وأنت تلج مدينة إيموزار كندر قادما إليها من فاس، يتملكك إحساس رهيب محفوف بالفرح، وتستبد بك مشاعر طفولية تضج بالحياة لكونك رحلت من صيف قائظ يسم مناخ العاصمة العلمية، درجة الحرارة فيها تحقق مستويات قياسية إلى صيف تكاد تنعدم فيه الشموس الحارقة حيث اعتدال المناخ وسحر الطبيعة الشامخة وغزارة المياه التي توفرها التساقطات المطرية والثلجية على امتداد الفصول الثلاثة من السنة، كل ذلك يشكل معايير مغرية بالنسبة للساكنة والمصطافين على حد سواء باعتبار المدينة بفضل عطاءات الطبيعة السخية وموقعها الجغرافي صارت تتربع على عرش الأطلس المتوسط كجوهرة نادرة ولؤلؤة أبدعتها يد الخالق تنام ثلاثة فصول وتستيقظ صيفا.إلا أن المسؤولين بها لم يكونوا في مستوى انتظارات الناس وفضلوا استعمال معاول الهدم والتخريب بحثا عن كنوز سمينة لإشباع مصالحهم الانتهازية عبر مختلف الاستحقاقات الانتخابوية. رغم أن الدولة رصدت منذ حوالي سنتين أزيد من 11 مليار سنتيم للتأهيل الحضري من خلال تجهيز الطرق وهيكلة البنيات التحتية خاصة قنوات الصرف الصحي المنعدمة وإحياء الروح في المسبح البلدي الذي تحول إلى مجرد أطلال منذ تسعينيات القرن الماضي وإحداث ملعب آخر لكرة القدم بعد أن تم الإجهاز على الملعب الرئيسي الذي تحول إلى تجزئة سكنية إثر صفقة مشبوهة تواطأت فيها أطراف في السلطة والجماعة وجهات أخرى..إلا أن الأشغال انطلقت منذ أزيد من سنة بشكل بطيء بسبب ضعف وهشاشة الإمكانيات اللوجستيكية وغياب آليات المراقبة. أوضاع المدينة الآن تزداد تدهورا بفعل سيادة الفوضى وسوء التدبير وتقاعس المجلس خاصة بعد إدانة الرئيس لأسباب انتخابية واحتلال الملك العمومي والغزو الإسمنتي للفضاءات الخضراء والبناء العشوائي بالأحياء الهامشية وشهدت المنطقة برمتها خصوصا صيف هذه السنة وشهر رمضان الفضيل انفلاتات أمنية وكل مظاهر التسيب ضيقت الخناق على السياح والمصطافين.. إدانة الرئيس شهد الشهر المنصرم حدثا استثنائيا غير مسبوق في تاريخ العمل الجماعي حين قضت المحكمة الابتدائية بصفرو بمؤاخذة رئيس الجماعة الحضرية لإيموزار كندر والحكم عليه بشهر واحد حبسا موقوف التنفيذ وغرامة نافذة قدرها 1200 درهم مع الصائر والإجبار في الحد الأدنى،وذلك بعد أن تابعته النيابة العامة بتهمة إخفاء مانع قانوني عند طلب القيد في لائحة انتخابية واستعمال تصريحات مدلسة للحصول على قيد في لائحة انتخابية والانخراط في حزب سياسي وفقا للفصل 81 من قانون رقم 979 المتعلق بمدونة الانتخابات والمادة 06 من قانون 0436 والفصل 55 من قانون رقم 0436 المتعلق بالأحزاب السياسية.وقد جاءت المتابعة بناء على شكاية تقدم بها ثلاثة مستشارين ينتمون لألوان سياسية مختلفة يفيدون فيها أن انتخاب رئيس المجلس البلدي بإيموزار كندر تم بشكل غير شرعي وذلك لكون المتهم يعمل كمتصرف بوزارة الداخلية وتحديدا موظفا في جهاز الاستعلامات بمصلحة الشؤون العامة بنفس الدائرة المتعلقة بقيادة آيت السبع دائرة إيموزار كندر .