لقد اصبحت منهجية الحكامة المحلية في السنوات الأخيرة تحتل مكانة متميزة في اهتمامات الدول قصد تحقيق طموحات السكان في مجال التنمية المحلية، وأضحت تشكل اولوية قصوى بالنسبة للدول النامية وذلك بسبب التحديات الكونية ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي كالفقر والبطالة والأمية التي تعترضها من جهة، وبكونها تشكل اسلوبا تدبيريا عصريا في غاية الاهمية وذلك لما ينطوي عليه من أدوار جديدة للإدارة المركزية وللهيئات المحلية والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني من جهة أخرى. ويمكن ملامسة مفهوم الحكامة المحلية من خلال مدى حسن تدبير الشأن المحلي من طرف هيئات منتخبة وذلك في اطار تعاون وتنسيق وتشاور مع باقي الفاعلين المحليين( سلطات محلية، مجتمع مدني، مصالح لاممركزة، قطاع خاص) لأجل تحقيق الاهداف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإدارية خدمة للصالح العام المحلي على أساس من الاستغلال العقلاني للموارد وذلك في اطار نوع من الشفافية والمحاسبة. وللوقوف عن حقيقة الحكامة المحلية الرشيدة على المستوى المحلي، فإن الأمر يستدعي مراعاة آليات هذه الحكامة إذ انها عديدة ومتنوعة، اذ تختلف من دولة لأخرى وباختلاف الأولويات والحاجات الملحة لكل وحدة ترابية داخل هذه الدول، وتتوزع هذه اللآليات بين آليات شكلية- مسطرية وآليات موضوعية والتي سنحاول تلخيصها في ما يلي : المقاربة التشاركية، المقاربة المندمجة، الشفافية، الجودة، النظرة الاستراتيجية. وللوصول الى مدى تفعيل هذه الآليات على مستوى التنمية المحلية، سنضطر الى أخذ نموذج تنموي محلي على مستوى إقليمالحسيمة وهو"برنامج المندمج للتأهيل الحضري لإمزورن ( 2011-2014) "، الذي هو برنامج طموح نظرا لحجم الغلاف المالي المخصص له ( 581 مليون درهم)، و الحيثيات التي جاء في إطارها، وهي فشل برنامج اعادة اعمار المدينة الذي خصص له مبالغ مالية مهمة بعد الزلزال المدمر الذي عرفته المدينة سنة 2004. وعدم مسايرة السياسات التنموية المحلية للتغيرات المتسارعة التي تعرفها المدينة على المستوى الديموغرافي والعمراني والاقتصادي ....وبعد الزيارات المتكررة للملك واقتناعه بالأهمية الاستراتيجية للمدينة وبراهنية انقاذها من والإقصاء والتهميش.... اذن، انطلاقا من اعداد هذا البرنامج الى تنفيذه على ارض الواقع. الى أي حد تم اشراك كل الفاعلين المحليين بالمدينة في صياغته وتنفيذه و تقييم بعض أشطره؟ والى أي مدى يعتبر برنامجا مندمجا؟ والى أي حد تم تنفيذه وفق متطلبات معايير الشفافية و الجودة و النظرة الاستراتيجية ؟. المقاربة التشاركية « approche participative » يقصد بالمقاربة التشاركية ذلك المسلسل التواصلي الذي يمكن الأفراد والأطراف المعنية من تحديد احتياجاتهم وأهدافهم والتزاماتهم، ويؤدي الى قرارات مركزة تأخذ بعين الاعتبار حسب الامكان آراء وتطلعات كل المجموعات والأطراف المعنية. فالمقاربة التشاركية كآلية من آليات الحكامة الجيدة تؤمن النجاعة والفعالية في تدبير الشأن المحلي، حيث يمر هذا التدبير عبر إشراك المواطنين في اتخاذ القرارات الحاسمة سواء بصفة مباشرة او عبر انخراطهم في جمعيات ووداديات ونوادي....