باحث في علم السياسة بمراكش قراءة في الممكن والمستحيل(♣) بعد حصوله على أغلبية الأصوات المعبر عنها في أول انتخابات تشريعية عرفها المغرب بعد التعديل الدستوري الأخير لفاتح يوليو 2011 وفي ظل التغيرات والتطورات السياسية الجارفة التي عرفها المحيط العربي والدولي استطاع حزب العدالة والتنمية أن يتبؤ صدارة النتائج الانتخابية ل 25 نوفمبر 2011 ب107 مقعدا برلمانيا من مجموع 395 مقعدا مخصصة للغرفة الأولى في البرلمان المغربي. وقد ساهمت مجموعة من العوامل الموضوعية والذاتية أو بالأحرى عوامل داخلية وأخرى خارجية في تحقيق هذه النتيجة وإعطاء حزب العدالة والتنمية هذه المكانة التي أصبح يحظى بها اليوم في النسق السياسي المغربي. فما هي هذه العوامل الموضوعية والذاتية أو العوامل الداخلية والخارجية؟.وما هي طبيعة التحالفات الممكنة وغير الممكنة بين حزب العدالة والتنمية وباقي الأحزاب الأخرى في تشكيل أول حكومة في ظل الدستور الجديد الذي يخول صلاحيات واسعة لوزيرها الأول؟. هذه التساؤلات سنجيب عنها من خلال النقط التالية. الأسباب الكامنة وراء فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية ل25 نونبر 2011-I 1-العوامل الذاتية أو العوامل الداخلية: من بين العوامل الذاتية التي جعلت حزب العدالة والتنمية يصل الى ما وصل إليه بعد نتائج انتخابات 25 نوفمبر 2011 هو انضباطه التنظيمي داخل الحقل الحزبي المغربي وتمسكه بمواقفه المعارضة لكل الحكومات المتعاقبة على إدارة الشأن العام الوطني منذ وصول حكومة التناوب مرورا بحكومة التكنوقراطي إدريس جطو ووصولا الى حكومة عباس الفاسي غير المنسجمة.فخلال هذه الحقب الزمنية كلها عرف الحقل الحزبي نوعا من التشرذم السياسي إن جاز لنا استعمال لغة جون واتربوري وريمي لوفو وعرفت أحزاب الحركة الوطنية ممثلة في أحزاب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية نوعا من الانتهازية السياسية وتغليب المصالح الشخصية على المواقف السياسية والتوجهات الإيديولوجية لأحزابها,بحيث أدى هذا الأمر الى عدم تكرار وصول حكومة التناوب الثانية سنة 2002 الى السلطة بعدما تصدر حزب الاتحاد الاشتراكي القائمة آنذاك والسبب هو عدم تفاهم حزبي الكتلة الديمقراطية حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي على تسمية الوزير الأول مما حذا بالملك الى تعيين السيد إدريس جطو كوزير تكنوقراطي على رأس الحكومة سنة 2002 .وقد سبب هذا الأمر في تسرب مجموعة من الخلافات السياسية بين أحزاب الكتلة الديمقراطية وخصوصا حزب الاستقلال وحزب الاتحاد الاشتراكي,كما تسبب أيضا في تصدع كبير داخل الاتحاد الاشتراكي أسفر عن انقلاب سياسي داخل أجهزته بعد ذلك وظهور تيارين أو ثلاثة متصارعة فيما بينها. وقد كان من نتائج هذا التشرذم السياسي وعدم الوضوح في مواقف الأحزاب الوطنية حدوث نوع من النفور وعدم الثقة من طرف المواطن المغربي في السياسة بشكل عام وفي الأحزاب بشكل خاص التي كانت الى وقت قريب هي المعبرة عن أماله وهمومه.