جدعون ليفي: نتنياهو وغالانت يمثلان أمام محاكمة الشعوب لأن العالم رأى مافعلوه في غزة ولم يكن بإمكانه الصمت    أحمد الشرعي مدافعا عن نتنياهو: قرار المحكمة الجنائية سابقة خطيرة وتد خل في سيادة دولة إسرائيل الديمقراطية    مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    الاعلام الإيطالي يواكب بقوة قرار بنما تعليق علاقاتها مع البوليساريو: انتصار للدبلوماسية المغربية    الخطوط الملكية المغربية تستلم طائرتها العاشرة من طراز بوينغ 787-9 دريملاينر    مؤتمر الطب العام بطنجة: تعزيز دور الطبيب العام في إصلاح المنظومة الصحية بالمغرب    استقرار الدرهم أمام الأورو وتراجعه أمام الدولار مع تعزيز الاحتياطيات وضخ السيولة    السلطات البلجيكية ترحل عشرات المهاجرين إلى المغرب    الدفاع الحسني يهزم المحمدية برباعية    طنجة.. ندوة تناقش قضية الوحدة الترابية بعيون صحراوية    وفاة رجل أعمال بقطاع النسيج بطنجة في حادث مأساوي خلال رحلة صيد بإقليم شفشاون    أزمة ثقة أم قرار متسرع؟.. جدل حول تغيير حارس اتحاد طنجة ريان أزواغ    جماهري يكتب: الجزائر... تحتضن أعوانها في انفصال الريف المفصولين عن الريف.. ينتهي الاستعمار ولا تنتهي الخيانة    موتمر كوب29… المغرب يبصم على مشاركة متميزة    استفادة أزيد من 200 شخص من خدمات قافلة طبية متعددة التخصصات    حزب الله يطلق صواريخ ومسيّرات على إسرائيل وبوريل يدعو من لبنان لوقف النار    جرسيف.. الاستقلاليون يعقدون الدورة العادية للمجلس الإقليمي برئاسة عزيز هيلالي    ابن الريف وأستاذ العلاقات الدولية "الصديقي" يعلق حول محاولة الجزائر أكل الثوم بفم الريفيين    توقيف شاب بالخميسات بتهمة السكر العلني وتهديد حياة المواطنين    بعد عودته من معسكر "الأسود".. أنشيلوتي: إبراهيم دياز في حالة غير عادية    مقتل حاخام إسرائيلي في الإمارات.. تل أبيب تندد وتصف العملية ب"الإرهابية"    الكويت: تكريم معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية كأفضل جهة قرآنية بالعالم الإسلامي    هزة أرضية تضرب الحسيمة    ارتفاع حصيلة الحرب في قطاع غزة    مع تزايد قياسي في عدد السياح الروس.. فنادق أكادير وسوس ماسة تعلم موظفيها اللغة الروسية    شبكة مغربية موريتانية لمراكز الدراسات    المضامين الرئيسية لاتفاق "كوب 29"    ترامب الابن يشارك في تشكيل أكثر الحكومات الأمريكية إثارة للجدل    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    خيي أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    مواقف زياش من القضية الفلسطينية تثير الجدل في هولندا    بعد الساكنة.. المغرب يطلق الإحصاء الشامل للماشية    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد        نادي عمل بلقصيري يفك ارتباطه بالمدرب عثمان الذهبي بالتراضي    مدرب كريستال بالاس يكشف مستجدات الحالة الصحية لشادي رياض    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    ما هو القاسم المشترك بيننا نحن المغاربة؟ هل هو الوطن أم الدين؟ طبعا المشترك بيننا هو الوطن..    ثلاثة من أبناء أشهر رجال الأعمال البارزين في المغرب قيد الاعتقال بتهمة العنف والاعتداء والاغتصاب    موسكو تورد 222 ألف طن من القمح إلى الأسواق المغربية        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    الغش في زيت الزيتون يصل إلى البرلمان    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة    قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في محيط السفارة الإسرائيلية    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المقاولة المغربية وتحديات العقلنة

تبين لنا من خلال دراسة ميدانية سوسيولوجية اتخدنا فيها إدارة محطة أداء الطريق السيار لمدينة الجديدة نمودجا للبحث الميداني الذي نهجنا فيه تقنية الملاحظة بالمشاركة، أن هذا التنظيم لا يتوفر على ثقافة المقاولة، وإنما يتوفر على ثقافة أفراد داخل المقاولة، ثقافة تؤطرها وتوجهها الاستراتيجيات الذاتية الخاصة بأصحابها، فالقوانين التنظيمية والرسمية لا تأتي موضحة وشارحة لقيم ومعايير النجاعة والفاعلية، أي لا تأتي لتكريس الدور الوظيفي وفق معايير ومقاييس الجودة، كما نجد أن السلوكات الفردية للمسيرين تتحكم فيها الإستراتيجية الجزئية المنطلقة من الأهداف الخاصة لكل فرد فيها، وليس من أهداف إستراتيجية جزئية من الإستراتيجية الكلية للمقاولة. أي أن الاستراتيجيات الفردية تعمل منفصلة عن الإستراتيجية الكلية للمقاولة ومتمردة عليها. هذه الإستراتيجية الفردية تنطلق من الأنا الشخصي وليس من أنا الجماعة أو أنا المقاولة. فهي في الحقيقة عبادة الأنا الفردي والقوة المحركة لسلوكات المستخدمين في المقاولة.
