استورد المغرب في 2015 زهاء 52 ألف طن من بذور البطاطس، بقيمة 235 مليون درهم، بزيادة 36 في المائة من حيث الحجم و20 في المائة من حيث القيمة مقارنة بالعام الأسبق. وتمثل هذه الواردات زهاء 40 في المائة من حاجيات السوق من بذور البطاطا المختارة، فيما يتم استيفاء الباقي عبر إعادة زراعة جزء من المحصول. وتتميز البذور المستوردة بكونها مختارة ومصنفة مقارنة مع البطاطا العادية، كون إعادة زراعة هذه الأخيرة بشكل عشوائي تكتنفه مخاطر انتشار أمراض و أوبئة ويعطي مردودية ضعيفة. ورغم أن البطاطس تتصدر باقي الخضراوات، سواء من حيث حجم الإنتاج والمساحات المزروعة أو من حيث الاستهلاك، والمكانة في المطبخ والمائدة المغربية، فإن الصناعة المحلية لبذور البطاطا المختارة لا تزال جد ضئيلة ولا تمثل سوى أقل من 2 في المائة من الحاجيات. وعرفت زراعة البطاطا تهميشا كبيرا مقارنة مع باقي الزراعات الخضرية، كالطماطم والفاصوليا والفلفل. فبعد أن كانت صادرات البطاطا المغربية في الثمانينات تناهز 100 ألف طن، نزلت صادراتها إلى بضعة أطنان فقط منذ التسعينات، قبل أن تعود لرفع رأسها في السنوات الأخيرة لتتجاوز 70 ألف طن في 2014. السبب الرئيسي في هذا التراجع هو أن البطاطا لم تلق العناية التي عوملت بها الطماطم، فرغم أنها تتوفر على قدرات اقتصادية هائلة، خاصة في مجالات الصناعات الغذائية، بمشتقات ذات قيمة مضافة عالية مثل "الشيبس" الذي لا تتوفر فيه البلاد إلا على مصنعين في فاسوالدارالبيضاء، وأيضا إمكانيات تصدير البطاطا المقطعة والمجمدة التي تستعمل من طرف مطاعم الفاست فود "فريت" والتي رجعت خلال السنة الماضية إلى لائحة الصادرات في اتجاه أوروبا بعد أن اختفت منها لعدة سنوات، كما بدأت تعرف طريقها إلى إفريقيا أيضا. وتوجد العديد من الاستعمالات الصناعية الأخرى للبطاطا والتي يمكن تصديرها، كالمسحوق الموجه لصناعة الحلويات أو نشا البطاطس، والتي تشكل فرصا جيدة للاستثمار والتشغيل. وتتميز البطاطا في المغرب بتوفرها طازجة على امتداد السنة، بخلاف بقاع أخرى من العالم حيث تجمد وتخزن. فبفضل التنوع الجغرافي والمناخي لبلادنا، يتم إنتاج البطاطا على طول العام عبر ثلاث مراحل: البطاطا الموسمية التي تزرع خلال شهري فبراير ويونيو باستعمال البذور المستوردة، والتي يؤهلها طابعها البكري لولوج الأسواق الأوروبية في وقت تخف فيه منافسة المنتجين الأوروبيين الكبار الذين تتأخر غلالهم، خاصة فرنساوألمانيا وهولندا، المرحلة الثانية تمتد من يناير إلى غشت، وتستعمل فيها البطاطا العادية كبذور بسبب قلة البذور الأوروبية المتاحة للاستيراد خلال هذه الفترة، أما المرحة الثالثة فتمتد من أبريل إلى سبتمبر، وتتعلق بزراعة البطاطا في مناطق جبلية، خاصة في شمال البلاد، حيث يكون المناخ ملائما. ومن حيث المردودية يبقى المتوسط المغربي في مستوى قريب من بلدان الجوار المغاربي، بمعدل 28 طن للهكتار في المغرب، 30 طن للهكتار في الجزائر، و27 طن للهكتار في مصر، مقابل 41 طن في فرنسا و45 في ألمانيا. ويرجع ضعف المردودية إلى ضعف المكننة وعدم تعميم استعمال الأساليب الزراعية الحديثة. وتجدر الإشارة إلى أن بعض الضيعات المتقدمة في المغرب تحقق نسب مردودية تناهز 60 طن للهكتار باستعمال البذور المختارة وأساليب متقدمة في الزراعة. ومن أبرز المشاكل التي يعرفها قطاع إنتاج البطاطا في المغرب التراجع الكبير للإنتاج في محيط الدارالبيضاء وحد السوالم ودار بوعزة وزناتة، التي كانت تقليديا تعتبر من أهم مناطق الإنتاج والتصدير في الماضي. وسبب هذا التراجع حسب الخبراء، الاستغلال المفرط للفرشة المائية والزحف العمراني. ولم يواكب هذا التراجع أي تقدم في مجال المكننة واستعمال التقنيات لتعويضه بمردودية عالية في الضيعات التي تستمر في الإنتاج، وذلك في غياب مخطط وطني وبرامج خاصة بالبطاطا كما هو الحال بالنسبة لباقي فروع إنتاج الخضر. غير أن أهمية البطاطا في ميزانية الأسر المغربية شكل الدعامة الأساسية لاستمرار زراعة البطاطا وانتشارها في مناطق أخرى ،خاصة تمارة وشتوكة أيت باها والجهة الشرقية وشمال البلاد. وتقدر المساحات المزروعة سنويا بالبطاطا بنحو 60 أف هكتار. وتبقى إشكالية تحقيق الاكتفاء الذاتي من البذور المختارة أمرا أساسيا في أي مخطط للنهوض بزراعة البطاطس في المغرب. وفي هذا الصدد يؤكد الخبراء توفر المغرب على قدرات مهمة تمكنه ليس فقط من استيفاء حاجياته من البذور المختارة، ولكن أيضا من التصدير نحو أوروبا، وأيضا إلى إفريقيا التي تعرف فيها زراعة البطاطا طفرة نوعية ويمكن للبذور المغربية أن تنافس فيها البذور الأوروبية. وينصح الخبراء بانتقاء مناطق تتوفر على الشروط المناخية الملائمة (الجو البارد والثلج) لإنتاج البذور المختارة في منأى عن مخاطر الحشرات الناشرة للأوبئة، ووضع برنامج خاص في إطار الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص على غرار البرنامج الخاص بإكثار البذور في قطاع القمح. ومن خلال إنتاج البذور المختارة محليا، سيتمكن القطاع من إنتاج بطاطا ذات جودة عالية وبكلفة تنافسية في الأسواق الدولية، وسيتحول القطاع من ملتهم للعملات الصعبة عبر استيراد البذور إلى مصدر مهم لها عبر تصدير البذور والبطاطس ومشتقاتها إلى إفريقيا والعالم.