ناهيك عن عدم رضا المواطن من جهة ثانية على انجازات حكومة التناوب وبعض الوزراء المحسوبين على القوى التقدمية,لان المواطن لم يلمس التغيير الذي وقع على مستوى واقعه المعيشي,فرغم الإكراهات السياسية والاقتصادية التي واجهت حكومة عبد الرحمان اليوسفي والمجهودات التي تم بذلها من قبل هذه الحكومة في إحداث نوع من التغيير إلا أن حجم الاكراهات والتراكمات جعلت المجهودات المبذولة من طرف حكومة التناوب لم ترق الى المطلوب ولم تصل الى جيب المواطن المغربي العادي.وقد كان المستفيد الأول والأخير من هذا الواقع حزب العدالة والتنمية الوافد الإسلامي الجديد الى العمل السياسي من داخل المؤسسات الدستورية.ومنذ ذلك الحين أي بدءا من تاريخ وصول حكومة التناوب الى السلطة ظل حزب العدالة والتنمية في موقف المعارضة رغم اختلاف تسمياتها المرحلية-حسب خطة الحزب- من "معارضة أو مساندة نقدية" الى "معارضة مصاحبة" الى "معارضة ناصحة". ومن المعلوم جيدا أن الأحزاب التي تظل في المعارضة تجني العديد من المنافع والمزايا السياسية لكن بمجرد ما تنتقل الى إدارة الحكم تفقد الكثير من إشعاعها السياسي والشعبي لاسيما في ظل واقع سياسي –حزبي ودستوري لا يسمح بتكوين حكومة أغلبية منسجمة ومعارضة فعالة كما هو الشأن بالنسبة للواقع المغربي قبل التعديل الدستوري الأخيرليوليو 2011. عودا على بدء أقول انه في ظل هذه الظروف والوقائع السياسية التي سبقت الإشارة إليها استطاع حزب العدالة والتنمية أن يستفيد الشيء الكثير من داخل المعارضة لتسويق صورته السياسية داخليا وكسب تعاطف العديد من المواطنين معه خصوصا وان اتخاذه من الإسلام كمعتقد ديني متكأ له ساعده في إمالة الكثير من الجماهير الشعبية التي أصبحت تجد في الإسلام متنفسها الوحيد بعد غياب وتراجع المشاريع الثقافية الأخرى التي كان اليسار المغربي يروج لها ويدافع عنها آنذاك.كما أن تجريب جل المشارب السياسية والإيديولوجية في تسيير وإدارة الشأن العام جعل من الأحزاب ذات التوجه الإسلامي تفرض ذاتها لتدخل هي كذلك التجربة. وهذا ينقلنا الى الحديث عن دور العوامل الخارجية أو الموضوعية التي ساهمت بشكل أو بأخر في وصول الأحزاب الإسلامية الى السلطة في العديد من الأقطار العربية فأين تكمن هذه العوامل ؟. 2- العوامل الموضوعية أو الخارجية من بين العوامل الموضوعية أو الخارجية التي ساهمت في فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية الأخيرة هو الانفراج الذي عرفته العلاقة بين القوى الكبرى العالمية والحركات الإسلامية و الأحزاب ذات التوجه الإسلامي عموما.ففي ظل الأزمة الاقتصادية العالمية التي ضربت اكبر اقتصاديات القوى العظمى في العالم وما ترتبت عنها من نتائج وخيمة على اقتصاد و شعوب هذه الدول,ناهيك عن الحروب المكلفة التي دخلتها هذه الدول الكبرى مع ما يسمى "بالقاعدة" في أفغانستان والعراق ثم الإرهاب العالمي الذي أصبح يضرب عمق هذه الدول في الداخل (أحداث 11 شتنبر 2001 وانفجار محطة القطارات في اسبانيا في سنة 2004 ثم أحداث السويد سنة 2010 .....