المكتب السياسي للأحرار يتمسّك ب"منجزات الحكومة" ويشيد ب"مجهودات الوزراء"    "الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي" يوضح بشأن الهجوم السيبيراني الذي تعرض له موقعه الرقمي    بركان يلاقي شباب قسنطينة الجزائري    الأمير مولاي رشيد يزور ضريح المولى إدريس الأزهر بمناسبة حفل ختان الأميرين مولاي أحمد ومولاي عبد السلام    السغروشني وحجيرة يترأسان مراسيم حفل توقيع اتفاقية شراكة بين الطرفين لتسريع رقمنة قطاع التجارة    نائب أمريكي يشيد بالشراكة مع المغرب ويجدد دعمه لمغربية الصحراء    هجوم سيبراني على CNSS يفضح هشاشة نظام أمني أنفقت عليه 480 مليونا خلال سنة واحدة    في خطوة تصعيدية فورية.. ترامب يرفع الرسوم الجمركية على الصين إلى 125%    الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم والمكتب الوطني للسياحة يوقعان اتفاقية "المغرب أرض كرة القدم"    لقجع: تنظيم كأس العالم يعزز التنمية    نتيجة كبيرة لبرشلونة أمام دورتموند في دوري الأبطال    توقيف أربعة أشخاص بعد انتشار فيديو يظهر تبادلاً للعنف داخل مقهى    الطقس غداً الخميس.. تساقطات مطرية ورياح قوية مرتقبة    سلطات مليلية تحتجز كلب "مسعور" تسلل من بوابة بني انصار    المغاربة ينتظرون انخفاض أسعار المحروقات وسط تراجع النفط عالميا    منع جماهير اتحاد طنجة من حضور ديربي الشمال بتطوان    العواصف تُلغي رحلات بحرية بين طنجة وطريفة    الدكتورة نعيمة الواجيدي تناقش أطروحة الدكتوراه للباحثة ثروية أسعدي    جيد يقود الطاقم التحكيمي للديربي    موقع الشباب في السياسات الثقافية: قراءة في التحولات والحصيلة    أمريكا وسيادة المغرب على الصحراء: الانتقال من التزام خاص إلى اعتماده خُطةَ عمل دولية في الملف !    النظام الجزائري وفرنسا.. وعقدة المغرب    مكناس.. البواري يزور ورش تهيئة موقع الملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب    تقرير: المغرب مُهدد بفوات قطار الذكاء الاصطناعي بسبب غياب النصوص التشريعية    في قلب العاصفة: قراءة في ديناميكيات إقليمية متصاعدة وتداعياتها    أخبار الساحة    الدولار يتراجع 1,14 بالمائة أمام اليورو    المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان تطلق برنامج "نقلة" لتكوين المكونين في مجال الحق في بيئة سليمة    تأكيد الولايات المتحدة لمغربية الصحراء يثير تفاعلا واسعا في الإعلام الدولي    اكتشاف حصري لبقايا مستعر أعظم جديد ي عرف باسم "سكايلا" بأكايمدن    السعودية توقف آلاف المخالفين وتشدد إجراءات الدخول تمهيدا للحج    أحزاب المعارضة تطالب بجلسة برلمانية للتضامن مع فلسطين    بعد 30 سنة من العطاء.. الدوزي يشارك تجربته الفنية بجامعة هارفارد    اتهامات ب "الإهمال" في مستشفى الحسيمة بعد وفاة سيدة أثناء عملية جراحية    أجواء سيئة تغلق الميناء في بوجدور    الجديدة جريمة قتل إثر شجار بين بائعين متجولين    المنتخب الوطني المغربي سيدات ينهزم أمام نظيره الكاميروني    فنانون مغاربة يطلقون نداء للتبرع بالكبد لإنقاذ حياة محمد الشوبي    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الانخفاض    الهزيمة القاسية تغضب أنشيلوتي    عوامل الركود وموانع الانعتاق بين الماضي والحاضر    من قال: أزمة السياسة "ليست مغربية"؟    