحديث للدولة، والتمييز بين الحديث والتقليد، والموضوعي العقلاني والطوبى، ثم من خلال المعطيات المتوفرة عن تجربة الدولة في الإسلام، ليصل من هذه خلال تلك التحوطات النظرية والتجريبية، وبالرجوع إلى المعطيات التاريخية إلى القول : لقد عرف العرب أهل مكة النظام المشيخي، واختبر العرب تجربة النظام الملكي في اليمن، وبالتالي وبناء على ترتيب الوقائع، يشير إلى أنه "كان العرب إذن يعرفون دولة طبيعية دنيوية دهرية، هدفها في ذاتها، بمعنى أنها كانت تتوخى الشهوة والمال والقهر"، أما عن دولة الرسول فيقول عنها "قد تُشابه ظاهرياً دولة المدينة (يثرب)القيادة القبلية، لكن الهدف من الحكم يميز في كل حال بين النظامين، لا نستطيع أن نقول حتى أن دولة المدينة زعامة قبلية مدّعمة بدعوة دينية لأن الدعوة مناقضة للزعامة المذكورة"(12). ورأى أنه عقب الفتوحات، ورث العرب أجهزة الدولتين البيزنطية والفارسية، وهي أجهزة متماثلة إلى حد كبير، رغم أن هذه الأجهزة تعارض أهداف الإسلام والتنظيمات القبلية، فكانت حصيلة ذلك تركيب دولاتي جديد، ليصل إلى حصيلة مفادها أنه "لا أحد يُنكر تواجد العناصر الثلاثة ? العربي -الإسلامي، الآسيوي - في ما نسمّيه الدولة الإسلامية"، ويشرح الأمر أكثر بقوله "إننا ندرك بداهة العناصر المكونة لما نسميه الدولة الإسلامية :الدهرية العربية، الأخلاقية الإسلامية، التنظيم الهرمي الآسيوي.."، ويستأنف الشرح"عندما نتكلم اليوم عن الدولة الإسلامية نعني بالضرورة مُركباً من العناصر الثلاثة : العربي والإسلامي والآسيوي. لا نستطيع أن نُدرك ذلك المركّب وهو محقق في التاريخ لأننا لا نملك شهادة معاصرة عليه. كل ما نستطيع هو أن نتصوره، أن نتخيله، اعتماداً على أخبار مؤرخين متأخرين نسبياً"(13). ولعل هذا ما دعاه إلى الرجوع إلى درس ابن خلدون، شأنه في ذلك شأن الكثير من الباحثين العرب، لأن ابن خلدون ? حسب العروي ? "ينتصب في ملتقى الاتجاهات الفقهية والفلسفية والتاريخية وحتى الصوفية. لقد فكر حسب هذه الاتجاهات كلها فوفّر لنا الأرضية المشتركة بينها"، وقدّم "نظرية تاريخية واجتماعية عن الحياة السياسية، الإنسانية بعامة والعربية الإسلامية بخاصة"، يتعرض العروي إلى تصنيف ابن خلدون الثلاثي للدولة : الملك الطبيعي، أي حمل الكافة على على مسوى الغرض والشهوة، الملك السياسي، أي حمل الكافة على مقتضى العقل، وهو إما أن يهدف إلى مصلحة العموم، أو يهدف إلى مصلحة الحاكم، ثم الخلافة أي حمل الكافة على مستوى النظر الشرعي في مصلحهم الأخروية، فهي خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا. يصف ابن خلدون هذه الأشكال من الحكم كنماذج حكومية تتعاقب زمنياً، ويرتبها حسب قيمتها الأخلاقية، فيجعل الملك الطبيعي الذي يناسب العمران البدوي في الأسفل، يتبعه الملك السياسي الذي يتوخى مصلحة الحاكم الفرد، وهو نظام لا يخلو من العدل المقرون بالاستقرار، وهو نموذج مستوحى من التجربة السياسية الساسانية، ثم في المرتبة الثالثة الملك السياسي الذي يتوخى مصلحة