يزخر التراث العربي بقصص وأخبار الأولين التي تم تدوينها، في كتب ومجلدات عديدة، متناولة حيوات أو أحداثا وقعت لهذا الشاعر أو هذا الأديب أو لذاك الوالي أو ذاك الحكيم أو هذا المجنون، أو هذا الطماع وذاك المحتال إلخ.. وهي قصص وأخبار انتمت في غالبها إلى الأدب العربي، الفصيح العالم منه، أو الشعبي، مما ظل الحكاة والرواة يرددونه في مجالس أنسهم، أويطالعه المهتمون بالأدب لإغناء قاموسهم اللغوي، لما تنطوي عليه بعض هذه القصص من مفردات مُفعمة بنداوتها الأولى وطراوتها البدئية، أو لما تشمله من عبر وحكم وأمثال أو لمجرد متعة القراءة والترفيه عن النفس. لذلك، اخترنا منتخبات من هذا التراث ليصاحبها القارئ الكريم، عله يجد فيها من البلاغة والفصاحة وحسن القول وسرعة البديهة، وخفة الظل والدم ومن مهارات الخطابة وأساليب المكر والحيل لبلوغ الغاية ومن الامتاع والمؤانسة، ما يملأ به وقته استفادة ومتعة. لا وصل إلا أن يشاء ابن معمر قال الرياشي: اشترى بصري جارية على أرفع ما تكون من الجمال والصباحة، فكلف بها - وكان مثريا - فأنفق عليها ما في يده حتى أملق (وافتقر) فأشارت عليه ببيعها شفقة عليه. فلما حضر بها إلى السوق أخذت إلى ابن معمر، وكان عاملا على البصرة، فاشتراها بمئة ألف درهم، فلما قبض المال وهم بالانصراف أنشدت: هنيئا لك المال الذي حويته ولم يبق في كفي غير التذكر أقول لنفسي وهي في غشى كربة أقلي فقد بان الحبيب أو أكثري فإذا لم يكن للأمر عندي حيلة ولم تجدي شيئا سوى الصبر فاصبري فاشتد بكاء مولاها وأنشد: فلولا قعود الدهر بي عنك لم يكن يفرقنا شيء سوى الموت فاصبري أروح بهم في الفؤاد مبرح أناجي به قلبا طويل التفكر عليك سلام لا زيارة بيننا ولا وصل إلا أن يشاء ابن معمر فقال ابن معمر: قد شئت، خذها ولك المال، فانصرفا راشدين، فو الله لا كنت سببا لفرقة محبين. »"تزيين الأسواق"« لداود الأنطاكي وفي الجزء الثالث من "»قصص العرب"«