كيوسك الأربعاء | تخفيض جديد في أسعار بعض الأدوية منها المسخدمة لعلاج السرطان    لحسن السعدي يفتتح جناح "دار الصانع" في معرض "صالون ديل موبايل ميلانو 2025"    تيرازاس: الأزياء في المشاهد السينمائية ليست ترفا.. وعمل المصممين معقد    معرض الطاهر بنجلون بالرباط.. عالمٌ جميلٌ "مسكّن" لآلام الواقع    حادث اصطدام عنيف بين ثلاث سيارات يُخلف مصابين باكزناية    «طيف» لبصيرو «مائدة» العوادي يتألقان في جائزة الشيخ زايد للكتاب    آيت الطالب يقارب "السيادة الصحية"    تقليل الألم وزيادة الفعالية.. تقنية البلورات الدوائية تبشر بعصر جديد للعلاجات طويلة الأمد    إشادة واسعة بخالد آيت الطالب خلال الأيام الإفريقية وتكريمه تقديراً لإسهاماته في القطاع الصحي (صور)    دراسة: أدوية الاكتئاب تزيد مخاطر الوفاة بالنوبات القلبية    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حبيب المالكي ونرجس الرغاي يتحدثان عن التناوب من الداخل (8) .. المغاربة ينسون بأن الملك هو إنسان قبل كل شيء

} الأستاذ حبيب المالكي، كرّرْتَ القول بأنّ الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لم يستفدْ من مشاركته في الحكومة. وقلتَ بأنّ الحزب قد استثمر في الحكومة، لكنه لم يستثمر في المجتمع. ماذا يعني عمليّا هذا الكلام؟ هل معنى ذلك أنّ الاتحاد الاشتراكي فوْر دخوله إلى الحكومة انفصل عن قواعده وهياكله؟
حين شاركنا في حكومة التناوب، كنّا قد اتخذنا قرارا تاريخيا وشُجاعا انطلاقا من الحسّ الوطني. غيْر أنّ ذلك لمْ يكن ينْدرج ضمن استراتيجية شمولية تجعل من الحزب وتنظيماته الموازية فاعلا رئيسيّا وجوهريا يضْمن استمرارية التجْربة ونجاحها.
كان ثمّة، في الواقع، نوع من الطّلاق الفعلي ما بين الحزب والحكومة. وحتى نحن، بصفتنا مُمثّلين للحزْب داخل الحكومة، لم يكنْ هناك تنسيق فيما بيننا حول الملفّات الهامة. كان الأمر يقتصر على رؤية بعضنا البعض من أجْل تبادل بعض المعلومات، بدون مناقشة، داخل الحزب، وبدون أنْ نجعل من الاتحاد الاشتراكي جزءا لا يتجزّأ من هذه السْيرورة الصعبة والمعقّدة لكيْ يغدوَ عنصرا لا محيد عنه.
} وإذن، فكما لو كان الأمر يتعلق بوجود الحزب في ناحية، ووجود الوزراء الاتحادييّن في ناحية ثانية؟
والتجربة من ناحية أخرى! كان ينبغي في الحقيقة خلقُ ومدّ الجسور، والتوجّه نحو نوع من سلوك منهجية انصهارية لكي يغتني الحزب من التجربة. ولكيْ يدشّن مرحلة جديدة عبر الانتقال من حزب للمعارضة إلى حزب حقيقيّ للحكومة.
} تحدّثنا كثيرا عن الرأي العامّ، وعن الصحافة، وعن الدّعم. هناك شيء ما يثير في هذه التجربة، تجربة التناوب التوافقي: ألا وهو صمت المثقّفين، وعدم انخراطهم في هذا المسلسل. ذلك أنّ المغرب وانتقاله الديمقراطي لم يحظيا أيضا بحركة «لاموفيدا»1، تلك الحركة الثقافية التي ساندت الانتقال الديمقراطي في إسبانيا. كيف تنظرون إلى هذا الصمت المُريب؟
ينبغي التدقيق في هذا القوْل، لأنّ المثقفين المنْضوين في «اتحاد كتاب المغرب»، والذي كان على رأسه آنذاك الاتحادي حسن نجمي، دافعوا بكل ما أوتوا عن التناوب. ومن ثمّ، فقد لعب اتحاد كتاب المغرب دورا هاما في هذا الاستصلاح للحقل الثقافي. ولا زلتُ أذكُرُ بأنّ مؤتمر اتحاد الكتاب، الذي انعقد في نونبر 1998، كان قد أصدر بيانا يعبّر فيه عن دعْم أعضائه لتجربة التناوب.
