إنها مساكن متناثرة هنا وهناك تعيش أتعس لحظات الحصار الطبيعي والبشري ،الذي يمكن أن تعرفه منطقة من مناطق المغرب الحديث. تعددت مظاهرالتهميش بالمدينة والنتيجة حالة من اليأس والإحباط التام التي أصابت الساكنة. إنها المدينة الشبح ، الشماعية آوالقصيبة سابقا ، تلك البلدة الواقعة بتخوم منطقة احمر جهة دكالة - عبدة ، تقع عبرالمحورالطرقي الرئيسي الرابط بين مدينتي مراكش وأسفي، و بالضبط على بعد حوالي 69 كلم من الأخيرة ، حيث ظلت منذ عقود من الزمن تحت غطاء إدارتها، ويبلغ عدد سكانها أكثر من 24 ألف نسمة حسب الإحصائيات الأخيرة. لكن الملاحظ ان هذا الرقم ارتفع بشكل كبير خلال السنوات الماضية، وذلك لعدة عوامل ، حسب العديد من المصادر ،وفي مقدمتها تمركز المدينة وسط منطقة تصنف في خريطة «المغرب غير النافع»، تعتمد ساكنتها على الفلاحة التقليدية وتربية المواشي في قوتها اليومي وتحسين ظروفها المعيشية ويبقى ذلك مرتبطا بمياه الأمطار وما تجود به الطبيعة، دون أن نغفل الإشارة إلى ان الساكنة تعيش في فضاء تنعدم فيه مجموعة من المرافق العمومية آو تكاد . الشماعية، منطقة تقتات بأكملها على دخل المتقاعدين من مستخدمي الفوسفاط اوموظفي القطاع العمومي، وفي ظل الخصاص الكبير في الأنشطة الاقتصادية تعيش المنطقة وضعية خانقة تؤثر سلبا على الجو العام بالمدينة أمام انسداد الآفاق المستقبلية في وجه الشباب. سكان مدينة الشماعية ظنوا أن التهميش والإقصاء يمكن أن يزول مع إحداث عمالة فوق رقعة عاصمة المنطقة الاقتصادية (اليوسفية) ، لكن وإلى حد كتابة هذه السطور، مازال الحال كسابقه، وهو الموضوع الذي يطرح عملية استفهام لجميع مكونات المجتمع المدني، ويعلق المواطنون أمالا عريضة على إقلاعها الاقتصادي وتنمية بنياتها التحتية الأساسية بعد إحداث العمالة لرد الاعتبار لها ونسيان ماض وصفوه بالمجحف في حقهم . العديد من متتبعي الشأن المحلي للشماعية يتفقون ان المدينة بحاجة إلى مشاريع تنموية والى التفاتة حقيقية من الدولة لبعث الأمل في شباب عاطل يتطلع إلى حياة أفضل. هو فضاء أراد له البعض أن يبقى كما هو، ربما كانت هناك حسابات غير تلك الظاهرة للساكنة، و ربما يتعلق الأمر بوضع حتمه القدرعلى ساكنة مدينة الشماعية الوفية للوطن بالرغم من كل الاحباطات، سكانها مجبرون على العيش وسط الازبال وقطعان المواشي والدواب والكلاب الضالة التي تغزو أزقة المدينة ليلا ونهارا وتزيد من تعفنها . مدينة لم تحض بآية مشاريع تنموية رغم ما يتم تبذيره من أموال من ميزانية البلدية أو على شكل قروض أو بدعم من شركائها ، كما كتب على شبابها البطالة والعزلة والوعود الكاذبة، وذلك راجع بالأساس إلى غياب منتخبين حقيقيين ، حسب تصريحات العديد من المواطنين للجريدة . المدينة بحاجة إلى مخطط استعجالي من سوء حظ ساكنة مدينة الشماعية أن نبتت فوق ترابها كائنات انتخابية احترفت السياسة وتغلغلت في صفوف الأحزاب والجمعيات وامتد اخطوبطها ليشمل فضاءات ومؤسسات الحقل السياسي والتنموي والثقافي، إنه من الصعب حصر لائحة الاختلالات