الكتاب الذي بين أيدينا هو « تجربة تناوب مغربية « جاء نتيجة لقاء بين رجل سياسة هو الحبيب المالكي عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية و الوزير السابق وبين الصحفية نرجس الرغاي . الأول يريد أن يقدم شهادة عن المرحلة الممهدة لحكومة التناوب و ما تلاها من تطورات، و عن الانتقال بين عهدين: عهد الحسن الثاني وعهد محمد السادس وكذا عن التطورات الداخلية لحزب الاتحاد الاشتراكي. أما الثانية فدافعها هو فهم ما جرى ولماذا جرى وخاصة تكسر تجربة التناوب التوافقي الذي قاده عبد الرحمان اليوسفي. في هذا الفصل الذي قمنا بترجمته لقراء العربية، يتحدث الحبيب المالكي عن قرار اليوسفي الاستقالة من قيادة الحزب واعتزال السياسة والأسباب الداعية لذلك... نحن في العام 2002 وقد مرت الانتخابات التشريعية. النتائج غير حاسمة، الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لم يحتل المرتبة الأولى تماما ،كم أنه ليس الثاني حقا. وهو الوضع نفسه بالنسبة لحزب الاستقلال، العدو الأفضل للاتحاد. هنا بدأت معركة حقيقية، فالاتحاد شرع في تجميع أغلبية يستطيع تشكيل حكومة بواسطتها وكذلك فعل حزب الاستقلال وفجأة نزل خبر تعيين التقنوقراطي ادريس جطو، وزير الداخلية السابق في منصب الوزير الأول. وكان على جطو أن يجد أغلبية تسانده لتشكيل حكومته. ما الذي جرى بدقة الحبيب المالكي؟ يجدر التذكير أولا بأن نتائج الانتخابات التشريعية لسنة 2002 وضعت الاتحاد الاشتراكي في المقدمة ب 50 مقعدا نيابيا بينما كان حزب الاستقلال الثاني ب 48 مقعدا. كان الحساب السياسي يفرض مواصلة التجربة مع الاتحاد الاشتراكي على رأس الحكومة كيفما كانت أهمية الفارق .ففي الدمقراطية، يمكن لمقعد واحد أن يغير كل شيء. لكن الحساب السياسي ليس دائما هو السيد... فالمنافسة الخاطئة التي خاضها حزب الاستقلال ضد الاتحاد الاشتراكي من جهة والقطيعة مع حزب علال الفاسي من جهة ثانية وضعتا التنظيمين معا، الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال، خارج اللعبة. فالتاريخ يعيد نفسه، وبما أن أشباح الماضي تنتهي دائما بالاستيقاظ، فقد حصل التراجع. ففي هذه الظروف وأمام المفاجأة العامة، تم تعيين ادريس جطو وزيرا أول، وهي إشارة سيئة في تجربة أنعشت الكثير من الآمال، إشارة اعتبرت عودة للممارسات القديمة. نتذكر تلك المرحلة التي سبقت تعيين ادريس جطو في منصب الوزير الاول والتي دخل فيها الاتحاد و الاستقلال في حسابات صغيرة وغريبة في محاولة منهما تشكيل الأغلبية. سؤالي هو لماذا لم يتفاهم الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال؟ العلاقات السيئة التي كانت تسود بين عباس الفاسي وعبد الرحمان اليوسفي هي السبب. فينبغي التذكير بأنه طيلة فترة حكومة اليوسفي ، ظل الأمين العام لحزب الاستقلال يلعب دور المعارض، مما خلق أجواء سيئة خاصة وأن وزن الحزبين في الحكومة كان حاسما. ومن جهة أخرى وفي مثل هذه الظروف، لم تتح الفرصة للحكماء الذين يدفعون الأمور في الاتجاه الحسن. كان السباق محموما من الجانبين، وأعتقد أن المسؤولية مشتركة. الآن و بعد مرور الوقت، ألا تشعرون بالحرج من ذاك السباق بين الاتحاد و الاستقلال نحو السلطة ؟ كان الأمر مؤسفا حقا لأننا تفرجنا على سباق حام من أجل عقد تحالفات غير طبيعية في معظم الأحيان. كان لدي الانطباع بأننا لم نستفد من دروس التاريخ المعاصر. فالانقسام دائما يسهل ظهور عنصر ثالث. وهكذا فقد المغرب الكثير من الوقت على الصعيد السياسي. لقد قلتم أنه في الدمقراطية قد يشكل مقعد واحد إضافي الفرق. في سنة 2002 كان الاتحاد الاشتراكي الأول في الانتخابات التشريعية. حين إعلان النتائج هل كان اليوسفي يعتقد بأنه سيتم التجديد له كوزير أول؟ لقد كان مقتنعا بأن الاتحاد الاشتراكي هو من سيقود الحكومة المقبلة. لم يكن هناك خيار آخر . و لهذا السبب كان شعوره بالإحباط قويا. لماذا لم يتم تعيين اليوسفي أو واحد من صفوف الاتحاد الاشتراكي وزيرا أول فورا؟ خاصة أن النتائج الانتخابية كانت واضحة و ملموسة. أجواء سيئة مع عناصر ملوثة...هذا الوضع بكل تأكيد هو ما أدى إلى التحكيم. رغم أن الاتحاد الاشتراكي كان الأول عدديا في البرلمان. هل عشتم الأمر باعتباره نصرا مصادرا؟ لقد اعتبرناه جميعا انتصارا مصادرا و مع ذلك فإن اجتماع المكتب السياسي الذي انعقد في أجواء ثقيلة كان مليئا بالدلالات... متى انعقدت الهيأة التنفيذية للاتحاد الاشتراكي؟ انعقد اجتماع المكتب السياسي غداة تعيين جطو، وهو أمر له دلالته. أبلغنا اليوسفي بآخر التطورات مع التأكيد على ضرورة مواصلة الأوراش التي فتحها الحزب. كانت رسالته واضحة: لا ينبغي ترك الآخرين يقومون بتدبير الأوراش المفتوحة من طرف حكومة التناوب بطريقة سيئة. تلا ذلك نقاش قوي. وخلال هذا الاجتماع عبر محمد اليازغي عن عدم موافقته على المشاركة في حكومة يقودها ادريس جطو. وفي نهاية الاجتماع، لخص اليوسفي باعتباره الكاتب الأول للحزب، الوضع بإغناء القاموس السياسي كالتالي: «سنشارك لأن هذا يخدم الصالح العام ولكن ينبغي احترام المنهجية الدمقراطية» في هذه الحالة لم يتم احترام المنهجية الدمقراطية لا، لم يتم احترامها. لكن تشكيل الحكومة التالية سنة 2007 برئاسة عباس الفاسي ممثلا للحزب الذي حصل على الرتبة الأولى في الانتخابات ، أكد ما طالبنا به قبل خمس سنوات. أعلن اليازغي إرادته في عدم المشاركة الحكومية.هل كان الوحيد الذي دافع عن هذا الطرح داخل المكتب السياسي أم أن هذا الأخير كان موزعا بين الطرحين: المشاركة أو عدم المشاركة؟ الأغلبية الكبيرة كانت تنصت باهتمام واحترام كبيرين لتحليلات واقتراحات اليوسفي. وكان اليازغي وهو كاتب أول بالنيابة، هو من عبر علنا عن عدم اتفاقه. غداة تعيين ادريس جطو، نشر الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بلاغا. كان بلاغا قويا تبنى خطا سياسيا واضحا بخصوص احترام الدمقراطية والمنهجية الدمقراطية.من أعطى فكرة صياغة هذا البلاغ ومن قام بتحريره؟ صاحب الفكرة هو اليوسفي. لقد كانت الحجج واضحة في رأسه. كانت اللعبة قد تمت فعلا و لكن الرجل كان يمتلك شعورا حادا ينظر به إلى ما وراء الأحداث الطارئة. لقد كان رجل الدولة لديه يفوق ما يمكن أن نسميه بالوطنية الحزبية. وقد حصل التوافق حول صيغة «احترام المنهجية الدمقراطية» لتأكيد الاستمرارية، أو بعبارة أخرى المشاركة في حكومة جطو. و من حرر هذا البلاغ الشهير؟ لم أعد أتذكر. تبنى الاتحاد الاشتراكي في النهاية خيار المشاركة. لكن القضية لم تناقش داخل المجلس الوطني. هل تم إشراك المناضلين في هذا القرار؟ لقد صادق المجلس الوطني للحزب على القرار. فقد عمل اليوسفي - بدعم من اليازغي الذي انضم للداعين للمشاركة عقب اجتماع تفسيري مع ادريس جطو بمبادرة من هذا الأخير - على أن يساند الحزب الاستمرارية مرة أخرى. استمرارية إذن ومشاركة الاتحاد. ما هي الأسباب الحقيقية لمثل هذه المشاركة؟ رغم أنكم لم تعودوا أسياد اللعبة ولا تقودون الحكومة. الابتعاد إلى أقصى الحدود عن شبح السنوات الأولى للاستقلال، الحفاظ على الثقة دعم التوافق، تفادي كل ما من شأنه أن يضيع الوقت مرة ثانية في المغرب.. هذه من بين الأسباب التي دفعت للمشاركة. ينبغي التذكير بأن المرحلة الانتقالية كانت في بداياتها. لقد تبنينا مقاربة تاريخية للمرحلة . فالبقاء كفاعلين من الداخل قد يشكل ضمانة للمسلسل. عاد الاتحاد الاشتراكي إلى الحكومة مع جطو وزيرا أول و مع نفس وزراء التناوب تقريبا. عاد الذين كانوا مع اليوسفي إضافة إلى بعض الجدد من بينهم محمد الكحص. لماذا الحفاظ على نفس الوجوه؟ هل هي طريقة للاحتجاج أو طريقة لضمان الاستمرارية؟ ما هي الرسالة التي كان الاتحاد الاشتراكي يريد بعثها؟ إنها رسالة الاستمرارية. فاليوسفي كان يتمنى الاستمرارية على جميع المستويات. من الناحية السياسية كان تغيير الفريق الحكومي سيكون أكثر فائدة للحزب. فالحفاظ على نفس الأشخاص داخل الحكومات لا يشكل مؤشرا على الصحة السياسية. متى شعرتم بذلك؟ بعد حين. لكن اليوسفي كان مهتما بضمان استمرار المسلسل. لم يغادر اليوسفي السفينة إذن؟ لم يغادرها إلا في نونبر 2003 حين أعلن انسحابه النهائي من الحياة السياسية. واصل متابعته عن كثب لهذه المرحلة الانتقالية؟ تماما.لقد تابع الأمور لأكثر من سنة. لكن هذا كان من بين الأسباب التي دفعته لاتخاذ قراره الذي فكر فيه بترو شديد. الآن بعد ثماني سنوات ماذا تقولون؟ هل كان الاتحاد الاشتراكي محقا في مشاركته في حكومة جطو أو العكس، أي أنه أدى ثمن ذلك في انتخابات 2007 ؟ لا ينبغي أن تبقى السياسة أسيرة طرحين أحدهما افتراضي. لقد قمنا بخيار سياسي وتحملنا فيه المسؤولية حتى النهاية. نتائج 2007 - كما هي - ليست حاسمة في الاستمرارية. فطريقة مشاركتنا في الحكومة وأساليب التواصل مع قاعدتنا ومع الرأي العام، والمسافة بين الحكومة و الحزب ، هذه كلها تمثل بعض العناصر التي تفسر جزئيا التراجعات التي سجلناها في 2007. يبدو أنكم لا تتأسفون على شيء. تقولون إنه لم تكن هناك أخطاء. أعتقد أن الخطأ يقع أساسا في طريقة تدبير تجربتنا بالحكومة والتعايش معها. لنتحدث عن حكومة جطو. هل كان الاتحاد الاشتراكي فعلا فعالا داخل الحكومة؟ هل كنتم تعتبرون أنكم تواصلون قيادة التغيير؟ هذا مستوى آخر من المسؤولية. لقد تم إشراك الحزب في كل القرارات الكبرى. كما أنه شارك في إعداد البرنامج الحكومي. لكن الاتحاد الاشتراكي تم إشراكه مثله في ذلك مثل الحركة الشعبية أو التجمع الوطني للأحرار أو حزب التقدم و الاشتراكية؟ حينما أقول إشراك، فأنا أعني احترام قواعد الحكامة الجيدة داخل فريق. لكن مستوى المسؤولية ليس هو نفسه. عمليا، هل كان لديكم الإحساس بأن الاتحاد الاشتراكي كان مسموعا أكثر من غيره أم لا؟ لقد استفاد الاتحاد الاشتراكي دائما من اهتمام خاص. شخصيا لم يسبق أن كانت لدي ميزانية جيدة كالتي كنت أقوم بتدبيرها في حكومة جطو. فجميع المبادرات والبرامج الخاصة بتكوين المهندسين والأطباء كانت تلقى الدعم الملموس من جطو. وكيف كانت الأمور مع جطو وزيرا أول؟ هذا الشخص الذي لا يتحدث للإعلام إلا نادرا والذي كان يصرح دوما في إشارة واضحة إلى سلفه اليوسفي «لا أملك كاريزمية، ولست رجل سياسة ولست خطيبا مفوها لكني أعمل»، هل كنتم ترونه كذلك؟ لدي الشعور بأن جطو كان يظهر التواضع كي يربح الفعالية. حقا، لم يكن يقدم نفسه كوزير أول. بعد تجربة اليوسفي، كان ادريس جطو يتصرف باعتباره أول الوزراء، منسقا ممتازا، رجل المبادرة و الإنصات، رجلا حكما ينجح في الغالب بعيدا عن الرسميات في ضمان الانسجام داخل فريقه. هل تعنون أن مؤسسة الوزير الأول فقدت وزنها واختصاصاتها مع وصول تقنوقراطي يعتبر نفسه رئيس أوركسترا؟ لا يمكن مقارنة رجل سياسي على رأس الحكومة مع رجل غير سياسي. هل كان جطو يمارس السياسة دون أن يعلم بذلك؟ كما في مسرحية موليير: أن تقدم نثرا دون أن تعرف هو أن تقدم نثرا جيدا . هل كنتم ستستقطبون ادريس جطو للاتحاد الاشتراكي؟ هل من الممكن أن يكون عضوا فعالا؟ لديه ميل للتفكير مثلنا و للتصرف كرجل سياسي محنك. لقد كانت له تفضيلاته وخياراته، لكنه حرص على الانسجام. لنعد إلى التاريخ. في نونبر 2003، استقال اليوسفي من الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. كيف أعلن ذلك؟ هل كنتم تتوقعون مثل هذا القرار؟ اليوسفي لا يسمح لأفكاره بأن تنضح منه. غير أن تراكم الاحباطات، خيانة بعض المقربين منه، تداعيات الانتخابات المحلية ل2003 ،عدم احترام المنهجية الدمقراطية في 2002 ،الوحدة في نهاية المسار، الاضطرابات التي رافقت المؤتمر السادس للحزب مع مغادرة نوبير الأموي ، كلها عناصر تفسر بشكل واسع هذا القرار. لكن كل هذه العناصر ليست مقنعة لقبول قراره. فاستقالته من الكتابة الأولى للحزب وانسحابه النهائي من الحياة السياسية، شكل في نظري تعبيرا عن فشل. هل كان يعتبر نفسه فشل وبذلك تحمل مسؤولية فشله؟ أعتقد أن قرار اليوسفي يطرح من جديد مسألة الثقة السياسية: إلى أي مدى يمكن أن نسير على قاعدة تعاقدية واضحة؟ فالمجتمع المغربي يحب الألغاز. و هذا أمر دال على تحديث سياسي يتأخر تطبيقه. وبقدر ما أتفهم قرار اليوسفي، بقدر ما لا أشاطره فيه. هل تعتقدون أن اليوسفي قد تعرض لخيانة ما؟ من طرف بعض المقربين منه، نعم. هل ترون أن اليوسفي يعتقد بأن التاريخ لم ينصفه؟ يعمل التاريخ في بعض الأحيان دون رجعة في شهر نونبر 2003، نزل قرار استقالة اليوسفي من الحزب. لقد جاء ذلك بواسطة رسالة بخط يده وبشكل موجز جدا. لم ير ضروريا أن يفسر أسباب قراره. كنا في اجتماع أسبوعي للمكتب السياسي ولدى تلاوة رسالة الاستقالة هاته، ساد صمت ثقيل على المجتمعين... هل اليوسفي هو من قرأ الرسالة؟ لم يكن معنا. فضل إرسالها من قرأها باسمه؟ عبد الواحد الراضي هو من قرأها. لقد بعث اليوسفي رسالة الاستقالة إلى عبد الواحد الراضي. رسالة قصيرة جدا؟ جدا، محررة بخط يده. ولم يفكر أي أحد في إقناعه بالعدول عن قراره. لم يكن هناك مبعوث؟ كان من المعتاد أن قرارات اليوسفي نهائية. عاد اليوسفي إلى حقيبته وتنقلاته، كيف عشتم ذلك؟ لقد شكل ذلك بداية أزمة عميقة داخل الاتحاد الاشتراكي. أصبحت آفاق التجربة الجارية إشكالية حقيقية. والسبب أن أحد أهم صانعي التناوب، الذي لا يزال في بداياته، غادر السفينة والحزب. لقد جاءت استقالة اليوسفي بعد مرحلة قصيرة من المشاركة الحكومية. كنا وسط اللجة. وهذا يطرح عددا من علامات الاستفهام. كانت الهزة قوية. لكن ماذا نفعل. إنه أسلوب اليوسفي. هل أصبحتم تشعرون باليتم داخل صفوف الاتحاد الاشتراكي؟ نعم. في اللحظات العصيبة كان حضوره ضروريا. لم تكن الاستمرارية مهددة، فمحمد اليازغي قام بالنيابة. اليازغي - اليوسفي. إنهما أسلوبان مختلفان تمام الاختلاف. معك حق، فهما أسلوبان مختلفان وجيلان مختلفان إلى حد ما. مع استقالة عبد الرحمان اليوسفي، لم يعد اليازغي الثاني الدائم؟ لقد كان اليازغي دائما في الصفوف الأولى... لكن في ظل القائد. في بعض الملفات، كان دائما في الواجهة. مع عبد الرحيم بوعبيد ، كانا يشكلان ثنائيا كاملا. مع عبد الرحمان اليوسفي كانا زوجا عقلانيا. ومن كان يقدم تنازلات أكثر؟ اليوسفي أم اليازغي؟ الرجلان كانا يعرفان بعضهما البعض وكل واحد منهما كان مقتنعا بضرورة نجاح التجربة. ورغم بعص الاحتكاكات الطبيعية جدا، كانت الأمور تسير بشكل عادي. في نفس الوقت، كان اليازغي يقول جهارا ما يفكر فيه في المجالس الحكومية. إنه أسلوب اليازغي، وهذه خاصية أعتبرها ميزة في نظامنا ينبغي تعلم عدم ممارسة اللغة الخشبية. الحياة السياسية المغربية بحاجة إلى خطاب متحرر في إطار الاحترام و اللباقة مع تفادي المواجهات غير المجدية. فالخطاب المفتوح مفيد من الناحية البيداغوجية أكثر من الخطاب المغلق. هل تعتقدون أن محمد اليازغي الذي كان يستعد لأخذ زمام الحزب قد نجح في الانتقال من المناضل المعارض إلى المشارك في الحكومة؟ لقد كان لليازغي الشعور بالانتماء للحزب، وهذا الشعور قاده إلى امتلاك حس رجل الدولة. و هو أيضا رجل الجهاز، فهو كان يمسك بالحزب. لقد تولى دائما المسؤوليات الأكثر صعوبة والأقل مردودية في ما يخص تدبير العلاقات مع المناضلين. لقد كان اليازغي، و أكررها، على جميع الجبهات. كيف تطور الاتحاد الاشتراكي بقيادة اليازغي؟ تم تنصيب اليازغي على رأس الحزب بمناسبة المؤتمر السابع في سنة 2005 .وكان الأمر طبيعيا ولم يكن هناك أي اعتراض. كان مرشحا منتصرا تقريبا أفضل كلمة مرشح فعلي. فمع اليازغي كاتبا أول بالنيابة ثم كاتبا أول في المؤتمر السابع، أصبح الاتحاد الاشتراكي حاضرا على الساحة السياسية و في وسائل الإعلام. كما فتحت عدة أوراش في هذه الفترة داخل الحزب في مجالات التنظيم و الصحافة و النساء و الشباب. لكن ميراث محمد اليازغي عاشه البعض بشكل مختلف عن البعض الآخر. ميراث متناقض لماذا؟ البعض كان يعتبر اليازغي مسؤولا عن عدم إنصاته للمحتجين. البعض الآخر كان يعتبر أنه يعرفهم جيدا لذلك لم ينصت لهم وبشكل مبالغ فيه . من المآخذ على اليازغي أنه لم يعامل على قدم المساواة كل أطر ومسؤولي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. و مع ذلك فإن اليازغي شخصية سياسية تحمل مع مناضلين آخرين، الاتحاد الاشتراكي في أكثر الفترات صعوبة في وقت كان حزبنا يتعرض لعقود من القمع. ولكن في نفس الوقت يؤخذ على اليازغي أنه أغلق الحزب وكمم جميع الأصوات النشاز. يقال إن الدمقراطية الداخلية تعرضت للأذى في عهده. طيلة الفترة التي تحمل فيها مسؤولية الاتحاد الاشتراكي، لم ألاحظ أي انشقاق أو رحيل. هل هذا يعني أنه تمكن من تدبير جميع الخلافات؟ ينبغي أن نعيش داخل الحزب لمدة طويلة كي نتمكن من فهمه. لا ينبغي الدخول لبيت الاتحاد الاشتراكي بعقلية المكتري أي العابر. هل من الصعب تدجين بيت الاتحاد الاشتراكي؟ إنه بيت مركب ولكنه ممتع. الاتحاد الاشتراكي حزب متجذر في المجتمع. نحن لسنا أمام حزب على المقاس يتطابق مع الواقع السوسيولوجي المغربي. لكن ينبغي أن تكون قويا كي تصمد داخله، أليس هذا ما تعنونه؟ ينبغي أن تكون لك قناعات سياسية قوية جدا لتحمل المسؤوليات مع الإيمان بأن الأمور ينبغي أن تتغير.{ كان اليازغي رجل الانفتاح. قبيل الانتخابات التشريعية لسنة 2007 فتح أبواب ونوافذ الاتحاد الاشتراكي وهو ما لم يقبله المناضلون جميعهم. أليس الاتحاد الاشتراكي في النهاية حزبا منغلقا؟ يجب التذكير بأن اليازغي كان مهندس إدماج «الحزب الاشتراكي الدمقراطي» داخل الاتحاد الاشتراكي. وهو إدماج غير مسبوق على الصعيد السياسي، رغم كل ما أعقب ذلك. وبهذه الصورة فإن عملية الانفتاح تعد مبادرة ممتازة ، بيد أنه بقدر كون أطرنا ومناضلينا كرماء فإنهم حذرون في الوقت نفسه. وهذا الحذر المبالغ فيه يقود في بعض الأحيان إلى الانغلاق. ينبغي أن نفهم بأن المجتمع المغربي يتغير وبذلك فإن مناضلي اليوم لا يشبهون مناضلي الأمس. إنه صيرورة. ينبغي مرور بعض الوقت و تجديد منتظم لبنياتنا التنظيمية كي نسمح للأجيال الجديدة بالمساهمة في الدينامية التي يعرفها الحزب. كيف يمكن لهذه الأجيال الجديدة أن تهتم بالاتحاد الاشتراكي؟ هل يوجد مناضل اتحادي؟ كيف هو؟ تعنين مناضلا عصريا؟ نعم عصري. المناضل الاتحادي ينبغي أن يكون منفتحا، متسامحا وحاملا لأفكار في المجالات الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية والسياسية. مناضلا متوجها نحو التغيير والحركة الجمعوية التي تلعب دورا أساسيا بشكل متزايد. هذه بعض من الصفات التي على المناضل الاتحادي العصري أن يتحلى بها. في العام 2005 ،أصبح اليازغي كاتبا أول للاتحاد الاشتراكي. في سنة 2007 قبيل الانتخابات التشريعية بدأت الأزمة داخل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية تقرع طبولها. هل كانت تصلك أصداؤها؟ لقد كانت نتائج انتخابات شتنبر 2007 التشريعية هي من أشعل أزمة خامدة. اعتاد مناضلو الاتحاد الاشتراكي أن يحتلوا الصفوف الأولى. لهذا فإن الرتبة الخامسة لم تكن مقبولة و اعتبرها المناضلون سبة لحزب كان دوما في الخط الأول في مجالات الأفكار والمبادرات والخطب والتنظيم. إجمالا كنا في الخط الأول للمعركة على جميع الجبهات. لقد كان تسونامي سياسي حقيقي عاشه الحزب. ومع ذلك، يجدر التذكير بأن المجلس الوطني لشتنبر 2007 قد اتخذ قرار مواصلة مشاركة الاتحاد الاشتراكي في الحكومة. ألم تكونوا تتوقعون مثل هذه النتائج؟ ألم يكن الاتحاد الاشتراكي ينتظر تراجعا انتخابيا بهذا الشكل؟ كنا متفائلين جدا. ورغم محدوديتها، فإن استطلاعات الرأي لا تشكل قاعدة بعد في بلادنا. لقد كان معدل المشاركة في انتخابات 2007 هو المجهول الأكبر وكذلك المفاجأة الكبرى. مغربيان من كل ثلاثة لم يصوتوا. وعلينا أن نعلم بأن الأغلبية العظمى من الذين غابوا عن التصويت توجد أساسا في صفوف من اعتاد التصويت لصالح اليسار عموما والاتحاد الاشتراكي على وجه الخصوص. هل كنتم تنتظرون مثل هذا العقاب؟ بهذا الشكل لا. البعض فسرها باعتبارها عقابا، والبعض الآخر اعتبرها إنذارا.لكن، وبغض النظر عن هذه النتائج، قررنا للمرة الثالثة على التوالي مواصلة التجربة الحكومية. بتحليل نتائج هذه الانتخابات، ألم تلاحظوا بأن الاتحاد الاشتراكي قد ابتعد عن اهتمامات المجتمع المغربي وعن الواقع في الساحة، وأنكم لم تعودوا متجذرين كما تظنون؟ لقد فقدتم في هذه الانتخابات معاقل اتحادية. سقطت الرباط والمدن الكبرى مثل الدارالبيضاء و مكناس... كيف كان تحليلكم لهذه النتائج إضافة لكونها إنذارا؟ بغض النظر عن النتائج الحسابية، فإن التغيير ظل يمثل رهانا حقيقيا. في تحليلات الاتحاد الاشتراكي و نظرته للمستقبل، فإن الإرهاب و الأصولية هما الخطران الكبيران اللذان يمكن أن يخلقا أوضاعا جديدة. أعتقد بأن الاتحاد الاشتراكي ما زال لحد الآن مهتما بضرورة الحفاظ على الأساسي. وكان الثمن غاليا جدا. فبالنسبة للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ستكون سنة 2012 سنة كل المخاطر.لقد وصلنا إلى نهاية المسلسل و ستكون 2012 إما سنة القفزة إلى الأمام أو سنة تأكيد التراجع. لقد تكلمتم عن القاموس الجديد للاتحاد الاشتراكي في إثارتكم للمنهجية الدمقراطية سنة 2002 .في العام 2007 ظهرت كلمة جديدة في القاموس الاتحادي. لقد تحدثتم عن وزن الشرعية التاريخية عوض الوزن الانتخابي الحقيقي للاتحاد الاشتراكي. أليس هذا دليلا على سوء النية؟ أبدا. لقد كان معدل الامتناع عن التصويت عاليا جدا. والشرعية يجري تأكيدها بمعدل مشاركة مناسب أو مقبول. فناخبان من أصل ثلاثة لم يروا داعيا للتصويت. الامتناع عن التصويت هو أيضا طريقة للتعبير. هذا أكيد. وعلى هذا الأساس من العسير تطبيق قواعد الدمقراطية بشكل آلي. إذن من المسؤول عن هذا العزوف الواسع للناخبين؟ سؤال يستحق الطرح. من المسؤول عن النتائج الانتخابية للاتحاد الاشتراكي؟ حدد الاتحاديون مسؤولين: الكاتب الأول والكاتب الأول بالنيابة اللذين أجبرا على الاستقالة. واليازغي هو من استقال أو أقيل. كيف اتخذ هذا القرار؟ القرار لم يكن مرتبطا بالمشاركة في الحكومة، ولكن بمسطرة التفاوض و تنفيذ هذه المشاركة. يقال إن كل هذا قد حرك من طرف الغاضبين الذين لم تكن أسماؤهم في اللائحة التي اقترحها اليازغي للمستوزرين. خلال هذه الفترة كان من الحكمة السياسية تدبير القضايا بطرق مختلفة. فحين نقارن بين قرار المشاركة - و هو قرار سياسي بامتياز- مع طرق المشاركة، فإن هناك خللا سيؤدي بقوة الأشياء إلى هزات. و أكرر: كان من الحكمة تدبير المرحلة بطريقة مختلفة. التدبير بطريقة مختلفة. ما معنى ذلك بالضبط؟ هل معناه السماح لليازغي بأن يواصل مهمته حتى المؤتمر؟ - لقد كان ما تبنيناه نصف حل. نصف حل قاد إلى أزمة قوية أثناء انعقاد المؤتمر الثامن. فأنصاف الحلول لا توضح الأوضاع السياسية و لا ترسم آفاقا معبئة. لقد تمت المعاينة لكن كان من الشجاعة السياسية أن نذهب حتى النهاية : إما أن نشارك أو لا نشارك. خلف هذه المراوحة، فإن إرادة اتخاذ القرارات المتعلقة بالمشاركة لم تكن متوفرة. إما أنكم تقولون الكثير أو تقولون ما لا يكفي. لا. أردت فقط أن أوضح في ما يتعلق بي، فإن قرار المشاركة كان هو القرار السياسي الأهم، فيما يحتل موضوع من سيشارك مستوى ثانيا من المسؤولية. في الاتحاد الاشتراكي، شخصنا بشكل قوي المستوى الثاني من المسؤولية. و لهذا تبنينا نصف حل لا يتماشى مع الرؤية في شموليتها. القرار السياسي المتخذ هو المشاركة. ولكنها مشاركة غريبة. فالاتحاد الاشتراكي يقول «نعم و لكن» «نشارك و لكننا نساند حكومة عباس الفاسي مساندة نقدية». هذا بالضبط ما حاولت تفسيره. لم يكن هناك انسجام كامل بسبب نصف الحل الذي تبنيناه. كان ينبغي أن تشاركوا بشكل كامل؟ هنا، ليس هناك نصف مقياس. إما أن نكون مقتنعين و نذهب حتى النهاية أو لا نكون مقتنعين ونذهب أيضا حتى النهاية. في كل هذا، ألم يذهب اليازغي ضحية أنانيات وطموحات لا حدود لها من هذا الجانب أو ذاك؟ إنه تراكم. في بعض الأحيان يكون الطقس لدينا هو التضحية. يقال إن الاتحاد الاشتراكي حزب قاس جدا. مع أبنائه بكل تأكيد لقد بدأت الأزمة لتوها، رحل اليازغي ولم يذهب الراضي. ألا يعني هذا أن الاتحاد الاشتراكي قد تعافى؟ استقال الراضي وبقي. واصل المشاركة في اجتماعات المكتب السياسي. إنها مرحلة جديدة في تفاقم الأزمة الداخلية التي تهز الحزب بقوة منذ 2003 و في النهاية ساد الاعتقاد بأن الاتحاد الاشتراكي حزب قوي. منذ 2003، وهو يتعرض لهزات على مختلف المستويات ولكن الحزب عرف كيف يصمد. من أين له بهذه القوة؟ نحن حزب لم يعش سوى وسط العواصف. و من هنا هذا الشعور القوي بالارتباط بالحزب لأنه يظل حاملا لمشروع تغيير. و إلى هذا ينبغي إضافة كوننا نعيش تدريجيا مسلسل عدم الارتباط بالأشخاص على مستوى القيادة، هل هناك أزمة قيادة اليوم في الحقل السياسي المغربي، وفي الاتحاد الاشتراكي خصوصا؟ بالطبع. فبصفة عامة، هناك أزمة قيادة. والاتحاد الاشتراكي ليس بعيدا عن هذه الظاهرة. وهذا دليل على التحولات التي نعيشها حاليا والتي نعيشها بألم شديد. ومن هنا ضرورة إقامة قواعد تحمي المؤسسة وليس الأشخاص. هل بالإمكان تصور ظهور قادة كاريزميين معبئين جدد؟ لحسن الحظ أن التاريخ يمتح موارده من حيوية المؤسسات التي تؤطر المجتمع. أنا مقتنع بأننا سنشهد خلال السنوات القادمة ظهور قادة جدد، بثقافة سياسية جديدة وبخطاب مجدد وبأسلوب جديد لممارسة السياسة. هل قادة الاتحاد الاشتراكي مستعدون لتسليم المشعل للأجيال الجديدة؟ نحن مجتمع محافظ بشكل...