} صحيح أن هناك أصواتا خلُدت للصمت، أو عبّرتْ عن رأيها بصورة نقدية، بلْ وعنيفة في بعض الأحيان. هل تفكّر في حَدَث بعيْنه؟
لا، ليس بالضبط. إنها أسماء نكنّ لها كل الاحترام، ولا داعي لذكر اسمائها. من جهتي، كنتُ أتمنى لو تعبّأ المثقفون بأعداد كبيرة، وبصيغ أقوى وداعمة، لأن الأمرَ كان بتعلق بظرفيّة تاريخية واعدة بالأمل.
إنّ جميع تجارب التناوب التي لا تحظى بدعم ومساندة المثقفين تكون فاقدة للروح.
} ماذا جرى إذن؟ هل كان يخامر هؤلاء الفاعلين الثقافيين، هؤلاء المثقفين، شعورٌ بأنهم غير معنييّن؟
لقد تغيّرت النخبة، وتغيّرت موجّهاتها. ينتابني شعور بأنها باتتْ أسيرة لقراءة قدَرية للتاريخ، تعتبر أنْ لا شيء يمكن أن يتغيّر. ليس هذا هو التغيير. والمشكل نفسه يُطرح اليوم بالنسبة لمشروع بناء مغرب جديد، بناء مجتمع حديث وديمقراطي ومتضامن. هناك نوع من التباعد ما بين هذا المشروع وبين المثقفين المغاربة.
هلْ تكتسي هذه الظاهرة صبغة عالمية؟ غداة الاستقلالات السياسية، وخلال الخمسينيات والستينيات، بقدر ما كان التزام المثقفين عضويّا ومنخرطا في كل ما من شأنه تحريك المجتمع، بقدر ما نلاحظ اليوم بحثّ الناس عن مواقع جديدة ليست دائما في مصلحة التغيير.
} لكنْ، أَلَمْ تقلْ كذلك بأن الأحزاب، وفي مقدّمتها الاتحاد الاشتراكي على وجه الخصوص، لم تعرف كيف تخاطب، ولا كيْف تكسب مثقفي هذه البلاد؟
معظمُ مثقفينا عاشوا تجربة الحزب. وربما لمْ نعرف كيف نطوّر ولا كيف نلائم العلاقات التي من شأنها أن تجعلهم ينخرطون ويشعرون بكونهم معنييّن، وإشراكهم فيما كان يقوم به الاتحاد الاشتراكي. أعتقد بأنّ المسؤولية مشتركة.
} أنتَ تتحدث عن النخبة المغربية التي تغيّرت ولم تعدْ معنية. ويشعر المرء بأن هذه النخبة تفضّل النقاش الحاد داخل الصالونات بين الدار البيضاء والرباط، جاعلة منها انشغالها المفضل تقريبا. هل تعتقد بأن نخبة هذه البلاد لاتنخرط في التغيير، أو لا تنخرط فيه إلا بنسبة ضئيلة؟
إن المحاكمة التي تعرّضت إليها الأحزاب السياسية قد تركتْ آثارها ونُدُوبَها، وأفرزتْ ثقافة جديدة قوامها: لا يمكن الانطلاق إلاّ خارج الهياكل الحزبية. لقد تغيّر مفهوم الالتزام كثيرا، وإذا كان ثمّة تراجع ما، فهو في جزء كبير منه نتيجة لإعادة النظر من طرف النخبة في ماضيها، غير أنها، رغم ذلك، إعادة نظر تفتقر إلى اسْتشراف المستقبل.