فالسلوكات والأفعال التي تتحكم فيها الإستراتيجية الشخصية النابعة من المصلحة الذاتية تتم بدافع الزبونية التي تصبح عبارة عن حافز من أجل شراء الخضوع والاستسلام للشخص الذي تتمركز في يده السلطة( رئيس محطة الطريق السيار) وليس للتنظيم ككل.
يعكس هذا الوضع واقعا متدهورا، يفقد فيه التنظيم أدنى مقومات استمراره وأدائه لوظائفه، لعدم قدرته على إنجاز الأهداف التي أنشئ من أجلها بالفاعلية المطلوبة، وذلك لغياب عوامل التضامن بين الأفراد المكونين له من أجل تحقيق الأهداف التي وجدوا من أجلها في المقاولة، أي عدم قدرة النسق الثقافي الفرعي ،على تحقيق آليات الدمج والضبط الاجتماعي في توجيه السلوكات والأفعال وفق متطلبات النسق الفرعي للأهداف، حيت تصبح الزبونية آلية سلطوية موجهة لسلوكات وأفعال المستخدمين داخل المقاولة ومؤشرا على انتقال وعي الأفراد من مستوى أنا الجماعة أو أنا المقاولة إلى مستوى أنا الفرد. فالزبونية بهذا المعنى تقوي وتشرعن استبداد رئيس المقاولة وباقي المسؤولين حيت يصبح المسير عبدا لأناه الفردي ولا يرى نفسه عضوا أو جزءا من الكل بل يرى نفسه مركزا لهذا الكل.
هذه السلطة المتولدة عن الزبونية لا تنفي الترابط الاجتماعي أو العلاقة الاجتماعية التي تقوم على المعاشرة والمؤانسة، لكنها تنفي أن يكون هذا الترابط موجها بقيمة وظيفية أو حضارية. فوجود هذه العلاقة يكون من أجل :
- تحقيق مصلحة شخصية ذاتية في المقام الأول .
- حماية مصالح حصل عليها الفرد من وجوده في التنظيم .
وبالتالي إذا تعارضت مصلحة الفرد مع مصلحة المقاولة إلى درجة لا يستطيع فيها أن يوفق فيها بين المصلحتين، فإنه يضحي بمصلحة المقاولة سواء كان ذلك بصورة مباشرة صريحة أو بصورة غير مباشرة وضمنية. فتصبح القضايا التي تخدم المصلحة الذاتية للقائم على شؤون المقاولة أكثر أهمية من القضايا التي تهم دوره الوظيفي. وهذا ما يجعل الزبونية وما يتولد عنها من سلطة و استبداد تعمل على حساب قيم ومقومات العقلنة الاقتصادية والدور الوظيفي المرتبط بها، والذي يقتضي التضحية بكل ما هو آني مصلحي نفعي وذاتي من أجل ما هو مستقبلي جماعي حضاري. ففي الثقافة السلطوية تعطى المكانة والترتيب الاجتماعي داخل المقاولة على أساس الطاعة والخضوع وليس على أساس الجهد المبذول أو على أساس التفاني في خدمة غاية وأهداف المقاولة. وهذا راجع لكون هم المسير هو تحقيق السلطة الذاتية فقط. وعندها يفقد التنظيم نظامه وتضامنه الداخلي، أي يفقد الدمج والضبط الاجتماعيين، كما أشرنا في البداية. تصبح الزبونية هي مصدر الحكم والقيادة وعاملا للترتيب الاجتماعي، إي أن المكانة الهرمية تصبح مكتسبة عن طريق الزبونية وليس عن طريق الدور الوظيفي والتاريخي.