فهي تتطلب استيعاب مختلف الطلبات الصاعدة أو النابعة من الفئات الاجتماعية وإدماجها في اعداد وتنفيذ وتقييم البرامج التنموية المحلية حتى يكون النظام الاداري المحلي ديمقراطي، لان إحدى وظائف الديمقراطية المحلية هي إعطاء الساكنة الاحساس بأنهم يسيرون شؤونهم المحلية بنفسهم. واعتبارا لتلك الاهمية، فقد نص الدستور المغربي في فصله 139 على ما يلي " تضع مجالس الجهات أو الجماعات الترابية الأخرى آليات تشاركية للحوار والتشاور لتيسير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في اعداد برامج التنمية وتتبعها". وتنص الفقرة 11 من المادة 14 من قانون رقم 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي على أن " تحدث لدى المجلس الجماعي لجنة استشارية تدعى لجنة المساواة وتكافؤ الفرص تتكون من شخصيات تنتمي الى جمعيات محلية وفعاليات المجتمع المدني يقترحها رئيس المجلس الجماعي". وان كانت الجماعة الحضرية لإمزورن قد اشركت بعض جمعيات المجتمع المدني في اعداد مشروع المخطط الجماعي للتنمية المنصوص عليه في المادة 36 من الميثاق الجماعي، الذي يتضمن جزء من المشاريع التي جاء بها برنامج التأهيل الحضري لامزورن، فأن طريقة تنفيذ هذا البرنامج وتوزيع مداه الزمني وتحديد اولوياته ومتابعته الميدانية وتقييمه قد خضع لمقاربة بيروقراطية افقية بعيدة كل البعد عن المقاربات الحديثة في التدبير المبنية على اشراك كل المعنيين في صياغة وتنفيذ وتقييم كل القرارات التي تعنيهم. فبرنامج التأهيل الحضري لامزورن هو قرار افقي لم يأتي بناء على حاجيات وأولويات حقيقية لساكنة امزورن، ولم يتم اشراك -لا في اعداده ولا في تنفيذه ولا في تقييم بعض اطواره- كل الفاعلين المحليين سواء تعلق الامر بالساكنة أو مجتمع مدني أو موظفين او حتى فئة واسعة من أعضاء داخل المجلس الجماعي. وهذا ما يبين ان المسؤولين المحليين لم يستوعبوا بعد اهمية هذه المقاربة، ولم يقتنعوا ان البرامج والقرارات الأفقية مهما تكن جديتها فهي تساهم في اتساع هوة فقدان الثقة بين المواطن والإدارة، ونفور هذا الاخير عن تدبير الشأن المحلي وتذمره من كل ما يتصل بالحياة العامة، وهذا ما ينعكس سلبا على الديمقراطية المحلية. فعوض ان يتحمل المجلس البلدي تلك المسؤولية الجسيمة في تنفيذ البرنامج بتنسيق مع والي الجهة باعتباره رئيسا للجنة التقنية المكلفة بتتبع انجاز هذا البرنامج. فإتباع المقاربة التشاركية في بلورة هذا البرنامج كان بالإمكان ان يساهم في تعبئة كل الفاعلين والمعنيين في تحمل مسؤولية انجاحه من منتخبين وسلطات محلية، مصالح خارجية، مجتمع مدني، سكان، خواص .... ان سياسة اقصاء الجمعيات بصفة خاصة والساكنة بصفة عامة في تدبير برنامج التأهيل الحضري لمدينة امزورن تبين بشكل واضح في توزيع بعض المحلات في مجمع الحرفيين وبعض الدراجات النارية بمناسبة الزيارة الملكية الأخيرة، حيث "انتفضت" بعض الجمعيات الحرفية والتجارية ضد هذه الطريقة التي وصفوها "بالزبونية"، لتتضح بعد ذلك ان تلك الجمعيات لم تتطلع على المذكرات المنظمة لتوزيع تلك المحلات، وهذا غير مقبول في اطار المقاربات الحديثة في التدبير، حيث اصبح من الواجب اشراك كل الفاعلين في اعداد تلك المذكرات ووضع شروط ومعايير الاستفادة من هذا المجمع، بكون الحرفيين هم المعنيون بالدرجة الأولى بهذا المجمع، ولا يعقل ان يستفيد منه اشخاص لا علاقة لهم بالحرفة ويمتلكون امكانيات مادية محترمة؟؟؟؟؟. إذن