لعب العامل السياسي دورا حاسما في تحديد ملامح مدينة مكناس ، منذ استقرت بها قبائل مكناس المهاجرة من شرق المغرب، نواحي تازة في القرن العاشر الميلادي، وستصبح موقعا عسكريا في عهد المرابطين، قبل أن تعرف عصرها الذهبي مع تأسيس دولة العلويين، واختيارها من طرف المولى اسماعيل، لتكون عاصمة لملكه التاريخ، الجغرافيا.. والسياسة تعتبر مدينة مكناس ، قطب جهة مكناس تافيلالت، إذ يفوق سكانها اليوم ثلث ساكنة الجهة ، متموقعة في شمال الجهة على هضبة السايس الغربي، ما جعل منها على مر العصور، صلة وصل بين المغرب الشرقي والمغرب الأطلنطي، كما اعتبرت ممرا لمختلف التيارات البشرية والمبادلات التجارية والاقتصادية، المتنقلة من الغرب الى الشرق، ومن الشمال الى الجنوب، وبذلك يعتبر إقليممكناس، من أهم المواقع الاستراتيجية الذي نحتته الجغرافيا والتضاريس وتاريخ الاستيطان البشري.. ورغم هذه الظروف الطبيعية الملائمة ، والتربة الجيدة، والمناخ المساعد ، فإن الاقليم مهدد بندرة المياه، بالنظر الى عدم كفاية موارده المائية من جهة، والاستغلال المفرط غير المراعي لاقتصاديات الماء من جهة ثانية. فهضبة السايس التي تقع في قدم الأطلس المتوسط، خزان المياه الأساسي في المغرب، لا تتوفر إلا على موارد مائية نسبيا محدودة ، وهي عرضة باستمرار للاستنزاف ، نشير إليها كالتالي: وادي بوفكران ، يفصل المدينة القديمة عن الجديدة، بصبيب 200 لتر في الثانية . وادي ويسلان في شرق وشمال شرق المدينةالجديدة، بصبيب 70 لترا في الثانية وادي بويسحاق، غرب المدينة القديمة 20 لترا في الثانية. كما لعب العامل السياسي دورا حاسما في تحديد ملامح مدينة مكناس ، منذ استقرت بها قبائل مكناس المهاجرة من شرق المغرب ، نواحي تازة في القرن العاشر الميلادي ، وستصبح موقعا عسكريا في عهد المرابطين ، قبل أن تعرف عصرها الذهبي مع تأسيس دولة العلويين، واختيارها من طرف المولى اسماعيل ، لتكون عاصمة لملكه ، في تجاوز للصراع التقليدي حول المدينة السلطانية ، بين فاس ومراكش.. لكن سرعان ما سيخفت صيتها، ويتراجع دورها، لقرنين من الزمن تقريبا، قبل أن تنبعث من جديد ، مع دخول الاستعمار الفرنسي، حيث سترقى بوظائفها الى ما فوق جهوية، وسيصل تأثيرها الاقتصادي الى الأطلس المتوسط الغربي والأوسط ، وملوية العليا، وقسم من الأطلس الكبير الشرقي، وكل الجنوب الشرقي وأجزاء من الغرب.. فأصبحت مكناس بذلك مدينة ذات وظائف إدارية، ومركزا عسكريا مهما، كما أصبحت عاصمة للاستعمار الزراعي المتمركز في هضبة السايس ومنطقتي الغرب وزمور .. كما تحولت المدينة في هذه الفترة الى قطب صناعي يمارس جاذبية لا تقاوم ، سواء بالنسبة للساكنة الأوروبية، أو للسكان المغاربة المسلمين منهم واليهود، وذلك بسبب ما خلقه المستعمر من أنشطة خدماتية، ووحدات صناعية ، خصوصا الصناعات الغذائية.. وطبيعي أن يؤدي هذا الازدهار الى تزايد سريع للسكان : فمن 25000 نسمة في العشرينيات من القرن الماضي ، انتقل عدد السكان في سنة 1956 الى 170000 نسمة ، ما يعني أن جاذبية المدينة ساهمت في تضاعف عدد السكان الى 5.6 مرة . لكن مع رحيل الأوروبيين ، وما تبعه من هجرة لليهود ، ستتجمد الاستثمارات ، وتنسحب الرساميل من مختلف فروع الاقتصاد المحلي ، من صناعة وتجارة وخدمات ، مما سيؤثر سلبا على الوضعية الاقتصادية العامة للمدينة ، وسيقلص بشكل كبير من إشعاعها على المستوى الإقليمي والوطني ، و سيؤثر هذا التراجع على المستوى الديمغرافي أيضا حيث ستتراجع نسبة التزايد من 4.4 في المائة الى 3.2 في الفترة ما بين 1960 و1971 ، وسيتأكد هذا التراجع خلال العشريات اللاحقة ، اذ ستنزل نسبة التزايد الى 2.3 بين سنتي 1982 و 1994، والى أقل من 2.1 في الفترة ما بين 1994 و 2004. أما من حيث توزيع المجال ، فإن المجالات الموروثة عن الفترة الاستعمارية ، تكشف عن سوء تنظيمها، بتواجد البعض منها وسط الأحياء أو بجانبها، متناثرة وغير خاضعة للتجمع المجالي المتخصص ..