وعليه فالزبونية في هذه الحالة آلية من آليات الدمج والضبط الاجتماعيين الشيء الذي جعل "برينو اتيان" يعتبرها ميكانيزما يستعمل من طرف السلطة لدمج مجموعة هامشية أو محيطية، والتي لها نسقها الثقافي الخاص الذي يوجه سلوكاتها وأفعالها ولذا فالزبونية تستعمل من طرف السلطة من أجل فرض نسقها الخاص من القيم ولتدعيم سلطتها وسلطانها كذلك ، حيت أخدت الزبونية شكل المحاباة السياسية، وتتم وفق علاقة تبادلية بين مركز القرار أو السلطة وباقي المجتمع. وكأن المركز يقدم للمحيط شيئا يحتاج إليه، مستحقا أو غير مستحق مقابل حصوله من لدن هذا المحيط ومن أفراده على قدر من الطاعة والخضوع والامتثال.
إن تشغيل المستخدمين في المقاولة محل الدراسة يقوم على معادلة "أنا أقبلك ما دمت كما أريد أنا، وليس كما ترغب أنت أن تكون"، إن هذا القبول المشروط يترتب عنه القلق، والإحباط والاكتئاب والاستسلام والتراخي والانهزامية والسلوكات التدميرية للذات وللآخرين والتصلب والتطرف، وبالتالي تهدر قيمة الذات وإمكانياتها ويمنع الإنسان من أن يصبح مشروعا قائما بذاته. حيث يعمل هذا القبول المشروط على تنمية ثقافة الولاء التي تتولد عنها التبعية والخضوع والتي تتنافى مع ثقافة الإنجاز التي تعتبر أساس رقي و تطور المجتمعات.
من خلال ملاحظاتنا الميدانية لواقع المقاولة محل الدراسة تبين لنا أن الفئة القيادية والمسيرة لها وقعت في تناقضات، من بينها التناقض بين متطلبات الثقافة الرأسمالية الحديثة ومتطلبات تكريس السلطة الذاتية. فهذا الصراع لو حسم على مستوى الممارسة التسييرية القيادية لصالح القيم الثقافية الرأسمالية لتعقلنت الوسائل والممارسات التي تقوم بها فئة المستخدمين .
لكن المعطيات الميدانية تؤكد أن الحسم كان لصالح متطلبات تكريس السلطة الذاتية، وبذلك تدهورت القيم ولم تعد ثقافة المقاولة هي التي تحكم الأفعال والسلوك. بمعنى آخر لم يعد النسق الفرعي للثقافة في خدمة النسق الفرعي للأهداف، ولم تعد هناك علاقة وظيفية بين النسقين الفرعيين، كما أنها تغيب العلاقة المتصلة والمتوازنة بين المجال الثقافي والمجال الاستراتيجي والمجال التنظيمي، حيت يسيطر المجال الاستراتيجي الجزئي المنطلق من المصلحة الذاتية على باقي المجالات الأخرى .
وبالتالي فالزبونية ليست وسيلة في خدمة الثقافة الحديثة أو في خدمة الأهداف الإستراتيجية للمقاولة، بل هي وسيلة لتعميق اللاعقلانية والسلطة الذاتية. وعليه فالزبونية بالنسبة إلينا جاءت لتكريس علاقات اجتماعية تتم في شكل تبادل سلعي في هذه المقاولة. إن الزبونية لا تسهم في التنمية ولا تخدم الهدف الذي من أجله وجد الأفراد في المقاولة، بل هي وسيلة لتنمية وتوسيع رصيد السلطة الذاتية للفئة القيادية، فبالرغم من أن السلطة هي القوة المحركة للعلاقات الاجتماعية في تنظيم ما. فالزبونية بدورها تمنح للسلطة الذاتية إمكانية وجودها واستمرارها وتنميتها. فالعلاقة بينهما إذن هي علاقة تلازم، لأن استعمال الزبونية في المقاولة يعمل على التأسيس لشكل اجتماعي أو بناء اجتماعي على أساس الحافز المادي المباشر أو غير المباشر، وغالبا ما يكون هذا الحافز من أجل شراء الخضوع والاستسلام للشخص الذي تتمركز في يده السلطة وليس للتنظيم ككل.
