لكل مجتمع خصوصية تعكسها ثقافته السائدة بين أبنائه، تلك الثقافة التي تطورها مجموعة القيم والمفاهيم والمعارف التي اكتسبها عبر ميراثه التاريخي وواقعه الجغرافي، والتركيب الاجتماعي وطبيعة النظام السياسي والاقتصادي، فضلا عن المؤثرات الخارجية التي شكلت انتماءاته المختلفة. إن أغلب الأنظمة السياسية رغم اختلاف طبيعتها تعمل جاهدة على خلق وإيجاد نوع من المشروعية يعتمد عليها لشرعنة حكمها نحو تحديثه، ولذلك تعمل جاهدة على خلق عمق تاريخي لها يرمز لعراقتها وتأصلها. ولا يمكن لأي نسق سياسي أن يضمن لسلطته الاستقرار والاستمرارية إلا إذا استطاع أن يدخل هذه المشروعية إلى دائرة السلطة[1]. فأي نظام سياسي إلا وهو في حاجة إلى ثقافة سياسية تغذيه وتحافظ عليه. والأقوى حسب روسو ليس قويا بدرجة كافية مالم ينجح في تحويل القوة إلى حق والطاعة إلى واجب. وقد لاحظ ميكيافيلي في كتابه الأمير أن على الأمير أن يكسب الشعب إلى جانبه، وإذا كان العكس هو الصحيح فليس له عون في اللحظات الصعبة. وتختلف أسس هذه المشروعية من دولة لأخرى ومن مجتمع لأخر، بحسب اختلاف الثقافة السياسية للشعوب، وبحسب درجة سريان العقلانية في ضبط العلاقات بين الأفراد والجماعات والسلطة السياسية، وعلى أساس معرفة هذا المركب العقلي والقيمي يمكن تفسير كيف تتشكل وتعمل المؤسسات السياسية. فما مفهوم الثقافة السياسية؟ وماهو أثرها على النظام السياسي وعلى الفرد؟ وأي ثقافة سياسية نريد؟ 1- مفهوم الثقافة السياسية. يعد مفهوم الثقافة السياسية من المفاهيم الحديثة في علم السياسة، حيث استخدمت في خمسينيات القرض الماضي عندما استخدمه الأمريكي غابرييل ألموند. وتعريفها هي مسألة خلافية، حيث تباينت وتعددت التعريفات التي أعطيت لها. الثقافة في اللغة العربية من فعل ثقف، يقال ثقف الولد أي صار حدقا. وثقف الكلام حدقه وفهمه بسرعة. ويقال كذلك ثقف الرمح إذا قومه وسواه. فالثقافة عند العرب هو الحذق والذكاء وسرعة الفهم[2]. والثقافة عند الانتربولوجي الانجليزي تايلور بمعناها الاثنوغرافي الواسع هي ذلك الكل المركب الذي يشمل المعرفة والعقائد والفن والأخلاق والقانون والعرف، وكل القدرات والعادات الأخرى التي يكتسبها الإنسان من حيث هو عضو في مجتمع[3]. أما الثقافة السياسية فهي جزء من الثقافة بمفهومها العام، وهي تختلف من بلد لأخر ومن مجتمع لأخر، فهي ثقافة فرعية تتأثر بالثقافة الأشمل، وتؤثر بشكل كبير على ثقافة المجتمع السياسية. ويقصد بها مجموعة المعارف والآراء والمشاعر والمعتقدات والاتجاهات السائدة نحو شؤون السياسة والحكم، الولاء والانتماء، الشرعية والمشاركة، إنها طرق التفكير والشعور والسلوك السياسي الخاص بجماعة ما. وعند لوسيان باي “مجموع الاتجاهات والمعتقدات والمشاعر التي تعطي نظاما ومعنى للعملية السياسية، وتقدم القواعد المستقرة التي تحكم تصرفات الأفراد داخل النظام السياسي”. واعتبرها روي ماكدريس أنها تمثل الأهداف المشتركة والقواعد العامة المقبولة. أما عند روبيرت داهل فهي العامل الذي يفسر أنماط التعارض السياسي وعناصرها، هي التوجهات الخاصة بحل المشكلات، التوجهات نحو السلوك الجمعي، التوجهات نحو النسق السياسي، التوجهات نحو الأشخاص الأخرين[4]. ويعرفها باي على أنها مجمل القيم الأصلية والمشاعر والمعرفة التي تعطي شكل وجوهر العملية السياسية”. وعند جابرييل ألموند وسيدني فيريا تحتوي الثقافة السياسية على ثلاثة أبعاد: جانب معرفي( المعارف