بحلول 15 يونيو من كل سنة تنطلق رسميا عملية عبور الجالية المغربية المقيمة بالخارج إلى غاية 15 من شتنبر. ويعتبر ميناء طنجة نقطة عبور رئيسية، إذ من المنتظر أن يستقبل ما نسبته 55 في المائة. وانطلقت بميناء البوغاز الاستعدادات بمناسبة موسم العبور برسم هذه السنة منذ شهر أبريل المنصرم، إذ من المنتظر أن يستقبل الميناء خلال صيف السنة الجارية نحو مليون مهاجر مغربي يقطنون بمختلف الدول الأوروبية بزيادة تقديرية، مقارنة مع السنة الماضية تتراوح ما بين 8 و10 في المائة، وهو ما بدأت بوادره خلال الشهر الأول، يقول الآمر بالصرف للجمارك بميناء طنجة: «سجلت زيادة العبور ما بين 15 يونيو إلى غاية 4 يوليوز الجاري ما نسبته 3,6 في المائة، مقارنة مع الفترة نفسها من السنة الماضية». ويرتقب أن يصل عدد السيارات العابرة إلى نحو220 ألف سيارة ونحو3200 حافلة. تشارك في عملية العبور 19 باخرة ستربط ما بين ميناء طنجة وموانىء فرنسية وإسبانية وإيطالية، حيث ستتكلف 14 باخرة بالربط البحري القار بين ميناء طنجة والجزيرة الخضراء، منها ست بواخر سريعة و3 بواخر على الخط البحري الرابط بين طنجة وسيت وفندري الفرنسيتين، وباخرتان للربط بين طنجة وميناء جينوة الإيطالي، وسيصل عدد الرحلات على مستوى كل الخطوط على مدار اليوم إلى 36 رحلة. مؤسسة محمد الخامس للتضامن جندت هذه السنة حسب مصدر إداري 550 إطارا لتحسين ظروف الاستقبال، من ضمنهم 400 مساعدة اجتماعية و150 ما بين طبيب وممرض ومسعف وإداري، سيرابط نحو 60 في المائة من هذه الأطر بجهة طنجة تطوان (ميناء طنجة باب سبتة باحات الاستراحة بكل من بريش ومالاباطا والعرائش). تقول إحدى المساعدات الاجتماعيات بميناء طنجة: «مهمتنا ودورنا هو مساعدة إخواننا من الجالية المغربية المقيمة بالخارج»، وعندما سألناها عن المشاكل التي تواجهها المساعدات الاجتماعيات عند مباشرتهن لعملهن، قالت: «دورنا هو حل المشاكل، فكيف لنا أن نواجه المشاكل». وتتوزع المساعدات الاجتماعيات على متن السفن الرابطة بين طنجة والموانىء الأخرى الأجنبية المعنية بعملية العبور، بالإضافة إلى مترجمين ومرافقين وممثلي المؤسسة من أجل تقديم يد المساعدة الضرورية لأفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج، وحل مشاكلهم الإدارية والصحية الاجتماعية والقانونية، والاستجابة لطلباتهم ورغباتهم حتى تمر ظروف العبور في أحسن الأحوال. عبور لا يخلو من مشاكل ينظر بعض أفراد الجالية المغربية بعين الريبة إلى عناصر الجمارك، ويزعمون أنهم يغالون في ثمن التعشار. يقول رجل كهل قادم من فرنسا، بعدما أصر أعوان الجمارك أن يفتشوا كل ما تحويه سيارته من بضائع، وإصراره من جانبه أن يخرج ما يريده هو فقط: «كيف تأتي لهذه البلاد؟ تركني وذهب في إشارة إلى الجمركي »، وخاطبنا والعرق يتصبب من جبينه: «أقول لك عندي كل ما يجب، طلب مني تأدية 500 درهم على بعض المقتنيات، مع العلم أن ثمنها الحقيقي لا يصل إلى هذا الثمن، صحيح عندي الحديد إذا أصر على هذا المبلغ، فسأترك أغراضي في الميناء وأرجعها عند انتهاء إجازتي السنوية، أتيت في الباخرة التي وصلت على الساعة الثامنة والنصف صباحا، وجاءت من بعدي ثلاث بواخر، ومع ذلك فأنا مازلت هنا أنتظر، لمدة ساعتين ونصف، وتنتظرني مسافة ألف كيلومتر إلى تزنيت، قضينا يومين في الطريق، بنتي الصغرى لم تذق الطعام مدة ثلاثة أيام». سمعه العون الجمركي الذي كان منهمكا في عمله الميداني مع صاحب سيارة أخرى، وقال: «أنا أقوم بواجبي، وحرام علي أن أحبس عائلة هكذا، السيد كما ترى داخل بلافيراي، لا أدري ماذا يريد؟، نحن نقوم بواجبنا لا أقل ولا أكثر». توجد بميناء طنجة بوابات كثيرة للخروج، في أقصى الجهة اليمنى، كانت بعض السيارات من الحجم الكبير أمام المكتب المحاذي للآمر بالصرف للجمارك، أنزلوا كل ما تحتويه سياراتهم، وهي عبارة عن أكياس وحقائب بلاستيكية كبيرة مملوءة بالملابس المستعملة، وبعض الأغراض من هنا وهناك، وفي جانب آخر بعض العجلات الممسوحة يبدو أنها قطعت مئات الآلاف من الكيلومترات. أما شخص آخر فلم يجد ما يحمله معه لبلده سوى بعض القضبان الحديدية، وبعض الأدوات المعدنية، وقاعدة وسقفا لدولاب خشبي متهالك يقول: «كما ترى هذه الألواح أتيت بها لعلي أعطيها لنجار لأصنع منها ماريو باش يتقام رخيص»، وإذا أصر رجال الجمارك على أن أؤدي عليها، فسأتركها إلى حين عودتي وأرجعها». هذه العبارات، يقول أحد أعوان الجمارك «يجدها البعض من المهاجرين مخرجا لهم، وإن مثل بعض الأغراض لا تصلح لشيء، ومثل هذه الألواح لا تصلح إلا أن تكون وقودا للفرن». ويقول بعض من وجدناهم قرب نقطة تفتيش للجمارك: «هناك من يأتي بمزابل أوروبا ويسبون الأمن والجمارك». ويضيف أحد الحمالين: «المهاجرون أعطتهم الدولة حقهم كاملا وزيادة، والبعض منهم لا يستحقون، والسلطة تتنازل لهم من جهتها عن بعض حقوقها». يقول ع.و: «عند القيام بجولة في بعض الأسواق الأسبوعية تجد أن بعض المهاجرين المغاربة قد وضعوا أمامهم أغراضا وأدوات علاها الصدأ، يعرضونها للبيع، لا يعرفون هم أنفسهم لأي شيء تصلح، ومنهم من يبيع موسى الحلاقة بدون غلاف، وعليها عش الرتيلة من استعملها لا محالة يكون مآله إلى أقرب مقبرة يتواجد بها، أو أقرب مستعجلات إن كان له حظ في هذه الحياة». يحتج بعض المواطنين ضد التفتيش، يقول إدريس.ب القادم من إسبانيا: «كل ما أدخلته هو جهاز تلفاز مستعمل من الحجم الصغير، وآلة خياطة يدوية، وبعض أجزاء السيارات، والثمن الذي أديته على التلفاز يكاد يساوي قيمته الحقيقية إذا اشتريته جديدا». الحمالون المنسيون الحمالون عنصر ومكون أساس في ميناء طنجة يتم إغفاله من قبل وسائل الإعلام، حسب تعبير أحدهم. وهم منظمون في جمعية أطلقوا عليها اسم: جمعية عمال نقل بضائع المسافرين بميناء طنجة، تضم في عضويتها جميع الحمالين، وعددهم ما يزيد