وبالتالي فالمقاولة محل الدراسة تكاد تغيب عنها ثقافة المقاولة. فهي محكومة بثقافة أفراد تؤطرها وتوجهها الاستراتجيات الذاتية الخاصة بهم .
لا شك أن النمو الاقتصادي أمر حيوي وحاسم في ارتقاء المجتمع و تقدمه. انه شرط لازم لأي تقدم إلا أنه وحده غير كاف. هناك عنصران ضروريان لتحقيق التنمية الأول هو وجود رأس مال بشري يتمثل في القدرات والطاقات الإنتاجية القائمة على الاقتدار المعرفي والمهني ،الذي يرتكز أساسا على ثقافة الانجاز، الثاني هو تحقيق تنمية مجتمعية أي التنمية التي تحيلنا على خصائص المجتمع(بناه، وثقافته، وحصانته، وعافية مؤسساته وعلاقاته.) إنه مشروع مجتمعي.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف يمكن أن تنتشر وتسود المعايير المؤسساتية الحديثة في مجتمع تهيمن عليه شبكات التحالفات، النسب، الجماعة، الرشوة، الزبونية، غياب ثقافة تنظيمية؟
إن المشكل لا يكمن في القوانين كنصوص،وإنما في قدرة الناس- حتى لا أقول المواطنين-على الخضوع للمعايير المؤسساتية التي تقوم بالمراقبة والتغيير .
من هنا يتم الانتقال من تحديث المؤسسات إلى تحديث الوعي، حيت يصبح الشخص محركا لتاريخه، ولتحقيق ذلك يجب الانتقال من دولة القانون إلى مجتمع القانون، من المجتمع المدني إلى مجتمع المواطنة ،فالمواطنة هي أساس التحديث المؤسساتي .
لقد أصبح الانخراط في الاقتصاد العالمي رهينا بتحديث المقاولات و المؤسسات والدفاع عن حقوق الفرد والمواطنة1. ومن أجل تحقيق ذلك لابد من تجاوز ما يلي:
أ- الزبونية:
في تعريفه للزبونية بين "جون فرو نسوا مدار"Jean François Medard 2 أنها علاقة تبعية شخصية غير مبنية على القرابة تقوم على التبادل الغير متكافئ بين طرفين هما الزبناء والوجهاء أو الشفعاء، لكن تعريف"مدار" هذا لم يتضمن طرفا أساسيا وحلقة ضرورية في العلاقات الزبونية التي تقوم بدور الوساطة بين الوجهاء والزبناء ألا وهي حلقة الوسطاء.
أطراف العلاقات الزبونية :
الوجهاء:
هم من يترأسون قمة الهرم الاجتماعي للنظام الزبوني، يصدرون الأوامر ويتحكمون في القرارات، ويمثلون الجماعة الضاغطة، تم يمتلكون القوة، والنفوذ،وفي المغرب هده الفئة يتم نعتها بمجموعة من التسميات: الجواد،هل الخيمة لكبيرة، ولاد ناس، الكتاف، المغارف، الركايز الرباط،الأعيان.
الزبناء:
يتمركزون في أسفل الهرم الاجتماعي للنظام الزبوني ،هم من في حاجة لخدمات الزبناء، من بين صفاتهم السعي الحثيث،التقرب من الوجهاء للحصول على الرضا (الحزارة، التملحيس) مقابل الطاعة،والولاء،والهدايا،والعطايا.في المغرب هاته الفئة هي الأخرى يتم نعتها من طرف الوجهاء بمجموعة من التسميات: الدراوش، المقطوعين اليد، الحراطن...
الوسطاء:
هي الفئة التي تلعب دور الوساطة بين الوجهاء والزبناء، وتنتمي إلى شرائح اجتماعية مختلفة كما أنها فئة مؤهلة للعب دور الوساطة (الجبهة،التسنطيحة) أي أنها فئة لها أوضاع ومواصفات تمكنها من لعب دور الوساطة لفائدة الوجهاء وأحيانا بشكل تخصصي ووفق حاجات الزبناء.
يؤكد"إتيان برينو"ETINNE BRUNO أن الزبونية ميكانيزم تستعمله السلطة لدمج مجموعة هامشية أو محيطية والتي لها نسقها الثقافي الخاص الذي يوجه سلوكاتها وأفعالها. ولذا فالزبونية تستعمل من طرف النخبة السياسية التي تسيطر على الدولة والأمة من أجل فرض نسقها الخاص من القيم، ولتدعيم سلطتها وسلطانها. فالزبونية حسب برينو أخدت شكل المحاباة السياسية وتتم وفق علاقة تبادلية بين مركز القرار أو السلطة وباقي المجتمع. كأن المركز يقدم للمحيط شيئا يحتاج إليه، مستحقا أو غير مستحق، مقابل حصوله من عند هذا المحيط و أفراده على قدر من الطاعة والامتثال.