الخ ) زد على ذلك الثورات الشعبية الكبيرة التي عرفتها العديد من الدول العربية والتي أدت الى تغيرات جذرية على مستوى الأنظمة السياسية لهذه الدول كما هو الشأن بالنسبة الى تونس ومصر وليبيا واليمن والسودان ثم سوريا والبحرين, كل هذا جعل من الدول الكبرى في العالم كأمريكا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا لم تعد قادرة على الدخول في توتر مع قوى سياسية أخرى تزيد ها تكاليف إضافية هي في غنى عنها,الشيء الذي أدى الى تغيير أدوات السياسة الخارجية لهذه الدول مع الحركات والأحزاب الإسلامية ومحاولة الدخول معها في مرحلة انفراج وإعطاء الدول التي تحتضنها الضوء الأخضر للسماح لها في المشاركة السياسية والحكم إن اقتضى الأمر ذلك,والاكتفاء بمراقبتها عن بعد. وهذا ما حصل بالفعل في تونس بعد فوز حزب النهضة الإسلامي بانتخابات المجلس التأسيسي وفوز حزب العدالة والحرية في مصر ثم حزب العدالة والتنمية في المغرب مؤخرا.فإلى جانب الانفراج في العلاقة بين هذه الأحزاب أو الحركات الإسلامية والدول العظمى هناك سبب آخر يتجلى في كون هذه الأحزاب ذات التوجه الديني- الإسلامي باتت قاب قوسين أو أدنى من إدارة الحكم في العديد من الدول العربية بعدما فشلت جل القوى التقدمية اشتراكية كانت أو ليبرالية أو قومية في تحسين الوضع المعيشي للمواطن العربي وتحقيق تنمية مستدامة في هذه الدول.فكان رد فعل الشارع هو منح الثقة للاتجاه الإسلامي لتجريبه بدوره في مدى قدرته على تحقيق ما عجز عنه أسلافه من الاتجاهات السياسية الأخرى.لذلك يمكن القول إن فوز القوى الإسلامية بالانتخابات في العديد من الدول العربية لم يكن نتيجة قناعة سياسية مطلقة للمواطن العربي بالبرنامج السياسي لهذه الأحزاب أو القوى الإسلامية,لان الكتلة الناخبة التي صوتت في الانتخابات لصالح هذه الأحزاب لم تكن من الإسلاميين وحدهم بل شملت كذلك التقدميين أنفسهم واليساريين والقوميين واللا منتمون بغية تجريب هذه الأحزاب الإسلامية في القيام بدورها,وتنبيه الأحزاب ذات التوجه التقدمي بضرورة إعادة النظر في سياساتها وطرق عملها تجاه المواطن الذي تخلت عنه في ظل قانون العولمة المتوحشة فلم يعد قادرا على الدفاع عن وجوده في ظل غياب مشاريع فكرية جدية تستجيب لطموحاته وتعبر عن همومه وآماله وبالتالي ما كان على هذا المواطن-بغض النظر بطبيعة الحال عن توجهه الإيديولوجي-إلا أن يستنجد بالمشروع الإسلامي الذي لازال هو الوحيد الذي يزرع الآمال في نفوس القوى الاجتماعية أمام اكتساح قوانين العولمة واقتصاد السوق. وما حصل في المغرب منذ منتصف التسعينات من تشرذم سياسي وانتهازية حزبية وتراجع في المواقف والمبادئ يؤكد بالملموس غياب إستراتجية محكمة وواضحة للأحزاب ذات الخيار الديمقراطي أو الاشتراكي التقدمي أو اليساري.مما أدى الى موت السياسة إن جاز لنا استعمال لغة هربرت ماركيز أو نهاية السياسة في المجال المغربي إن جاز لنا استعمال لغة فوكوياما و دانييل بيل ,وما نسبة المشاركة المسجلة في انتخابات سنة 2007, وعزوف المواطن –حتى لا نقول الشباب وحدهم- عن السياسة وموجة الاحتجاجات الشعبية التي أصبحت تنقل طرق التعبير عن مطالبها من داخل المؤسسات الى خارجها إلا دليل قاطع على ذلك. في ظل هذه الظروف وفي ظل تراجع الفكر النقدي الذي كانت تعبر عنه الأحزاب اليسارية في مراحل معينة سيجد حزب العدالة