عن 170 حمالا، ويقسمون أنفسهم وعملهم على فوجين: أ وب، وكل فوج يقسم بدوره إلى اثنين في عين المكان، يقول لطفي لعلج، رئيس جمعية عمال نقل بضائع المسافرين بميناء طنجة: «عملنا يتمثل في تقديم المساعدة إلى المهاجرين، باعتبار ميناء طنجة بوابة إفريقيا، ويوجد بيننا وبين مكونات الميناء تعاون جدي، إلا أننا نعاني من بعض الصعوبات، والمشكل الأكبر بالنسبة لنا مع مكتب استغلال الموانئ بطنجة، فنحن نطالب بمقر لجمعيتنا لا يتجاوز مترين مربعين»، ويقول معلقا على هذا الأمر: «لماذا نحن واقفون هنا، كان من الأجدى أن نتحدث في مقر جمعيتنا». أما عن الصعوبات التي يعانيها حمالو ميناء طنجة فيقول عنها لطفي: «نشكو من غياب مساعدة من لدن بعض البواخر»، يحكي بمرراة عن سقوط أحد الحمالين من السلم عند تأديته لعمله، ولم يجد من يقدم له يد المساعدة، «فالحمالون لا يتوفرون على التغطية الصحية، ولا يتوفرون على انخراط في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، على اعتبار أن عملهم يكون مكثفا خلال فترة الصيف». هذا التنظيم يصفه أحد الحمالين بالقول: «نحن منَظَّمون بالقوة». ومن أجل تفادي الاختلاط مع الغرباء، ومن ينتظرون فرصة سانحة تمكنهم من الحريك، اجتهد الحمالون واشترطوا على أنفسهم العمل بزي موحد. يقول السيد محمد الحنيني بابتسامة لا تفارق محياه: «هذا اللباس كما ترى، هو تفاديا للهرج والفوضى التي يخلقها المتطفلون على الميدان، والذين يستغلون الاكتظاظ». يحكي غزيل لمفضل عن حادث وقع قبل أيام حينما سرق أحد الدخلاء بعض النقود لأحد المهاجرين كان يرغب في صرف العملة، عندما أوهمه أنه حمال في الميناء». في مقابل ذلك يقول المفضل: «نحن ضد الفوضى ونسهر على راحة المهاجرين، وقبل ثلاثة أيام سقطت لأحد المهاجرين ثلاثة آلاف درهم، ووجدها أحدنا فأعادها له، ولم يأخذ منها سنتيما واحدا». ففي الوقت الذي يكون فيه المهاجر المغربي مشغولا مع الجمارك، بإنزال أمتعته وعدها، يكون معرضا للنهب من قبل الغرباء، إذ بفعل العياء وطول الانتظار وقلة الانتباه، لا يكون هم المهاجر إلا إعادة جمع الأمتعة وحزمها بإتقان استعدادا لرحلة أخرى داخل أرض الوطن للوصول إلى الأهل والأحباب. يقول أحد الحمالين: «نحن لنا التزام على البدلة في إشارة إلى بدلة العمل التي تميزهم عن غيرهم وهناك من ينتحل صفتنا». الحمالون يفتخرون بعملهم، ويعتبرونه نبيلا، يقول لمفضل: «هذا عمل شريف، والواحد منا يعمل بطهرو يعني بظهره " أجرة الحمالين غير محددة، وليس لها تعريفة موحدة، فهي راجعة إلى أريحية الذين يقدمون لهم خدمة نقل أمتعتهم، وإيصالها إلى المكان المطلوب، يقول محمد الحنيني: «أجرنا غير محدد، والأجرة حبية، والله تعالى يخلف لنا، ونحن لا نضغط على المسافرين". رواج الحركة عند الحمالين يكون لا بأس به في الصيف، إلا أنه في باقي أيام السنة يكون ضعيفا، يقول م.