لقد ظلت نخبتنا نخبة تنظر أكثر في المرآة العاكسة. فهل تسعى إلى أن تستمدّ منها مشروعية ما؟ أقول بالأحرى أنه ينبغي تأسيس شرعية جديدة من خلال النظر إلى المستقبل.
} لنرجعْ إلى الدعم المقدّم أو غير المقدّم إلى حكومة التناوب، التي كان يسيرها عبد الرحمان اليوسفي. ما رأيكم في الدور الذي لعبته وسائل الإعلام العمومية؟ هل صاحبت هذه الأخيرة التجربة ؟ هل ساندتها أم أعطتها الحق الذي تستحقه في الظهور؟
بصورة غير كافية. لقد كانت وسائل الإعلام تتصرف بحسب الحاجة. وفي الحقيقة، لم تكن هناك استراتيجية سمعية بصرية حقيقية تسمح بنقل الرسالة.
} والخطأ خطأ من؟
القطاع السمعي البصري هو القطاع الذي كان ينبغي تغييره. فهو قطاع يتزحلقُ دائما. بلْ أقول إنه الفضاء الذي يجب إعطاؤه الأوْلوية في التغيير. إنّ نجاح أية سياسة اليوم رهينة بوسائل الإعلام. ومن ثمّ، فهي واحدة من بين أهمّ الحدود التي تفسّر ما حَصَل فيما بعد.
} في نظرك، ما السبب الذي جعل عبد الرحمان اليوسفي لا يجرؤ على المساس بوسائل الإعلام العمومية. فهلْ كان يعتبر حقلَ السمعي البصري حقلا محفوظا ؟ أمْ أنه لم يرغب في الذهاب أسرع، ولا يحرج أكثر؟
من المؤكد أنه كانت هناك تراتبية داخل رأس اليوسفي، وهي تراتبية تستند إلى البرنامج الحكومي الذي صادقَ عليه البرلمان. ويبدو لي أنّ الوزير الأوّل كان يشتغل على مستوى الامتداد الزّمني. ولمْ يخطر بباله أبدا بأنّ مهمته سوف تنتهي بنهاية ولاية واحدة، لأن التناوب هو لتحقيق الانتقال الديموقراطي. كان الأمر يتعلق بتجميع الشّروط بهدف الانتقال من التناوب التوافقي إلى التناوب الديموقراطي، هذا على أية حال هو ما كان ينبغي أن يتمّ سنة 2002.
وأعتقد جازما بأنّ 2002 كانت منعطفا داخل المنعطف. فانْطلاقا من هذا التاريخ، حَدَثَ شرْخ في مسار اليوسفي بصفته أحدَ مهندسي التناوب.
} نحن الآن في 23 يوليوز 1999، جاء خبر وفاة الحسن الثاني، أين كنتَ في هذه اللحظة بالضبط ؟ وفيما فكرتَ مباشرة فور الإعلان عن وفاة الملك؟
كنتُ في مدينة خريبكة في إطار تطبيق برنامج محاربة الجفاف. هذه الذكرى لا تُنسى. كان يوم جمعة، وجاء عندي عامل الإقليم ليخبرني بوفاة الحسن الثاني.
} فيما فكّرْتَ في هذه اللحظة بالذات؟
فكّرتُ في شخصيْن اثنيْن: في محمّد بن الحسن، الذي أصبح ملكا، وفي عبد الرحمان اليوسفي.
ينبغي التذكير بأنّ وفاة الحسن الثاني جاءتْ بعد مرور 15 شهرا على تحقيق التناوب، أي أنه بالكاد انطفأت الشمعة الأولى لهذه التجربة الجديدة.
بعد ذلك، عدتُ أدْراجي مباشرة إلى الرباط، وتوجّهت نحو مقرّ الوزارة الأولى لرؤية عبد الرحمان اليوسفي، فوجدته جدّ متأثر، صامتا ونظراته متوقّدة. كنت مقتنعا بأنه في تلك اللحظة كانَ يفكّر في الزّيارة التي كان قد قام بها إليه الحسن الثاني من قبلُ، بأحد مستشفيات الرباط، إثر إصابته بنزيف في الدماغ. ومن المرجّح أيضا أنه كان يتساءل عمّا إذا كان رحيلُ أب التناوب سيضع حدّا لحكومة التناوب.