والتنمية الفرصة سانحة للتعبير عن هموم الأفراد والمواطنين وحمل المشعل لبناء فكر نقدي جديد ذو نكهة إسلامية,استطاع من خلاله أن يبني مشروعه المجتمعي القائم بالدرجة الأولى على التجاوب مع مشاكل الفئات الشعبية المسحوقة والتعبير عن انشغالاتهم وأمالهم من داخل المؤسسات الدستورية,لان صوته أصبح مسموعا بعدما انصاع الى احترام قواعد اللعبة السياسية,زد على ذلك فحزب العالة والتنمية استطاع أن يستفيد من مجموع الأخطاء الإستراتيجية والتنظيمية للأحزاب الوطنية الأخرى كتطبيق الديمقراطية الداخلية وإشراك القاعدة الحزبية في اتخاذ القرار والنزول الى القاعدة الشعبية عامة في تصريف مواقفه وأهدافه مما اكسبه عطف العديد منها ولو من قبل" انصر أخاك ظالما أو مظلوما". في سياق هذه العوامل الداخلية والخارجية مجتمعة استطاع حزب العدالة والتنمية أن يتصدر نتائج الانتخابات التشريعية ويحصل على رئاسة الحكومة فما هي طبيعة التحالفات السياسية الممكنة لحكومة عبد الإله بن كيران؟ وما هو الممكن والمستحيل في تحقيق هذه التحالفات؟وهل بات من الممكن في مغرب اليوم وفي زمن النهايات تحقيق تحالف بين مشارب سياسية ظلت متناقضة ومتصارعة الى الأمس القريب؟.هل تحقيق تحالف بين حزب العدالة والتنمية وحزب التحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية مبادرة مغربية جديدة لإعادة الاعتبار الى السياسة أم تأكيد على دفنها بعد موتها من قبل؟. هذه الأسئلة وغيرها سنحاول الإجابة عنها بقدر ما يسمح لنا به مقامنا في هذا السياق من خلال تسليط الضوء على التحالفات الممكنة مع حزب العدالة والتنمية في تشكيل الحكومة الجديدة. -حكومة عبد الإله بن كيران وإشكالية التحالفات: الممكن والمستحيل.II بعد تعيينه من قبل جلالة الملك على اثر تصدر حزبه قائمة النتائج الانتخابية المؤدية الى الغرفة الأولى في البرلمان المغربي,وبناءا على الفصل47 من دستور يوليو 2011 الذي يمنح الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية الأحقية في تشكيل الحكومة,دخل وسيدخل السيد عبد الإله بن كيران في البحث عن تحالف سياسي يضمن لحكومته الانسجام والقوة لتحقيق البرنامج الذي تم تسويقه للناخبين في الحملة الانتخابية للحزب بتاريخ 25 نونبر 2011.إلا أن الإشكال المطروح في هذا السياق هو ما هي الأحزاب الممكن التحالف معها وما هي الأحزاب التي لا يمكن أو يستحيل التحالف معها في تشكيل الحكومة الجديدة؟. إذا انطلقنا من التصريحات الاعلامية الأولية لأمين حزب العدالة والتنمية بعد تصدر حزبه النتائج الانتخابية نعتبر أن الحزب الوحيد الذي صفى معه السيد بنكبران حسابه في هذا الباب هو حزب الأصالة والمعاصرة,الذي اعتبره الوزير الأول الجديد الحزب الوحيد الذي لا يمكن التحالف معه في بناء أغلبية حكومية قوية تدير الشأن العام الوطني تحت قيادة حزبه.قد نختلف- كباحثين-مع هذا النوع من التصريحات المسبقة والعلنية من قبل وزير أول لا يملك أغلبية صافية في ظل نظام انتخابي وتقطيع انتخابي,وكذلك نظام حزبي لا يسمح لأي حزب في المغرب الحصول على أغلبية عددية صافية مما يفرض على رجل السياسة المغربي التأني وعدم استباق الأمور لكي لا تؤثر على قوته ووزنه السياسي لاحقا.