مهما يكن نوع القرار، فاتخاذه بطريقة افقية وانفرادية يكون معرضا بنسبة كبيرة للأخطاء والعيوب، ويكون اكثر قابلية للمعارضة والتصدي من قبل الساكنة. عكس القرارات المتخذة بناء على مقاربة تشاركية فهي اكثر قربا للصواب وتكون اقل عرضة للرفض والمعارضة. المقاربة المندمجة « approche intégrée » المقاربة المندمجة على مستوى البرامج التنموية المحلية تندرج ضمن عملية متماسكة ومشروع شامل وتعبئة قوية متعددة الجبهات تتكامل فيها الابعاد الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتربوية والبيئية، وبالتالي فهي مقاربة ضد المقاربات القطاعية الانفرادية التي تعمل بمعزل عن باقي القطاعات الاخرى. و"البرنامج المندمج للتأهيل الحضري للإمزورن" كما توحي الى ذلك التسمية جاء وفق تلك المقاربة، وباعتباره يدخل ضمن المشاريع الملكية، فإن والي الجهة يقوم بدور مهم عبر تتبعه ميدانيا لبعض المشاريع التي يتضمنه من أجل ضمان التنسيق وتعبئة كل المتدخلين وإصراره على انجازها وفق عملية متسلسلة تتداخل فيها مجموعة من القطاعات واحدة تلو الأخرى، ومثال ذلك تهيئة الاحياء الذي تتدخل فيها مجموعات من العمليات تبدأ بقنوات الصرف الصحي، ثم أنابيب الماء وشبكة الكهرباء، والتزفيت، والترصيف. هذا على مستوى التنسيق، اما فيما يخص الشمولية، فالبرنامج و السياسات المحلية الموازية له اغفلت مجموعة من الجوانب التي تعتبر مداخل ضرورية لتكوين قطب حضري متميز و بمواصفات حديثة . فعلى المستوى الاجتماعي: فالبرنامج وان جاء بمشاريع جد مهمة على مستوى قطاعي الصحة (مستشفى محلي) والتعليم( 5 مؤسسات تعليمية جديدة)، إلا انه على مستوى التشغيل لم يبلور استراتيجية واضحة والتي من خلالها يمكن حل ولو جزء من معضلة البطالة التي تتخبط فيها اغلبية ساكنة امزورن. على المستوى الاقتصادي: مما لا شك فيه ان مستقبل مدينة امزورن هي مدينة تجارية- خدماتية، ولهذا فبناء مركب تجاري وحيد ومجمع الحرفيين غير كافيان للإجابة عن اشكالية التجارة الغير المنظمة ( غير مهيكلة) بإمزورن، فالأمر يقتضي بناء عدة مركبات وأسواق تجارية خاصة في الاحياء ( تجارة القرب) من جهة، وتشجيع القطاع الخاص للاستثمار في هذا المجال من جهة أخرى. على المستوى الثقافي: برنامج التأهيل الحضري لم يستطع ان يخرج المدينة من الجمود الثقافي التي تتخبط فيها، فالمدينة في حاجة الى دار للثقافة ومكتبة عمومية تليق بحجم المدينة، وفي حاجة الى فتح كل المركبات الثقافية بالمدينة منها المركب الثقافي والرياضي التابع لمؤسسة محمد الخامس للتضامن الذي أغلق منذ سنوات، والمركب الاجتماعي بحي بركم الذي تم احتلاله من طرف احد الاشخاص بدون أي وجه قانون، مع دعم المجتمع المدني الذي يلعب دورا مهما في تحريك الشأن الثقافي بالمدينة. على المستوى البيئي: ان مشروع تحويل 150 هكتار من المجال الاخضر( اراضي فلاحية) الى المجال الاسمنتي( العمراني) يعتبر جريمة بيئية خطيرة ارتكبت ضد امزورن بصفة خاصة وإقليمالحسيمة والريف بصفة عامة، حيث أن جل المواثيق الدولية والوطنية المتعلقة بالبيئة تجرم كل الأفعال التي تروم الى تعويض المجال الاخضر بمجال اسمني لاسيما اتفاقية برشلونة 1995 المتعلقة بتهيئة الشريط الساحلي لبحر الابيض المتوسط بما يخدم التنمية المستدامة وحماية البيئة. فالحي الاداري او