بمدينة الشماعية ، لكن الشيء الذي وجب تنبيه المسؤولين إليه ، هو تدهور الأوضاع في جميع المجالات ، مما أضحى يشكل خطرا على الديمقراطية المحلية ويزيد يوما عن يوم من غضب المواطنين. ان تسيير الشأن العام المحلي بمدينة الشماعية يعتبر ارثا من مخلفات الماضي ، لذلك فإنه بات من الضروري التحلي بروح التعاون بين فعاليات المجتمع المدني والجمعوي والمساهمة في اقتراح مشاريع تنموية وبرامج إصلاحية ووضع مخطط استعجالي للنهوض بأوضاع المدينة والقضاء على مظاهر التهميش والفقر والرقي بالحياة الثقافية والاقتصادية والرياضية. الحلول خارج أجندة الجهات المسؤولة وللخروج بالمدينة من عنق الزجاجة، أصبح من المفروض على المجلس البلدي الحالي وضع تعاقد اجتماعي مفاده وضع مخطط محوري للرقي بالحياة العامة بالمدينة ونهج سياسة تشاركية تجعل الجميع مسؤولين في تدبير الشأن العام المحلي ، وتجعل من جميع مكونات شرائح المجتمع المدني مواطنين قادرين على الفعل نحو التغيير رغم قلة الإمكانيات والإحساس بالمسؤولية الجماعية تجاه مستقبل المدينة. فلعل ما عانت منه المدينة ولسنوات طوال من ويلات الفوضى وسوء التسيير والتدبير والفقر، يدعوالكل الى التوحد والتواصل أكثر ، وخلق لجنة الدعم الموسعة مهامها التنقيب عن الأفكار والاقتراحات البناءة القادرة على تغيير ملامح وجه المدينة ، ولن يتأتى ذلك إلا بمبادرة من المجلس البلدي الذي هو أساس كل إقلاع تنموي وركيزة كل اتحاد جماعي بعيد كل البعد عن الصراعات التي لا تخدم المصلحة العامة. الهجرة القروية والشماعية ورغم الأرقام المذكورة في الإحصائيات ، فالمتتبعون يرون أن الزيادة الطبيعية مازالت مرتفعة بالمدينة وارتفاع الهجرة القروية إليها بحكم توالي سنوات الجفاف. وارتباطا بظاهرة تزايد الهجرة القروية التي طغت على المدينة في السنوات الأخيرة، فقد ساهمت بدورها في عدة عوامل مست أحياءها وبدأت تغزو سلوكات اجتماعية متنافرة تجمع مابين طابع البداوة والتمدن في آن واحد، حيث نتجت عن هذا الوضع ظواهر اجتماعية أخرى كتفشي التسول والتشرد والدعارة والاحتلال غير الشرعي والعشوائي لأماكن عمومية. أولى «العقبات» التي تواجه زائر مدينة الشماعية ، تتمثل في المحطة الطرقية التي تعتبر بمثابة البوابة الرئيسية للمدينة، حيث لم تسلم من الفوضى جراء جحافل باعة المأكولات الخفيفة والعربات المجرورة التي مازال يعتمد عليها السكان كوسيلة للتنقل عبر أحياء المدينة. كما تعم المرفق فوضى في غياب إدارة للمحطة وحراس يؤمنون حرمتها و يوفرون الأمن للمسافرين. شارع المسيرة الخضراء القلب النابض يعد شارع المسيرة الخضراء بمثابة القلب النابض للمدينة غير انه يشهد عرقلة في حركة السير والجولان بدون علامة تحدد اتجاه السير، وفي غياب هذا يتصرف السائقون كيفما يشاؤون، ولو كلف الأمر التوقف في الاتجاه المعاكس ، بالإضافة إلى ظاهرة احتلال الملك العمومي من خلال إقدام مجموعة من أرباب المقاهي وأصحاب المحلات التجارية غير المنظمة والبعض منها حسب مصادرنا ، بدون تراخيص يحتلون جزءا كبيرا من المساحات