يزخر التراث العربي بقصص وأخبار الأولين التي تم تدوينها، في كتب ومجلدات عديدة، متناولة حيوات أو أحداثا وقعت لهذا الشاعر أو هذا الأديب أو لذاك الوالي أو ذاك الحكيم أو هذا المجنون، أو هذا الطماع وذاك المحتال إلخ.. وهي قصص وأخبار انتمت في غالبها إلى الأدب العربي، الفصيح العالم منه، أو الشعبي، مما ظل الحكاة والرواة يرددونه في مجالس أنسهم، أويطالعه المهتمون بالأدب لإغناء قاموسهم اللغوي، لما تنطوي عليه بعض هذه القصص من مفردات مُفعمة بنداوتها الأولى وطراوتها البدئية، أو لما تشمله من عبر وحكم وأمثال أو لمجرد متعة القراءة والترفيه عن النفس. لذلك، اخترنا منتخبات من هذا التراث ليصاحبها القارئ الكريم، عله يجد فيها من البلاغة والفصاحة وحسن القول وسرعة البديهة، وخفة الظل والدم ومن مهارات الخطابة وأساليب المكر والحيل لبلوغ الغاية ومن الامتاع والمؤانسة، ما يملأ به وقته استفادة ومتعة. لا تذهبي بنفسك عن الحق قال علي بن أبي رافع: كنت على بيت مال علي بن أبي طالب وكاتبه، فكان في بيت ماله عقد لؤلؤ كان أصابه يوم البصرة، فأرسلت إلي بنت علي ابن ابي طالب، فقالت لي: انه قد بلغني ان في بيت مال أمير المؤمنين عقد لولؤ، وهو في يدك، وأنا أحب ان تعيرينه، أتجمل به في يوم الأضحى. فأرسلت إليها: عارية مضمونة، مردودة بعد ثلاثة أيام. يا بنت أمير المؤمنين. فقالت نعم: عارية مردودة بعد ثلاثة أيام. فدفعته إليها وإذا أمير المؤمنين رآه عليها فعرفه، فقال لها: من أين جاء اليك هذا العقد؟ فقالت استعرته من ابن رافع خازن بيت مال أمير المؤمنين، لأتزين به في العيد ثم أرده. فبعث إلي أمير المؤمنين فجئته، فقال لي: أتخون المسلمين يا ابن أبي رافع؟ فقلت معاذ الله أن أخون المسلمين! فقال: كيف أعرت بنت أمير المؤمنين العقد الذي في بيت مال المسلمين بغير إذني ورضاهم؟ فقلت يا أمير المؤمنين، انها بنتك وسألتني ان أعيرها العقد تتزين به فأعرتها إياه عارية مضمونة مردودة على أن ترده سالما إلى موضعه، فقال: رده من يومك، وإياك أن تعود إلى مثله، فتنالك عقوبتي، ثم قال: ويل لابنتي، لو كانت اخذت العقد على غير عارية مردودة مضمونة، لكانت إذن أول هاشمية قطعت يدها في سرقة. فبلغت مقالته ابنته، فقالت له، يا أمير المؤمنين، انا ابنتك وبضعة منك، فمن أحق بلبسه مني؟ فقال لها: يا بنت أبي طالب، لا تذهبي بنفسك عن الحق! أكل نساء المهاجرين والأنصار يتزين في مثل هذا العيد بمثل هذا؟ فقبضته منها ورددته إلى موضعه.