ح: «في بعض الأيام تصل أجرتنا اليومية إلى 300 درهم، لكننا نعمل يوما ونجلس يوما، وهذا الرواج يكون في شهري غشت ويوليوز فقط، وفي الشهور الأخرى قد لا يتعدى مدخولنا 10 أو 20 درهما في اليوم". الحمالون يشاركون في حماية الملك محمد السادس يحكي المفضل بفرح وسعادة عارمة بادية على محياه عندما يتذكر اللحظة التي قام فيها جلالة الملك محمد السادس بزيارة مفاجئة العام الماضي إلى ميناء طنجة للاطلاع عن قرب على عملية العبور، والاطمئنان على رعاياه العائدين إلى أرض الوطن: «ذات مرة جاء الملك محمد السادس في زيارة مفاجئة، وطلب منا حراسه أن نشكل معهم حزاما بشريا لكي نحمي سيدنا». المفضل معتز بتلك الذكرى ويحتفظ بصورة له مع جلالة الملك. وهذه الذكرى تعني الكثير بالنسبة لالمفضل، فهي عنوان لتواضع ملك مع رعيته، وخلق رفيع ينبغي أن يقتدي به بعض المسؤولين في أجهزة السلطة الذين لا يحلو لهم الجو إلا بتكشير أنيابهم أمام المستضعفين. مناسبة لالحريكَ الميناء، المطار، والمناطق المتاخمة لحدود دولة مجاورة، كلها تعتبر نقطا حدودية، ولهذا السبب نجد الحراسة مشددة في هذه المناطق، خصوصا الحدود الجوية والبحرية، باعتبارها مناطق إغراء للمهاجرين السريين. في ميناء طنجة تتكثف الحراسة، وتوجد جميع أنواع القوات، من درك في البحر، إلى قوات الأمن، وعناصر الجيش الملكي. قرب مفوضية الشرطة بالميناء، أمسك أحد حرس الحدود شابا في مقتبل العمر، تبدو عليه علامات التشرد، كان ينوي التسلل إلى داخل الميناء لعله يظفر بمكان يختبئ فيه في إحدى شاحنات النقل الدولي المرابطة بالميناء. سأل الجندي الفتى قائلا: إلى أين تذهب؟ قال الفتى: إني أتجول. الميناء ليس مكان للتجول، ولا للسياحة، وبفضل الحاسة التي أصبح يتمتع بها حرس الحدود علم الحارس أن الشاب ليس قصده التجول، وإنما اقتناص الفرصة السانحة للفرار. وما كان على الجندي إلا أن اقتاده إلى زميل له أكبر منه في الرتبة ليعود إلى مكان حراسته ليرابط فيه. يقول أحد العاملين بالميناء: «في فصل الصيف، وخصوصا عند ازدياد عدد المهاجرين المغاربة العائدين إلى أوروبا تزداد حركية المهاجرين السريين، وتنشط الهجرة السرية، مما يستوجب يقظة أكثر للتفتيش». وأضاف: «إن عددا لا يستهان به من الجالية المغربية بالخارج يهربون بعض أفراد عائلاتهم، بوضعهم وسط أبنائهم، أو تحت الكراسي لقلة المراقبة عند الرجوع، فمنهم من ضبط وهو يقوم بهذه العملية، ومنهم من لم يتم ضبطه». متسولون بالميناء يكثر في موسم العبور المتسولون في الميناء، يقول: ل.غ: «الميناء وجه الدولة، ومع ذلك نجد المتسولين يشوهون صورة المغرب، (حشوما) أن يتركوهم في هذه النقطة الاستراتيجية». المتسولون لا يستطيعون الوصول إلى أبعد نقطة في الميناء، فغالبا ما يكونون في الرصيف المخصص للصيادين، أو أمام مخرج الميناء. إلا أن المراقبة الصارمة حالت بين المتسولين ووصولهم إلى الأماكن التي يفضلونها في الميناء. المتسولون كما المهاجرون السريون ليسوا من مدينة طنجة فحسب، بل من مناطق متعددة من المملكة. يقول ج.