ليست في ملكيتهم ،متحدين كل القوانين الجاري بها العمل مستغلين صمت السلطات المحلية بالمدينة التي ترى الأمر بأم أعينها ولا تحرك ساكنا ! ملتقى شارع المسيرة وشارع المغرب العربي في ملتقى شارع المسيرة الخضراء شارع المغرب العربي الذي بدوره يعتبر الخيط الرابط بين جميع المصالح الإدارية بالمدينة، عابر هذا الأخير لا يسلم من مخاطر بحيث الفوضى والعشوائية هي السمة البارزة التي تحتل الشارع طولا وعرضا، و امام هذا لم يُترك ممر للسير حتى بالنسبة للراجلين مما ساهم في العديد من المناسبات في حوادث سيرقاتلة راح ضحيتها أبرياء، ويزداد الوضع سوءا خصوصا يوم الأربعاء ، تزامنا مع ما يسمى بسوق الأربعاء! الصحة بالشماعية يثير الوضع الصحي بمدينة الشماعية الكثير من التساؤلات ويطرح على الجهة المسؤولة عن القطاع بالإقليم الكثير من المسؤوليات التي تتطلب إخراج هذا الوضع من حالة التردي التي يعرفها على مستوى بنياته وموارده وإمكانياته المادية والبشرية. تتوفر مدينة الشماعية على مركز صحي واحد يعود إنشاؤه إلى فترة الحماية الفرنسية، حسب بعض المصادر التي تهتم بتاريخ المنطقة ، يقصده سكان المدينة والمناطق المجاورة لها المقدرة بحوالي 65الف نسمة، في غياب الحراسة وغياب سيارات الإسعاف، عدد الأطباء والممرضين غير كاف ، وغياب الأدوية والتجهيزات التي بدورها تحول دون تلبية حاجيات المواطن وتؤثر سلبا على الواقع الصحي بالمدينة ومجالها. دار الولادة... تبقى دار الولادة من بين أهم الخدمات الطبية التي يقدمها المركز الصحي المذكور والتي ثم تشييدها عند مطلع أواخر ثمانينيات القرن الماضي، ورغم الخصاص الذي تعاني منه على مستوى التجهيزات الأساسية او على مستوى الأطر، فهي تستقبل حوالي 4 حالات ولادة يومية ، و بذلك تحتل المرتبة الثالثة ، حسب مصدر مطلع، وراء كل من المستشفى الإقليمي محمد الخامس بأسفي والمركز الصحي الحضري بسبت اكزولة. قطاع التعليم... تتوفر المدينة على 5 مؤسسات للتعليم الأساسي وعلى 3مؤسسات للتعليم الثانوي الإعدادي، ومن الملاحظ أن هذه المؤسسات لم تعد قادرة على استيعاب الأعداد المتزايدة من المتمدرسين، مما يتطلب التعجيل بتشييد مؤسسات أخرى علما بأن اغلب هذه المؤسسات بنايتها نخرتها أعراض الشيخوخة في غياب تام للصيانة السنوية ،ما يؤثر سلبا على المردود التعليمي. البطالة والشباب بات أغلب شباب الشماعية يفكر في الهجرة إلى الضفة الأخرى في قوارب الموت، جلسنا مع مجموعة من الشباب بأحد مقاهي المدينة، يتجاذبون الحديث في أمور الحياة ويتأسفون على الوضع الذي ألت إليه المدينة ويشعرون بتذمر شديد بسبب المشاكل الكثيرة التي تعانيها هذه المنطقة. ويقول احدهم « شوف اخويا راه ما كاين ما يعجب في هاذ الشماعية ،راهم خرجوا عليها ، وما عمرنا ما غادي نزيدو لقدام» ويضيف «راه ما بقاينا عارفين روسنا واش في العروبية اولا في المدينة، هاد الشي راه بزاف»! عن المساحات الخضراء خريطة مدينة الشماعية لاتعترف بالحدائق والمساحات الخضراء ، يقول والد احد الأطفال «الدراري ما كايلقاو فين يلعبوا