التجزئات العقارية يمكن اقامتهما في أي ناحية من امزورن ولكن المجال الأخضر لا يمكن أن يكون إلا في منطقة النكور. ولهذا، فالحفاظ على الطابع الفلاحي والمسقي لمنطقة النكور، وترميم قنوات الري التي دمرها الزلزال، وتشجيع الساكنة على حفر الآبار بكون المنطقة غنية بالفرشة المائية الباطنية والسطحية، والتفكير في حل جميع المشاكل التي يعانيها الفلاح في تلك المنطقة، سيساهم في اعطاء طابع خاص لمدينة امزورن، وستكون هذه المنطقة متنفسا جديدا للمدينة عبر مساهمتها في تنشيط الدورة الاقتصادية المحلية وتشغيل فئة واسعة من ساكنتها و تحقيق الاكتفاء الذاتي على مستوى مجموعة من المنتوجات الفلاحية، بالإضافة الى دعم الطابع السياحي لمدينة الحسيمة. فإذا كانت الدولة هي التي بدأت عملية البناء (الغير القانوني) في تلك المنطقة، فإن اللوبي العقاري له دور خطير في "اسمنة" وتدمير واستنزاف تلك المنطقة عبر قيادته لعملية البناء العشوائي والضغط على الساكنة وإرغامها على قبول بيع ممتلكاتهم. وهذا ما يتنافى مع مفهوم التنمية المستدامة « développement durable » التي تقتضي تنمية المنطقة مع مراعاة حقوق الاجيال القادمة، حيث وإن كان جيل الحالي تغاضى عن الاشتغال في المجال الفلاحي، فإن الاجيال القادمة قد يجدون في تلك المنطقة مصدر عيشهم الوحيد. هذا فيما يخص منطقة النكور، اما على مستوى المدينة فهي تعيش تدهورا بيئيا خطيرا، وأذكر هنا على سبيل المثال حي بركم ( اكبر احياء المدينة) الغارق في النفايات والمهدد بكارثة بيئية خطيرة بسبب عدم شموله اتفاقية التدبير المفوض للنظافة المبرمة مع إحدى الشركات الخاصة، وعدم ربطه بقنوات الصرف الصحي. كما ان البرنامج لم يعطي الاهتمام اللازم للمجال الأخضر، فالحدائق الخضراء منعدمة بالمدينة. اما الشوارع والأزقة فباستثناء الشارع الرئيسي بالمدينة فجل الشوارع والأزقة خالية من الاشجار. على مستوى الاداري والمالي: إن برنامج التأهيل الحضري لامزورن لم يصاحبه اجراءات ملموسة من أجل الرفع من جودة الخدمات الادارية المقدمة للمواطنين، حيث ان اغلبية ساكنة إمزورن مازالت تعترضهم مجموعة من الصعوبات تحول دون ولوجهم الى الخدمات الأساسية بسهولة. فمجموعة من الفاعلين الرسميين على مستوى المدينة لم يستطيعوا مواكبة التطورات السريعة التي تعرفهما المدينة، فعلى على سبيل المثال، مكتبي الماء والكهرباء وحجم الموارد البشرية التي يمتلكهما و المقرات المخصصة لهما لا يليقان بمستوى المدينة والتطورات التي تعرفها. وهذا ما ينطبق حتى على بريد المغرب باعتباره يقدم خدمات أساسية للمواطنين، فعد المستخدمين ( مستخدمين فقط) لا يمكنهما ان يسايرا حاجيات المواطنين على مستوى المدينة. هذا من جهة، من جهة اخرى لا يمكن الحديث عن مدينة تجارية بدون وجود مصالح مهمة بالنسبة للتجار بصفة خاصة والساكنة بصفة عامة نذكر في هذا الصدد مصلحة التسجيل والتمبرو مصلحة الضرائب التابعين الى وزارة المالية، ومصلحة الاشغال العمومية التابعة لوزارة التجهيز. اما على مستوى المالي، فإذا كانت الحكامة المالية تقتضي من الجماعة خلق مداخيل جديدة من أجل تغطية نفقاتها المتزايدة، مع اعتماد الصرامة اللازمة في استخلاص المداخيل من الضرائب والرسوم الموجودة، فان الواقع يبين ان لوبي تجاري نافذ في المدينة مازال يستفيذ من عدة إعفاءات وتسهيلات في هذا المجال، ونفس اللوبي هو الذي يساهم في تشويه وفوضوية المدينة عبر احتلاله للملك العام من ارصفة وشوارع وأزقة.... 