في هذه الجمعة 23 يوليوز 1999، كانت هناك الأسئلة والاستفهامات في ذهْن الوزير الأوّل أكثر مما كانت الإجابات.
} هل كانتْ هناك حشود في الوزارة الأولى؟
كلاّ، التقيتُ داخل مكتب اليوسفي بأحمد الحليمي وفتح الله ولعلو؛ وتوجّهنا نحو القصر الملكي من أجل تقديم التعازي إلى الملك الجديد، ومَكَثْنا هناك إلى حلول الليْل.
} وكيف عشتَ لحظة البيعة التي قُدّمَتْ إلى الملك الجديد، مع العلم أنه جرى تحديث «البيعة» لأنها أصبحت بيعة مكتوبة. كيف عشتَ كل هذا في 23 يوليوز 1999 ؟
لقد كانتْ لحظة مَهيبة ومؤثّرة. إنّ التاريخ يقوم باختيار فاعليه، كما يختار، بين الفيْنة والأخرى، الظروف المواتية. رأيتُ اليوسفي يوقّع، بصفته الوزيرَ الأوّل، ميثاق البيعة أمام ملك شابّ، محمد السادس، هذا في الوقت الذي كان فيه أحدَ الذين رافقوا محمد الخامس، وأحدَ معارضي الحسن الثاني! كان ثمّة أمْر ما في غاية الرّمزية، أمر تنبّأ بالعهد الجديد، أيْ بنوع من الاستمرارية على أُسُس جديدة. فكما لوْ أن التناوب ساهم في جعْل انتقال الحكم سلسا داخل الانتقال الديمقراطي.
لقد كان الحسن الثاني كرجل دولة كبير، ينطوي على حسّ للتاريخ من خلال نجاحه في برْمجة التاريخ. وبقدر ما كانتْ وفاته مفاجئة وسريعة، بقدر ما كان كلّ شيء مرتّبا له لخلافته. لقد مرّ كل شيء بدون أدنى اصطدام، ولا أدنى احتكاك، بلْ بالأحرى في سياق تاريخي جديد، ومشجّع على الوحدة الوطنية وعلى الالتحام الاجتماعي. ما أريد أنْ أقوله لك هو أنّ كلّ شيء كان يحمل على الاعتقاد بأنّ الحسن الثاني قد أوْكَلَ بالمَلَكية ليس فقط إلى الوَريث الطبيعي للعرش، بل كذلك إلى القوى الوطنية الديمقراطية الأساسية.
} ربما هذا هو الميثاق الذي كان يشير إليه عبد الرحمان اليوسفي؟
ربما، لكنْ لم يعبّر عن ذلك صراحة.
} مساء ذلك اليوم، وفوْر الإعلان عن وفاة الحسن الثاني، انتاب الكثير من المواطنين المغاربة خوف شديد، فقد أصاب المتاجر الكبرى ومحطّات البنزين الخ، هَلَعٌ كبير كما لو أنّ أمْرا ما سوف يقع. اليوم، وبعد مرور الوقت، كيف تفسرُ هذا الخوف، مع العلم فعلا أنه لمْ يقع أي شيء؟
المغاربة ينسوْن بأنّ الملك هو إنسان قبل كلّ شيء، وإذا كان الحسن الثاني خالد على الصعيد التاريخي، فإنّ لكلّ شيء نهاية. الناس لمْ يكونوا يتوقّعون ما حصل. وقد كان الخبر قاسيا، قاسيا قساوة الفراغ الذي يمكن أنْ يخلّفه ملك كبير.
غير أنّ الشعب المغربي قد برْهَنَ على نُضج كبير. ولذلك، فقد جرت عملية انتقال المُلك بطريقة في غاية السّلاسة، وهنا تكمن مرّة أخرى في الحقيقة رسالة كبيرة تذكّرنا بأننا شعب متأصّل، شعب له ذاكرة وعُمْق تاريخي.