لا مساحات خضراء لا والو... راحنا بنادم وخاص المسؤولين يعرفوا من بحال الشماعية كيتخرجوا المتطرفين والشماكرية ، فالأولوية يجب ان تكون لهذه المدن الصغيرة»! وعبر جولة قصيرة بالمدينة يتبين للزائر ان جل المساحات الخضراء أصبحت عبارة عن أرض قاحلة والحدائق التي كانت بالأمس القريب كمشتل للجماعة والمتنفس الوحيد للسكان ، تحولت إلى جوطية ممتلئة بالبراريك القصديرية تقدم منتوجا غير مرغوب فيه وتحول البعض منها إلى نقطة لتجميع مخلفات النفايات. المتسولون والمتشردون... تعيش مدينة الشماعية وضعا مزريا بسبب انتشار المتشردين والمتسولين الذين يباغتونك في كل مكان ناهيك عن حشد من ماسحي الاحذية وبائعي السجائر بالتقسيط أكثرهم أطفالا غادروا مجبرين أقسام الدراسة بسبب الفقر المدقع ليكون ملاذهم الوحيد الشارع المحفوف بالمخاطر، في ظل غياب مرافق للتربية والترفيه واللعب تنقذهم من مخالب الضياع والتشرد! سوء التدبير ينخر جسد الشماعية تعاقبت على المدينة مجالس بلدية تقاعست في القيام بواجبها في تطوير البنيات التحتية الأساسية للمدينة وخاصة البنيات الطرقية، فقد ظلت المدينة والى الوقت الحالي ، بدون بنيات طرقية حقيقية، ومازالت هناك ممرات طرقية متربة مكسوة بطبقة رقيقة من الزفت أو ما يشبه سرعان ما يذوب، ليُترك المكان للحفر، وتُقدم رغم ذلك للمسؤولين في وزارة الداخلية، على أساس أنها بنيات طرقية حقيقية صرفت عليها أموال باهظة. ويكشف السكان أن مشاريع التأهيل والإصلاح بالمدينة لم تقم على أسس صلبة وفق الدراسات المعمول بها، ويتحدث المواطنون بمرارة عن سوء تدبير الشأن المحلي بالمدينة التي عانت عقودا من التهميش في ظل سنوات النسيان التي تعرضت لها ، والتي جرت عليها كوارث تبديد المال العام في مشاريع ارتجالية. فمنذ أن خول الميثاق الجماعي سنة 1976المجالس المنتخبة سلطة تسيير الشأن المحلي للمدينة، انطلقت محنة المواطن الشماعي وبدأ مسلسل تبديد المال العام والتوظيفات المشبوهة، و المشاريع العشوائية التي لا تستجيب لأية دراسة من قبل ذوي الاختصاص ، وفي عياب كلي لمراقبي المال العام، وصفقات تبرمج في السر رغم إشعارها بواسطة المزاد العلني في قاعات الاجتماعات بالبلدية! ويبقى متتبع الشأن المحلي مذهولا أمام الوضع الكارثي الحالي، وما يحز في النفس هو صمت الجهات المسؤولة إقليميا، وكأن الأمور بألف خير، رغم أن المدينة غارقة في أزبالها وطرقها المنعدمة والمحفورة وبطالة شبابها الغارق في الأحلام والإجرام والمخدرات، بفعل الإقصاء الممنهج في حقه وغياب وسائل العمل ومخططات تنموية فلاحية وصناعية تنقذ المدينة من مخالب الفقر والحرمان الذي يؤدي بدوره إلى الإجرام والتطرف. ارتفاع نسبة تزايد السكان رغم ارتفاع نسبة تزايد السكان بالمدينة إلى انه بالموازاة مع ذلك ، لم تشهد المدينة نموا او تقدما على مستوى التوسع العمراني في غياب إنشاء تجزئات سكنية، بحيث لايزال هاجس السكن قائما، وهو ما أدى الى ظهور العديد من الأحياء الهامشية بنيت بطريقة عشوائية لا تستجيب إلى أدنى شكل عمراني أو قانوني!