وقد ارتأت المحكمة أنه باعتبار أن المتهم خاضع للنظام الأساسي الخصوصي للمتصرفين بوزارة الداخلية فإنه يعتبر بذلك محروما من حق الانتماء النقابي ويعد بذلك ممن لا يحق لهم الانتخاب طبقا للمادة 42 من مدونة الانتخابات. بعد واقعة الإدانة،يتساءل بعض المتتبعين للشأن المحلي عن مسؤولية السلطات المحلية في هذه النازلة؟كيف تم استغفال هذه الأخيرة حين لجأ الرئيس إلى القيد في اللوائح الانتخابية؟ومن المستفيد من هذا الوضع الذي ترك الحبل على الغارب والمدينة تغرق في أوحالها؟ولماذا لم يتقدم المشتكون في إبانه لجظة الانتخابات للطعن في شرعية الرئيس؟ ...أسئلة وغيرها كثير يطرحها المتتبعون للشأن العام المحلي لتبقى الضحية في نهاية التحليل هي إيموزاركندر مدينة الشلالات وعاصمة الورديات بامتياز.. مؤهلات طبيعية وعبث بالإمكانيات إن المرء قد لا يستسيغ كون هذه المدينة التي تحتل موقعا جغرافيا شبيها بالنمط الأوروبي،وتزخر بمؤهلات طبيعية هائلة تتعرض يوميا للاغتصاب من طرف لوبيات تقاطعت مصالحها الانتهازية. فكيف يتسنى للسائح أن يقضي عطلته الصيفية على إيقاع تشوهات في الأمكنة حيث الحفر والأزبال ومستنقع البحيرة وسط المدينة وانعدام الإنارة في بعض الأحياء وتحويل المنطقة كاملة إلى مواقف للسيارات عليك أن تؤدي أينما حللت وارتحلت بسيارتك وبثمن يتجاوز بكثير المبلغ الذي حدده القرار الجبائي البلدي وهو درهمان ..كلها أشياء تعكس مدى ما وصلت إليه بعض الجهات والدوائر من الاستهتار بالإنسان والمكان.. لكن ما ذنب المواطن أو السائح الذي يبحث عن ضالته في الاستجمام والإنصات لسمفونية الحياة الهادئة في اللحظة التي يصطدم فيها بغياب فضاءات الترفيه وانعدام شروط الراحة والانفلاتات الأمنية بين الفينة والأخرى خاصة بعد إحداث خمارة وسط حي آهل بالسكان،والكلاب الضالة والقطط الشاردة التي تجول وتصول ليل نهار مزاحمة الإنسان في كينونته ووجوده؟.. وإذا كانت ساكنة المدينة يناهز تعداد سكانها حوالي 18 ألف نسمة،فإن الرقم يتضاعف كل صيف إلى أزيد من عشر مرات مما يؤهل المنطقة كي تنتعش اقتصاديا ويساهم في الرواج التجاري الذي يحتم على السلطات الإقليمية أن تتدخل لإنعاش المدينة سياحيا.إن السائح بلا شك لا يستمتع خلال الموسم الصيفي إلا بما حباه الله على هذا المنتجع الجبلي من جو لطيف وبرودة ناعمة وجمالية يؤثثها الشريط الغابوي الذي يحف بالمدينة مثل قلادة في عنق حسناء. التأهيل الحضري وبطء الأشغال رصدت منذ حوالي سنتين كل من وزارة الداخلية ووزارة التجهيز ومجلس جهة فاس بولمان والمجلس البلدي وجهات أخرى أزيد من 11 مليار سنتيم كتكلفة للتأهيل الحضري يهم بالأساس إحداث قنوات الصرف الصحي بكل أحياء المدينة وبناء ملعب رياضي بحي أمعراض رغم أن الموقع غير لائق حسبما صرح به بعض المهتمين بالشأن الرياضي وإعادة هيكلة كل الحدائق الشاسعة التي تحظى بها المدينة وإصلاح المسبح البلدي الذي طاله الإهمال والتهميش منذ حوالي عقدين من الزمن وتحول من مرفق سياحي يستهوي عشاق السياحة الجبلية إلى مرتع للمنحرفين وقبلة اتخذ منها البعض مكانا للتصبين رغم أن المجلس السابق تقول بعض المصادر قد خصص أزيد من 40 مليون سنتيم لإصلاح هذه المعلمة الشامخة/المسبح إلا أن هذه الميزانية لم يتسن لنا معرفة مصيرها ما دام أن أغلبية المجلس أمية لا تراهن إلا على المصالح الأنانية وقد اتخذت من المؤسسة المنتخبة مصدرا سهلا لمراكمة الثروات.