شهد فضاء «لاكوبول» بحديقة الجامعة العربية مساء يوم السبت 6 نونبر، تنظيم أطوار الحديقة الفكرية الثالثة من برنامج الفضاء الحداثي للتنمية و التعايش «الحدائق الفكرية»، وذلك بشراكة مع مركز الدراسات و الأبحاث الإنسانية مدى، و بتنسيق مع المقاطعة الجماعية سيدي بليوط، حيث اختارت لها السكرتارية الوطنية موضوع : «المجتمع المغربي و سؤال المواطنة «، رغبة منها في تدارس سؤال المواطنة، و إشكالياته التأسيسية، وأجرأته داخل مكونات المجتمع المغربي، و تفعيل آلياته المفهومية و السلوكية، ليغدو من معالم المجتمع المغربي الحداثي الديمقراطي المنشود، كما ورد في كلمة الجمعية التي تلاها الدكتور مصدق المرابط النائب الثاني للسكرتير الوطني للفضاء الحداثي للتنمية والتعايش، والذي أكد خلالها على أهمية تنظيم هذه الحديقة الفكرية الثالثة، نظرا لراهنية الموضوع، و انسجاما مع الدور الذي يجب أن يلعبه المجتمع المدني في خلق وعي حقيقي بمفهوم المواطنة الصادقة، المبنية على قيم التعايش و التسامح وقبول الغير و نبذ كل مظاهر العنف و أشكال الإرهاب المادية و المعنوية، و هو ما ينسجم مع المبادئ و الأهداف التي أسست عليها جمعية الفضاء الحداثي للتنمية و التعايش . من جهته تطرق مسير الجلسة حسام هاب الكاتب العام للسكرتارية المحلية بعين الشق خلال بداية هذا اللقاء الفكري إلى المضامين والنقاط العريضة التي تضمنتها أرضية النقاش التي أعدها الفضاء الحداثي، والتي أكدت على أهمية سؤال المواطنة باعتباره سؤالا جوهريا داخل المجتمع المغربي في ظل التحولات البنيوية التي يعرفها هذا المجتمع إن على المستوى السياسي أو الاجتماعي وكذا الديمقراطي بالنظر إلى تحولاته الراهنة ، إضافة إلى ارتباط مفهوم المواطنة بإشكالية الحداثة في الفكر والمجتمع المغربي، وذلك من أجل بلورة هذا المفهوم كقيمة حقوقية سامية داخل المجتمع المغربي. حيث حصرت هذه الأرضية المدخلية محاور النقاش في نقطتين أساسيتين : مهام المجتمع المدني في نشر ثقافة المواطنة. دور الأحزاب السياسية في نشر هذه الثقافة ، و تمثلها في برامجها الحزبية. تظاهرة فكرية غنية تميزت بمتابعة جماهيرية وازنة من مختلف الفئات العمرية والشرائح، سيما منها الشباب والطلبة، من الجنسين إناثا وذكورا، وعمل على إغناء النقاش خلالها اسمين بارزين داخل المشهد السياسي والإعلامي والثقافي والجمعوي في المغرب، أثثا بمداخلاتهما القيمة جو النقاش الفكري المتقدم داخل هذه الحديقة الفكرية و يتعلق الأمر بالأستاذين : عبد الحميد جماهري ، عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ومدير تحرير جريدة «الاتحاد الاشتراكي» ، والدكتور المختار بنعبدلاوي ، مدير مركز الدراسات و الأبحاث الإنسانية مدى ، في حين اعتذر عن الحضور في آخر لحظة أستاذ العلوم السياسية عبد العالي حامي الدين لانشغالات حزبية. المداخلة الأولى للأستاذ المختار بنعبدلاوي تطرق عبرها إلى مقاربة فلسفية لمفهوم المواطنة حيث طرح في بداية مداخلته سؤالا إشكاليا حول العلاقة الجدلية بين الحداثة والمواطنة ، باعتبار أن هذه الأخيرة إحدى تجليات المشروع الحداثي الفكري والمجتمعي، و قد قسم المتدخل مداخلته إلى جزءين، متناولا خلال الجزء الأول تطور مفهوم الحداثة في أوربا انطلاقا من السياقات السياسية، والاقتصادية ، و الاجتماعية ، و الثقافية التي أفرزت المفهوم و أطرته في علاقته بمكونات الفكر الغربي خاصة العقل، الذي اعتبرته الحداثة مرجعية مقدسة ووضعته في لب الوجود الإنساني . و اعتبر ذ- بنعبدلاوي الحداثة هي زمن انهيار الايديولوجية، و زمن التجانس بين الفكر و الواقع ، وهي المقاربة الأمثل التي جعلت الإنسان الأوربي بعيدا عن التأثيرات الدينية ، مبادرا و دفعته إلى ما أصبح يسمى الآن في أوربا بعالم ما بعد الحداثة في عمقه الإنساني. أما الجزء الثاني من مداخلته فقد قدم خلالها مفهوم