"" لازالت قضية "رسالة إلى التاريخ" الموقعة من طرف عدد من المحامين بهيئة تطوان، تفرز العديد من التداعيات والأسئلة، خصوصا ما يرتبط بقضايا قطاع العدل بالمغرب، فإذا كانت الرسالة قد كشفت عن واقع المحاكم والقضاء بمحكمة الاستئناف بتطوان، فإذا التفاعلات التي تبعت ذلك أثبتت بالملموس أن هناك جيوبا تقاوم دخول جهاز القضاء إلى التاريخ من أبوابه الواسعة، أبواب النزاهة والاستقلالية أساسا، حيث أن القرارات الصادرة عن غرفة المشورة التابعة لمحكمة الاستئناف بتطوان يوم الثلاثاء 27 فبراير 2007 ، القاضية بالتشطيب على كل من الأساتذة عبد اللطيف قنجاع، الحبيب حجي و خالد بورحايل من جدول هيئة المحامين، والتوقيف لمدة سنتين عن ممارسة المهنة بالنسبة للأستاذين محمد أحجوب و محمد اشقارة، بعد استئناف وكيل الملك لشكايته التي تم حفظها ضمنيا من طرف هيئة تطوان، أظهرت في إطار معالجة ما أثارته الرسالة وما أثير بمناسبتها، التشبث بالتوظيف السلبي لمساطر وقوانين حددها القانون، ولما لا التحايل عليه من طرف بعض المشرفين على تطبيقه، علما أن الجهة المعنية في هذه الحالة تعد خصما وحكما في نفس الوقت. الرسالة موجهة إلى التاريخ، وقد اعتبر موقعوها واعترفوا من خلال مخاطبهم ببداية دخول المغرب إلى تاريخ جديد، بمعنى بداية الأمل في صنع بلد بتاريخ حقيقي، مغرب المواطنة ومحاربة جيوب مقاومة الإصلاح والتغيير، مغرب فيه ما قد يوحي ويسمح ببداية الكلام عكس إخراسه، كما كان الحال سنوات ما يعرف بالجمر والرصاص. مفارقات المحاكمة +++++++++++ ففي الوقت الذي أعلنت فيه الحكومة المغربية عن إستراتيجية لمكافحة الفساد، بما في ذلك مصادقة المجلس الوزاري على اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الرشوة، وفي الوقت الذي تم تبني قانون يحمي المبلغين عن الرشوة، فإن من المفارقة بمكان أن تبادر النيابة العامة إلى تحريك المتابعة في حق محامين حاولوا المساهمة في دق ناقوس الخطر حول ظاهرة الرشوة، فهل الحكومة عموما، ووزارة العدل بصفة خاصة، متحملة لمسؤوليتها فعلا في تشجيع تكسير مؤامرة الصمت في هذا الشأن؟ خصوصا وأنه عندما يثير أشخاص أو هيئات بعض القضايا، كقضية الرشوة في القضاء، مع التأكيد في نفس الوقت على تنويههم بالقضاة النزهاء والشرفاء، كما فعل المحامون المعنيون، فإن المصلحة العامة تقتضي من المسؤولين فتح تحقيق مستقل ونزيه وإخبار الرأي العام بنتائجه واستخلاص ما يترتب عنه حتى يطمئن المواطنون والمتقاضون، سواء كشفت التحريات عن وجود الفاسد أو أكدت غيابه. إن معاقبة من يثيرون قضايا الرشوة أو غيرها بدل فتح التحقيقات وطمأنة الرأي العام، لمن شأنه أن يردع الناس عن المساهمة في واجب المواطنة والمساهمة في محاربة ظواهر الفساد، خصوصا عندما يمارس الردع من طرف الجهة التي تعد خصما وحكما، وهو ما يتنافى مع أبسط متطلبات العدالة. تعود سياقات "رسالة إلى التاريخ" إلى ما عرفته استئنافية تطوان من تغييرات بعد تفجير قضية الرماش والاتجار الدولي في المخدرات، حيث تم تعيين أول امرأة في المغرب رئيسة أولى لهذه المحكمة/اللغم، فبالموازاة مع حالات الفوضى التي وقفت عليها اللجنة الوزارية الموفدة إلى تطوان في أعقاب انفجار ملف الرماش والمهربين والقضاة والمسؤولين الآخرين، وجدت الرئيسة الأولى لمحكمة الاستئناف بتطوان خلال مزاولتها لمهامها، مجموعة من العراقيل داخل أوساط الموظفين، بتحريض