لقد كانت مراسيم جنازة الحسن الثاني مراسيم عالمية بالنظر إلى نوْعية وتمثيلية الملوك، وقادة الدول، ورؤساء الحكومات، وطبيعة الشخصيات السياسية، وشخصيات أخرى كانت حاضرة. وحتى الشعب بدوْره اجتاح مدينة الرباط، نساء ورجالا وأطفالا جاؤوا مشْيا على الأقدام من مختلف المدن المغربية.
لقد تمّ تأمين مستقبل التناوب بواسطة ميثاق البيْعة الذي شارك فيه اليوسفي.
} في ذلك المساء، قمتَ بتقديم التّعازي إلى محمد بن الحسن، الملك الجديد. كما وقعتَ ميثاق البيعة. فمن رأيت مساء ذلك اليوم، 23 يوليوز 1999؟ هل رأيتَ الابن الحزين الذي فقد والده للتوّ ؟ أمْ الملك الجديد الذي كان يستعدّ للإمساك بمقاليد الحكم ؟ ما هي الانطباعات الأولية التي شعرتَ بها، علما بأنّ وليّ العهد، محمد السادس، ظل لمدة طويلة مبعدا عن شؤون الدولة؟
ابنُ الأب، أيْ الإنسان قبل كلّ شيء، وبعيدا بطبيعة الحال عن مسألة خلافة الأب، فَلَبَاقَتُهُ الكبيرة لم تكنْ تحجُبُ تأثره الشديد وحزنه. ولكنه كان واعيا بالحمْل الجديد الذي أخذه فجأة على عاتقه. وقد حرص على أن يستقبل، بكلّ لطف واحترام، جميع الشخصيات التي جاءت لتقدّم تعازيها.
} خلال الساعات التي تلتْ وفاة الحسن الثاني، ألقى محمد السادس أوّل خطاب للعرش. فهلْ كان هذا الخطاب، في رأيك، إعلانا عن عهد جديد، وطريقة جديدة في التسيير؟
بكل تأكيد. إنّ محمّدا السادس ينتمي إلى جيل جديد، والاستمرارية لا يمكنها أنْ تنجح بدون تغيير. وقد كشفتْ تجربة السنوات الموالية عن شخصيته الحقيقية: رجل حداثيّ يؤمن بمزايا وفضائل الديمقراطية. وهو الملك الأوّل للقرْن الواحد والعشرين، وهو القرن الذي يعتبر قرنَ ما بعد الحداثة بالنسبة للبلدان التي بلغتْ مستوى من النُّضج جد متقدم، وكذلك قرْن الدخول في الحداثة بالنسبة لغالبية البلدان في العالم، ومن بيْنها المغرب.
إنّ محمّدا السادس هو حامل لأَمَل جديد لمغرب جديد، من خلال رؤيته ومنهجيته وخطاباته، وكذلك من خلال مبادراته الميْدانية. لقد جدّد ثقته في حكومة التناوب، ومن ثمّ أكد إرادته في جعل بداية عهده تنخرطُ في في الانتقال الديمقراطي. ومنذ هذه اللحظة ونحن مقتنعون بأنه، في الحقيقة، مدافع عن فلسفة جديدة للحكم، ومدافع عن عن منظور جديد للسُّلطة. وقد قام بسلسلة من المبادرات- مهْما تكن النتائج التي أفضتْ إليها- وذلك من أجل ردّ الاعتبار للمؤسسات التمثيلية، وبالأخصّ اعتبار الهدف النهائي هيَ كرامة المواطن المغربي.
خُلاصة الأمر، أقولُ بأنّ محمّدا السادس هو ملك المُوَاطَنة الجديدة. لماذا؟ الأمثلة كثيرة جدا: تأهيلُ حقوق الإنسان، إنْصافُ المرأة المغربية، إنصافُ الطفولة والمعاقين، ومصالحةُ الدولة مع المجتمع، التي هي حَدَث بارز في التاريخ السياسي لمغرب اليوم. إنه موجز تاريخي في سنوات قليلة. وأظنّ أن مفهوم المواطنة الجديدة سيترك بصمته فيما يتعلق بتحوّل أسرع لنظامنا السياسي.