العامة في النظام السياسي)، جانب عاطفي( الولاء الشخصي للمؤسسات) وجانب تقييمي( الأحكام القيمية حول الشأن السياسي). انطلاقا من هذه التعاريف يمكن تحديد عناصر الثقافة السياسية كمايلي: الثقافة السياسية تمثل مجموعة القيم والسلوكيات والمعارف السياسية للأفراد والمجتع. الثقافة السياسية ثقافة فرعية، جزء من الثقافة العامة للمجتمع تؤثر فيه وتتأثر به. الثقافة السياسية تتميز بكونها متغيرة وذلك بتغير مختلف العوامل: البنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية. الثقافة السياسية تختلف من مجتمع لأخر ومن فرد لأخر داخل نفس المجتمع. 2- تأثير الثقافة السياسية على النظام السياسي وعلى الفرد. إن أي نظام سياسي هو بحاجة إلى ثقافة سياسية تغذيه وتحافظ عليه، تختلف نوعيتها من نظام سياسي إلى أخر. وتساهم الثقافة السياسية السائدة في المجتمع إلى حد كبير في تحديد شكل نظام الحكم، بل أنها قد تساهم في تحديد عناصر القيادة السياسية. فالثقافة السياسية الداعمة والمتراكمة عبر الأجيال تساهم في استقرار الأنظمة السياسية.فالاستقرار داخل النظام يعتمد نسبيا على الثقافة السياسية، ذلك التجانس الثقافي والتوافق بين ثقافة النخبة والشعب يساعدان على الاستقرار، بينما عدم التجانس بينهما يمكن أن يعرض النظام لنزاعات قد تعصف باستقراره. انطلاقا من تعريف الثقافة السياسية استطاع ألموند وفيربا أن يبينا تأثيرها على الاستقرار السياسي، وانطلاقا من هذا يقسما الثقافة السياسية إلى ثلاثة أنماط: الثقافة السياسية الرعوية والتي تتوافق مع البنية السياسية التقليدية، فالمواطن يعي بوجود حكومة مركزية فحسب ولا حاجة إلى مشاركته. ثقافة الخضوع والتي تتوافق مع بنية سياسية سلطوية، فالمواطنين تابعين ورعايا للحكومة وغير مشاركين. ثقافة المشاركة التي تتوافق مع بنية سياسية ديمقراطية حيث تتميز بالمشاركة السياسية القوية في الشأن السياسي. فنظم الحكم التسلطية تلائمها ثقافة سياسية موجهة تتمحور حول الخوف من السلطة والإذعان لها، وتحمل الأفراد على العزوف عن المشاركة السياسية وتعمل على إقصاء المعارضة. وعلى نقيض هذا نجد أن النظم الديمقراطية التي تعرف سيادة ثقافة سياسية تؤمن بحق الاختلاف والتناوب على السلطة والاعتقاد بحرية وحقوق الإنسان ووجود الأحزاب السياسية تتعايش فيما بينها وتخضع لقواعد عقلانية عن طريق انتخابات نزيهة، قائمة على مفهوم المشاركة، حيث يؤمن المواطنين بأنهم قادرون على المساهمة في النظام والتأثير فيه ويكون فاعلين. وقد طور بوتنام عام 1993 مقاربة ألموند وأوضح كيف أن الأقاليم الأكثر نجاحا لديها، ثقافة سياسية ايجابية(ثقة وتعاون) والحكومات الأقل نجاحا موجودة في الأقاليم التي تفتقر لأي ثقافة تعاون. كما أن الثقافة السياسية هي التي تحفز الفرد على المشاركة في العملية السياسية داخل النظام السياسي حيث يكون لدى الفرد الإحساس بالمسؤولية، وبأنه مطالب بالمساهمة في العملية السياسية على اعتبار أن الظاهرة السياسية تخضع للمساومة والتأثير على صانعي القرار، وتتبع مجريات الحياة السياسية(النظم الديمقراطية) فالثقافة السياسية تساهم في استقرار وفعالية الديمقراطية. ويكون لدى الفرد إحساسا بالسلبية السياسية من خلال اتهامه بأن السياسة هي من اختصاص نخبة معينة ولا مجال للمشاركة فيها( الأنظمة الرعوية). 