من بعض المحامين أحيانا، حسب نفس المصادر، حيث انطلقت الرئيسة في ترتيب بيت المحكمة، وبدأت في عمليات التنفيذ المتعلقة بالملفات المجمدة على الرفوف، مما اعتبر النقطة التي أفاضت الكأس "بالزيادة من حدة تدخل من سيعتبرون أنفسهم متضررين من فتح هذه الملفات والحكم فيها، من محامين وموظفين وقضاة أيضا"، حسب بعض المصادر. ومع بداية 2004، أصبحت الرئيسة الأولى للمحكمة عرضة لمجموعة من التهديدات المتوالية كانت تصلها من قبل مجهولين، وبلغت حد التهديد بالقتل، حسب بعض المصادر إلى أن جاء قرار نقلها إلى المجلس الأعلى بالرباط . الرسالة الزوبعة ++++++++++++++++ هكذا وبعد نقل الرئيسة الأولى من تطوان إلى المجلس الأعلى، جاءت الرسالة الزوبعة التي نعيد نشرها فقط لتوضيح معالم القضية وتبيان موضوعها وخلوها من أي سوء نية في حق أي شخص بعينه: "السيد المحترم : التاريخ الموضوع: شكاية بشأن وضع القضاء بالمغرب سيدي المحترم التاريخ: نرفع إليك هذه الشكاية ربما لأول مرة لكي نشتكي من وضع عدالتنا وقضائنا بالمغرب لأنك أنت الوحيد الكفيل بتدبير هذا الأمر الذي لم يعد أي أحد في بلدنا قادرا على الحسم فيه، وذلك بجعل قضائنا قضاء نزيها ومستقيما وشجاعا بما تحمل هذه الكلمة من معاني شتى تصب في إقامة العدل والتقدم والرقي. سيدي التاريخ عندما نتكلم عن القضاء والعدالة في تطوان ركزنا على محكمة الاستئناف بها، إنما نقصد القضاء والعدالة بمغربنا الحبيب برمته: وتعود حلمية إلى عادتها القديمة، بشكل أكثر فظاعة وأكثر تنظيما وجرأة، وحليمة هي محكمة الاستئناف بتطوان، أما عادتها القديمة فهي الفوضى والفساد وانهيار العدالة وسيادة الاستهتار بالعدل كقيمة وبمصالح المواطنين، وأصبحت النزاهة والموضوعية عملة نادرة.... فإذا كانت الشروط قد تجمعت من كل صوب وحدب، وصنعت حملة 2003 داخل محكمة الاستئناف بتطوان، وذهب فيها من القضاة من ذهب سواء نهائيا أو جزئيا، وأدب من أدب وعاد من عاد، فإنه قد تراجعت شيئا ما بعد ذلك بقليل أساليب الفساد والعلاقات غير القانونية، التي يغتني منها القضاة ومن يحوم حولهم، وأحنى مهندسو تلك الأساليب رؤوسهم حتى تمر العاصفة... خاصة بعد تعيين المسؤولة الجديدة على محكمة الاستئناف بتطوان، وكانت هناك بوادر تفكيك شبكة المصالح والعلاقات المالية بين عدة أطراف تشكل العدالة لو استمرت الإدارة المطلعة على الأحوال، واستمر البحث الجدي من طرف الأجهزة المركزية في كل الشكاوي والأفعال المشبوهة ولم تتحرك الأيادي الخفية المستفيدة لإيقافها... سيدي التاريخ المحترم، عادت بشكل قوي وتتقوى شيئا فشيئا كلما ابتعدنا عن حملة 2003، خاصة وان العامل النفسي يساعد على نسيانها وتبخر آثارها والتيقن من عدم العودة إليها، بل هناك من لا يعبأ بأية عودة للتفتيش وللحملة، ولا حتى الإيقاف عن العمل بعد جمع ما يكفي للعيش الرغيد وضمان المستقبل بالمشاريع الحرة، ولما لا بجنسية غربية شمال الوطن أحسن من العمل المضني بذلك الأجر الزهيد. سيدي التاريخ نحترمك ونجلك ونعلم أنك ملم عالم جامع بما يدور في عدلنا وليس لدينا من الوقت لنحادثك عن بعض المغربات : يكفي أن نقول لك بأن هناك مستشارا عوقب بإنذاره في شأن الرشوة، ولا يزال يمارس مهامه في أمان تام وربما فعل الآن أكثر مما أنذر عليه، لقد حاولوا إيهامنا بإحداث تغيرات على مستوى الأطر البشرية إلا أنه هيهات أن يخدعونا. إنها محكمة الاستئناف، البقرة