3- الشفافية الشفافية تعني توفر كل المعلومات حول السياسات المحلية والقرارات المتخذة في شأنها مع اتاحة الفرصة لجميع المواطنين قصد الإطلاع على المعلومات الضرورية، الامر الذي يساعد على تسهيل عمليات اتخاذ القرارات الصائبة في مجال السياسات المحلية حيث يجب اعلانها بشكل مفصل حتى تتوسع دائرة المشاركة والرقابة والمحاسبة من جهة والحد من الضياع ووقف نزيف الفساد من جهة ثانية. تعتبر الجماعة الحضرية لإمزورن -التي من المفترض ان تكون صاحبة الإشراف العام على برنامج التأهيل الحضري- نقطة سوداء لا يعرف خباياها إلا القليل من المتواجدين فيها. فجميع سكان امزورن وحتى النسيج الجمعوي و بعض الموظفين وبعض اعضاء من المجلس البلدي يجهلون مضمون البرنامج وكيفيات تنفيذه وتدبيره المالي والزمني بصفة خاصة، و كل ما يدور بتلك الجماعة والقرارات التي تتخذها بصفة عامة. فباستثناء لقاءين تواصليين ترأسهما والي جهة تازة – الحسيمة- تاونات في مقر الجهة وبعيدا عن ساكنة امزورن( 27 مارس 2012 و12 فبراير 2013)، ولقاء تواصلي اخر في مقر بلدية امزورن ترأسه الوالي بدون اشراك جميع فعاليات المجتمع المدني (22 يناير 2013)، فقد نظمت بلدية إمزورن لقاءا تواصليا وحيدا استدعت له فعاليات جمعوية وبعض الساكنة بالإضافة الى بعض المتدخلين الرسميين، وكان ذلك في مستهل فترة تنفيذ البرنامج وهو غير كافي للإطاحة الكاملة بجميع مكونات المشروع. وفي نفس الاتجاه، لم تستطع بلدية امزورن ان تواكب المستجدات التكلنوجية الجديدة وان تستغلها من اجل خلق فضاءات عامة للتواصل مع الساكنة وإخبارها بكل المستجدات التي تعني سياستها المحلية. فعلى سبيل المثال، فالبوابة الالكترونية التي احدثتها في السنوات الاخيرة بموازاة مع احداث مصلحة التواصل كانت من الممكن ان تلعب دورا مهما في التواصل وتكريس مبدأ الشفافية. حيث كان من الواجب أن ينشر من خلالها كل المشاريع المكونة للبرنامج مصحوبة بالمبالغ المالية المخصصة لها، والمقاولات الحائزة على صفقاتها، و كل دفاتر التحملات المتعلقة بتلك الصفقات. كما يجب ان تواكب كل تحركات (اجتماعات ولقاءات وزيارات ميدانية...) المجلس البلدي و رئيسه و جميع الشركاء الرسميين والغير الرسميين، وذلك حتى يتم تسهيل عملية المراقبة وانخراط الساكنة في المشروع. فتفعيل تلك البوابة وان كان يحتاج الى موارد بشرية ومالية إضافية، فإنه يؤدي الى اهتمام وانخراط الساكنة في تدبير الشأن العام، وتغنيهم عن البحث عن الاخبار التي تعنيهم في مواقع الكترونية اخرى والتي غالبا ما تكون مشكوكة في مصداقيتها، وتضع حدا لمجموعة من الإشاعات التي تتسرب من هنا وهناك، والتي تكون لها تأثيرات سلبية على تدبير الشأن العام المحلي و على مصداقية مؤسسات الدولة. وإذا كانت اللوحات التقنية للمشاريع( التي تضم صاحب المشروع، التكلفة، المدة الزمنية، رقم الصفقة...) بدورها تساهم في التواصل وفي تكريس الشفافية، فإن مجموعة من المشاريع لم توضع لها تلك اللوحات التي تعتبر الزامية من الناحية القانونية وأذكر على سبيل المثال مشروع بناء ثانوية تأهيلية بحي الرابع وثانوية اعداية ومدرسة ابتدائية بحي بركم ....