3 نحو تجديد الثقافة السياسية. إذا كان الإصلاح الدستوري مازال يحتل الأولوية في الأجندة السياسية لبلدان العالم الثالث ومن ضمنها المغرب، فإن الرهان الحقيقي في نظرنا، والذي يستوجب كسبه للانخراط في الحداثة السياسية هو الرهان الثقافي: التنمية الثقافية وخلق ثقافة سياسية جديدة لتعزيز المواطنة الحقة، لكون هذا الرهان هو الذي يؤسس ويعبد الطريق لصيانة السياسي والدستوري والاقتصادي والاجتماعي، واستكمال المشهد الذي في كنفه ينمو النظام الديمقراطي وتترسخ مؤسساته. فالحداثة السياسية ماتزال السؤال الملحاح والهاجس المؤرق للفكر العربي، وذلك على أصعدة ومستويات متعددة، تتعلق بعضها بالبنى التحتية والمادية للمجتمع ويتعلق الأخر ببناه الفوقية والثقافية. فالثقافة السياسية في المجتمع المغربي تعاني من أزمة بنيوية عميقة وتفتقد للتنوير وذلك لكون الموروث الشمولي للسلطة قد أدى إلى صياغة نوع من عقد الخوف من كل ماهو سياسي، وأن الحديث عن أمور السياسة من قبل الشعب يعتبر تهديدا للأمن. إن التأسيس لثقافة سياسية جديدة، ووعي مجتمعي جديد، وتجسيده عمليا على أرض الواقع يعتبر من أهم الرهانات في الوقت الحاضر وأهم تحدي يواجه النظام المغربي، بل والأنظمة العربية والعالم الثالث أجمع، لكونها تمس القيم والتقاليد والمجتمع. ولكونها أساس أي إصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي.[5] فالتنمية الثقافية مدخل ضروري للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، ومن صميم مشاريع التنمية. فأي تنمية مطلوبة إذا لم تستند على سند ثقافي يكون مصيرها الفشل، وكلما تماطلنا في ربط التنمية بالثقافة إلا وضاعت منا فرص تدارك طريق الحداثة السياسية. أصبحت التنمية السياسية اليوم أكثر من أي وقت مضى في حاجة إلى تغيير الثقافة السياسية بمختلف تشكلاتها، واعتماد ثقافة سياسية جديدة مؤصلة، ثقافة مجتمعية شمولية مبنية على مفاهيم وقيم المواطنة الحقة وأسس الديمقراطية، المساواة أمام القانون، تكافؤ الفرص، احترام الرأي الأخر والمشاركة السياسية. ثقافة واعية بأهمية العمل على الواجهة الدستورية والسياسية والتنموية، تعمق الممارسة الديمقراطية وترسخ القيم التي ترتبط بها الثقافة الحقوقية والتربية على حقوق الإنسان كتربية قيمية، كسلوك عند الممارسة مبنية على قيم الحوار والتسامح والعدالة واحترام قواعد اللعبة السياسية، ثقافة تؤمن بحق الاختلاف والتناوب على السلطة وقبول الرأي المضاد، الثقة المتبادلة وتحقق نضج ووعي الفاعلين. وتكرس الثقة في المؤسسات والشعور بالقدرة والكفاءة السياسية، وإقرار قيم المحاسبة وترسيخ ثقافة المشاركة الديمقراطية لما يتوافق مع قيم وتحديات العولمة الثقافية. بدلا من الثقافة الرعوية، الذاتية، وثقافة الرداءة والانهزامية والإقصاء، والتراتبية السلطوية القهرية والموروث السلطوي القائم على جدول علاقة الشيخ والمريد والتي ظلت العمود الفقري لشل كل محاولة للتحديث التي تجعل منا في مختلف المواقع الاجتماعية والسياسية شيوخا ومريدين مثيرين للسخرية والرثاء في ذات الآن.[6] كما أننا في حاجة إلى تمدن الممارسة السياسية، وتحضر الفعل السياسي، والقيام بالدور الفعال والمشاركة المواطنة القائمة على ثقافة سياسية مواطنة واعية بشروطها الذاتية والكونية متفاعلة مع محيطها الوطني والعالمي، مدركة لموقعها الحضاري ودورها التاريخي.