العموم ومثله حكم اليونان، وفوقه يضع ابن خلدون الخلافة لأنه يضمن السعادة في الدارين، بيد أن الخلافة صعبة التطبيق، ويلح على فكرة مهمة جداً وأصيلة، لم ينتبه إليها أيّ فقيه أو مؤرّخ قبله، وهي أنّ العناصر الثلاثة للحكم توجد في نسب متفاوتة في كل الدول التي توالت على أرض المسلمين. فهذه الدول حافظت بالضرورة على قسم من الشريعة، وعلى تطبيقها، وتجعل الدولة المستبدّة ترث شيئاً من خلافة الرسول، كما أنّ كلّ دولة مهما خضعت للشرع تلجأ بالضرورة إلى القوة وتعتمد العصبية لتستمرّ، فلا توجد دولة قائمة على العصبية وحدها، أو على الشريعة وحدها أو العقل وحده. أمّا على مستوى الترتيب التاريخي لانبثاق هذه الدول فعلى مستوى التاريخ الكوني، هناك تماثل لا يُنكر : لقد جاءت الخلافة بعد السياسة العقلية، وسبق هذا الحكم الطبيعي، "لكن في وقائع الإسلام، هناك خرق وانقطاع، لأن العرب لم يعرفوا سياسية عقلية لأنهم لم يعرفوا مدنية حضرية قبل الإسلام. فالإسلام هو الذي حضّرهم، لذلك جاءت مرحلة الخلافة مباشرة بعد مرحلة الحكم الطبيعي..ثم لم تلبث أن اصطدمت مع السياسة العقلية، الفارسية بخاصة، فاختفت تحت ضرباتها لأسباب معروفة"(14). في التساوق مع عرضه لتحليل ابن خلدون، يشير العروي أنه بعد الملك الطبيعي جاءت الخلافة، وهي نظام مناف تماماً للملك الطبيعي، لأن"وازع كلّ واحد فيها ?حسب ابن خلدون ? من نفسه وهو الدين"، وبالتالي يرتبط استمرار الخلافة بتوفر هذا الوازع المناسب (الضمير الديني) بقوّة تجعل ممكناً استمرار الدولة، وهذا يفترض أن الطبيعة البشرية قد تغيرت أثناءها. ففي زمن النبوة "تغيّرت شخصية النبي إثر الرسالة والوحي، وتغيرت عند من صاحبه بسبب الإلهام، لكنها فترة لا تدوم"، ثم يستعير وصف ابن خلدون للتحول" فصار الأمر إلى الملك، وبقيت معاني الخلافة من تحرّي الدين ومذاهبه والجري على منهاج الحقّ، ولم يظهر التغير إلاَّ في الوازع الذي كان ديناً ثم انقلب عصبية وسيفاً...ثم بقيت معاني الخلافة ولم يبق إلاَّ اسمها وصار الأمر كله ملكاً بحتاً". فيعتبر أن حكم ابن خلدون هذا مهم بالنسبة للفكر السياسي الإسلامي. هناك إذن خلافة حقيقية وخلافة ظاهرية. أما عن الفترة التي دامت فيها الخلافة الحقة فلا يجد لها جواباً عند ابن خلدون، يبدو أنه يحصرها في عهد النبي، أما ما يُفهم من رأي الجمهور فإن الخلافة الحقيقية دامت إلى أواسط عهد عثمان، ليختم العروي هذ التحليل بالقول "على أي حال يتفق الجميع على أن معاوية هو الذي قلب الخلافة إلى ملك، حيث الحكم (بمقتضى الطبيعة البشرية المَلِك القاهر المتحكم).." يرجع لينبه في تمحصه لهذه النقطة "إنّ مؤدّى تحليل ابن خلدون هو ما أكّدناه في بداية هذا الفصل من تساكن ثلاثة عناصر فيما نسميه بالدولة الإسلامية. ذكرنا الدهرية العربية والروح الإسلامي والتنظيم الآسيوي ويذكرابن خلدون الملك الطبيعي والخلافة والسياسة العقلية" (15).