، يضاف الى ذلك التوزيع غير العادل للتجهيزات، اذ أن مدينة مكناس عرفت قطبية غير مستحسنة في التوزيع : الوحدات الصحية، المنشآت الرياضية، المؤسسات الثقافية ، مجالات الترفيه.. وإجمالا فإن النمو الحضري لمدينة مكناس، كانت له انعكاسات سوسيو مجالية وبيئية واضحة، رافقتها مشاكل واختلالات متعددة ، من أبرز تجلياتها الاستعمال غير العقلاني للأرض والتعمير العشوائي وانتشار الهشاشة وأحزمة الفقر ، وتدهور الأنسجة القديمة والجديدة .. وكلها عناصر أدت الى اللاتوازن، والفوضى العمرانية وسوء التخطيط الحضري. توالي الاختلالات بفعل غياب وتغييب التخليق السياسي والإداري والفساد المالي باستثناء بعض الفترات التي دشن فيها التسيير الجماعي مصالحة مع المواطنين بالاستجابة لتطلعات الساكنة ، من خلال أهم ما تفتخر به المدينة اليوم من منجزات ، كملعب السلم ، والمحطة الطرقية ، ومحطة بيع الحبوب ، وإعادة تأهيل قصر المؤتمرات ، والقضاء على أكثر من 80 في المائة من مدن الصفيح ، وإعادة هيكلة أحياء ومناطق سيدي بابا ، ثاورة ،برج مولاي عمر، الفخارين .. وتبليط وتزليج كل المدينة القديمة، مع تقوية شبكة قنوات الصرف الصحي والانارة العمومية.. باستثناء هذه الفترات التي تحمل فيها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مسؤولية تدبير الشأن المحلي بكل فخر وبكل تواضع أيضا ، فإن ما عرفته الاستحقاقات المتلاحقة ، من تشويه لإرادة الناخبين، من طرف السلطات ، وما عرفته ذمم المواطنين من نخاسة، في العديد من التجارب الانتخابية، وما أفرزته هذه العمليات الفاسدة من نخب فاسدة، ما زال جزء منها ينيخ بكلكله على خيرات هذه المدينة، فقد تقهقرت المدينة الى الوراء سنوات، عبر تراجع خطير هم كل المجالات والأصعدة، والمستويات يمكن تلخيص عناوينه الكبرى في: تحويل المدينة ضدا على أصالتها ، الى قرية كبيرة بسبب البناء العشوائي، وخلق أحياء تفتقر الى أبسط التجهيزات والمرافق الضرورية خنق المسالك والطرقات، بسبب احتلال الملك العمومي وتحويله الى ملك خاص .. كظاهرة لم تسلم منها أية مساحة أو شارع على طول وعرض المدينة القضاء على كل أسباب التنمية المستدامة، بسبب التفويت المشبوه لأراضي الدولة من مساحات خضراء وغيرها، الى مافيا العقار و أصحاب النفوذ المالي والسلطوي، مما استنزف الوعاء العقاري للمدينة، وحولها الى ركام من الاسمنت ، وعرض المواطنين الى أزمات حادة، وبخاصة في مجال السكن . سيادة منطق الابتزاز والرشوة لدى القائمين على الشأن المحلي في تعاملهم مع المواطنين ومع رهانات التنمية بالمدينة . إفقار المدينة من المتنفسات التثقيفية و الرياضية والترفيهية ، وحتى الموجود منها ، فإن منطق الريع الحزبي والانتخابي هو المتحكم في طرق الاستفادة منها ، وهذا ما حال دون ظهور المواهب المختلفة التي تزخر بها المدينة، ولا ينقصها سوى فضاءات الاستكشاف. عدم قدرة السلطات المحلية على فرض احترام القانون ، إما عجزا أمام جبروت الفساد المستفحل ، وإما تواطؤا ، وإما عدم تقدير للعواقب ، وهذا ما ساهم بقسط أوفر في الزيادة من معاناة المواطنين وتردي أوضاعهم ، والقضاء على كل جاذبية ممكنة للمدينة . انعكاس هذا الوضع على باقي قرى وجماعات الاقليم ، التي تعيش الهشاشة بفعل عدم كفاية الشبكة الطرقية ، بل انعدامها في بعض الجهات .. وبفعل أزمة الماء، التي أصبحت هيكلية بسبب توالي سنوات الجفاف، وبفعل تواتر الهجرة القروية كنتيجة حتمية للجفاف، مما انعكس سلبا على الاستغلال الأمثل للإمكانيات الفلاحية المتاحة.. كل هذا العطب، مس المكانة التاريخية والرمزية