قد يصبح لبريطانيا قوتها السياسية المناهضة للتقشف على غرار حزب سيريزا في اليونان وبوديموس في اسبانيا اذا ما فاز جيريمي كوربين الاشتراكي المخضرم صاحب اللحية الخفيفة بزعامة حزب العمال اكبر الاحزاب المعارضة في بريطانيا. وكوربين البالغ من العمر 66 عاما ترشح لقيادة العمال لتوسيع آفاق النقاش حول مستقبل الحزب في اعقاب استياء ظهر في الانتخابات العامة في ماي الماضي التي انتهت بفوز المحافظين من يمين الوسط بزعامة رئيس الحكومة ديفيد كاميرون. لكن لدهشة الجميع وهو ايضا، اصبح هذا السياسي النباتي الذي يتحدث بهدوء ويريد التخلص من الاسلحة النووية، يتقدم توقعات الفوز في الانتخابات التي ستعلن نتائجها في 12 شتنبر. وقال لصحيفة ديلي ميرور "ذهبت الى اليونان، ذهبت الى اسبانيا. من الملفت ان الاحزاب الاشتراكية الديموقراطية التي تتبنى اجندة تقشف وتطبقها ينتهي بها الامر لخسارة الكثير من الاعضاء والدعم". واضاف "اعتقد ان لدينا الفرصة للقيام بشيء مختلف هنا". وبالنسبة لمؤيديه فان كوربين يمثل نفسا جديدا وعودة الى جذور حزب العمال اليساري كحركة للطبقة العاملة بعد سنوات من سياسة صديقة للسوق اثناء حكم توني بلير رئيس الحكومة السابق. والزعيم السابق للحزب، ايد ميليباند الذي استقال في ماي الماضي، حاول تغيير المنحى اليساري للعمال لكنه ظل مؤيدا لضرورة اقتطاع النفقات وان بوتيرة أبطأ من تلك التي يريدها كاميرون. وقال ديف وايد امين عام نقابة عمال الاتصالات "نعتقد ان الوقت حان للتغيير ... هناك فيروس داخل حزب العمال وجيريمي كوربين هو الدواء" مشيدا برئيس الوزراء ومثنيا على قيمه اليسارية. نشأ كوربين في اسرة تهتم بالسياسة -- فوالداه تعارفا عندما كانا ناشطين في الحرب الاهلية الاسبانية -- وعمل لنقابات عمالية قبل انتخابه عضوا في مجلس العموم في 1983 . لم يتولى كوربين اي وظيفة رفيعة، لكنه كان في مقدمة المدافعين عن حقوق الانسان والسياسات لمساعدة الفقراء واحيانا كان يصوت ضد قيادة حزبه. وقد عارض غزو العراق في 2003 اثناء حكم بلير ويعارض التدابير التقشفية التي تضمنت فرض اقتطاعات في الخدمات العامة والرفاه ويعتقد انه "بامكاننا تعلم الكثير" من كارل ماركس. والتزامه بالاشتراكية قوي لدرجة ان زواجه الثاني كما يقال، انتهى بسبب معارضته لارسال ابنه الى مدرسة حكومية تختار تلاميذها على اساس الكفاءة الاكاديمية. والكثير من آراء كوربين تتعارض مع الاراء السياسية التقليدية المهيمنة، غير ان ذلك لم يؤثر على الدعم لمقعده عن ايسلينغتون نورث بشمال لندن. ففي ماي الماضي حقق فوزه الثامن على التوالي ورفع نسبة الاصوات المؤيدة له الى 60 بالمائة. وبالنسبة لاخرين فان جاذبيته تتعدى السياسة. فبعض مستخدمي الموقع الالكتروني مامزنت الذي يقدم نصائح حول تربية الاولاد ناقشوا ايضا "الاغراء الكبير" الذي يتمتع به. وقبل ستة اسابيع على انتخابات حزب العمال اظهرت بعض استطلاعات الرأي ان كوربين في طريقه لتحقيق الفوز. ويعتقد اياين بيغ بروفسور السياسة في كلية لندن للاقتصاد ان احد اسباب نجاح كوربين هي ان خصومه الاكثر ميلا الى الوسط هم "من الدرجة الثانية --- لا احد منهم يعد مصدر وحي". غير انه قال ان كوربين سيكون كارثة على حزب العمال لافتا الى ان العديد من آرائه كانت سياسة الحزب في 1983 عندما فاز العمال ب 28 بالمائة من الاصوات في الانتخابات العامة وببيان انتخابي وصفه احد النواب "باطول رسالة انتحار في التاريخ". وقال بيغ لوكالة فرانس برس ان "احتمالات الفوز في انتخابات 2020 ستكون صفرا اذا كان كوربين زعيما". ويصر كوربين على ان فرص انتخابه كسواه، ويقول ان بامكان حزب العمال كسب ناخبيه باعتماد نهج اقوى ضد اقتطاع النفقات الحكومية. وبلير الذي يعد انجح زعماء حزب العمال في التاريخ، قام بمداخلة نادرة الشهر الماضي ليبدي عدم موافقته. وقال امام نشطاء في لندن "تفوزون من الوسط (...) لا تفوزون من منصة يسارية تقليدية».