الحلوب تذر قصورا وفيلات وسيارات وحسابات. لنكن صرحاء، وعلينا أن نصرخ ببعض مشاكلنا لأنه مستقبل أبنائنا، ومن يخفي هذا السرطان كمن يضع أبناءه وفلذات كبده على سكة الموت، وعلينا أيضا فضح جيوب مقاومة الإصلاح التي تنشط وتتمظهر في جميع قطاعات المجتمع، تعبث بحياة المواطنين وسمعة الوطن حتى أصبح الوطن مادة دسمة لتقارير المنظمات الدولية آخرها تقرير منظمة الشفافية الدولية، منظمة العفو الدولية حول انتشار الفساد والرشوة داخل الجهاز القضائي، وذلك قبل تقرير الخارجية الأمريكية في بداية سنة 2003. لا نريد أن نقول لك : هل تعلم بأن الظلم منتشر يصنعه المال. أو هل تعلم أن المال يؤخذ من هذا ويعطي لذاك،، هل تعلم أن حركة المال الخبيثة والقبيحة في عملية العدل هي التي جرت المغرب كله إلى هذا الوضع، أو هل تعلم أن الحق عاجز عن إسقاط الظلم والاعتداء، أو هل تعلم بأن الارتشاء و اللصوصية أصبحا من صفات الذكاء والحداثة وديال الوقت، وما عدا ذلك غباء ومسكنة. سيدي التاريخ نحن المحامون ضعفاء أمام من نحاول فضحهم أمام الشعب والملك، ونعلم أنها مغامرة أخرى وخيمة العواقب في حالة ما إذا كنا أكلة سائغة لهم، نرفع صوتنا طالبين منك التدخل بما تملك من قوة لتقوية جبهتنا، وإضعاف جبهتهم، حشد السند والدعم لنا من كل الوطن، فلا زال به أبناء صالحون مناضلون يحبون لهذا البلد التقدم والرقي، والعدل في الدرجة الأولى وعلى رأسهم القضاة النزهاء، الذين يجمعون بين النزاهة والشجاعة والكفاءة، نريدهم في مقدمة من يقاوم الإساءة لرسالتهم السامية إقامة العدل. ولا يفوتنا أن ننوه برجال القضاء هنا وهناك، والنزهاء الشرفاء الذين حرموا على أنفسهم المال الحرام، وهم موجودون فعلا نعرفهم ويعرفوننا، ولا نريد إقحامهم ضمن من نتحدث عنهم. ونختم هذه الرسالة إلى جناب السيد المحترم التاريخ، ونطلب منك أن تستعمل كل صلاحياتك، أنت الذي تحرك آلة العلاقات البشرية في تطورها وحركتها على الكرة الأرضية، ومن أبسط ما نطلب إفادة لجن البحث والتقصي، التي سوف تكشف الفساد وتقتلعه، وجند لذلك الشجعان النزهاء والأكفاء المطلعين، ونعلم أنك لذلك بالمرصاد، ولا زال بجعبة الراوي ما يروي والسلام". الهيئات الحقوقية تندد بالأحكام و تراسل الحكومة +++++++ وقد أصدرت اللجنة المحلية لدعم الأساتذة، أصحاب رسالة إلى التاريخ، بيانا للرأي العام المحلي والوطني، أكدت فيه استنكارها لقرار التشطيب على الأساتذة المحامين، معتبرة أنه مجرد رد فعل انتقامي من إصدار "رسالة إلى التاريخ"، والتي تتضمن حسب البيان، ما تؤكده معطيات الواقع من قضايا أثيرت في المنطقة والتي ما يزال البعض منها معروضا أمام المحاكم؛ كما نظمت اللجنة الوطنية لدعم أصحاب الرسالة ، وقفة احتجاجية تضامنا مع الأساتذة يوم الجمعة 16مارس 2007 أمام باب وزارة العدل، حضرها مجموعة من الفاعلين وعدد من الهيئات السياسية والمدنية التي عبرت عن شجبها واستنكارها للحكم الجائر الصادر ضد المحامين، واعتبر الناطق باسم اللجنة الوطنية أن هذه الأخيرة سطرت برنامجا نضاليا تصاعديا وأن الوقفة ما هي إلا البداية... في نفس الإطار أصدرت مجموعة من الهيئات الحقوقية: العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان- الجمعية المغربية لحقوق الإنسان-الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة-المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف- جمعية