إن الذي اقتاده قدره إلى ولاية أمن مراكش قصد الحصول أول مرة على البطاقة الوطنية للتعريف أو تجديدها بعد انتهاء مدة صلاحيتها أو إعادتها عند ضياعها ، سيعتصر قلبه لا محالة حسرة لما يحدث داخل قبو مقر ولاية أمن مراكش ، الذي خصص جناحه لهذا الغرض ، حيث تسود الزبونية والمحسوبية ومختلف تابعات سلوكاتها كما يقال « على عينك يابن عدي ، عاين باين »، ولايجرؤ أحد من المواطنين المستضعفين الذين ركنوا على كراسي في زاوية من هذا المكان بعدما تسلموا من شرطي بزيه المدني تذكرة كتب عليها رقم دورهم في إيداع الملف ووضع البصمات بعد انتظار طويل، على أن يحتج على ماتراه عيناه من سلوكات غير سليمة من بعض موظفي الأمن الذين أسندت إليهم هذه المهمة ، إذ يتجاهلون كليا تواجد هؤلاء المواطنين كلما أطل عليهم وجه مألوف لديهم من أصحاب «المقجاجات»، حيث تعلو الابتسامات محياهم بعد عبوس شديد في وجوه زوارهم غرباء هذا المكان ، وبعد التحية والسلام تُقضى حاجته حالا ، هذا إن كانت المهمة بيد الموظف الذي استقبله، وإذا كانت لدى زميل له فإن هذا الموظف يبرح مكانه متنقلا بين مكاتب هذا القبو بمعية صاحبه ولا يعود إلى مكان استئناف مهمته إلا بعد وقت قد يصل أحيانا إلى نصف ساعة حسب ما عايناه حالة تواجدنا بالصدفة بعين المكان، ناهيك عن التملي بمكالمات هاتفية بواسطة الهاتف المحمول بين الفينة والأخرى وما يفوق 100 إمرأة ورجل شبابا وشيبا يكتوون بنار انتظار دام قبل موعد هذا اليوم شهرا كاملا ابتداء من أول زيارة لهم فاتت لقبو ولاية أمن مراكش ، هذه المدة المحددة كموعد لإيداع الملف ووضع البصمات مدة معفى منها المقربون ذوو «المقجاجات» الذين حجوا هم الآخرون هذا اليوم وعددهم قد قارب المائة مما جعل الانتظار يطول ويطول، وبفعل قوة الضغط على المنتظرين لم يتمالك شاب نفسه فصاح قائلا : « اللهم إن هذا لمنكر، أناس يسبقوننا بدون انتظار دورهم ، هذا شيء غير معقول »، وهنا قصده شرطيان يلتمسان منه العذر محاولين إسكاته ، لكن الغريب في الأمر هو أن الموظف الذي تمادى في القيام بهذه السلوكات تقمص دور سلطة الفقيه في الكُتاب أثناء تعامله مع جميع المنتظرين أمامه، معلنا بصوت عال توقفه عن قيامه بهذه المهمة إلى أن يتم إسكات هذا الشاب، فغادر مكتبه إلى خارج مقر ولاية أمن مراكش بعدما أحكم إغلاق باب المكتب بالمفتاح وكأنه أغلق دكانا في ملكه غير مبال بأحد، هذا وأشياء أخرى من هذا القبيل تحدث بهذه الولاية للأمن وذلك رغم وجود كاميرات منتشرة ومثبتة في سقوف مرافقها، لكنها للأسف الشديد رصدت فقط لحماية هذا النوع من الموظفين لحسن الحظ هناك موظفون مُجدون في عملهم ولم يتم التفكير بعد في مراقبة سلوكاتهم التي تدل على أن رياح محاربة الفساد الإداري الذي طالما تفشى لعقود وعقود في الإدارة المغربية، لم تهب بعد على قبو إدارة الأمن هاته !