كما يشمل التأهيل الحضري إصلاح الطرق والأزقة وتوسعة الطريق الرئيسية المؤدية إلى إفران.ورغم مرور أزيد من سنة على بدء الأشغال فإن تماطل المقاول وانعدام المراقبة والعشوائية في تدبير الأمور ساهم في بطء الأوراش بسبب ضعف وهشاشة الوسائل اللوجستيكية.وقد زادت هذه الوضعية في تعقيد الأمور وعرقلة حركة السير حيث وجد المصطافون خلال هذا الصيف صعوبات بفعل آلات الحفر التي حالت دون أن يتمتع السياح بعطلتهم الصيفية. البناء العشوائي والغزو الإسمنتي باتت مدينة إيموزار كندر في السنين الأخيرة قبلة مفضلة لدى العديد من»المنهشين» العقاريين ولقمة سائغة فتحت شهيتهم للاستحواذ على العديد من الأراضي والمناطق الخضراء بمباركة الجماعة وأطراف أخرى في حملة تبدو ممنهجة لتصفية ما تبقى من المجال الأخضر لاستبداله بالطوب والحجر عبر بناء التجزئات والكثير من السكنيات بأثمنة تفضيلية دون رقيب ولا حسيب.هكذا تحولت المدينة إلى بورصة للمضاربات العقارية وساحة خصبة لتجارة مربحة انخرط فيها بعض موظفي ومستشاري الجماعة. وعوض أن ينكب المسؤولون على شؤون المدينة لوقف نزيف هذا الغزو الإسمنتي والتصدي لهذا الاكتساح السرطاني الذي شوه المعالم الطبيعية للمنطقة وساهم في تبشيع البعد العمراني،غضوا الطرف عن كل الجرائم التي تمس المجال البيئي.ولعل أفظع جريمة يقول مصدر مطلع تنخر جسد المدينة تتعلق بالبناء العشوائي المنتشر كالفطر بالأحياء الهامشية كالمشاشة وعلا يشو وأمعراض فرحة ..هذه الوضعية ليست حديثة العهد بل هي امتداد للمجالس التي تعاقبت على المدينة وما زالت مستمرة «عجزت» السلطات المحلية عن قطع دبرها؟ المجتمع المدني على الأوراق! الجمعيات المتواجدة بالمدينة وفي مختلف الحساسيات الثقافية يفوق عددها الثلاثين البعض منها يشتغل في المناسبات وحسب الأهواء والباقي لا أثر له في المشهد الثقافي اللهم إلا حضوره في الملفات التي تودع رهن إشارة السلطة وكذا دار الشباب التي «استقالت» منذ سنوات عن الأنشطة الثقافية والرياضية.هذا العدد الضخم من مكونات المجتمع المدني لم يستطع يوما أن يأخذ بزمام المبادرة للمساهمة في تأهيل المدينة أو وضع تصور عملي لتصحيح الوضع أو تقديم مشاريع اقتراحية ما دام أن المجتمع المدني هو في العمق قوة اقتراحية وليست تنظيمات لممارسة الترف. رمضانيات ما ميز هذا الشهر الرمضاني الفضيل هو تزامنه مع موسم فلاحي جيد عرف إنتاج عدد من الفواكه المحلية فضلا عن عدد من الخضر التي تم تسويقها بأسعار جد مناسبة.وموازاة مع هذا الموسم المنتج الذي استبشر له المواطنون ،شهدت المدينة حركة تجارية سادتها الفوضى وسوء التنظيم.فقد تحولت المقبرة المتواجدة وسط المدينة إلى سوق وساحة اختلطت فيها المواد الغذائية والفلاحية بالسلع المهربة ومطارح للأزبال .يجري هذا وسط غياب أي شكل من أشكال المراقبة مما ساهم في تشويه المعالم الجمالية التي تحظى بها بوابة الأطلس المتوسط.