عدالة- الهيئة الوطنية لحماية المال العام للسكرتارية الوطنية – المرصد المغربي للحريات العامة- الجمعية المغربية لاستقلال القضاء – منتدى الكرامة لحقوق الإنسان والمرصد المغربي للسجون، رسالة مفتوحة إلى كل من الوزير الأول ووزير العدل،من بين ما تتضمن، المضايقات التي تعرض لها المحامون بتطوان بسبب توقيعهم على "رسالة إلى التاريخ"، وأن فتح ورش الإصلاح التشريعي والمؤسساتي قد أوحيا للجميع بأن أمر المتابعة قد أصبح موضوعيا متجاوزا، ليفسح المجال لتعاون بناء بين المجتمع المدني بما فيه المحامين والساهرين على إصلاح القضاء"، كما اعتبرت الرسالة القرارات التي أصدرتها غرفة المشورة التابعة لمحكمة الاستئناف بتطوان ، أنها جاءت لتخيب هذه الآمال وتصدم كل من يتطلع إلى حماية المبادرات المواطنة في مجال محاربة الفساد عامة وإصلاح القضاء بصفة خاصة، وأضافت "ولئن كان استقلال القضاء عن الجهاز التنفيذي من دعائم هذا الإصلاح فإن الأمر يتعلق هنا بمتابعة بادرت إليها النيابة العامة الخاضعة لسلطة وزير العدل، دون أن تتلقى أية شكاية، وشابتها خروقات عديدة كما صاحبتها تصرفات إدارية مشبوهة للنيل من سمعة المتابعين وإعطاء طابع المشروعية للمتابعة"، تجدر الإشارة، أن جميع الجمعيات الحقوقية وهيئات تخليق الحياة العامة أصدرت بيانات تنديدية بالأحكام الصادرة في حق أصحاب "رسالة إلى التاريخ"، كما أن عددا من فعاليات المجتمع المدني تعتزم تنظيم وقفة تضامنية واحتجاجية على علاقة بذات الموضوع، من بينها الوقفة التي دعا إليها تجمع اليسار يوم 26مارس 2007..... عبد الرحمان بن عمرو قرارات محكمة الاستئناف عرفت خروقات قانونية شكلية وموضوعية في 27 فبراير 2007، قضت محكمة الاستئناف بتطوان بالتشطيب على ثلاث محامين وبالتوقيف عن ممارسة المهنة في مواجهة اثنين من المحامين، والمحامون الخمسة كلهم ينتمون لهيئة المحامين بتطوان..وملخص القضية أن هؤلاء المحامين وقعوا مع آخرين على رسالة سموها رسالة إلى التاريخ، وتضمنت الرسالة المذكورة نقدا لوضعية القضاء بالمغرب تنسب إليه الفساد والرشوة بالنسبة لبعض القضاة (دون ذكر الأسماء) ومنوهين بآخرين من القضاة النزهاء والشرفاء (دون ذكر أسمائهم كذلك)، وقد نشرت بعض الصحف الرسالة المذكورة.. وبناء على ما نشر، وجه الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بتطوان مراسلة تتضمن أسماء أربعة محامين من الموقعين على الرسالة، إلى نقيب هيئة المحامين بتطوان، معتبرا ما نشر قذفا يمس سمعة القضاء ورجاله، قضاة ومحامين، ويعبر عن سوء نية هؤلاء ومخالفة صريحة للنصوص القانونية وقواعد المهنة وأعرافها وإخلالا بالمروءة والشرف، طالبا في الأخير من النقيب عرض ذلك على مجلس الهيئة طبقا للفصل 65 من قانون المهنة المؤرخ في 10/09/1993 للبحث في موضوعها وتبليغه بالقرار المتخذ. لم يتخذ مجلس هيئة المحامين بتطوان أي قرار في موضوع مراسلة الوكيل العام للملك، فاعتبر هذا الأخيرذلك، بعد مرور أجل معين على مراسلته (أو شكايته)، بمثابة قرار ضمني بحفظ الشكاية، وقد استأنف الوكيل العام للملك، القرار الضمني المذكور أمام محكمة الاستئناف بتطوان، طالبا من هذه الأخيرة الحكم بالتشطيب على ثلاثة منهم وبالإيقاف لمدة معينة (بدون تحديد المدة) في مواجهة الباقين وهو ما استجابت له المحكمة.. وقد تقدم دفاع الأساتذة أمام محكمة الاستئناف بعدة دفوع شكلية وموضوعية، طالبا