وحتى اللوحات التي وضعت داخل البلدية ولمشاريع أخرى( المحطة الطرقية، الملعب البلدي...) فهي كتبت باللغة الفرنسية التي لا يقرأها ولا يفهمها المواطنين وهذا تحدي صريح للدستور المغربي الذي ينص ان اللغتين الرسميتين للدولة هي العربية والأمازيغية. الجودة الجودة لم تعد مطلبا يجب تحقيقه، بل أصبحت شرطا اساسيا يجب استحضاره في تدبير الفعل العمومي المحلي، لذلك فإن الخدمات التي يقدمها المرفق العمومي للمواطنين، لا بد وان تدخل في اعتبارها مفهوم الجودة وما يحيل اليه من فعالية وشفافية ومصداقية. فمنطق الجودة وحل الاشكال الذي تعانيه الجماعات المحلية من تدني مستوى الخدمات وتفشي مجموعة من الامراض البيروقراطية التي تجعل المواطن غير راض عن منتجات المرافق العمومية يقتضي الانتقال من مفهوم "الجماعة" الى "الجماعة المقاولة" ومن "الادارة البيروقراطية" الى "الادارة المواطنة"، ومن مقاربة "المترفق" الى مقاربة "الزبون" أي على الجماعة ان تتعامل مع أي مواطن كأنه زبون « client » ، و"الزبون هو الملك" كما يقول المثل الفرنسي، وفي اطار احترام مجانية خدمات العمومية بطبيعة الحال. ولعل لمتتبع لأشغال انجاز اشغال برنامج التأهيل الحضري يكتشف رداءة جودة الخدمات المؤدية الى المواطنين من التطهير السائل وأنابيب الماء الصالح للشرب والكهرباء والتزفيت و صباغة واجهات المنازل....وهذه بشهادة من مجموعة من التقنيين والمقاولين والمتخصصين الذين استقينا ارائهم قبل كتابة هذا المقال، و كذا ملاحظات الرأي العام المحلي لتفرقعات لأنابيب المياه وانجرافات للتربة في شارعي الرباط وطنجة بعد اشهر قليلة من تزفيتهما ( قبل ان يتم اعادة تزفيتهما مرة اخرى)، وهنا لا بد من الاشارة كذلك الى الانقطاعات المتكررة للماء الصالح للشرب ( يصل بعض المرات الى 14 ساعة في اليوم) وضعف صبيبها خلال فترة الصيف الحالي في مجموعة من الاحياء( بركم، الهدى، البام..). كما استقينا مجموعة من الآراء من ساكنة حي ابن رشد وحي الثانوي، والتي عبرت عن تذمرها من عشوائية انجاز الخدمات ورداءة جودتها، حيث تم تزفت مجموعة من الشوارع والأزقة بدون وضع انابيب صرف المياه وأنابيب الماء الصالح للشرب. وهذا ما برهنت عليها الامطار الاخيرة التي شهدتها المدينة في شهر ماي والتي حولت مجموعة من شوارع وأزقة الى برك مائية. النظرة الاستراتيجية النظرة الاستراتيجية تسعى الى تطوير قدرات الأفراد مع تحسين أوضاعهم وتنمية المجتمع على المدى القريب والمتوسط والبعيد وذلك أخذا بعين الاعتبار جميع المعطيات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، و هذا ما لا ينطبق على برنامج التأهيل الحضري لامزورن الذي يبقى من أبرز سماته هي العشوائية والفوضى . فالبرنامج تم تنفيذه بدون ان تتوفر المدينة على تصميم تهيئة جديد الذي يعتبر اساس كل تدبير حضري جيد واساس التحكم في المجال العمراني. حيث أن البرنامج وإن جاء من أجل محاربة وهيكلة الاحياء العشوائية والناقصة التجهيز فإن احياء جديدة اخرى جديدة تتكون سواء داخل النطاق الترابي للجماعة كبركم و النكور أو في النطاق الترابي المحادي للجماعة كحي بوسلامة مثلا و حي "المهاجرين" و في لوطا وايت بوعياش، وهذا ما يفرغ البرنامج من مضمونه واهدافه. والشيء الغريب في تنفيذ هذا البرنامج هو نقل بعض الاسواق العشوائية التي كانت وسط المدينة( سوق