(أ. ف. ب) كان ابوعبيدة علي صغيرا عندما هاجم مسلحون قريته عام 2003 وقتلوا أبيه وأجبروا أسرته على الفرار، ما وضع حدا لأحلامه في طفولة عادية وفي الحصول على التعليم. منذ تسعة أعوام، توقف أبوعبيدة عن الذهاب إلى المدرسة، وهو الآن في السابعة عشرة، وواحد من أكثر من 870 ألف قاصرا من دارفور يعيشون في مخيمات النزوح ويكافحون من أجل إيجاد توازن بين تحصيل العلم لأفراد من عائلاتهم وتامين احتياجاتهم الأساسية للحياة. وقال أبوعبيدة وهو يجلس أمام كوخ يقيم فيه مع أسرته في مخيم أباذر للنازحيين قرب الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور، «بعد أربع سنوات من وصولي إلى هنا، تركت الدراسة لمساعدة أمي في تربية شقيقاتي الأربع اللواتي كن يذهبن إلى المدرسة». ومنذ ترك الدراسة، يعمل ابوعبيدة علي في مطعم بسوق صغير في وسط طرق المخيم الترابية. في المطعم الذي يقدم الوجبات بسعر زهيد، يخدم أبوعبيدة الزبائن ويغسل الصحون من الصباح حتى المغيب، ويتقاضى أجرا يوميا يبلغ خمسة عشر جنيها أي حوإلى ثلاثة دولارات. وفي ولاية غرب دارفور حيث أكثر من ثلاثين في المائة من الأطفال خارج مقاعد الدراسة الابتدائية يساهم أجر علي بدفع أقساط شقيقاته الصغيرات في مدرسة حكومية مخصصة لأطفال المخيم. وتكافح العائلات في غرب دارفور لتوفير كتب الدراسة والكراسات والأقلام والوجبات الغذائية لأطفالها. ويعمل بعض الأطفال لمساعدة أسرهم التي تعيش في المخيمات. وقال علي بلهجة حزينة «أريد العودة إلى المدرسة، ولكنها الظروف». وفر علي مع أسرته إلى المخيم من قريته نوري التي غالبية سكانها من قبيلة المساليت غير العربية، مع بداية النزاع في دارفور قبل 13 عاما. ومثله مثل كثير من أقرانه الذين أجبرهم النزاع على الفرار من منازلهم والعيش بعيدا عنها لوقت طويل، ليست لديه ذكريات مرتبطة بقريته الأصلية. واندلع النزاع في دارفور عندما انتفض مسلحون من الإقليم الواقع في غرب السودان ضد حكومة الرئيس السوداني عمر البشير التي يسيطر عليها العرب عام 2003، آخذين عليه تهميش الإقليم اقتصاديا وسياسيا. واطلقت الحكومة حملة عسكرية بقوات مشاة وميليشيات متحالفة معها للقضاء على التمرد، وتسييت الحرب بفرار 5.2 مليون شخص من منازلهم. ويعيش 4.1 مليون شخص في مخيمات نزوح داخلية، وأكثر من نصف النازحين من الأطفال. واعتبرت منظمة الأممالمتحدة للطفولة (يونيسيف)، في تقرير عن وضع هؤلاء الأطفال، «الخطورة إنهم يفقدون طفولتهم». وتجدد القتال في منطقة جبل مرة الممتدة في ولايات شمال ووسط وجنوب دارفور في 15 يناير الماضي، ما تسبب في نزوح 82 الف مدنيا، 60 بالمائة منهم أطفال. وتؤكد اليونيسيف أن مناطق النزاعات في أطراف السودان تعاني من «أكبر معدل سوء التغذية للأطفال وأكبر معدل عدم تغطية بالتحصين ضد أمراض الطفولة وأعلى نسبة أطفال خارج مقاعد الدراسة وأعلى معدل أطفال يعيشون أيتاما». ويؤكد أن من هم دون الثامنة عشر «هم أكثر الفئات تأثرا بالكوارث التي يصنعها الإنسان». ومن أجل مساعدة قاصرين مثل علي على البقاء في مقاعد الدراسة، يقدم برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة وجبة يومية لستمائة ألف من أطفال دارفور. كما يقدم طبقا من العدس للأطفال النازحين في المدارس حتى لا تتحمل أسرهم تكلفة وجبات وتخرجهم من مقاعد الدراسة ليعملوا. في مخيم أباذر، وهو من اصغر المخيمات في دارفور، يتلقى 16.863 شخص بينهم ألفا طفل وجبات يومية. بين هؤلاء الأطفال، دار السلام عبد القدوس ذات العشرة أعوام، التي فرت عائلتها إلى المخيم بسبب الهجوم على قريتها قبل ثلاثة أعوام من ولادتها. وتراجع دار السلام التي ارتدت فستانا أزرق فاتح اللون دروسها، وتتوقف بشكل متقطع لتتبادل الابتسامات والأحاديث بصوت خفيض مع صديقاتها في ساحة من ساحات المخيم. وشاهدت دار السلام عددا من زملائها وزميلاتها يتركون الدراسة، وتقول «فصلنا مليء بالاولاد والبنات، يبلغ عددهم حوإلى 115، لكن عددا كبيرا ترك الدراسة». وتحصل دار السلام على مساعدة برنامج الغذاء العالمي، ويؤكد والدها أن هذه المساعدة مفيدة. ويقول عبد القدوس أتيم «أغلب أطفال المخيم لا يذهبون للمدرسة بسبب الظروف. آباؤهم لا يعملون مثل حالتي. أنا أعمل يوما وأنتظر أياما دون عمل». ولعبد القدوس تسعة أطفال غير دار السلام، وهو يؤكد أن الأوضاع صعبة، ولكنه يريد لدار السلام أن تواصل دراستها. خارج أوقات دراستها، تساعد دار السلام أسرتها في حلب اللبن من الأغنام وغسل أواني المنزل في ساحة المخيم القريبة. وتقول باسمة «أريد أن أصبح معلمة».