[7] لتفادي الحداثة المستوردة المفتقدة لأي تجذر سوسيوثقافي عميق في واقعها، والتي جعلت الحقل السياسي المغربي يعيش مفارقات غريبة بين الخطاب والواقع، القول والفعل، وبصفة عامة بين قيم ومعايير ومعتقدات وتصورات وبين سلوكات وممارسات وأفعال ومواقف. فالكثير مما نستورده من قيم الحداثة والعقلانية والتقدم والتنمية السياسية ما يزال لاعتبارات عديدة لم تتبلور كثقافة مجتمعية شمولية مترسخة في الفكر والوجدان مكتسحة لمختلف مجالات وجوانب الممارسة السياسية والثقافية والاجتماعية العامة[8]. فالديمقراطية ليست شيئا يقلد بل واقع معاش، ولا يمكن نقله وغير قابل للتوريد والتقليد، بناؤها يجب أن ينطلق من الواقع وخصوصياته. إنها ثقافة مجتمعية خصوصية ينبغي أن تنحذر وتنمو عبر تفاعل جدلي وديناميكي بين العام والخاص، المحلي والعالمي في إطار مشروع سوسيوسياسي متكامل[9]. إن الرهان الحقيقي الذي يستوجب كسبه اليوم لبناء الديمقراطية الحقة والانخراط في الحداثة السياسية هو الرهان الثقافي لكون هذا الرهان هو الذي يؤسس ويعبد الطريق لصيانة السياسي، الدستوري، الاقتصادي والاجتماعي، واستكمال المشهد الذي في كنفه ينمو النظام الديمقراطي وتترسخ مؤسساته. فالديمقراطية لا تنجحها الآليات والمناهج فقط، وإنما تحتاج إلى خلفية فكرية وسياسية موجهة، وبحاجة إلى ثقافة سياسية ومنظومة متكاملة من القيم والمبادئ والمعارف المرشدة للنظر والممارسة العملية المتجذرة في واقعها المحلي المتواشجة مع القيم والمقومات الكونية للديمقراطية والحداثة والتنمية السياسية.[10] بدل ثقافة الرداءة، الرشوة، الانتظارية، الفساد، الزبونية، احتقار أخلاقيات المواطنة والإخلاص للمصالح الجماعية. فمن أهم العوامل التي يجب الاهتمام بها تأصيل القيم -الأخلاقية والديمقراطية- في النفوس قبل ترجمتها إلى قيم تنظيمية. فإذا كان الوعي هو الوجود مدركا على نحو ما فإن الثقافة هي شكل الوجود الاجتماعي، والشكل في مغزاه الأكثر عينية هو العقل بوصفه معرفة نظرية، والمضمون في مغزاه الأكثر عينية هو الماهية الجوهرية للواقع، سواء كان هذا الواقع طبيعيا أو أخلاقيا بحسب هيغل، والواقع الأخلاقي هو المجتمع والدولة أي عالم الإنسان الفعلي بتعبير كارل ماركس. إن مسألة الإصلاح ليست مسألة نصوص فقط، وليست مجرد إصلاح المؤسسات السياسية، أو اختيار حر للحاكمين، أو انتخابات نزيهة، أو الفصل بين السلط عنصرا أساسيا، أو تعددية حزبية وسياسية، بل هي مسألة ذاتية، فكرية، عقلية، نفسية، تربية، ثقافة سياسية،مسألة ظروف اقتصادية واجتماعية وعوامل خارجية، تحولات عميقة في بنية المجتمع وفي الثقافة السياسية. فالديمقراطية بصفة إجمالية هي الإنسان، المواطن الديمقراطي، المسؤول الديمقراطي، الموظف الديمقراطي، وبصفة عامة ثقافة ديمقراطية.[11]فعدم تأهيل الحقل السياسي والتخلف الاقتصادي ونهج سياسة الريع والإقصاء، والتخلف الاجتماعي ونقص الوعي السياسي وضعف أداء الفاعلين السياسيين وغياب الاتفاق على قواعد اللعبة السياسية كلها عوامل ساهمت بشكل أو بأخر في ضعف الأداء الديمقراطي والانخراط في الحداثة السياسية. إن مواجهة القرن الحالي لا تتم إلا بأدواته وأفكاره، وعلى السلطات والنخب السياسية الحاكمة أن تدرك حقيقة العصر وتبدأ حركة الإصلاح السياسي الجديد والاستفادة من الدروس والعبر. وعليه فإن عملية التحول نحو البناء الديمقراطي تستلزم توفر مجموعة من المؤشرات ينبغي تفكيكها لكي تؤسس ثقافة سياسية واعية على النهوض بمستلزمات الديمقراطية. ومن بين هذه المؤشرات وجود فهم ووعي وإدراك للمجتمع السياسي ووجود انسجام متكامل بين الثقافة الديمقراطية والمؤسسات