ع: «المتسولون يأتون من مناطق ومدن مختلفة من المغرب، وبفعل كثرتهم، فإنهم غالبا ما يستقرون في السوق القريب من الميناء، ويشكلون تجمعا كبيرا هناك..." صور من حياتهم في أرض المهجر يقول مغربي مقيم ببلجيكا: «ليست لدينا مشاكل مادية تذكر، فالمسلمون يذهبون إلى المساجد في حرية، إلا أن أبناء المغاربة ضائعون رغم انتشار المساجد». الطباع تختلف، والتعامل مع الأبناء يختلف من أسرة إلى أخرى، ومن رب أسرة إلى آخر، رجل في الخمسينيات من عمره لم يتبق في شعر رأسه إلا شعيرات سوداء معدودة على رؤوس الأصابع يحمد الله على تربية أبنائه، وعلى انضباطهم وأخلاقهم يقول: «الحمد لله، كما ربانا آباؤنا فنحن نربي أبناءنا، ومن ربى أبناءه تربية صالحة فسيجد النتيجة الطيبة في الكبر، ومن لم يرب أبناءه تربية صالحة فسيجد نتيجة ما قدم لأبناءه في الكبر". تركنا هذا الرجل والتقينا بآخر في مثل سنه، أب لأربع فتيات يجلسن في المقاعد الخلفية، فيما اتخذ رفقة زوجته المقعدين الأماميين. يقول: «أبنائي يدرسون اللغة العربية في المساجد، نحن نحب بلدنا وديننا، ولهذا فنحن متشبثون بجذورنا». هذه المراكز الإسلامية، والمساجد التي تدرس فيها اللغة العربية، ليست متوفرة بما فيه الكفاية، ولا يحظى بالتعلم بلغته إلا المتواجدون في المناطق الحضرية، أما المناطق البعيدة عن المدن الكبرى، فإن مثل هذه المراكز والمساجد نادرة جدا. يقول عمر.ن من إسبانيا: «نفتقر إلى المراكز الإسلامية، وإلى تدريس اللغة العربية، والقنصلية المغربية ينبغي أن تراعي هذه المشاكل، فأنت ترى أننا في المغرب الدولة تدرس جميع اللغات الأجنبية مثل الفرنسية والإسبانية والإنجليزية، في حين أننا في أرض المهجر ليس لنا الحق في تعليم أبنائنا لغة القرآن التي تربينا عليها»، عدم تدريس لغة البلد يثير في عمر مخاوف من أن ينشأ جيل من أبناء المهاجرين لا يعرفون من العربية والمغرب إلا الاسم، لاستلابهم من قبل اللغات الأجنبية الأخرى. المهاجرون بعد أحداث 11 مارس الإجرامية بمدريد يقول مصطفى القادم من طوليدو الإسبانية: «عندما وقعت أحداث 11 مارس الإجرامية لاحظنا بعض التضييقات، لكن عندما اتضح أن العملية الإرهابية وراءها مجرمون من دول مختلفة، لم نعد نعاني ما كنا نخاف منه»، وتقاطعه زوجته قائلة: «أحداث 11 مارس مضرة للمسلمين، وتشويه لهم». أما مهاجر آخر بإسبانيا فلم يلحظ أي تأثير لأحداث 11 مارس الإجرامية على المغاربة بحكم تواجده في منطقة نائية لاشتغاله بالفلاحة هناك. وبحكم الخلق الحسن الذي يتصف به المغاربة، وحسن المعاشرة، والابتسامة التي لا تفارق محياهم. يحكي علي الذي كان يدفع سيارة مرسديس رفقة أخيه، لعطب أصاب المحرك عن تجربته مع أحد جيرانه الإسبانيين قائلا: «كنت أسكن في مكان بعيد رفقة أسرتي، وعقب أحداث 11 مارس غيرت البيت الذي كنت