عدم قبول شكاية النيابة العامة واستئنافها شكلا ورفضها موضوعا، وذلك لعدة مبررات قانونية، من بينها بإيجاز كبير ما يلي : من الناحية الشكلية: - شكاية النيابة العامة لم تحدد العبارات الواردة في "رسالة إلى التاريخ" والتي تعتبرها قذفا يمس سمعة القضاء ورجاله.... مكتفية بالعبارات الواردة في عناوين الصحف التي نشرت الرسالة. - شكاية النيابة لم ترفق بالصحف التي نشرت الرسالة المعنية. - النيابة العامة لم تطلب من هيئة المحامين بتطوان أية متابعة تأديبية ولا عقوبة تأديبية معينة ضد المحامين، وإنما طلبت فقط إجراء بحث في الموضوع مع تبليغ النيابة العامة بالقرار المتخذ في الموضوع. - حسب قانون الصحافة فإن الشكاية بالقذف أو السب لا يمكن تقديمها إلا من قبل ضحية القذف أو السب، سواء كان شخصا ذاتيا أو معنويا، بالتالي فإن النيابة العامة لا يجوز لها أن تقرر المتابعة بصفة تلقائية إذا لم تتوصل بشكاية من الشخص الذي وجه له القذف أو السب أو أي نوع من أنواع الإهانات التي تدخل في نطاق القذف أو السب، ويمكن تطبيق ما ذكر عن طريق القياس على الشكايات الموضوعة ضد المحامين إلى هيئات المحامين: فالمفروض ألا تنظر في هذه الأخيرة إذا لم تكن صادرة عن الشخص الذي يدعي بأنه ضحية القذف أو السب، وتبعا لما ذكر فلم يكن من حق النيابة العامة لدى محكمة الاستئناف بتطوان التوجه بشكاية القذف والسب والإهانة نيابة عن القضاء ورجاله، ما دامت مؤسسة القضاء أو غيرها لم تقدم أية شكاية في الموضوع سواء إلى النيابة العامة، أو إلى نقيب هيئة المحامين بتطوان. - إن النيابة العامة لم تطالب في المرحلة الابتدائية، أي مرحلة تقديم شكايتها إلى هيئة المحامين بتطوان، بعقوبة التشطيب أو بعقوبة التوقيف، إن مثل هذا الطلب (التشطيب أو التوقيف) تقدمت به النيابة العامة لأول مرة أمام محكمة الاستئناف، الشيء الذي لا تسمح به قواعد القانون. هذه بعض الدفوع الشكلية التي تقدم بها دفاع المحامين أمام محكمة الاستئناف بتطوان، أما من حيث الدفوع الموضوعية فإن من بين ما اشتملت عليه : إن ما جاء في رسالة إلى التاريخ من إثارة للفساد ووصف للانحراف في مؤسسة القضاء وفي بعض رجاله، لا يمكن اعتباره قذفا أو سبا وإنما يدخل فيما يعرف بالنقد المباح الذي تضمنه مبادئ حرية الرأي والتعبير المشروعة التي يحميها الدستور، كما يدخل في مجال إستراتيجية المشرع الهادفة إلى فضح الفساد بمختلف أصنافه، خاصة عندما يكون من يرتكبه أو يساهم ويشارك فيه موظفون ومسؤولون بالإدارات والمؤسسات العمومية وشبه العمومية، وذلك أثناء قيامهم بمهامهم الوظيفية أو بمناسبة القيام بها، وخدمة لهذه الإستراتيجية الهادفة إلى فضح الفساد بكافة أنواعه، فإن قانون الصحافة يعفي من عقوبة القذف من يثبت صحة ما يقذف به من فساد ينسبه إلى موظفين ومسؤولين فيما ارتكبوه من فساد بمناسبة ممارستهم لوظائفهم أو بسببها، وقد قدم الدفاع إلى محكمة الاستئناف بتطوان معلومات وحججا على وجود الفساد في المؤسسة القضائية من بينها على وجه المثال: - محاضر وتقارير مستخرجة من ملف قضية الرماش التي توبع فيها قضاة، كما أن المجلس الأعلى للقضاء طالما أصدر عقوبات تأديبية ضد قضاة متورطين بارتكاب أفعال يجرمها القانون... - تقارير البنك الدولي حول وضعية القضاء بالمغرب... - تقارير وزارة الخارجية الأمريكية السنوية والتي تتضمن من بين ما تتضمن وضعية القضاء في المغرب...