} بالضبط، لقد كان هذا هو السؤال الذي كنت أودّ أنْ أطرحه عليك. أمام هذه المواطنة الجديدة، أمام هذا الملك الجديد الذي اعتمد منهجيات جديدة، ومقاربات جديدة، أليس من خيار آخر أمام الأحزاب السياسية سوى التلاؤم مع محاولة تغيير الذات؟ وما هي الأشياء التي يجب على الأحزاب تغييرها؟ وداخل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ما هي الأمور التي ينبغي أن تتغير؟
لم يعدْ دوْر الأحزاب السياسية اليوم هو ذلكَ الدور الذي كانتْ تلعبه في الماضي؟ لنأخذْ مثال الاتحاد الاشتراكي، مع ما قدمنا من مطالب، وما خُضناه من صراعات في جميع الميادين. فنحن اليومَ نجد أنفسنا، بنسبة كبيرة، حتى لا أقولَ بشكل كليّ، في الخطابات والمبادرات التي يقوم بها الملك في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والمؤسّساتية. بلْ حتى المسألة الأمازيغية اعتمدها كبُعد من أبعاد شخصيتنا.
يلزَمُ إذن أسلوب جديد، وخطاب جديد، ومقاربة جديدة لكي تتحَرّك الأحزابُ، وتلعبَ دورها كفاعلة لها مصداقية داخل المجتمع المغربي.
الملاحظ كذلك أنه في عهد محمد السادس تمّ إقرار قانون للأحزاب السياسية. هل هي طريقة تطلبُ الدولةُ، من خلالها، من الأحزاب السياسية تغيير طريقة عملها، وتحقيق الديمقراطية الداخلية، وأن تكون أجهزة حديثة؟
إنه قانون نوقش بشكل واسع، وصُودق عليه بالإجماع من طَرَف البرلمان. وهي وسيلة لتحديث جميع المؤسسات في المغرب. وأعتقد بأنّ الأحزاب، المتأخرة بطريقة اشتغالها، وتجذّرها في المجتمع، ومن خلال مشاريعها المجتمعية، مطالبةٌ بالإقدام على هذا التأهيل الذي يهمّ أيضا مسألة الشفافية.
ونحن بطبيعة الحال جزْء من هذا المشروع الذي يتطلب الكثير من الوقت. والاتحاد الاشتراكي اليوم بصدد البحْث عن وضع جديد داخل المجتمع المغربي. لقد تمّتْ تلبية مختلف مطالبنا في العديد من القطاعات. واليوم، لقد حانَ الوقت للانكباب فعليّا على جيل جديد من المطالب لكيْ يتمكن الحزب من توسيع مساحته، ومن تعبئة شرائح اجتماعية جديدة.
} هل هي طريقة للقوْل بأنّ القانون وحده ليس كافيا للمساهمة في تغيير الأحزاب السياسية وطريقة اشتغالها. وطريقة للقول بأنّ النص ليس هو الكفيل بتغيير النظام السّياسي المغربي؟
التّغييرُ لا يُمْلى من فوْق. لذلك فمن المفْروض على التنظيمات السّياسية الحقيقيّة أنْ تتلاءم مع القاون الجديد، وبالتالي فإنّ التطبيق التدريجي لهذا القانون من شأنه أن يقود لا محالةَ إلى الوضوح، وإلى هيْكلة جديدة تجْعل الحقل السياسي ذا مصداقية.
1 أثناء فترة الانتقال الديمقراطي في إسبانيا، بعد نهاية الاستبداد بوفاة فرانكو سنة1975، برزت حركة ثقافية وفكرية تحررية تسمى La Movida قادها الشباب المثقف من أجل ترسيخ قيم المواطنة والديمقراطية بشكل نهائي. (المترجم)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.