للمدينة والإقليم، وأثر على دورها كمركز صناعي وفلاحي، وصار يفرض حالة استعجال قصوى لرفع تحدي النهوض بالمدينة، عبر تخطيط للنمو يشمل ما هو حضري ، واقتصادي، وثقافي، وبيئي، ورياضي.. ملا حظات واقتراحات 1 إن كل إصلاح يحتاج لإرادة سياسية للإصلاح ، وبما أن الإصلاح هو ضد الإفساد ، فلا يمكن أن نتصور إصلاحا بفاسدين أو مفسدين ، وتأسيسا عليه، نقترح أن يبعد من هذا الورش ، كل مسؤول تورط في متابعة قضائية أو فساد مالي أو سياسي ، وكذا كل من تحوم حوله شبهة من ذلك ، حتى يكون عبرة لغيره . 2 أن تطلق حملة تحسيسية دائمة عبر كل الممكنات المتاحة للتحسيس بأزمة الماء المستقبلية، والعمل على سن سياسة تقشفية في استعمال هذه المادة الحيوية. 3 إرساء تجهيزات رياضية وثقافية وترفيهية وصحية وتعليمية خاصة ، بكل وحدة من الوحدات الحضرية المكونة للمدينة . 4 المحاربة الدائمة والمتواصلة لاحتلال الملك العمومي، واسترجاع المساحات الخضراء ، وتهييئها وإعادة تأهيلها ، وإشراك المواطنين في مسؤولية الحفاظ عليها عن طريق رقم أخضر للتبليغ عن كل مساس بالمجال ، وكذا إحداث لجنة مختلطة بعضوية السكان أنفسهم لتقبل الشكايات وتتبعها . 5 إحداث منفذ نحو الطريق الرئيسية لمدينة سيدي قاسم ، عبر تجزئة النصر بسيدي بابا ، انطلاقا من باب ثلث فحول ، وبساتين ورزيغة . للحفاظ أولا على البيئة ، وذلك بإلزام شاحنات جمع النفايات المتجهة الى المطرح البلدي من جهة المنصور والمدينة القديمة ومرجان بالمرور عبره، وثانيا للتخفيف من وطأة حركة السير والجولان، بإلزام حافلات النقل الطرقي بين المدن المتجهة لمدن الشمال بالمرور عبره أيضا . 5 إحداث مراكز للشباب ، نظرا لدورها الفعال في التنشئة الاجتماعية وكذا دورها التربوي ، و التي لا يتوفر ولو واحد منها بالإقليم ، في حين أن إقليمالحاجب على صغره وحداثة إنشائه يتوفر على مركز تضطر جمعياتنا التي تعد بالمآت الى انتظار دورها في الاستفادة من خدماته في التأطير والتكوين. 6 إعادة النظر في إشارات التشوير ، ومحطات وقوف سيارات وحافلات النقل العمومي ، وكذا الأماكن التي يمنع الوقوف أمامها . وهذه الملاحظة نابعة من أن بعض أصحاب المحلات التجارية قد خوصصوا واجهات محلاتهم ، بل حتى بعض الحانات صارت تضع أمام ماخوراتها شارة ممنوع الوقوف. 7 اعتماد مقاربة اجتماعية لمعالجة بعض المشاكل التي تمس شرائح واسعة من المواطنين بالمدينة، ضمنها مشكل سكان سيدي بوزكري المهددين بالإفراغ، وسكان عمارة بيرنار، وعمال الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء المعتصمين منذ سنوات. 8 اعتماد الحكامة الجيدة والمقاربة التشاركية والشفافية ، في إعادة هيكلة المدينة القديمة باعتبارها إرثا إنسانيا وتراثا عالميا ، وذلك بتخصيص غلاف مالي لإصلاح وترميم الدور الآيلة للسقوط ، وإعادة إسكان سكان الدور المهدمة بشفافية وعدل . 9 إلزام الباعة المتجولين بالخضوع لنظام الأسواق الأسبوعية المتنقلة بين جهات ومناطق المدينة ، التي أضحى العمل بها ضرورة ملحة خلاصة إننا في الكتابة الاقليمية بمكناس، ندرك تمام الادراك بأن عملا بهذا النبل وهذا الحجم، لن يقدر على إنجازه فرد لوحده مهما تعددت إمكاناته ومواهبه ، ،فهو عمل لا بد من أن يشترك فيه العديد من الكفاءات والفعاليات ، وندرك أيضا بأن الكفاءة العلمية لوحدها لا يمكن أن تصل بالمشروع الى منتهاه، الذي هو في الأول والأخير خدمة الإنسان والمجال والحفاظ على هوية المدينة وتاريخها ، ولذلك وجب التنبيه الى أن دور السياسي حاسم في الموضوع. إن مشروع "مكناس الكبير" فرصة للمكناسيين، فلا ينبغي أن تكون موسمية كسابقاتها ، ومهما بالغنا في إبداء حسن النية، فإننا نتوجس من أن يلتف اللوبي المصالحي على الفكرة النبيلة ، فنجتر المرارة مرة أخرى.