الديمقراطية. فالمؤسسات السياسية تقوم بوظائف متعددة من تأطير ودمج وتنمية وتنشئة تتطلب بالمقابل وجود ثقافة سياسية تسمح باستيعاب هذه الوظائف. - العمل على بناء ثقافة سياسية واعية بحاجات ومتطلبات الشعب. وفي ضوء ذلك ينبغي للدولة أن تقوم بدور المراقب المباشر لتطبيق الديمقراطية كي تؤدي دورها في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وهذا الدور الذي ينبغي أن يستلزم وجود قوة ليست بمعنى السلطة والقهر، وإنما القدرة الفاعلة في التأثير في بنية ومكونات المجتمع. فالديمقراطية لا تقوم على القواعد فقط، بل تقوم قبل كل شيء على مستوى ونوعية الثقافة السياسية وهذه الأخيرة لا يمكن أن تنشأ وتتبلور مالم يكن هناك فهم وإدراك للمجتمع السياسي لعملية البناء الديمقراطي. تضافر كافة مؤسسات التنشئة الاجتماعية( الأسرة، المدرسة، الأندية، الأحزاب، النقابات، المجتمع المدني، الاعلام...) لخلق ثقافة سياسية جديدة وتفعيل دورها وخلق وتنمية رأي عام قوي. تفعيل دور كل المؤسسات الأولية والأساسية من خلال وضع برامج تنموية لتعويد الأفراد على قيم التسامح والرأي الأخر والتداول على السلطة والمشاركة الفاعلة. تجديد وتطوير أدوات ومهام مؤسسات المجتمع المدني في مجالات المشاركة والتدخل. تفعيل دور الإعلام الذي يعتبر محرك العصر في القرن الحالي، وجعله إعلام قادر على الضغط على الحكومة ووسيلة للتعبير عن احتياجات الشارع وهموم المواطن وليس إعلاما مسيسا تابعا، والعمل على التوسيع من الإعلام المستقل وتكريس حرية الصحافة والإعلام وتحريره من رقابة السلطة. تفعيل الدور التكويني والتربوي للأحزاب والنقابات والمنظمات لخلق تنشئة سياسية سليمة قائمة على مبدأ المشاركة والحوار، والقضاء على ثقافة الفردانية والتفسخ الخلقي وإخراج العمل السياسي من شرنقة الممارسات السياسوية الحزبية الضيقة. تحويل الأحزاب السياسة والمنظمات السياسية والمجتمع المدني إلى مدرسة اجتماعية لتربية المواطن ولتنشئته السياسية والاجتماعية، وإدماجه بشكل فاعل منتج في سيرورة بناء المجال السياسي، وذلك باعتباره رأسمالا بشريا / اجتماعيا يشكل رهان المجتمع على تكوينه وإعداده معرفيا وسياسيا وحضاريا، وأخطر الرهانات في مشاريع التنمية والتحديث والبناء الديمقراطي المتكامل[12].أي اعتبار الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني كمدارس موازية للتنشئة على قيم المشاركة والتضامن والديمقراطية والمواطنة موجهين في ذلك لثقافة سياسية واضحة المرجعيات والأهداف، هادفة إلى تنمية سياسية معقلنة ومستدامة. انفتاح المؤسسة الحزبية على محيطها ومشاركتها الفعلية في بناء المواطنة الواعية بأهدافها ووظائفها، وفي بلورة ثقافة سياسية حديثة مدعمة من قبل مجتمع مدني حي فاعل ديناميكي واع بأدواره ورهاناته السياسية والاجتماعية. الانتقال من تعددية حزبية عددية وكمية شكلانية مفرغة من الدلالات إلى تعددية سياسية نوعية مبنية على ثقافة الديمقراطية المبلورة للمشاركة والمعبرة عن المواطنة الحقة. إحداث إصلاحات سياسية وقانونية تمس العناصر البنيوية والوظيفية للمنظومة الحزبية في الاتجاه الذي يدعم قدراتها التنظيمية والتأطيرية والقيام بدور التنشئة السياسية وتربية المواطنين على قيم المواطنة.