حسب ما جاء به برينو، فإن الخضوع والامتثال تحتاج لهما السلطة المركزية من أجل غرس قيم تؤمن بها هي دون بقية أفراد المجتمع.
فالمؤسسة السياسية الحديثة عليها أن تستعمل قيم المجتمع المحلي من أجل تحقيق الاندماج السياسي على حساب البنيات الاجتماعية القديمة فالزبونية كما أشار إلى ذلك برينو تنتقل من وسيلة للاستمرار والمحافظة على قيم المجتمع المحلي إلى وسيلة سياسية من أجل القضاء على هذه القيم وإحداث قيم أخرى محلها، وذلك عن طريق الوسطاء الذين ينتمون إلى المحيط ويحومون حول المركز أي القريبين من ثقافة المركز ،غدت العلاقات الزبونية في المغرب تنتشر بشكل كبير بل تكاد تغطي كل المجتمع، لقد تواجدت في الماضي وكانت تتمثل في علاقة القبائل بالشيوخ.حيت صارت مجموعة من القبائل زبونة لدى أسر شريفة، تقدم لها موارد مادية من أجل الحصول على مقابل في المستقبل، وتمثلت الزبونية أيضا في علاقة الحراطين بالأحرار، والخماسة والرباعة بملاك الأراضي، الشرفاء بالعوام، خدام الزوايا بالأشراف، الأفراد بموظفي المصالح والمكاتب،التجار بالزطاطة، عائلات التجار بالمخزن... وتتواجد اليوم في المغرب لمعاصر وتنتشر بشكل كبير في مؤسساته "الحديثة" من أحزاب، برلمان، إدارات، مقاولات... فما هي أهم أسباب انتشار الزبونية؟
يمكن تلخيص أهم أسباب انتشار الزبونية فيما يلي:
-الزبونية في المغرب تهيكلها لغة،ترسخها أمثلة شعبية،في اتجاه تطبيع و ترسيخ هذا النوع من العلاقات بين الأفراد. ومن بين هذه الأمثلة الشعبية:" لما عندو مغرف احرق يدو"المغرف هنا هو الواسطة التي يمكن أن تحقق للفرد غرضا معينا، أو حاجة معينة لكن أقل الخسائر وبسهولة. هناك أيضا" لعندو باب واحد الله اسدو عليه" فالتوفر على أكثر من باب يعني التوفر على أكثر من حل وأكثر من مخرج بما في ذلك الأبواب الغير الشرعية.
"خسارت المال ولا خصارت الصحاب"،فالرأسمال الكبير والحقيقي هو الحصول على أكبر عدد من الوسطاء، أما المال فليس له قيمة أمام الحرص على الوسيط أو الصديق... هذه الأمثلة تجعل العلاقات الزبونية مقبولة ومستساغة.
- أن انتشار العلاقات الزبونية رهين باستمرار العواطف الأولية، وعواطف الحاجة،وإعادة تنشيط البنيات الانقسامية حيت تقوم هذه العواطف بتحفيز العداوة بين القبائل وبين المدن و البوادي،بين ما هو مدني وما هو عسكري3
- منطق النظام الباتريمونيالي يتطلب سيادة وهيمنة العلاقات الزبونية عل المعايير والضوابط المؤسساتية.
- تلاشي واندثار الهياكل الجماعية والتقليدية التي كانت تقوم في السابق بتنظيم التعاون، والتعبئة، والمقاومة على الصعيد الجماعي.
- تدني مستوى تنظيم وتعميق حقوق المواطنة،حيت إن الحقوق الاقتصادية، والثقافية ولاجتماعية والسياسية غير مضمونة للمواطن، رغم كل الدساتير أو القوانين التي تنص عليها فهي غير مضمونة إما بالنسبة للكل أو الحدود بين مجال المصلحة العامة والمصلحة الخاصة.
- شدة الاختلال في التوازنات بين الطبقات العليا والدنيا، وهيمنة عناصر المنظومة الزبونية على ثقافة الاستقلال الذاتي4 .