ناهيك عن كون الميدان السياسي تحكمه قاعدة مفادها " لا يوجد في السياسة عدو دائم ولا صديق دائم" وبالتالي كان على السيد الأمين العام لحزب العدالة والتنمية أن يتخذ هذا المعطى في الحسبان قبل اتخاذ موقف سياسي متسرع هو في غنى عن نتائجه لاحقا,خصوصا وأن حزب العدالة والتنمية الذي يمثل فوزه في هذه الحكومة فوزا للتيار الإسلامي وهو في بداية مشواره السياسي في إدارة الشأن العام الوطني,يجب أن يعلم أن الطريق أمامه ليست مفروشة بالورود ثم إن بدايته في التسيير تفرض عليه التزام الحذر في كل خطوة يخطوها تجاه خصومه أو مؤيديه.لاسيما وأن حجم الاكراهات الاقتصادية والسياسية المطروحة على الدولة والمجتمع لا تسمح للحزب أن يستنفذ طاقته في الملاسنات والمزايدات السياسية التي دأب على سلكها في المعارضة.لان الاصطفاف قي صف المعارضة يبيح للحزب استعمال مثل هذه السلوكات السياسية لامتصاص غضب الشارع وتكريس الأزمة في الخصوم السياسيين الذي يديرون الحكم,أما اليوم وبعدما تم تبادل الأدوار فيجب على الحزب-أي حزب العدالة والتنمية-أن يتجاوز هذه الصراعات الفارغة والدخول في بناء الدولة والمجتمع على أسس قوية تفرض عليه احتضان الجميع والتفاوض مع الجميع للبدء في بناء الطريق لتحقيق وانجاز تعهداته تجاه المجتمع. إلا أن السؤال الذي يتبادر الى ذهن أي باحث –إذا تركنا بطبيعة الحال الإشارات الأولية للوزير الأول الجديد جانبا-هو ما هي الأحزاب السياسية الممكن التحالف معها لبناء قوة حكومية منسجمة وقوية ؟ وعلى أية معايير سيبني السيد عبد الإله بن كيران منطق تحالفاته في بناء هذه الأغلبية؟ . للإجابة على هذه الإشكالية هناك فرضيتين أو احتمالين اثنين: -الفرضية أو الاحتمال الأول:1 هي أن حزب العدالة والتنمية إذا أراد أن يبني تحالفاته على منطق الانسجام الإيديولوجي أو السياسي فهو اقرب الى حزب الاستقلال وحزب الحركة الشعبية,باعتبار أن المعطى الديني والأصالة الوطنية تتجلى في هذه الأحزاب الثلاثة,فالزعيم الروحي لهذه الأحزاب –إن جاز لنا هذا التعبير-هو علال الفاسي الذي يظل المصدر الذي تمتح منه هذه الأحزاب جل مبادئها في الوسطية والاعتدال.زد على ذلك فالعدالة والتنمية يتقاسم الكثير مع الحركة الشعبية من خلال الدكتور الخطيب والسيد المحجوبي احرضان إبان تأسيس الحركة الديمقراطية الدستورية والحركة الوطنية الشعبية في نهاية خمسينيات القرن الماضي .وإذا رجعنا الى النتائج المحصل عليها من قبل هذه الأحزاب في الانتخابات نجد أن مجموع المقاعد التي حصلت عليها هذه الأحزاب الثلاثة هي :199 مقعدا موزعة على الشكل التالي: حزب العدالة والتنمية 107 مقعد,الاستقلال 60 مقعدا, وحزب الحركة الشعبية 32 مقعدا.وهذه الحصيلة تمكن حزب العدالة والتنمية من بناء أغلبية منسجمة وموحدة.