ويلفت نظرنا العروي إلى أن ابن خلدون في تحليله هذا لا يخرج عن مألوف التدوين التاريخي العربي، فهو لا يتفوق على من سبقه في صناعة التاريخ إلاَّ بعد أن يتفق معهم في جل الأمور"، فهو ليس أول من قال بانقلاب الخلافة إلى ملك، ولا ننس أن ابن خلدون مؤرخ وفقيه في الوقت نفسه" عندما يحكم فإنه يتقمص لباس القاضي السني المالكي، أما عندما يسرد ويحلل فإنه يحاور جميع الذين حاولوا استنطاق وقائع التاريخ". ثم يصل إلى القول "هناك إذن واقع تاريخي تم حوله الإجماع بين الفقيه والمؤرخ والفيلسوف.جاء ابن خلدون فأخذ بعين الجد كل موقف على حدة، ورجع إ لى الواقع التاريخي فأظهرأن المواقف الثلاثة لا تتنافى بقدر ما تتكامل"، وتأتي مشكلة الفقيه وصعوبة موقفه - لدى العروي ? لأن"الفقهاء يتكلمون دائماً عن الخلافة التي لم تُطبق إلاَّ في مدة قصيرة، وبالهام رباني، في حين أنهم يعيشون تحت نظام لا يمتّ إليها بأوهى الصلات.."(16). من الناحية العملية، فرغم أحلام الفقيه بطوبى الخلافة، فإنه يبقي محافظاً على تعايشه مع سلطة الملك القائمة ومعترفاً بشرعيتها وإن كانت منقوصة، ويستشهد بموقف الإمام الغزالي في (إحياء علوم الدين) حيث يقول"إننا نراعي الصفات والشروط في السلاطين تشوفاً إلى مزايا المصالح، ولو قضينا ببطلان الولايات الآن لبطلت المصالح رأساً، فكيف يفوت رأس المال في طلب الربح" ويعلق العروي على موقف الغزالي وحججه بالقول : "هذا تعليل واضح لضرورة التكيف مع الواقع ". إذ أن "الطبيعة الإنسانية لا تتحمل النظام الأسمى، أي الخلافة، والوعي بهذه النقطة الأساسية هو الذي دفع الفقهاء إلى إهمال مسألة الخلافة"(17). فالوعي بصعوبة استرجاع الخلافة بنموذجها الراشدي دفع الفقهاء إلى التخلي عن إحيائها، وتقليص متطلباتهم، ويعرض العروي لهذ التقهقر التدريجي في متطلبات الفقيه، من الغزالي إلى ابن تيمة ثم إلى ابن القيم الجوزية ومنه إلى ابن فرحون، أول ما يلفت نظر العروي في ابن تيمية، هو أنه لا يتكلم عن الخلافة بقدر ما يهتم بتطبيق الشرع وحسب، يعني بالدولة الإسلامية دولة الشرع وحسب، فغدا الفقيه يتكلم عن الشريعة كثيراً وقليلاً عن الخلافة، ومع توالي الأحقاب لجأ إلى نوع من اللاأدرية تدل على حرج الموقف، وهو قد تجلى في موقف ابن القيم الجوزية الذي ساوى بين الشريعة والعدالة، إذ قال "إن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد وهي عدل كلها ورحمة كلها وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور..فليست عن الشريعة". ثم انتقل الوضع إلى حالة عبر عنها ابن فرحون، وهي حالة بات يتعذر فيها تطبيق السياسية الشرعية، فيضطر الفقيه إلى الاعتدال فيقلل من التذكير بالقواعد الشرعية، فيذكر العروي كيف في هذا الحال يصبح الشرع، من منظور المتأخرين، مرادفاً للعدل والقانون، وعلى هذا فإن ابن فرحون، وتماشياً مع الحال الجديد قد قال "السياسات نوعان : سياسة ظالمة فالشريعة تحرمها، وسياسة عادلة تخرج الحق من الظالم وتدفع الكثير من المظالم وتردع أهل المفاسد، ويتوصل بها إلى المقاصد الشرعية، فالشريعة توجب المصير إليها والاعتداد في إظهار الحق عليها وهي باب واسع تضل فيه الإفهام وتزل فيه الأقدام، وإهماله يضيع الحقوق...