فإصلاح المنظومة الحزبية وتخليقها ضرورية للانتقال الديمقراطي، والتي بدورها تحتم إصلاح البنية الداخلية للأحزاب ومراجعة برامجها وهياكلها مع تبني نوع من الفعالية والواقعية في عملها وفي ممارساتها وذلك بتحقيق الديمقراطية الداخلية لتغدو أكثر شفافية وعقلانية في سبيل تحقيق العدالة الاجتماعية وذلك بالقضاء على مختلف الأمراض التي تعاني منها والتغلب على المشاكل التي تؤثر على بنياتها التنظيمية وأدائها الوظيفي داخل المجال السياسي(بنية لا ديمقراطية، هشاشة التنظيم،غياب مشروعات مجتمعية مترجمة في شكل برامج يستند عليها عملها السياسي،ضبابية الخط الإيديولوجي وفقره، غياب رؤية سياسية واضحة وخطاب سياسي متناسق، الافتقار لبرامج سياسية ومشاريع قابلة للانجاز على أرض الواقع، تناقض بين خطابها السياسي وممارستها السياسية تدعو إلى التناوب بينما تكرس خلود الزعماء تطالب بتحديث أسلوب الإدارة لكنها تمارس أساليب تقليدية في تدبير شؤونها تناشد تجديد الحياة السياسية لكنها تغلق الباب وتدير ظهرها أمام الشباب، عدم وضوح الهوية، سيطرة المجال القيادي المتشايخ، شيخوخة النخب الحزبية،غياب تجديد النخب، ضعف التأطير السياسي وغياب التواصل السياسي، تخلف الثقافة السياسية ونمطيتها الفجة، غياب الشفافية المالية...الخ) وهي كلها أمور ساهمت في خلق ظواهر غير عقلانية( الانشقاقات الحزبية،الترحال السياسي، الزعامات الخالدة، الانتهازية السياسية، الغناء السياسي، سيادة ثقافة سياسية تسلطية رعوية، العزوف السياسي ونفور المواطنين من العمل السياسي واتساع أجواء الشك والريبة في العمل الحزبي بصفة خاصة والعمل السياسي بصفة عامة. وعليه يجب على الأحزاب السياسية الانخراط في الديمقراطية وتوحيد الصف كأولوية شارطة لتجاوز الخلافات وتجنب منطق الإقصاء، واعتماد حوار عقلاني منفتح، إقامة تعددية داخلية، إقرار وتكريس المحاسبة العامة، إقامة مؤتمرات منتظمة، صفاء الخط الإيديولوجي، خلق مشروع مجتمعي ذي مصداقية، التنظيم المعقلن، التداول على السلطة، تجديد النخب، ممارسة النقد الذاتي، الابتعاد عن الممارسات الشاذة غير الصالحة، إعطاء الفرصة للشباب. وبصفة عامة فالأحزاب السياسية أصبحت اليوم مدعوة للتخلص من بؤسها اللاديمقراطي، ومدعوة لإعادة ترتيب بيتها الداخلي ودمقرطته، وإقرار سياسة انفتاحية وذلك للقيام بدورها الأساسي التأطيري والتمثيلي لخلق تنشئة سياسية تؤمن بالديمقراطية وقائمة على المشاركة السياسية والمواطنة. خلاصة. إن الديمقراطية الحقيقية القوية والفعلية، وبناء دولة الحق والمؤسسات ونهج سياسة الحكامة الجيدة ليست رهينة مؤسسات سياسية ودستورية، وإصلاحات سياسية ودستورية واقتصادية فقط، بل في حاجة إلى خلق ثقافة سياسية جديدة حداثية، ورهينة تفتح عقليات الممارسين للسلطة وشفافية الممارسة السياسية. فكلما كانت النوايا الحقيقية والإرادة السياسية لدى نخب المجتمع وفعالياته المختلفة بالإمكان تحقيق الإقلاع الاقتصادي والثقافي الاجتماعي المنشود. وهذا هو التحدي الأكبر الذي يجب أن يجابهه النظام السياسي المغربي ويجد له ايجابيات صحيحة تتلاءم والعصر الذي نعيشه، والمتسم بالعودة القوية إلى حقوق الإنسان والحريات الأساسية وسيادة القانون. فهل سيكون العهد الجديد والضرفية الراهنة التي يمر بها العالم العربي فرصة سانحة للتحول الايجابي للدولة وللمجتمع في آن واحد؟ وهل تمتلك نخبنا على مختلف مشاربها القدرة على خلق وامتلاك هذه الثقافة؟ وهل تمتلك الشجاعة الكافية لذلك؟ هذا ما نأمله ونرجو أن ينخرط فيه الجميع رغم الكثير من العوائق للتغيير والإصلاح.
رشيد الادريسي: طالب باحث في علم السياسة جامعة القاضي عياض مراكش