المواطنة ، الذي اعتبره وليد الثورة الفرنسية والصدام الذي وقع بين فئات المجتمع الفرنسي، و هو ما أفرز مواطنة داخل مجتمع الحداثة و دولة المؤسسات، لينتقل إلى الحديث عن المواطنة داخل المجتمع المغربي، و دور المجتمع المدني في نشرها و نقل خطاب الحداثة و المواطنة إلى خطاب واقعي ممارساتي، يكيف المفهوم مع الواقع المغربي. قبل أن يختم في الأخير مداخلته بالدعوة إلى ضرورة القيام بإصلاح ديني في المغرب يجب أن يقع على عاتق الحركة التقدمية والإسلامية معا، باعتبار أن الاتجاه الديني في أوربا هو الذي بادر إلى الإصلاح الديني، و أن الحركات الدينية اليمينية في المجتمع الأوربي تدخل ضمن الحداثة. الأستاذ عبد الحميد جماهري حدد خلال مداخلته الغنية المفهوم الشامل للمواطنة انطلاقا من مقاربات متعددة، واشكاليتها داخل المجتمع المغربي خصوصا من الزاوية السياسية ، مشددا على أن المواطنة مشروع مجتمعي جماعي له زمان و مكان محدد مرتبط بالوطن، و بأنها رهينة بامتلاك الإنسان لحقوقه، لكن بالضرورة أيضا مع وعيه بواجباته، إضافة إلى ارتباطها بالمشروع الديمقراطي الحداثي داخل المجتمع، وعليه فقد تطرق ذ. الجماهري إلى أهمية دور الأحزاب السياسية داخل المجتمعات بشكل عام وفي بلدنا على الخصوص، في الجانب المرتبط بنشر ثقافة المواطنة ، سيما في جانبين/محورين أساسين و هما : مسألة المرأة، التي تعتبر أحد المقاييس التي تقاس عليها المواطنة، إضافة إلى العمل السياسي خاصة الحزبي منه، حيث أشار إلى أهمية مسألة الانتماء الحزبي و اعتبره من أرقى الانتماءات ، و أحد تجليات ممارسة المواطنة المسؤولة داخل المجتمع السياسي و المدني في المغرب. المداخلتان معا أغرتا الحضور للتدخل من أجل طرح التساؤلات والمشاركة بالآراء المختلفة في الموضوع والمقاربات التي عولج بها، بالنظر إلى غناها وثرائها الفكريين، والتي تمحورت حول، النقاشات المرتبطة بمسألة الحداثة، و المواطنة و المسألة الثقافية و علاقتهما بالمجتمع، و قد استأثرت هذه القضايا بالجانب الأكبر من نقاشات الحضور الذي أثث فضاء لاكوبول ، مما بين بشكل جلي أهمية الموضوع و راهنيته ، و مدى تعطش المواطن المغربي إلى مثل هذه الأنشطة الثقافية المفتوحة على الفضاءات العمومية ، و التي تتناول المواضيع و التيمات المرتبطة بشكل عضوي بواقعه السياسي و الاجتماعي ، الشيء الذي يؤكد مدى نجاح هذه التجربة الفكرية الفريدة من نوعها في المغرب ، و قدرتها على جذب المهتمين بالشأن السياسي و الثقافي في بلادنا . لتضرب السكرتارية الوطنية للفضاء الحداثي للتنمية و التعايش موعدا جديدا في الحديقة الفكرية الرابعة مع موضوع جديد بمقاربات مبنية على سياسة القرب مع المواطن المغربي في الفضاءات العمومية خدمة للمشروع الديمقراطي الحداثي الذي يجب أن يكون المجتمع المدني فاعلا أساسيا فيه . يذكر أن برنامج الحدائق الفكرية، كانت قد أعلنت السكرتارية الوطنية لجمعية الفضاء الحداثي للتنمية و التعايش عن إطلاقه قبل 5 أشهر بحديقة الإسيسكو (مردوخ سابقا) ، حيث تناولت آنذاك موضوع «الأدب في مواجهة الإٍرهاب « وذلك بتنسيق مع مجلس مقاطعة مرس السلطان، والذي عرف مشاركة صحافيين وأدباء وشعراء من الجنسين، إلى جانب السيدة سعاد البكدوري التي شاركت بقراءة مقاطع من كتابها «قبل الأوان»، ثم تلتها بعد ذلك الحديقة الفكرية الثانية التي نظمت خلال شهر رمضان الأبرك ، بفضاء حديقة الإدريسية بتنسيق مع المجلس العلمي لعمالة مقاطعات الفداء مرس السلطان، والمقاطعة الجماعية الفداء في موضوع « القيم السمحة في الإسلام «. إلى ذلك فقد أعلنت السكرتارية الوطنية للفضاء الحداثي للتنمية والتعايش عن إطلاق برنامج وطني جديد لها خلال الشهر المقبل سيشهد انطلاقته بتراب عمالة مقاطعات الفداء مرس السلطان يترجم سياسة القرب التي مافتئت الجمعية تبلورها من خلال برامجها، ستعلن عن تفاصيله لاحقا.