والتوسع فيه يفتح أبواب المظالم". ويعقِّب العروي على هذا التحول في المواقف من الخلافة ثم من الشريعة والتخفف المضطرد من تبعاتهما، بالقول "والواقع هو أن تطبيق الشرع حرفياً صعب. وحتى في حال التطبيق لا يكون النظام الناجم عن ذلك خلافة.إذ إن ما يفصل الخلافة عن الملك، برأي الفقهاء الضمني، هو أن الخلافة الحقة لا تطبق الشرع فقط، بل تطبق الشرع لتحقيق المقاصد، التي هي مكارم الأخلاق."الخلافة هي الحكم الذي يهدف من وراء تحقيق المصلحة الدنيوية الوصول إلى مقصد الشريعة. إلى ما بسميه الفقهاء وغيرهم مكارم الأخلاق. فلا يكون الحكم خلافة إلاَّ إذا نظر إلى ذاته كأداة في خدمة هدف أعلى، تحت ظل الملك تخدم الشريعة أهدف الدولة، وتحت ظل الخلافة تخدم الدولة أهدف الشريعة"(18). يحلل العروي الموقف السيكولوجي والعملي السياسي للفقيه تجاه الخلافة التي غدت لديه كطوبى لأن تحققها بات يحتاج، بنظره، إلى معجزة، وتجاه الملك أو السلطنة أيضاً كأمر واقع صلب فرض نفسه عليه، واستخلص منه نوعاً من الإقرار بشرعيته. وهو لذلك يلخص موقف الفقيه من تحول الخلافة إلى ملك بقوله "من الشطط أن لا نرى في موقف الفقهاء سوى الخضوع للواقع الإنساني. إن واقعيتهم تتأصل في طوبى دفينة : بما أن الخلافة تستلزم أن يصبح الإنسان غير الإنسان، فلا بدّ من العيش في انتظار المعجزة، داخل دولة شرعية - أي دولة تطبق الشريعة...فطوبى الفقهاء تخاطب الإنسانية قاطبة وتتجاوب مع جميع الطوبيات السابقة واللاحقة"(19). يسجل العروي أنه في مقابل موقف الفقه الممزق بين التعلق بطوبى الخلافة والمستكين للسلطان القائم، توجد واقعية المؤرخ ? الأديب : ينظر المؤرخون والأدباء إلى السياسة والحكم نظرة مخالفة لنظرة الفقهاء. يتفق الجميع على ضرورة معايشة الواقع، لكن الفقهاء وحدهم متعلقون بطوبى الخلافة. إن الآداب السلطانية التي تؤلف جزءاً كبيراً من التأليف العربي الإسلامي منذ أواسط القرن الثالث الهجري تختلف في محتواها وأهدافها. يستدل الجميع بالقرآن والحديث، "بيد أن هناك ظاهرة تميّز كتب الآداب السلطانية وهي وفرة الاستشهاد بحوادث تاريخ الفرس وأقوال حكماء اليونان. إن الفقهاء لا يعادلون أبداً بين الشرع والعدل الإنساني لأنّ السنة أعلى من ناموس العقل، في حين أن مؤلفي الآداب لا يكادون يميزون بين شرع النبي وعدل أنوشروان وعقل سقراط"(20)، بينما يغرق الفيلسوف المسلم في طوبى المدينة الفاضلة ولا يعبر عن سياسة فعلية. يحلل العروي تلك خطابات الفقيه وصاحب الآداب السلطانية والفيلسوف، فيظهر تناقضاتها الداخلية وضعفها وهزال النتائج التي توصلت إليها، وليكشف تحت غلالاتها حقيقة السلطة الفعلية، باعتبار أنها "صورة معكوسة للتجربة السياسية العربية"، وهي على ما تحمله من طوبى وتخيّل(الفقيه والفيلسوف) تخدم السلطان ولا تضيره. فقد اعتبر العروي أن تلك الطوبى ما هي إلاَّ ظل السلطنة القائمة، وذلك بمعنيين مختلفين، هي أولاً نتيجة عكسية، صورة