كانت مدينة بوزنيقة إلى وقت قريب، عبارة عن قرية صغيرة مشكلة من أحياء عشوائية، استقرت بها وفود و مجموعات من القبائل المهاجرة، خاصة تلك القادمة من المناطق الجنوبية. ونظرا لكونها كانت تحتوي على عدد كبير من دور الصفيح التي كانت تتخذها تلك القبائل المهاجرة مساكن لها، فقد تم استهدافها في إطار المخطط الوطني لجعلها مدينة بدون صفيح. وقد كانت تأمل الساكنة في أن يواكب هذا التحول الذي عرفته المدينة إثر تزايد النمو الديمغرافي والتوسع العمراني مخطط تنموي شامل يراعي خصوصيتها ويساهم في تأهيل بنيتها التحتية ويؤدي بها إلى الانتقال من طابع الترييف والعشوائية إلى طابع التمدن، خاصة أن مدينة بوزنيقة تتوفر على موقع استراتيجي مهم: واجهة بحرية يعد شاطئها من أجمل الشواطئ المغربية و تخترقها خطوط السكك الحديدية والطرق السيارة والوطنية، بالإضافة إلى تموقعها وسط العاصمتين الإدارية والاقتصادية. وهي عوامل ومؤهلات لو استغلت بالشكل الأمثل لتحققت التنمية المنشودة ولعرفت المدينة تطورا ملحوظا في جميع المجالات الاجتماعية والثقافية والرياضية والفنية التي تساهم في تأهيل ساكنة المدينة. لكن افتقاد المسؤولين القائمين على تدبير شؤونها لرؤية تنموية ولمخطط استراتيجي، جعل مدينة بوزنيقة تعيش على تناقضات صارخة وعرفت عملية إعادة هيكلتها تشوها في إعداد المجال، حيث «تكالب» عليها لوبي العقار وتناسلت بها تجزئات سكنية لم تراع في إنشائها خصوصية المدينة المتميزة والمعروفة بشاطئها الجميل، مما أدى إلى تشوه جماليتها خاصة على مستوى الواجهة البحرية التي عرفت إحداث مجموعة من التجزئات و التي أدت إلى فصل المدينة المركز عن شاطئها. وهو ما سيؤدي بالطبع إلى اختناق الواجهة البحرية وسيفقد الشاطئ جماليته ونظافة رماله بعدما كان يضرب به المثل ويعد من أجمل الشواطئ المغربية لجودة ونظافة رماله ولنقاوة مياهه حيث حصل عدة مرات متتالية على اللواء الأزرق. وسيعمق من الخصام القائم ما بين المدينة وشاطئها، لكون ساكنة الشاطئ التي احتلت الملك البحري وأقامت عليه مساكن وفيلات عشوائية وأغلقت كل الممرات المؤدية، له لا تربطها بالمدينة المركز وبساكنتها أية علاقة، حيث أن قاطني الشاطئ لا يساهمون في الرواج الاقتصادي و لا في تنمية المدينة وكل ما يستهلكون من مواد غذائية يقتنونها من مدن ومراكز تجارية خارج المدينة. لكنهم في المقابل ينزعجون من توافد المواطنين على الشاطئ مما نجدهم في كثير من الأحيان يضعون الحواجز و يغلقون الممرات المؤدية له وكأن الشاطئ أصبح ملكا لهم دون أن تتدخل السلطات المعنية لتصحيح هذا الوضع؟ ورغم أن مدينة بوزنيقة عرفت مؤخرا توسعا عمرانيا و تزايدا في عدد سكانها، لكن المسؤولين بالسلطات و بالبلدية لم يعملوا على تهيئ وتوفير الحاجيات و الخدمات الضرورية و الأساسية للساكنة بالموازاة مع هذا التغيير وهذه الهيكلة. وكل ما في الأمر أن هذا التحول المجالي الذي عرفته المدينة خدم في الأصل المركب المصالحي المكون من مسؤولين و متحكمين في شؤون المدينة ولوبيات العقار على حساب الشرائح الاجتماعية الهشة من الساكنة. وإلا كيف نفسر أن مدينة بوزنيقة التي تجاوز عدد سكانها 30 ألف نسمة وتتوفر على مؤهلات استراتيجية وميزانيتها السنوية تقارب 10 ملايير، مازالت تحتفظ بنفس البنيات القديمة التي توفر الخدمات للمواطنين؟ فهي لا تتوفر سوى على مركز صحي حضري وحيد وعلى دار للشباب وحيدة، وينعدم فيها مركب ثقافي علما بأن المدينة تعج بالجمعيات و بالطاقات الشابة المبدعة والمهتمة بالمجال الفني والثقافي، لكن غياب بنيات في هذا المجال جعل شباب المدينة يجد صعوبة في إيجاد مكان لإبراز والتعبير عن طاقاته. وهنا لايزال الشباب يحتفظ بعملية إقبار مشروع إقامة دار الشباب بأحد الأحياء و تم تحويل القطعة الأرضية المخصصة له إلى الاستثمار في العقار، حيث عرفت هذه القضية متابعة قضائية في حق أعضاء بالمجلس البلدي وبعض الموظفين وبعض المنعشين العقاريين الذين توبع بعضهم في حالة اعتقال في البداية وتم تمتيعهم بالسراح المؤقت بعد أداء الكفالة ومازال الملف يراوح مكانه بمحكمة الاستئناف بمدينة الدارالبيضاء. كما أن المدينة تفتقر إلى سوق بلدي نموذجي يؤمن حاجيات الساكنة، مما فسح المجال لإقامة الأسواق العشوائية وسط الأحياء التي تشوه جمالية المدينة وتؤدي إلى عرقلة حركة السير والجولان بالمدينة حيث نجد الانتشار الواسع للباعة الجائلين وللفراشة. غياب سوق بلدي وسوق الخضر بالجملة انعكس سلبا على معيشة الساكنة، حيث الارتفاع المهول في أثمنة الخضر والفواكه، فباستثناء يوم السوق الأسبوعي ( خميس بوزنيقة) الذي تكون فيه الأثمنة في متناول الشرائح الاجتماعية ذات الدخل المحدود فإن باقي أيام الأسبوع تعرف ارتفاعا صاروخيا في الأثمنة، وتزداد الأسعار التهابا في فصل الصيف إثر تحول المدينة إلى قبلة للزوار والمصطافين. أما على مستوى البنيات التحتية والمساحات الخضراء، فإن بعض الأحياء توجد في وضعية هشة خاصة على مستوى الشبكة الطرقية وضيق الأزقة وضعف الإنارة العمومية وانعدام الفضاءات الخضراء التي تجد فيها الساكنة متنفسا ومجالا للترويح عن النفس و فضاء لمزاولة الأطفال للعبهم المفضلة. ورغم عملية إعادة الهيكلة والتأهيل والتوسيع التي عرفتها بعض الشوارع خاصة في اتجاه مدينة بنسليمان و عند مدخل المدينة من جهة المحمدية، فإن النقطة السوداء في هذا الجانب هي وجود المعبر الوحيد المؤدي إلى الشاطئ الذي يعرف ازدحاما واختناقا كبيرا في حركة السير والمرور خلال فصل الصيف ويعرف وقوع عدة حوادث للسير، حيث ينبغي قضاء حوالي ساعتين لقطع حوالي 5 كيلومترات عبر السيارة في اتجاه الشاطئ؟ وأكيد أن محنة مستعملي هذا المعبر ستزداد مع تناسل التجزئات السكنية بمحاذاة هذا الطريق. لكن ما يثير المخاوف هو الارتفاع المهول في نسبة البطالة خاصة في صفوف الشباب العاطل وحاملي الشهادات وهو ما أدى في الآونة الأخيرة إلى تزايد الحركات الاحتجاجية للشباب أمام مقر البلدية للمطالبة بخلق فرص للشغل و العمل على إحداث وحدات للإنتاج تستقطب جيوش العاطلين، لكون المدينة تتوفر على كل العوامل و الشروط لخلق قطب صناعي يساهم في التنمية ويخلق فرصا للشغل خاصة أن الشركة الوحيدة (فاليو) التي ساهمت في استقطاب اليد العاملة تم إغلاقها. هذه الوضعية المتمثلة في غياب فرص للشغل و أنشطة مدرة للدخل جعلت الشرائح الاجتماعية تعيش في فقر و أغرقت المدينة بالباعة الجائلين و الفراشة الذين يحتلون الأزقة والشوارع ويسعون جاهدين لكسب قوتهم اليومي وتوفير الحاجيات الضرورية لأسرهم، حيث أصبحت هذه الظاهرة تتسع يوما عن يوم بسبب قلة فرص الشغل. لكن ما يثير الاستغراب هو الانتشار الواسع للمقاهي العشوائية بدور اولاد اعمارة وعلى طول الطريق الساحلية التي تمت إقامتها بشكل فوضوي وعشوائي أمام أعين السلطات الإقليمية و المحلية وبتواطؤ مكشوف مع مسؤولين بالبلدية التي تعتبر المنطقة خزانا انتخابيا لهم مقابل توفير الحماية لساكنتها لإقامة مساكن و مقاه عشوائية تشوه منظر وجمالية الشاطئ وتساهم في الفوضى وعرقلة حركة السير والجولان بالطريق الساحلية، وأخذت هذه المنطقة العشوائية تعرف رواجا اقتصاديا مهما على حساب تجار المدينة المركز الذين يؤدون الواجبات الضريبية بشكل دائم، حيث أثرت هذه الوضعية غير السليمة عليهم و تسببت في ركود تجارتهم وتراجع مستوى الرواج الاقتصادي بالمدينة بصفة عامة. فهل تعتبر مدينة بوزنيقة خارج القانون؟ المؤهلات الطبيعية و البشرية والسياحية المتنوعة التي تتوفر عليها مدينة بوزنيقة لم تستغل بشكل جيد ولم يتم توظيفها على أحسن وجه لتأهيل وتنمية المدينة، والسبب في ذلك هو أن القائمين على تدبير شؤونها تهمهم كثيرا خدمة مآربهم ومصالحهم و لا يولون أي اهتمام لحاجيات و مشاكل السكان. علما بأن بلدية بوزنيقة تتوفر على موارد مالية مهمة وعلى ميزانية سنوية تقارب 10 ملايير محصلة من الرخص والضريبة على الشركات و التجزئات السكنية،و و و... أليست مدينة بوزنيقة في حاجة إلى مستشفى إقليمي يكون في مستوى الساكنة يقدم الخدمات الضرورية للمواطنين في التطبيب والعلاج وفي حاجة إلى بنيات الاستقبال في المجال الرياضي و الثقافي و الفني يوازي النمو الديمغرافي وتزايد عدد السكان الذي عرفته المدينة مؤخرا، وفي حاجة إلى سوق بلدي نموذجي يوفر حاجيات الساكنة ويخلق رواجا اقتصاديا وتجاريا يساهم في تنمية المدينة، وفي حاجة إلى قطب صناعي لخلق فرص الشغل و التقليص من نسبة البطالة و المساهمة في تنميتها، وفي حاجة إلى تأهيل سياحي ، خاصة على مستوى واجهاتها البحرية بخلق فضاءات وبنيات سياحية تعود بالنفع على المدينة وتساهم في تنميتها سياحيا، وفي حاجة إلى مساحات وفضاءات خضراء للمحافظة على بيئتها وتمكين ساكنتها من فضاءات تساهم في خلق الظروف المناسبة للترويح عن النفس و تساعد الأطفال والشباب على تفجير طاقاتهم في اللعب و الفن والرياضة من خلال إحداث مركبات سوسيورياضية؟