لم يكف الخطاب الرسمي منذ ثلاثة عقود مضت أو أزيد عن ترديد خطابات من شاكلة تخليق الحياة العامة والحكامة المحلية والحكم الراشد ومحاربة الرشوى والفساد، لكن في كل محطة كانت عصبة قبائل «النهبماليون» والتي تحكمت في البلاد تثور وتعلن التمرد هنا وهناك وتعمل على تعطيل مسلسل التخليق والترشيد ليقينهم أن الإصلاح ليس في صالحهم وهم بذلك يعملون كل ما في وسعهم وكل مافي استطاعتهم لتعطيل حركة التاريخ. كانت هذه القبائل تتحرك في محيط مركز القرار مرة بالمشورة المسمومة ومرات بالوشايات الكاذبة وأخرى بالإشاعات المغرضة لايهم فالغاية تبرر الوسيلة والغاية هنا حفظ المصالح الشخصية . قبائل «النهبماليون» لم تنفع معهم المحاكمات ولم تردع تحركاتهم تقارير المجلس الأعلى للحسابات ولا التقارير التي تفضح ممارساتهم كل من موقعه في كل مراتب المسؤولية في كل القطاعات أو المؤسسات المنتخبة. تخصصوا في العمولات والرشاوى، في التهرب الضريبي وتهريب الأموال، في الغش الجمركي أو التهرب من الجمارك، في إفشاء أسرار العقود والصفقات والوساطة والمحسوبية في الوظائف العامة. وعندما تمكنوا من بسط نفوذهم استباحوا كل شيء ولم يعودوا يخشون شيئا مادامت عصبتهم توفر لهم الحماية المطلوبة. غزوات قبائل «النهبماليون» تسببت في الإجهاز على الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، وحتى الثقافية للمغاربة، حيث الضغط الضريبي على الأجور، والزيادة في الضريبة على القيمة المضافة على المواد الاستهلاكية الأساسية وارتفاع الأسعار للمواد الأساسية، وغلاء المعيشة، مقابل ضعف الضمان الاجتماعي ونظام المعاشات، وتدني الخدمات الاجتماعية من صحة، وتعليم، ونقل، وسكن... واستمرار ممارسات الظلم الاجتماعي وتوسيع دائرة االفقر. غزوات قبائل «النهبماليون» جعلت المغرب يحتل أضعف المراتب في التنمية البشرية بعد أن تمكنت من تمتين مظاهر الفساد وزادت من اتساع رقعة اقتصاد الريع، وساهمت في حركة الأموال خارج دائرة الإنتاج، بالإضافة إلى تهريبها إلى الخارج لعدم ثقتها في الداخل. غزوات قبائل «النهبماليون» ساهمت بشكل مباشر في تبذير المال العام وإفلات العابثين به من العقاب ساهمت بأفعالها في إثارة قلاقل اجتماعية، وأفسدت الحياة السياسية وفتح الحوار السياسي على موضوعات تصرف النظر عن موضوعات التنمية المستدامة وأولويات الإصلاح. غزوات قبائل «النهبماليون» رهنت مستقبل المغرب لعقود وهي الآن لابد أنها ستتحرك ضد التيار وتحاول بكل ما أوتيت من قوة كبح حركة الإصلاح ولو استدعى الأمر تحريك حسابات صناديقهم السوداء لتحريك «بلطجية عصبتهم»، من يدري..؟