أعتقد أن السينما المغربية تعيش أفضل أحوالها اليوم، وهنا لا أتكلم عن القيمة الفنية بقدرما أتكلم عن الحراك والجدال المتواصل والمحموم حول الفيلم المغربي، وما يعكسه من رغبة السينمائيين المغاربة للنهوض بهذا القطاع الحيوي وتطويره بشكل يجعل المغرب ضمن الخريطة السينمائية العربية والإفريقية، ولم لا الدولية، هذا الطموح نستشفه من الميزانيات الكبيرة التي ترصدها الدولة لدعم الإنتاج الوطني، وكذا الحضور القوي والمستمر للتظاهرات والملتقيات والمهرجانات السينمائية، هذه الأخيرة التي أصبحت في جوهرها العام اختزالا للوجود السينمائي المغربي وعاملا من عوامل الدفع به إلى الأمام، في غياب الآليات والوسائل الكفيلة بتمرير وتسويق المنتوج الوطني وعرضه أمام الجمهور. تعدد المهرجانات شيء ضروري ومؤكد حسب المهتمين والمتتبعين، خصوصا في ظل تشعب السينما وتفرع روافدها، بالإضافة كما قلنا سابقا إلى غياب البنية التحتية اللازمة للترويج، لتصبح هذه المهرجانات الوسيلة الوحيدة لتحقيق هذه الغاية، رغم عدم تغطيتها لبعض مناطق المملكة، بسبب انعدام الرؤية المستقبلية وضعف التنسيق بين الجمعيات المهتمة والمؤسسات الوصية لضمان حضور هذه الفعاليات ونجاحها. جمعية "الفن السابع" بمدينة سطات المغربية عكست هذه النظرية من ناحيتها الايجابية، وكرست عامل الطموح والنجاح المشترك بينها وبين بعض المؤسسات العمومية، الشيء الذي تمخض عنه مهرجان أصبح يفرض وجوده على الساحة ضمن العديد من المهرجانات الضخمة رغم غياب الإمكانات والوسائل اللوجستيكية اللازمة لنجاح مثل هذه التظاهرات. المهرجان الوطني لفيلم الهواة هو هذا المولود الذي سيبلغ أواخر الشهر الجاري/مارس سنواته الأربعة. للحديث عن ولادته، ومعوقاته، وتأثيره على المشهد الثقافي والسينمائي، أجرينا هذا الحوار مع مديره الأستاذ ضمير اليقوتي. ضمير اليقوتي فاعل جمعوي له حضور قوي في المشهد السينمائي المحلي والوطني، كان كاتبا عاما للجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب، ثم كاتبا عاما ومديرا تقنيا لنادي الفن السابع بسطات، ليترأسه بعد ذلك ابتداء من سنة 2000، كما أنه يدير المهرجان الوطني لفيلم الهواة بسطات منذ سنة 2007. - وصل المهرجان الوطني لفيلم الهواة بسطات دورته الرابعة؟ هل يمكنكم أن تحدثونا عن ظروف نشأته والعراقيل التي صاحبتها ؟ في ظل التراجع الرهيب لعمل الأندية السينمائية ، و للإجابة على سؤال "كيف يستمر نادينا السينمائي ؟" كإطار نتنفس فيه ثقافة لم نجد بديلا عنها ، تولد لدينا سؤال آخر : "آلا يمكن أن نشتغل لنفس الأهداف بعمل آخر و وسائل أخرى لتحقيق تواصل أفضل مع فئات جديدة من الأفراد؟" وفي خضم التحولات الكبيرة التي عرفها العالم لاحظنا أن اهتمامات و التزامات جديدة أصبحت تأخذ من الفرد زمنا يوميا هائلا، وهو زمن الاتصالات الحديثة. و المفارقة الكبيرة هي أن الصورة بتعدد أشكالها تهيمن على رسائل هذه الاتصالات. أصبح الفرد يخَاطب و يعبر بالصورة أولا ثم بالنص المكتوب أو الملفوظ ثانية. هنا فكرنا في إطار ملائم ومكمل لما يوجد ببلادنا في المجال الفيلمي مع استحضار موارد و وسائل مدينتنا. فجاءت فكرة فضاء وطني خاص بأفلام الهواة، و بانخراط المجلس البلدي في المشروع و التشجيع الهام للمركز السينمائي المغربي اكتمل الحد الأدنى من شروط إخراج المهرجان إلى الوجود. - كيف يمكنكم تقييم الدورات السابقة من خلال موقعكم الإداري؟ رغم التجربة المهمة لجمعيتنا ، كنا نحس بنوع من المغامرة خلال التحضير للدورة الأولى ، خصوصا أننا كنا نجهل كل شيء عن هواة المغرب وأفلامهم. فمقارنة الدورات و تقييمها، تظهر بمؤشرات واضحة، أن كيان فضاء الهواة أصبح حقيقة ملموسة : لقد أصبح لفضاء الهواة بالمغرب أسماء معروفة و علاقات أفقية تحقق التبادل و التعاون بينهم على امتداد السنة، عدد الأفلام المرشحة و عدد طلبات التسجيل بالمحترفات تتزايد دورة بعد الأخرى، برزت أسماء تطمح إلى دخول تجارب محترفة... - لماذا سينما الهواة بالضبط؟ يمكنك أن تطرح نفس السؤال بالنسبة لأي اختيار آخر. إن تماسك تصور المهرجان كفضاء للهواة و ملائمته لحاجة حقيقية لدى فئة من الأفراد الذين كانوا بدون ملجئ، كان هو الرهان - المنطلق . أنتم تعرفون أن فضاء سينما الهواة متواجد منذ عدة عقود بكل البلدان التي تتميز ثقافتها السينمائية بحيوية. فمغاربيا مثلا ، وعلى عكس تونس و الجزائر، لم ينجح المغرب في التوفر على فضاء جمعوي خاص بأفلام الهواة. وكل المحاولات السابقة خلال الثمانينات لم تعمر طويلا. أما اليوم ، ورغم ظهور مهرجانات مغربية أخرى تنهل من تصور مهرجاننا ، يبقى مهرجان فيلم الهواة بسطات متميزا لكونه يتمركز حول هوية المبدع الهاوي بدل هوية المبدع التربوي أو المبدع الشاب أو المبدع الأمازيغي... التي تركز أكثر على مكون الهوية المهنية أوالعمرية أو اللغوية. - ألا ترون معي أن سينما الهواة مهمشة ولم تعط حقها الكافي؟ كانت مهمشة حينما كان الهاوي ينتج فيلمه و يشاهده داخل دوائر ضيقة لتموت فيه رغبة دخول تجربة موالية. فلو استمرت تجربة نادي الفن السابع بالرباط التي اشتغلت على الإبداع السينمائي الهاوي خلال الثمانينات ، لكان لنا اليوم تاريخ أكبر و فضاء أفسح و أسماء محترفة تكون قد قدمت من الهواية بمعناها السينيفيلي. و اليوم نحن مسرورون لكون المركز السينمائي المغربي يدرك جيدا قيمة فضاء الهواة و ما يمكن أن يقدم للمشهد السينمائي بالمغرب و هو يصاحب المهرجان ويساهم بشكل واضح في نجاح دوراته. - ألا ترون معي كذلك أن المبادرات الثقافية والفنية الناجحة تخرج من رحم المناطق الهامشية؟ لا أدري هل هذه المسلمة صحيحة أم مجرد انطباع. لدينا بالمغرب مهرجانات كبيرة بمدن كبيرة و هي مهرجانات ناجحة. فالبنيات التحتية و الموارد التي تتوفر عليها المدن الكبيرة و المتوسطة تساعد كثيرا على إنجاح تلك التظاهرات. الملاحظة التي أود أن أنقلها في هذه النقطة بالذات هي أن أغلب جوائز المهرجان الوطني لفيلم الهواة في دوراته الثلاث السابقة كانت من نصيب مبدعين قادمين من قرى و بلدات الهامش الجغرافي للمغرب : ميدلت ، تيزن اسلي ، القصيبة ، بوجدور ، الناظور...دليل واضح على أن الانتماء إلى مدينة كبيرة لا يقدم بالضرورة امتيازا للفرد في خياله و قدراته الإبداعية. - ماهي الإضافة التي سيضيفها مهرجانكم للمشهد المهرجاناتي المغربي في ظل هذا الزخم من التظاهرات السينمائية؟ أعتقد أن تبصر الجمعية دفعها لسد فراغ هائل بالمغرب، فبدل التفكير في إضافة تلوين آخر لتصور قائم الذات عمل مهرجان سطات على إيجاد عنوان (adresse ) لفئة لم يكن لها عنوان من قبل. عنوان لهوية و انتماء ، عنوان وموعد سنوي يتم خلاله العرض و التبادل والتنافس و التكوين النظري و التقني. إن جمعية الفن السابع و هي أحد منظمي مهرجان سطات لا تقتصر على التنظيم الجيد لأنشطة تدوم خمسة أيام في السنة. إنها تعمل من أجل توفير فرص لحضور تصوير أفلام دولية لبعض الهواة المغاربة و تبحث عن فرص دولية لعرض بعض أفلامهم وتساهم في إنتاج أفلام هواة و لها أنشطة سينمائية جد متنوعة تسعى إلى تحقيق تراكم المشاهدة و النقاش و لها مشاريع مهمة لخلق بنية تخدم مجال الإبداع الفيلمي الهاوي بالمغرب. - ألا تطمحون في توسيع رقعة المهرجان ليصبح دوليا، أم أن المهرجان الدولي لأفلام الهواة بمدينة قليبيةالتونسية يكفي عربيا ؟ كان من السهل علينا أن نعلن المهرجان دوليا منذ دورته الأولى كما نشهد ذلك في العديد من التظاهرات. وربما أن تلك الطريق مغرية لبعض المبادرين لكونها تجلب، بشكل أسرع، موارد مالية للمهرجان بإشراك مؤسسات أجنبية. لم يكن هذا هو هدف الجمعية. فالموارد مهما كانت ضخامتها فهي لا تؤمن مصداقية ما لأي مهرجان...لقد سبق لي أن شاركت باسم الجامعة الوطنية للأندية السينمائية ، في تأسيس الفيدرالية المغاربية لسينما الهواة بعنابة الجزائرية صيف 1993. أين هي الفيدرالية اليوم ؟ سبق كذلك للجامعة الوطنية نفسها أن برمجت مهرجانا دوليا لسينما الهواة في متم 2006 ، في الوقت الذي لم يكن لها أي ناد ينتج فيلما واحدا في السنة ؟ أين هذا المهرجان الدولي و أين الجامعة نفسها (جواسم) ؟ إن الملائمة التي نؤمن بها دفعتنا إلى الوقوف بكثير من الإصرار وراء بروز فضاء وطني أولا ، فضاء لم يكن له وجود من قبل. وقد أصبح له اليوم وجود حقيقي و أسماء معروفة وإنتاج فيلمي يتزايد سنة بعد الأخرى وخزانة فيلمية تقارب 200 فيلم قصير و ارتباطات دولية...إن نضج المهرجان الوطني بإيقاعه الطبيعي هو الكفيل بتحقيق طموح جغرافي أوسع مما هو عليه اليوم. - كيف ترون مسار السينما المغربية في الوقت الراهن؟ أعتقد أن الحصيلة التي قدمها المركز السينمائي المغربي بمناسبة الدورة 11 للمهرجان الوطني للفيلم تبرز العديد من الإيجابيات كما تبرز أن هنالك نوعا من التبصر بالنسبة للمشاكل المستعصية. أما الأفلام الطويلة لسنة 2009 فهي أفلام جد متنوعة من حيث سن و مسار و تكوين ورهان المخرج و موضوع و أسلوب الفيلم. الملاحظة هي أن الأفلام التي تتوفر على رهان إبداعي دولي واضح لا تتجاوز ثلاثة أو أربعة أفلام. أما الأفلام التي تراهن على شباك التذاكر (على علته) فهي الأكثر حضورا و لها اساليب تتنوع من الرديء إلى العمل الاحترافي الذي يحترم نفسه و يحترم الجمهور الباحث عن الفرجة المباشرة. - ما هي طموحات جمعية الفن السابع بسطات؟ خلق فضاء وطني مؤسسي يضمن استمرارية المنجز و يعمل على تطوير مجال فيلم الهواة جهويا و وطنيا في منبع الثقافة السمعية البصرية ، و من أجل ذلك نتمنى أن تنخرط في المشروع مؤسسات جهوية وطنية أخرى إلى جانب الجمعية و المجلس البلدي لمدينة سطات و المركز السينمائي المغربي . - كلمة أخيرة بمناسبة قرب انعقاد الدورة الرابعة من المهرجان الوطني لفيلم الهواة بسطات؟ الدورة الرابعة على الأبواب أتمنى أن يستمر النجاح الذي حققته الدورات السابقة و أن يبرز حس فني أفضل خلال هذه الدورة ، و باقتباس أحد العناوين الجميلة لفيليني ستكون كلمتي الأخيرة هي "لتبحر السفينة" (ُEt vogue le navire « 1983 »). أجرى الحوار زويريق فؤاد ''الفوانيس السينمائية'' نرجو التفضل بذكر المصدر والكاتب عند الاستفادة