لم يسبق للمغرب أن عاش تقاطبا إيديولوجيا بالشكل الذي يعرفه حاليا، بعد أن استولى حزب العدالة والتنمية على الجهاز التنفيذي، فضرب بالتعددية والحق في الاختلاف والتنوع، عرض الحائط. عمل هذا الحزب على تكريس هذا الوضع تدريجيا، مستفيدا من سلطة الحكومة وهيمنته عليها، بحيث تحولت، حتى الأحزاب، التي تكون التحالف الحكومي، إلى مجرد رقم مكمل في المعادلة. إذ من المفترض أن الحكومة التي تتشكل من تحالف بين مجموعة من الأحزاب، تعبر عن برنامج مشترك بين حزب أصولي يتزعم الجهاز التنفيذي وأحزاب أخرى ليبرالية ووسطية ويسارية، غير أن الواقع أصبح شيئا آخر، حيث ذابت هذه المكونات في نار الحزب الأصولي، وكادت تنصهر في كماشته، وظهر للرأي العام أن الحكومة هي حكومة حزب العدالة والتنمية، ولا شيء آخر غير هذا الحزب. تجلى ذلك في العديد من المواقف والمشاريع، وكذلك التصريحات التي يدلي بها رئيس الحكومة والتي تكون مغرقة في الرجعية ولا تأخذ بعين الاعتبار أنه يتحدث باسم تحالف حكومي. ومن المعلوم أن هذه التصريحات تتم باسم الحكومة في البرلمان وفي المناسبات والاجتماعات الرسمية، التي يكون فيها عبد الإله بنكيران متقمصا لدور رئيس الجهاز التنفيذي.ناهيك عن الخلط الواضح بين هذه الصفة الرسمية وصفته كأمين عام لحزب، كما حصل في الدشيرة الجهادية والذي أعلن خلال هذا التجمع بأنه مستعد للموت في سبيل الله! من المؤكد أنه حتى لو كانت لأي حزب في المغرب الأغلبية الساحقة في عدد النواب، وكان قادرا على تشكيل حكومة لوحده، فإن الدستور لا يسمح له بتجاوز الثوابت التي تم التوافق عليها. ومن أهم هذه الثوابت أن المغرب متنوع ومتعدد الهويات والمشارب، وأن مبادئه تضمن الحق في التعددية السياسية والثقافية، وأنه ينتمي للعالم الحديث المتحضر .والأهم من كل هذا هو أن المؤسسة الملكية هي التي تتولى إدارة الشأن الديني والإشراف عليه، طبقا للقواعد التي يجمع عليها المغاربة من مذهب مالكي، وإسلام وسطي متسامح. غير أن ما يحصل في مغرب اليوم هو شأن آخر، فنحن أمام «»غزوات»« متواصلة، يقوم بها حزب العدالة والتنمية، للخطاب الديني، الإيديولوجي الذي وصل برئيس الحكومة إلى التصريح بأنه يختلف مع جلالة الملك في تأويل الدين، ويتنازل عن رأيه، ولو كان صحيحا! »غزوات« حزب العدالة والتنمية للاستيلاء على الشأن الديني وتصريفه في تبرير المواقف السياسية تتخذ أشكالا متعددة، إما عن طريق تصريحات رئيس الحكومة، مستغلا سلطة الدولة، أو من خلال أنشطة وزرائه وقياداته وبرلمانييه، وكذلك من خلال الجناح الدعوي أي التنظيم الأم، الذي هو حركة »التوحيد والإصلاح« . والنتيجة التي وصل إليها المغرب، هي القضاء التدريجي على التعدد والتنوع والاختلاف، بل أصبحنا أمام تقاطب خطير، يقسم فيه هذا الحزب البلاد إلى »فضلاء« ومفسدين«، »أصوليين« وعلمانيين«، »إجهاضيين«، »مؤمنين«... وهكذا دواليك. لا مكان في هذا التصور المبني على ثنائية الملائكة والشياطين، لأي مغرب آخر، حدد محاوره الدستور، بل نحن أمام دستور جديد، لا يختلف عما نعرفه عن كل الإيديولوجية الرجعية والمتطرفة.