تحل يوم السبت 29 أكتوبر 2011 الذكرى 46 لاختطاف عريس الشهداء المهدي بن بركة. وهي مناسبة يستحضر فيها الوطنيون المغاربة ورواد حركة التحرير الشعبية، الأدوار الطلائعية للشهيد، في مواجهة الاستعمار لأجل تحرير البلاد وعودة السيادة الشرعية في شخص أب الأمة، المغفور له محمد الخامس. ويستحضر فيها المناضلون التقدميون، الحاملون لمشاعر التحرر الاقتصادي والثقافي، والقيم التحررية الكبرى للإنسانية ، رجلا من طينة مفارقة، جمعت بين الفكر الاستشرافي والمستقبلي والعمل الميداني، كما سجلت ذلك تجربة طريق الوحدة، الفريدة والتعبوية، وبين الانتماء الأصلي الى التربة الوطنية والانفتاح الواسع علىالأفق الإنساني الكبير. وسينصف التاريخ رجلا ناضل من أجل قيم التقدم والتحديث المتواصل، لأن الأفكار التي حملها الشهيد المهدي، عن الديموقراطية والتقدم والتحديث المتواصل ، والتي من أجلها تم اغتياله، أصبحت اليوم شائعة بين المغاربة. وأصبح الجميع اليوم، دولة ومجتمعا، يقر بها ويعتبرها مكسبا وطنيا ومحليا لا بد منه لمواصلة البناء. ما بين الرجل الذي لا يتعب والعقل الذي يشتغل بلا هوادة، جمع المهدي أيضا البساطة في الحياة وفي اليومي، والزهد في مطامع الدنيا وامتيازاتها، وآثر الجهر بالحق والدفاع عن القوات الشعبية،والانتماءالواضح الى الفئات المعوزة والانحياز الجريء لحركات التحرر، كما أنه لم يكن رجلا فوق الواقع، إذ كان يدرك أن التاريخ يستمر ويتواصل بالواقعية النزيهة، التي تستحضر سقف المرحلة وممكناتها أيضا. فقد المغرب بسبب الجريمة النكراء والعقول المتحجرة والاستبدادية والمصالح المتداخلة للأجهزة والدول، قامة عالمية كبيرة نجحت في تجميع قوى التحرر في العالم الثالث، ضد الامبريالية البدائية وضد الاستعمار الجديد. وكانت تلك من الإرهاصات التي يعرف العالم اليوم تطوراتها في مواجهة التوحش الليبرالي والرأسمالي، والتسليع المتواصل للحضارة الإنسانية خدمة للرأسمال المتوحش. سيستحضر كل المناضلين، القائد التاريخي للتيار التقدمي الوطني في البلاد، الرجل الذي زعزع فرنسا فسماه مقيمها العام «عدو فرنسا رقم 1»، يستحضرون القائد الذي فضل الجهر بالحق على تواطؤات السلطة وامتيازاتها، وآثر النضال المستميت من أجل أن تكون السلطة في يد الشعب ويمارسها من خلال ممثليه. يستحضر المناضلون المناضل الذي كان ينبه الى كل أعشاش الفساد التي تهدد البناء الوطني الديموقراطية، وضعاف النفوس الذين ينحنون أمام أي إغراء، ويسبحون في برك الفساد الآسنة ضدا على إرادة القوى الحية في البلاد، والتي واجهت في كل فترة أشكالا متعددة من ذوي المصالح والامتيازات الذين يسعون الى إخراج الشعب من دائرة السيادة السياسية، تحت ذرائع متعددة، وباستعمال كل الوسائل، بما فيها الوسائل... المشروعة!! شخصية المهدي، ولأن محاربة الفساد أصبحت اليوم شعارا ترفعه الدولة، من خلال ممثلها الأسمى ملك البلاد محمد السادس، وشعار المجتمع بكل مكوناته ، تستحق التكريم من خلال الإفصاح عن الحقيقة في ملفه. لقد سبق لملك البلاد أن تعهد ، بكل ما في الكلمة من رمزية وإكبار ، بأن يسهم في الكشف عن الغموض ودوائره في قضية شهيد المغاربة والعالم الحر. ودعت كل المنظمات الدولية والحقوقية والمدنية منها، الى طي صفحة الماضي المؤلم ، ومنه قضية المهدي، الذي ستظل ذكراه تصرخ فينا مطالبة بحقيقة القتل، والجثة، ومكان الدفن. فمن حق عائلته الصغيرة وعائلته الكبيرة أن تحدد مكانا لدفنه، وأن تقيم الحداد على موته ، وتعرف حقيقة القتل والقتلة. إن الشهيد هو الذي كان يصر دوما على ربط الحقيقة بالسياسة عندما كان يقول بأن السياسة الحقيقية هي سياسة الحقيقة. واليوم وفي ظل كل العواصف والتحولات التي تعصف بالعالم العربي، فإن المقولة التاريخية للشهيد تحتفظ بكل وهجها وصدقيتها، لأن الحقيقة تنتهي دوما بالانتصار ولو دام الصمت والكتمان والزيف سائدا لعقود. إن المناضلين الاتحاديين في كل المواقع، ملزمون بالاحتفاظ بقيم الشهيد حية في وجدانهم وسلوكهم وعلاقاتهم مع المغاربة من كل الفئات، لأن وصية الشهيد، التي كتبها بدمه وروحه، هي في جوهرها رسالة لالتزام صفوف الشعب ، والدفاع دوما عنه وقول الحقيقة له.