يزخر التراث العربي بقصص وأخبار الأولين التي تم تدوينها، في كتب ومجلدات عديدة، متناولة حيوات أو أحداثا وقعت لهذا الشاعر أو هذا الأديب أو لذاك الوالي أو ذاك الحكيم أو هذا المجنون، أو هذا الطماع وذاك المحتال إلخ.. وهي قصص وأخبار انتمت في غالبها إلى الأدب العربي، الفصيح العالم منه، أو الشعبي، مما ظل الحكاة والرواة يرددونه في مجالس أنسهم، أويطالعه المهتمون بالأدب لإغناء قاموسهم اللغوي، لما تنطوي عليه بعض هذه القصص من مفردات مُفعمة بنداوتها الأولى وطراوتها البدئية، أو لما تشمله من عبر وحكم وأمثال أو لمجرد متعة القراءة والترفيه عن النفس. لذلك، اخترنا منتخبات من هذا التراث ليصاحبها القارئ الكريم، عله يجد فيها من البلاغة والفصاحة وحسن القول وسرعة البديهة، وخفة الظل والدم ومن مهارات الخطابة وأساليب المكر والحيل لبلوغ الغاية ومن الامتاع والمؤانسة، ما يملأ به وقته استفادة ومتعة. قال علي بن أبي طالب: يا سبحان الله. ما أزهد كثيرا من الناس في الخير، عجبت لرجل يجيئه أخوه في حاجة فلا يرى نفسه للخير أهلا! فلو كنا لا نرجو جنة، ولا نخاف نارا، ولا ننتظر ثوابَا، ولا نخشى عقابا لكان ينبغي لنا أن نطلب مكارم الأخلاق، فإنها تدخل على سبيل النجاة. فقام إليه رجل فقال: فداك أبي وأمي يا أمير المؤمنين، أسمعته من رسول الله (ص) قال: نعم، وما هو خير منه، لما أتينا بسبايا طيء، كانت في النساء جارية حَمَّاءُ، حوراءُ العينين، لعْساء (شفتها مشربة بحمرة)، لمياء (لها سمرة في الأنف) عيطاء (طويلة العنق)، شماء الأنف معتدلة القامة. فلما رأيتها أُعجبت بها فقلت: لأطلبنها إلى رسول الله (ص) ليجعلها من فَيْئي، فلما تَكَلَّمَتْ أُنْسيتُ جمالها لما سمعت من فصاحتها، وقالت: يا محمد، هلك الوالد، وغاب الوافد، فإن رأيت أن تُخلي عني، فلا تُشمت بي أحياء العرب، فإني بنت سيد قومي، كان أبي يفك العاني، ويحمي الديار، ويقرى الضيف، ويُشبع الجائع، ويُفرّج عن المكروب، ويُطعم الطعام، ويُفشي السلام، ولم يرد طالب حاجة قط، أنا بنت حاتم طيء، فقال لها رسول الله (ص): يا جارية، هذه صفات المؤمن، ولو كان أبوك إسلاميًا لترحمنا عليه، خُلٍّوا عنها، فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق! الأغاني