مقلوبة للوضع القائم، وهي ثانياً وسيلة لتقويته وتكريسه، فتنقلب الطوبى بذلك إلى أدلوجة. أما عن كيفية مواجهة الفقيه والفيلسوف للسلطان نظرياً، يعيش المرء تحت سلطان ويتخيل في الوقت نفسه أنه لايحتاج إلى سلطان، في ظل وازع أخلاقي ذاتي وليس خارجيا، هذا الوضع الخال من القسر ويحكم في الوازع الأخلاقي هو عند الفقيه الخلافة، وعند الفيلسوف :هو المدينة الفاضلة. أما عن سؤال : متى وكيف ينشأ هذا الحال؟ فيجيب الفقيه : عندما يشاء الله تغييرطبيعة البشر، أما الفيلسوف فينيط الأمر بالفرد العاقل والحكيم، والصوفي بتربية المريد." وهي كلها أجوبة لا تضر السلطان في شيء بل تخدمه وتقوّي مركزه "، هذا من جهة، أما من الجهة الأخرى، "فإن الكيفية التي يتصور بها المفكرون المسلمون الدولة مؤشر مهم على جوهر واقعيتها. إن طوبويتهم تشكل الوجه الآخر لواقعيتهم : الطوبى نتيجة السلطنة وتعويض عليها، الفردانية ثمرة الاستبداد وثورة سلبية عليه. "إن جوهر التجربة السياسية تحت ظل السلطان هي التناقض المعروف بين المدينة والبيت، أي بين السلطة العمومية وسلطة الفرد على نفسه"(21). إذ إن الفكر السياسي في الإسلام متجذر في الطوبى التي كانت نتيجة طبيعية لمعايشة الدولة السلطانية رغم إهمالها لمقاصد الشريعة. فالخلافة طوبى، مثل أعلى، شأنها في ذلك شأن جمهورية أفلاطون، وفي سماء المثالية -على حد قول العروي ? تتشابه كل الطوباويات. يعتقد العروي أن الخلافة لم تستغرق سوى فترة قصيرة للغاية من عمر الدولة في بلاد العرب والمسلمين، بعدها تحولت الدولة إلى ملك، على نمط الدولة السلطانية. فاتفاق الفقهاء والأدباء والمؤرخين والصوفية والفلاسفة في حكمهم على السلطنة دليل على أن الواقع الذي عاشوا فيه جميعاً كان واحداً وبعيداً عن مقصد الشريعة. كانوا أمام دولة السلطان أو الملك. ويقول"إن التاريخ الوقائعي لم يعرف دولة ?إسلامية، باستثناء فترة الوحي والإلهام"(22). وفيما عدا تلك الفترة القصيرة من الخلافة الغامضة من التاريخ الإسلامي،ساد نظام السلطنة فأبقي الفقيه على مسافة تفصله منها، وذلك لافتقاده الاقتناع بشرعيتها، وثابر الفقيه والمؤرخ والفيلسوف على الدعوة والنصح لكي يرجح العدل على الجور. فالحكم الصحيح هو الخلافة، كل حكم غير الخلافة جائر لأنه يهمل مقاصد الشريعة. فلا وجود للسعادة في ظل الدولة الجائرة. إن الخلاصة الضمنية التي يخرج بها العروي عن كلام الفقهاء، هو تمييزهم بين الخلافة الحقيقية والخلافة الصورية، أي بين الخلافة النبوية الحقيقية ونظام الخلافة أي الدولة الشرعية، أي أن الخلافة مثل أعلى لا يتحقق إلاَّ بتوفيق وإلهام من الله، تتغير فيها الطبيعة الإنسانية ليصبح الوازع فيها دينياً صرفاً، ولكي تُستعاد هذه الفترة تستلزم معجزة ربانية، لذلك لا ينفك الفقيه يُذكِّر بالمثل الأعلى ولو ظهر له بعيد التحقق. أما في غير فترة الخلافة تلك، صار الحكم إما ملكا طبيعيّا بحتا، وإما خلافة صورية، فنتج عن هذه المقدمات اليأس من إصلاح الدولة القائمة خلافة صورية كانت أو سلطنة.