أسكن فيه، في بادئ الأمر توجس مني جيراني النصارى بسبب جنسيتي المغربية، ولحيتي السوداء، إلا أنه عند احتكاكي بهم، وبفعل المعاملة الحسنة، والأخلاق الفاضلة التي نتحلى بها نحن المغاربة، وما تعلمناه من ديننا الحنيف، زالت كل الشكوك التي كانت تساور جيراني النصارى، وعندما هممت بالرجوع لزيارة عائلتي في المغرب، وأخبرتهم بالأمر، ودعوا أسرتي بالدموع»، ويضيف قائلا: «الإسبان أشخاص عاطفيون، وما يحتاجون إليه هو المعاملة الحسنة، وشرح الإسلام بكيفية سليمة وصحيحة، لأن نظرتهم إلينا نحن المسلمين يبنونها عن طريق الإعلام الذي يشوه العرب والمسلمين، وما نراه الآن يبشر بالخير، من تزايد إقبال على الإسلام في صفوفهم». الجالية ومنع الحجاب بفرنسا تابع المغاربة والمسلمون باهتمام كبير فصول منع الحجاب بفرنسا، وخلف في نفوسهم أسى وحسرة كبيرين، يقول جزائري من مدينة تلمسان، أستاذ مادة الجغرافيا بمدينة لافال متزوج من مغربية بأبي الجعد، إقليمخريبكة: «المشكل يكمن في أن الفرنسيين لا يعرفون الإسلام إلا عن طريق نشرات الأخبار، أو بعض البرامج التي يقدمونها في تلفزاتهم»، ويرى هذا الجزائري الحل للتغلب على هذا المشكل في تأسيس المسلمين مدارس خاصة. ويصف عمر المنع الذي تعرض له الحجاب في المدارس العمومية الفرنسية بالقول: «منع الحجاب في المدارس الفرنسية (ضربة خايبة على المسلمين كلهم)، وهذا يضر بديننا». فيما تقول سيدة مغربية رفقة زوجها: «من حق فرنسا أن تمنع الحجاب، لأنها دولة علمانية، وهي تفصل الكنيسة عن تسيير دواليب الدولة». المكي طالب في ميكانيك الطائرات بمدينة أمستردام الهولندية، كان منهمكا رفقة والده لإخراج الأمتعة من سيارتهم ليعرضوها على رجال الجمارك للمراقبة، يحلم بالرجوع إلى وطنه ليعمل مع الخطوط الملكية المغربية في صيانة الطائرات بعد انتهاء الدراسة وتحصيل الدبلوم، يقول: «صدمنا خبر منع الحجاب في فرنسا، وأراد بعض الهولنديين المتشددين أن يسيروا على منوال الفرنسيين، إلا أن مسعاهم خاب لتظافر جهود المسلمين». ويتخوف من ازدياد نفوذ الشواذ في هولندا الذين رفعوا دعوى قضائية ضد إمام مغربي تحدث في إحدى خطبه عن مخاطر الشذوذ الجنسي، وموقف الشريعة الإسلامية منه. المكي يرى أن الظروف المادية لا تشكل عائقا أمام الطالب في الخارج، ويقول عن المنح التي يتلقاها الطلبة: «عندنا المساعدة في الدراسة، وكل شهر تخصص لنا الدولة الهولندية منحة شهرية قدرها 170 أورو، فهم يحسبوننا مثل أبنائهم». مشاكل الجالية المغربية تتنوع حسب البعد والقرب من المناطق الحضرية، يقول طالب من مدينة فاس رفقة زوجته، وطفلته: «ما يعانيه المغاربة الذين يقطنون بضواحي المدن، هو انعدام المساجد والمدارس، والمجازر الإسلامية". ويبقى أمل المهاجرين المغاربة أن يروا بلدهم متقدما مثل سائر الأمم، لا يحسون بفرق في هذا المجال عندما يأتون لقضاء بعض من إجازتهم السنوية. عبد الغني بوضرة