بكثير من الحب بدأ وانتهى المهرجان الوطني لفيلم الهواة بسطات، الذي أتاح للمشاركين فرصة تبادل الأفكار والتجارب، في أفق تجسيدها سينمائيا. كما أتاح لهم فرصة اللقاء مع مهنيين سينمائيين في ورشات تهم السيناريو والتصوير والإخراج. أفلام قصيرة شاركت في مسابقة المهرجان، وقد توزعت بين الفيلم التخييلي والوثائقي، كما عالجت مجموعة من الثيمات، كالإدمان على المخدرات، والعطش، وبطالة الخريجين، والأطفال المتخلى عنهم وغيرهما من الموضوعات. غير أن ما يغلب على جل الأفلام، إن لم نقل كلها، هو الرغبة في إظهار المهارات التقنية على حساب الرؤية الجمالية والفنية. وهو ما يضعها أمام مأزق السطحية. وهو ما انتبهت إليه لجنة التحكيم التي أجملت هفوات المشاركين في المسابقة في عدم تمكن بعض المخرجين من «إدارة الممثل وفي ضبط عناصر القصة كبداية الحدث، وملامح العنصر المحول في سرد المحكي، وفي عنصر الصوت (ولو كان صامتا) وفي حركات الكاميرا وزواياها وفي مبادئ المونتاج... وهي عناصر تشكل عملية السرد لدى المخرج وتؤسس رؤيته الفنية والجمالية». المهرجان أسفر عن فوز فيلم «افتحوا النوافذ» للمخرج الشاب نبيل جوهر بالجائزة الأولى، فيما فاز المخرج مروان حاكوشي بالجائزة الثانية عن فيلمه «انتحار أمل»، وعادت الجائزة الثالثة لفيلم «رقصة الموت» للمخرجة عتيقة العاقل. أما جائزتا أحسن دور نسائي ورجالي، فقد فازت حسناء علوان عن دورها في فيلم «الحلبة»، ومنير علوان عن أدائه في فيلم «افتحوا النوافذ». في ما يلي حوار مع ذ. ضمير الياقوتي، مدير المهرجان الوطني لفيلم الهواة.. o انتهى مهرجان سينما الهواة بفوز فيلم «افتحوا النوافذ»، وهو من إبداع خريج الورشات التي تشرف عليها جمعية الفن السابع بسطات. ما هي قراءتكم لهذا المعطى؟ وهل تعتبرون هذا المهرجان مشتلا لإنتاج مخرجي المستقبل؟ n أكثر من مرة يتأكد مبدأ التدرج كقيمة أساسية لدخول مجال الإبداع الفيلمي بمهرجاننا. فالعديد من الأسماء التي توجت بالمهرجان لم تصل ذلك التتويج في أول محاولة لها أو بدون المرور عبر المحترفات التي يقيمها المهرجان.فنبيل جوهر مخرج «افتحوا النوافذ» لم تتجاوز بعض أفلامه السابقة مرحلة الانتقاء الأولي للمهرجان ومع ذلك فهو يصر على الاستمرار و التكوين ويستشير كثيرا في موضوع سيناريوهاته... ومحمد مونا الذي سيصور أول شريط محترف له و حسين شاني صاحب سيناريو الفيلم الجديد لداوود أولاد السيد ويوسف كرامي صاحب سيناريوهات أفلام تلفزية... كلها أسماء شقت طريقها انطلاقا من محترفات المهرجان الوطني لفيلم الهواة بسطات... إن هذا الواقع الثقافي والفني على أهميته لا يلهب حماسنا لدرجة القول بأننا مشتل لإنتاج مخرجي المستقبل... إن الإخراج الفيلمي الاحترافي يتطلب سيرا طويلا ومرجعيات واسعة ودقيقة، وقد يتأتى ذلك للفرد الهاوي من خلال التكوين المؤسسي الدسم أو التجربة الميدانية المباشرة و التكوين الذاتي... ومحترفات مهرجان سطات لا تعدو أن تكون أكثر من فرص جادة لإلهاب العشق السينمائي وتكريس التكوين كشرط أساسي للتمكن من التعبير بالأدوات السمعية البصرية. o بعد هذا التراكم الذي حققه مهرجان سينما الهواة، ما هو الرهان السينمائي العميق الذي ترفعه الجمعية؟ هل سيقتصر عملها على رعاية «السينمائيين الهواة» كاختيار موضوعاتي فني، أم ستتجاوز ذلك إلى مرافقة الفائزين والخريجين في أفق اقتحام عالم الاحتراف؟ n جمعية الفن السابع ليست إلا جمعية محلية، ومهرجانها له بعد وطني متمركز حول المواطن المغربي أينما كان تواجده. وهذا الامتداد الجغرافي لتواجد المواطن المغربي يجعل الجمعية غير قادرة على مواكبة ومصاحبة كل الهواة الذين لهم صلة بسطات ومهرجانها. ورغم ذلك فالجمعية تعمل كل ما في وسعها للدفع بالهواة لمراتب أحسن وتشجيعهم على الاستمرار والتطور رغم تراجع دعم الجهات الأربع الداعمة للمهرجان، وخصوصا منها الدعم المثير للانتباه لوزارة الاتصال والذي يبدو أنه يستهدف هذا المهرجان ... فمنذ سنة 2013 عندما استضفنا الفيدرالية التونسية لسينما الهواة ضمن فقرة بانوراما المهرجان، أصبح الهواة المغاربة يترشحون سنويا للمهرجان الدولي لفيلم الهواة بقليبية (تونس) وفازوا ضمنه مرة بالجائزة الثالثة وراء إيران وبولونيا بفيلم «وأنا» لحسين شاني ودورة أخرى بالجائزة الثانية وراء البرازيل بفيلم «دمى» لمحمد ودغيري... وكل ترشيحات المغاربة لهذا المهرجان، ذي القيمة الرمزية الرفيعة، تتم باقتراحها من طرف جمعية الفن السابع على مخرجيها و المنظمين التونسيين... الجمعية كذلك على اتصال متميز بالهواة الذين يدرسون بالمغرب و بالخارج أمثال عبد اللطيف فضيل ومحمد الودغيري اللذين أتما دراستهما بفرنسا وإسماعيل واسع الدين بالولايات المتحدةالأمريكية... فتحديات مصاحبة أشمل من ذاك لا يمكن أن يواجهها إلا تنظيم وطني متخصص في سينما الهواة. o تستعدون لتشكيل إطار وطني لسينما الهواة، وتقدمتم خطوات مهمة من أجل إتمام ذلك. ما هي القيمة المضافة لهذا الإطار؟ وكيف يمكنه أن يعمل جنبا إلى جنب مع الإطارات الأخرى القائمة، على أساس التعاون والتنافس، وليس على أساس التدافع والإقصاء؟ n فكرة تشكيل إطار وطني خاص بسينما الهواة طرحت في المهرجان منذ دورته الأولى (2007)... لكن مبدأ التدرج الذي نؤمن به جعلنا نتريث بما يكفي من الزمن اللازم لبروز حاجة حقيقية لخلق ذلك الإطار... ومنذ ثلاث سنوات (2014) أخذ المهرجان في برمجة حصة للتداول في الموضوع... وهو النقاش الذي أفضى خلال الدورة التاسعة للمهرجان(2015) إلى خلق لجنة تحضيرية يوكل إليها إعداد الأرضية الثقافية ومشروعي القانون الأساسي والداخلي للإطار المرتقب ميلاده... وتتجلى القيمة المضافة للإطار المنتظر خروجه إلى الوجود في كونه فضاء مكملا للفضاءات الثقافية السينمائية الموجودة بالمغرب وهو فضاء يسعى إلى تحقيق مجموعة من الأهداف التي لا يؤطرها أي إطار قائم الذات، ويمكن إجمالا إيجازها في تشجيع وتنظيم وتطوير الإبداع الفيلمي الهاوي بالمغرب. وبذلك فالإطار المرتقب ليس بديلا عن أي إطار موجود بل أكثر من ذلك أن إطار المشروع سيكون في حاجة ملحة للتفاعل الثقافي و الفني الإيجابي مع الإطارات الوطنية الفاعلة، لاسيما أن الوضع الثقافي العام بالمغرب يواجه اليوم العديد من الأسئلة المقلقة، ويحتاج إلى أصوات متعددة لإثارة تلك الأسئلة واقتراح تصورات للإجابة عنها. o من خلال تتبع الأفلام التي عرضت أيام المهرجان يلاحظ أن هناك تفاوتا في مستوى اللغة السينمائية، كما يلاحظ أن الطرح التقني يتغلب على السرد الفيلمي. ألا يفكر المهرجان في إقامة ورشات للتحليل الفيلمي على المستوى الكمي والنوعي، مما سيساعد المستفيدين على اللقاء مع رؤاهم السينمائية الخاصة بدل ملاحقة الإبهار عبر استعمال التكنولوجيات الحديثة؟ n سؤالك هذا يعيدني إلى سؤال الوضع الثقافي العام بالمغرب... حركة أفلام الهواة بالمغرب تكاد تكون حركة ثقافية تلقائية ولا تعمل جل المهرجانات الثمانية و العشرون المفتوحة في وجههم إلا على تضخيم ذوات الفائزين خصوصا إذا تنافسوا مع «محترفين» أو اللامبالاة تجاه الآخرين (غير الفائزين) الذين يمرون مر الكرام في تلك المهرجانات دون أن تصلهم تغذية راجعة و لا تقييم فني ولا تكوين يستحق الذكر... وفي ظل مؤسسات التربية والتكوين المتأزمة وانحصار وظائف دور الشباب و المراكز الثقافية و تراجع الإقبال على القاعات السينمائية، فمن البديهي أن ننتظر خيالا وتحليلا سطحيا أو مبتذلا للأسئلة الإنسانية والمجتمعية التي غالبا ما يختارها الهواة كمواضيع لأفلامهم. فالتقنيات التي أتت بها التكنولوجيا الرقمية مغرية بطبعها وتوفر فرصا هائلة للتكوين الذاتي، فلا غرابة إذا وجدت الهواة المغاربة متقدمين في توظيف المونطاج و المؤثرات البصرية والصوتية... ويبقى توجه بعض المهرجانات المفتوحة للهواة بنوعية لجنها للتحكيم ومؤطري المحترفات الفاعلون الأهم الذين يجعلون العشق التكنولوجي يتحول تدريجيا لعشق التعبير الفيلمي الذي ينهل من الأدب والمسرح والفنون التشكيلية و الموسيقى وغيرها من المجالات الأدبية و الفنية قبل توظيف التكنولوجيا. o يقال إن الهواية هي مجرد عتبة صغيرة لولوج الاحتراف، والحال أن السينمائي الذي يفتقد إلى الشغف، أي إلى الجانب الهاوي فيه، لا يمكنه أن يصنع فيلما بقيمة إبداعية عالية وفارقة. فما مفهومكم أنتم للهواية؟ هل تقصدون به تلك المرحلة التي تسبق الاحتراف أم ذلك المزاج الذي يتداخل فيه الشغف السينمائي بمحاولة إثبات الذات بأقل تكلفة وبالوسائل التقنية المتاحة؟ n إزالة لكل لبس نوضح أننا سمينا تظاهرتنا «المهرجان الوطني لفيلم الهواة» وليس لسينما الهواة، وذلك رغم أننا نعي جيدا أن الفارق التكنولوجي بينهما هو فارق في طريق الزوال. وبعيدا عن التسمية فتوجه المهرجان يميل أكثر إلى الإبداع السينمائي... فإذا تجاوزنا ذلك، فسنجد أن مفهوم «سينما الهواة» رغم تداخله مع مفاهيم أخرى كالسينما المستقلة والطليعية والتجريبية وسينما الهامش و»الأنديركراوند»... فنحن نعرف سينما الهواة في هذه المرحلة من التاريخ السينمائي للمغرب من خلال السينما التي يتم إنتاجها خارج المساطر القانونية الموضوعة لسينما الاحتراف ببلادنا. أما عن جعل سينما الهواة عتبة لدخول عالم الاحتراف ، فليس هذا هدفنا ومصير كل هاو مرتبط بمشروعه وحرياته الشخصية... يجب أن يبقى فضاء الهواة فضاء لتغذية العشق السينمائي المحرك للخيال والتعبير الفيلمي... أما هواجس الاحتراف فليست ضمن استمرار العشق ولا الحرية المتاحة للهاوي. o هل يفكر المهرجان في الانفتاح على طلبة معاهد السينما والفنون والمهن السمعية البصرية، أم أنه سيستمر في استقبال الأفلام التي يصنعها هواة لم يسبق لهم اللقاء مع دروس السينما وتقنياتها؟ n المهرجان مفتوح منذ دورته الأولى في وجه طلبة معاهد السينما، وقد شارك العديد منهم في جل دورات المهرجان. كانت أول مشاركة لما لا يقل عن سبعة طلاب خلال مسابقة الدورة الأولى للمهرجان، وكانت الجائزة الأولى من نصيب الطالبة آنذاك أمينة السعدي عن فيلمها «على مقعد حديقة» خلال الدورة نفسها، كما كانت مشاركة حمزة بلحيداوي بفيلم «زجاجة حليب» خلال الدورة العاشرة للمهرجان... فتراجع عدد ترشيحات الطلبة للمهرجان يرجع بالأساس لكون بعضهم يرفضون تسمية «الهواة» وهذا مشكل آخر مرتبط بالثقافة السائدة ودور الإعلام العمومي في الترويج لقيم النجاح السريع وثقافة «تغليف البضاعة» (L'emballage). o ألا يفكر المهرجان في الانفتاح على مهرجانات أخرى للهواة، على المستوى العربي والمتوسطي والدولي، حتى يتمكن هذا المهرجان ذو الأهمية القصوى من المساهمة في إنتاج سينمائيين منفتحين ومتنافسين مع سينمات أخرى؟ n للمهرجان هذا المسعى وقد عمل أكثر من مرة على ربط علاقات التعاون والتبادل مع مهرجانات أخرى وتنظيمات أخرى كالجامعة التونسية للسينمائيين الهواة والفيدرالية الدولية لسينما الهواة والجمعية السويسرية الفرانكفونية لسينما الهواة وجمعية «لاشارنيير» بمدينة ليل الفرنسية وأطراف أخرى بالقاهرة وغزة الفلسطينية وداكار بالسنغال... وقد استطاع من خلال ذلك العديد من الهواة المغاربة عرض أفلامهم خارج المغرب... ويبقى هذا الطموح من اختصاص إطار وطني ملائم. o ألا تفكر جمعية الفن السابع الراعية لهذا المهرجان في الخروج بمرافعة أدبية وفنية وسينمائية وقانونية لإبراز أهمية السينما على مستوى النهوض بالإبداع والإنتاج والتكوين الثقافي والفني؟ n لا نريد أن نضخم ذاتنا أكثر من طبيعتها. نحن نؤمن بأن أية مرافعة تخص مجالا ثقافيا معينا مهما كانت وجاهتها وقوة حجاجها، فلن تجد صدى لها ما لم تنطلق من تشخيص عام للسياسة الثقافية بالبلاد وما لم تقم بها جماعات واسعة وقوية للضغط... فأينما وليت وجهك في المشهد الثقافي المغربي ستجد تخلفا بنيويا وغياب أي مبادرة مؤسسية لإصلاح أو تطوير ما يمكن تطويره... فالدولة تقوم اليوم بإنعاش العمل الثقافي و ترميمه مثلما ترمم القصبات دون أن تضع مخططات المدى المتوسط و البعيد القمينة بإعطائها الحيوية و الاستقلالية التمويلية الضامنة للاستمرار والتطور المنشود... فقد سبق لنا مثلا أن قدمنا دراسة لدعم الدولة للمهرجانات السينمائية منذ 2013 وبعثنا بها لجل لمؤسسات المعنية بالموضوع ومثقفين ونقاد سينمائيين وجمعيات محلية ووطنية ونشرت خلاصاتها ببعض الجرائد الوطنية. وهي بالنسبة لنا مرافعة موضوعية وجريئة... بقيت بدون الصدى الذي تستحق... رغم أنه تم العمل بأحد اقتراحاتها المتعلق بمهرجانات الفيلم القصير المتوسطي... إن حركة سينما الهواة بالمغرب هي أبرز حركة ثقافية بالمغرب خلال الخمس عشرة سنة الأخيرة، بحكم العدد الكبير من المواطنين التي تستقطب سنويا. ولعل في ذلك أثر إيجابي للدينامية التي عرفها المشهد السينمائي الوطني خلال الفترة نفسها... لكن وللأسف هنالك شبكات انتهازية وأشخاص محسوبين على مجال الثقافة السينمائية يحاربونها خلسة.