يتصرف حزب العدالة والتنمية في الحكومة، كما لو كان يتحكم في أغلبية مطلقة، في الوقت الذي أفرزت نتائج الانتخابات التشريعية، وضعا لا يسمح لهذا الحزب، بأن يشكل سلطة تنفيذية، إخوانية خالصة. غير أن واقع الأمر يثبت أننا أمام حكومة أصولية، بكل المقاييس. تدل لغة الأرقام على أنه بالإضافة إلى رئيس الحكومة، هناك 10 وزراء ينتمون للعدالة والتنمية، من أصل 38 وزيرا، في التحالف الحكومي، أي أن أغلبية الحقائب، لا يتولاها هذا الحزب، لكنه كان ومازال يسود ويحكم في هذه الأغلبية. وكمثال على ذلك، فإن حزب العدالة والتنمية يفرض وجهة نظره على الحكومة، في قضايا لا علاقة لها بالبرنامج الحكومي، أو بالميزانية أو بمشاريع اقتصادية أو اجتماعية أو تنموية، فقط، بل كذلك في قضايا إيديولوجية وثقافية وفنية، من المفترض أن تكون خاضعة لاجتهادات مختلفة، باختلاف المشارب والتيارات الفكرية. أين هو وزير الثقافة، الذي من اللازم أن يكون هو المخاطب الأول في قضايا الثقافة والفن والسينما والإبداع؟ ثم أين هو وزير السياحة، الذي من المفترض أنه يسهر على تقديم صورة عن مغرب متنوع ومنفتح وحداثي؟ . أما حالة وزير الخارجية، الذي يجد نفسه باستمرار أمام تحدي الدفاع عن صورة مغرب ديمقراطي حداثي، بثقافاته المختلفة، محترما لحرية التعبير وحقوق الإنسان، فهي ليست بأحسن حال. رغم تعدد الأحزاب المكونة للحكومة، لا صوت يعلو فوق صوت العدالة والتنمية، أن تكون ليبراليا أو تقدميا يساريا أو من دعاة الأصالة المغربية، أو تقنوقراطيا، لا يهم، ما دمت في تحالف حكومي مع الإخوان، فلابد لانتمائك أن يذوب في "جذوة الحق"، كما يراه هذا الحزب بوزرائه ونوابه وشيوخه. وإذا كانت هذه المعضلة مطروحة على كل المشاركين في الحكومة، من غير حزب العدالة والتنمية، فإنها معضلة أخطر على هذا الحزب نفسه، لأنه لم يتمكن من التخلص من منشأه الأصلي، أي من الحركة الدعوية، التي أنتجته، و بالتالي من القواعد التي تفرض عليه التمسك بالخطاب الإخواني، رغم أنه يوجد الآن في جهاز الدولة، بما يفرضه ذلك من التزامات وواجبات، كما أنه يقود تحالفا حكوميا متنوع المشارب والإيديولوجيات. الأزمة مزدوجة، صورتها الأولى هي ضعف وانطفاء الأحزاب الأخرى المشكلة للتحالف الحكومي، والثانية عدم قدرة الحزب الذي يقود هذه الحكومة على التخلص من جذوة المنشأ.