وبالتالي فمحاولة انفتاحه على حزبي الإتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية وكذا باقي الأحزاب الوطنية الأخرى لبناء أغلبيته الحكومية يبقى دون جدوى آو دون أهمية سياسية بحكم منطق الأشياء ومنطق التصنيف الإيديولوجي ,إن كان كانت هناك فعلا إيديولوجية بالمعنى الفلسفي للكلمة. -الفرضية أو الاحتمال الثاني:2 إذا أراد حزب العدالة والتنمية أن يبني تحالفاته على الجانب ألمصلحي بغض النظر عن الجانب الإيديولوجي والسياسي ,فإن المجال هنا يظل مفتوحا –بحكم المنطق-على جميع الأحزاب السياسية بما فيها أحزاب الكتلة الوطنية وأحزاب التحالف من اجل الديمقراطية وباقي الأحزاب السياسية الأخرى المشاركة في الانتخابات الأخيرة. وفي هذه الحالة لا يجب استحضار التقارب الإيديولوجي آو السياسي لأن الخيط الناظم بين كل هذه الأحزاب هو العمل من اجل" المصلحة الوطنية" –مجازا طبعا وليس فعلا-والمساهمة في بناء حكومة وحدة وطنية.إلا إن هذا الاحتمال سيخلق لنا نوعا من الفوضى السياسية ونوعا من الارتباك في العمل السياسي داخل أجهزة الحكومة,كما سيخلق للمواطن نوعا من الضبابية في الرؤية السياسية عندما يجد حكومة تجمع جل ألوان الطيف السياسي المغربي تحت سقف آو مظلة حزب إسلامي.هل يمكن القول في هذه الحالة أن الحكومة التي يترأسها حزب العدالة والتنمية هي حكومة إسلامية معتدلة وفق أجندة الحزب؟ وهل يمكن اعتبار النجاحات- إذا ما تحققت- نجاحات حزب العدالة والتنمية أم نجاحات حكومة مخضرمة بدون صفة سياسية؟وهل يمكن لحزب الاتحاد الاشتراكي وحزب التقدم والاشتراكية- إذا دخلا الى حكومة عبد الإله بن كيران-غدا أن يبديا رأيا معارضا من داخل الحكومة لقضية ما في مجال حقوق الإنسان أو مجال الحريات العامة إذا أدى الأمر بالحكومة الى تبني قانون أو قرار بشأنها وكانت هذه القضية تتماشى مع الشرع الإسلامي لكنها لا تتماشى مع القوانين الدولية وحقوق الإنسان؟ ما هي انعكاسات مواقف هؤلاء الحزبين على العمل السياسي في نازلة من هذا النوع إذا استنفدت الحكومة غدا مدة انتدابها وظهرت تداعياتها أجلا على المجتمع؟ والعكس كذلك صحيح بالنسبة لحزب العدالة والتنمية في هذا الخصوص, بمعنى كيف سيتعامل حزب العدالة والتنمية -في ظل هذا التحالف-مع قضية معينة في مجال الحقوق والحريات إذا كان إقرارها يتناقض مع الشريعة الإسلامية لكن يتوافق مع المواثيق الدولية في هذا الجانب؟ هل سينسلخ من جلدته وهويته الإسلامية للحفاظ على الانسجام الحكومي بهدف المصلحة الوطنية,أم سيلتزم بالدفاع عن مبادئه وهويته رغم تعارضها مع مبادئ حلفائه؟. اعتقد أن دخول حزب العدالة والتنمية في مفاوضات مع الأحزاب السياسية دون الأخذ بعين الاعتبار مبدأ التقارب الإيديولوجي والسياسي سيفرغ الحكومة المرتقبة من مضمونها القانوني والدستوري وكذلك السياسي.خاصة وأن الدستور الجديد ونسبة الفارق بين الحزب الفائز والأحزاب الأخرى تجعله في وضعية مريحة شيئا ما في بناء اختياراته وتجاوز اعطاب الحكومات السابقة,من اجل إعادة بناء المجال السياسي وإرجاع ثقة المواطن في العمل الحزبي الذي أصابه الذبول.لذلك اعتبر أن تحالف حزب العدالة والتنمية مع الاتحاد الاشتراكي وحزب التقدم والاشتراكية شيئا غير ممكن ويستحيل بمنطق الالتزام السياسي لكنه ممكن بمنطق الانتهازية السياسية وفي ظل موت السياسة. انتهى. (♣) للإشارة فهذا المقال تم تحريره قبل إعلان حزب الاتحاد الاشتراكي انضمامه الى صف المعارضة.