الجمعة) الى حي الربيع. حيث أن المسؤولين عوض ان تكون لديهم نظرة استراتيجية لحل النهائي لمشكل التجارة الغير المنظمة بالمدينة، فهما "يحلون مشكل بمشكل" فالسوق العشوائي الذي يتم نقله بعيدا عن اضواء وسط المدينة الى حي آخر هامشي وبأكثر عشوائية ساهم في بشكل أكثر في تشويه الحي بمحلاته القصبية والفوضى العارمة التي يحدثها على مستوى طريق تماسينت. فعوض ان يمتلك المسؤولون النظرة الاستراتيجية بالنهوض بالمدينة، فهم مازالوا يعملون بظرية امنية قديمة- جديدة وهي نظرية المركز/ الهامش. فالمركز هو وسط المدينة والشوارع الرئيسية التي يمر بها كبار المسؤولين من الملك بموكبه الرسمي او الغير الرسمي والمستشارين والوزراء و المنتخبين....حيث يسعون الى بذل اقصى جهد من اجل تنميته وفي المدى الزمني المعقول وبجودة مقبولة تجنبا لأي غضبة ملكية. اما الهامش فهو مجموعة من الأحياء العشوائية الغارقة في النفايات والتي تسكنها الطبقات الشعبية الكادحة، ومن سماتها الفوضى، البناء العشوائي، المخدرات... ونصيبها من التنمية ينطلق غداة الاعلان عن بدء حملات الانتخابات ويتوقف بشكل نهائي بعيد الاعلان عن نتائجها. أذن، النظرة الاستراتيجية على مستوى البعيد المدى تقتضي تحديد الهدف الاستراتيجي العام أي تحديد نوعية المدينة التي نريدها، وبدون شك ان مستقبل المدينة هي مدينة تجارية او قطب تجاري كبير. اما على المستوى المتوسط الامد : فيجب ان نحدد وسائل تحقيق الهدف أي المداخل الحقيقية للوصول الى الهدف العام الاستراتيجي، وهي لا تخرج حسب رأي عن ارساء البنيات التحتية اللازمة وربط المدينة بالقبائل او المناطق المجاورة ( تمسمان، ايت توزين، تماسينت...)، وهيكلة التجارة وتنظيمها عبر انشاء مركبات وأسواق تجارية، وتكوين الموارد البشرية اللازمة( انشاء معاهد للتكوين المهني، التكلنوجيا، التجارة والتسيير، الفلاحة ..). أما النظرة الاستراتيجية على المستوى القريب تقتضي ضبط العمران بالمدينة و تقنينه وتنظيمه عبر انجاز تصميم تهيئة لامزورن والقضاء على البناء العشوائي وظاهرة الاحياء العشوائية خصوصا منها المتواجدة في نطاق جماعات ترابية مجاورة كلوطا وايت يوسف وعلي وايت بوعياش عبر التنسيق والتعاون بين الجماعات. وخلاصة القول، وان كان هذا المقال يسلط الأضواء على المسافة بين بعض آليات الحكامة الجيدة والتنفيذ الفعلي للبرنامج التأهيل الحضري لإمزورن، فانه لا يمكن التشكيك في هذا المكسب الكبير لمدينة امزورن والمناطق المجاورة لها. ولا في المجهودات الكبيرة التي تبذل من طرف بعض المسؤولين وغيرتهم على المدينة. وبغض النظر عن كيفية تدبير الامور، فإشعاع الاقتصادي والعمراني للمدينة في تزايد مستمر، وان مستقبل المدينة رهين بمدى غيرة ابنائها وتبنيهم لأساليب التدبير الحديثة المرتكزة على الحكامة الجيدة بعيدة عن الحسابات الشخصية والسياسوية الضيقة. المراجع المعتمدة: المهدي بنمير، الجمامة المحلية بالمغرب وسؤال التنمية البشرية،مطبعة وليلي، مراكش. سعيد جعفري وآخرون، المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، مطبعة OUMA GRAPH، الدارالبيضاء. بهيجة هسكر، الجماعة المقاولة بالمغرب، طوب بريس، الرباط، 2010. محمد الغلبزوري، المنهجية التشاركية في التدبير العمومي، بحث لنيل دبلوم الماستر، جامعة محمد الاول، وجدة.