النتائج المترتبة عن العلاقات الزبونية :
- انتشار الزبونية الإلزامية، أي أن مجموعة من المواطنين يفرض عليهم التحول إلى زبناء رغم عدم اقتناعهم بالزبونية. حيت يكون المرء محاصرا ومفروضا عليه ممارسة الزبونية وتكون الزبونية بدون شروط عقائدية .
- ارتفاع وتنامي ظاهرة الوجاهة، أو الوساطة الإلزامية، بحيث أن هناك فئات يفرض عليها عن طريق الضغط الاجتماعي ومنطق الضرورة أن تتحول إلى وجهاء ووسطاء، رغم عدم اقتناعهم بذلك، ويبررونه بضرورة الإغاثة والمساعدة للجيران أو العائلة تجنبا للكوارث.
- توسع رقعة ونطاق المعاملات الزبونية بحيث تصبح دائرة هذه المعاملات تكتسح أكثر ما يمكن من دواليب الحياة الاجتماعية ومن مرافق والقطاعات والمجالات بما فيها مجالات الثقافة والمعرفة والعلاقات الأسرية والصداقة...،هذه الوضعية يمكن تسميتها بمسلسل التزبين5 .
ب- غياب الثقافة التنظيمية:
تعتبر الثقافة التنظيمية سيرورة وعملية متواصلة حيث تصبح المنظمة أو المقاولة مكان لإنتاج هذه الثقافة كلما قامت بإعادة إنتاج النسق الاجتماعي المشكل لها بواسطة الفعل الاجتماعي.
إن غياب ثقافة من هذا النوع يعد حاجزا أمام الانتقال إلى مقاولة حديثة، وهذا ما أشار إليه ميشيل كروزييه في كتابات عديدة، فالثقافة التنظيمية تكمن في قدرة المنظمة على إنتاج مجموعة بشرية بما بما تحمله من علاقات تبعية وقيادة وعلاقات غير متساوية تكون مقبولة من طرف جميع أعضائها، بحيث يستطيعون تحقيق الهدف المشترك من جهة، وإعادة إنتاج هذه المجموعة من جهة ثانية والثقافة بهذا المعنى تسمح للفريق أو المجموعة بأن تتشكل أو تتكون بصفتها كذلك. وذلك بواسطة إنتاج أدوات وطرق الدمج والانتماء لهذه المجموعة أولا وإنتاج الحلول التي تمكنهم من تعبئة قدراتهم ومعارفهم وتوحيد مصالحهم، حتى المتضاربة منها، من أجل استمرار هذه المجموعة وبقائها ثانيا.
فالثقافة التنظيمية تعني إيجاد العقلنة المشتركة، وتعني كذلك مجمل المعاني والوسائل، التي أوجدتها المجموعة من أجل معالجة مشاكلها ومواجهة قضاياها وتكون مقبولة من طرف أغلبية أعضاء المنظمة. فهذا المفهوم للثقافة التنظيمية ينطلق من تحديد كيفية تكوين وتشكيل هذه الثقافة وليس مجرد تقديم وصف لها. وبهذا تكون الثقافة التنظيمية سيرورة وعملية متواصلة تعبر عن الكيفية التي تنتج بها هذه المجموعة نفسها أي اندماج أعضائها فيها وعن قدراتها على الفعل والعمل على تحقيق أهدافها ومشاريعها6 .
1- DRISS KHROUZ , LA MODERNISATION INSTITITIONNELLE, prologue revu maghrébine du livre , trimestrielle numéro 16 printemps 1999. pages : 8-9-10
2 - نقلا عن محمد السربوتي:
MOHAMED SERBOUTI, LE CLIENTÉLISME ET SA DYNAMIQUE DAND LA MOBILISATION POLITIQUE AU MAROC, Al Asas n 72 page : 6
3 - نقلا عن الأستاذ محمد السربوتي
MOHAMED SERBOUTI, LE CLIENTÉLISME ET SA DYNAMIQUE DAND LA MOBILISATION POLITIQUE AU MAROC, Al ASAS n 72 page : 6
4 - محمد جسوس، طروحات حول المسألة الاجتماعية ، منشورات الأحداث المغربية،دار النشر المغربية 2003، ص:113-115
5 - محمد جسوس، طروحات حول المسألة الاجتماعية ، منشورات الأحداث المغربية،دار النشر المغربية 2003 ص: 116-117
6 - PHILIPPE BERNOUX, LA SOCIOLOGIE DES ORGANISATIONS, pages 210-224


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.