السيد الرئيس ، السيدات والسادة الوزراء ، السيدات والسادة النواب ، فرصة مناقشة القانون المالي أملنا دوما في الفريق الاشتراكي أن تكون موعدا سنويا وحدثا دستوريا بامتياز وهذا هو المفروض أن يكون حدتا دستوريا للنقاش وللمساءلة بين الحكومة والبرلمان من أجل تحسين وقع السياسات العمومية على الواقع المعيشي للمواطنين . وسنبقى متشبثين بالرقي بهذا النقاش إلى مستوى ما تتطلبه المسؤولية السياسية في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفكرية بدل أن نحول النقاش في جزء كبير منه إلى عملية تقنية محاسباتية لا ترقى إلى مستوى طرح القضايا والإشكالات الكبرى التي تعيشها البلاد من منطلق المراقبة الدستورية للتدبير الديمقراطي السياسي والاقتصادي والاجتماعي لشؤون البلاد . من هذا المنظور سنناقش القانون المالي الحالي أساسا من منطلق قدرة بلادنا على التوفيق بين المتطلبات والإكراهات في إطار توجه طموح لبلادنا نحو تثمين الإصلاحات المنجزة عبر إعطاء نفس جديد لمنهجية الإصلاح من أجل الرفع من القدرة المؤسساتية للدولة أمام المتطلبات الاقتصادية والاجتماعية المتصاعدة للمجتمع . السيد الرئيس ، مداخلة فريقي هاته ستتناول المحددات الأساسية لنظرتنا للقانون المالي من منطلق هويتنا كحزب اشتراكي يقوم على التوجه الاجتماعي والديمقراطي ومنخرط بكل مسؤولية في الائتلاف الحكومي منسجما مع قناعاته كقوة اقتراحية ، تساند ، وتدعم كل ما هو إيجابي ، وتنبه وتقترح وتعارض ما تراه غير ذلك انطلاقا من المشروع الاجتماعي والديمقراطي الذي يجسد الحد الأدنى لتوافقنا داخل الائتلاف الحكومي . وقبل الشروع في المناقشة نرى في الاتحاد الاشتراكي أن هناك قضايا أساسية تسائلنا اليوم بكل قوة واستعجالية وبدون الحديث عن هذه القضايا ذات البعد الوطني سيكون نقاشنا خارج السياق لذلك نضع مداخلتنا هاته تحت عنوان « الوطن فوق كل الاعتبارات» إن هذا العنوان ، السيد الرئيس ، حضرات السيدات والسادة ليس شعار محطة أو موقفا ظرفيا بل هو إيمان وعقيدة ومنهاج في سلوك وأخلاق الاتحاد الاشتراكي ، منهاج نتقاسمه مع كل القوى الحية في البلاد ، منهاج يجد سنده في المشروع الذي يرعاه جلالة الملك محمد السادس بكل ما يحمله من تصميم ودلالات للحفاظ على وحدة الوطن وصيانة أراضيه ، وكرامة أبنائه ، وبناء المستقبل على أسس صحية قوامها دولة المؤسسات في إطار الملكية الدستورية الديمقراطية والاجتماعية التي تعتبر عماد التلاحم الوطني. أولى القضايا التي تٌسائلنا اليوم قضية وحدتنا الترابية بعد خمس وثلاثين سنة على استرجاع الساقية الحمراء ثم وادي الذهب . خمس وثلاثون سنة بنى فيها شعبنا بدماء وعرق أبنائه أرض الصحراء ويحولها تدريجيا إلى مدن وأقاليم تتنافس من أجل التطور والتنمية . خمس وثلاثون سنة من التضحيات من أجل وضع هذه الأقاليم في دينامية التنمية وسط الصعاب والهزات الاقتصادية وفاتورة الإنجازات التي أداها الوطن ككل بجميع جهاته وأقاليمه ومدنه وقراه ومداشره. خمس وثلاثون سنة من الصمود والشهداء والأرامل من أبناء قواتنا المسلحة وباقي القوات وصيانة مكتسبات الوطن. نفس المدة الزمنية من المعاكسة والتناور والابتزاز الدبلوماسي والاستغلال المقيت لكل ظرفية جهوية أو قارية أو دولية من طرف الجزائر ضد وحدة المغرب الترابية. هذه المعاكسة والتناور وصلت أوجها في الأحداث الأخيرة التي شهدتها العيون وضواحيها والتي راح ضحيتها مواطنون أبرياء - رحمة الله عليهم ومساندتنا لباقي الضحايا ومؤازرتنا للأسر التي تضررت من هذه الأحداث- لقد عبرنا في الفريق الاشتراكي في حينه وأثناء اجتماع لجنة الداخلية لمجلس النواب منذ يومين عن موقفنا الواضح المندد بكل ما يمس بوحدتنا الترابية وأكدنا ونؤكد اليوم تنويهنا بالوطنية العالية لأبناء أقاليمنا الجنوبية الوحدويين الذين صمدوا طيلة الخمس وثلاثين سنة وقبلها ضد كل أنواع التضليل والترهيب والإغراء معتبرين وحدة الوطن فوق كل اعتبار ، وقلنا بأن هؤلاء المواطنين الذين احتجوا سلميا من أجل تحسين أوضاعهم المعيشية في إطار ما تضمنه لهم قوانين البلاد يستحقون العناية من كل حيف أو ظلم ، وفي المقابل فإن كل من يمس بوحدة الأرض والمقدسات يجب أن يعاقب بكل صرامة وبدون تساهل وأن أمن البلاد وأمن الساكنة وسلامتها الجسدية وسلامة ممتلكاتها هي من مسؤولية الدولة وستجد كل أبناء الوطن الأوفياء وفي مقدمتهم البرلمان من المدافعين والمساندين لها . لقد جاء الخطاب الملكي في الذكرى الخامسة والثلاثين محصنا لمكتسبات الوطن واضعا حدا لأية مغالطة : على المجموعة الدولية أن تحدد بشكل واضح وصريح من المسؤول عن عرقلة المسار التفاوضي؟ المغرب لن يتخلى عن أبنائه المحتجزين في تندوف ولن يدخر جهدا لتمكينهم من حقوقهم الأساسية في حرية التعبير والتنقل والعودة إلى وطنهم الأم . المغرب يرفض الاستغلال المقيت لما تنعم به البلاد من حريات لمحاولة النيل من وحدته الترابية ولن يسمح بأي خرق أو تعديل أو تشكيك في سيادته على كامل ترابه الوطني. إطلاق مشروع الجهوية المتقدمة الذي ستكون الأقاليم الصحراوية في صدارة إقامته. إعادة هيكلة المجلس الاستشاري للشؤون الصحراوية ، ودمقرطة تركيبته باعتماد حكامة جيدة وتوسيع صلاحياته . إعادة هيكلة وكالة أقاليم الجنوب عبر اعتماد مقاربة جديدة تعتمد القرب وتستهدف الإدماج الاقتصادي والاجتماعي لشبابنا وللمرأة بالصحراء . لقد سبق لنا في الفريق الاشتراكي أن نبهنا إلى الاختلالات التي تشكو منها الأقاليم الجنوبية نتيجة حكامة محلية في حاجة إلى المراقبة والمراجعة وإنصاف الفئات المتضررة وخاصة في مجالات السكن والشغل وعائدات الإنعاش الوطني والقطع مع ثقافة الريع والاتكالية من أجل إدماج ساكنة الصحراء في قلب المعادلة التنموية . اليوم إذ ننخرط في مضامين الخطاب الملكي للمسيرة في بعديه الدبلوماسي والتنظيمي بأقاليمنا الجنوبية نجدد التأكيد على دعم صمود أبناء الصحراء الوطنيين وعلى التصدي الحازم لكل مساس بوحدتنا الترابية أيا كان مصدره. وقد أكدنا ونؤكد اليوم بأن الوطن واحد وأن الوطنية تتنافى إطلاقا مع الانتهازية والابتزاز عندما يتعلق الأمر بوحدة الوطن . إن تحصين مكتسباتنا الوطنية هي مسؤولية الجميع وأي تواطئ في هذا الصدد يعتبر خيانة للوطن. إن قدسية هذه القضية تفرض علينا أن نخرجها من خلافاتنا السياسية ومن كل تأثر بالصعوبات التدبيرية أيا كان حجمها. ليست هذه لخطة المحاسبة لكن لا بد أن نقول بان علينا أن نعود إلى هذا الموضوع في حوار هادئ بين البرلمان ومختلف الأطراف المسؤولة من أجل توضيح المسؤوليات وتقديم ما يجب تقديمه . إن الدينامية التي أطلقها مقترح الحكم الذاتي يجب أن تتعزز بدينامية دبلوماسية أكثر جرأة وحركية بمشاركة كل القوى الحية بالبلاد وباستعمال كل الامكانيات المشروعة المتاحة . وفي هذا الصدد ننوه بالتوجه الاقتصادي نحو افريقيا الذي جاء به مشروع قانون المالية باعتباره خيارا استراتيجيا يجب أن تعطى له الوسائل وان يحظى بالمصاحبة السياسية الضرورية. السيد الرئيس ، السيد الوزير الأول ، السيدات والسادة الوزراء ، السيدات والسادة النواب ، إن تعزيز صورتنا في العالم تقتضي اليوم القيام بإصلاحات داخلية ، وهذه ثاني القضايا الأساسية التي تسائلنا والتي نتوقف عندها اليوم ومن جديد . آن الأوان للخروج من وضعية الانتقال الديمقراطي إلى وضعية الدولة الديمقراطية في إطار الملكية الدستورية الديمقراطية والاجتماعية . إن المشهد السياسي الذي نعيشه اليوم لا يبعث على الارتياح ، وأن مرحلة التشخيص أخذت أكثر مما يجب من الوقت ، ويكاد الكل يتفق على أسباب ونقائص وانتكاسات المشهد السياسي . إن تطور مشهدنا الديمقراطي ومدى انسجامه مع الخطاب السياسي يوجد اليوم محل مساءلة إذا لم نبادر بإصلاحات سياسية تصب في اتجاه بناء ديمقراطية سليمة غير مغشوشة . إن إصلاح مدونة الانتخابات بما فيها نمط الاقتراع وضمانات الممارسة الانتخابية وضمانات الشفافية والجدية والإجراءات الاحترازية وإصلاح إطار مشاركة الجالية المغربية في المؤسسات وقانون الأحزاب إلى جانب الجهوية تعتبر اليوم أوراشا عاجلة ، نأمل أن تفتح الطريق أمام إصلاحات دستورية متوافق عليها بين المؤسسة الملكية ومكونات الحقل السياسي الفاعل ببلادنا. إن الحكومة مدعومة بالإرادة الملكية المعبر عنها في أكثر من مناسبة مدعوة للتعجيل بفتح الأوراش الجاهزة وتهيئ المناخ للإصلاحات الأخرى وفتح حوار وطني جاد حول مستقبل الديمقراطية والديمقراطية التمثيلية ببلادنا . إن هذا الموضوع موضوع الديمقراطية التمثيلية. يسائلنا بدوره اليوم وهو ما يشكل النقطة الثالثة في مداخلتي هاته وأتوقف فيها عند دور البرلمان في الرقابة ونحن نناقش مشروع القانون المالي 2011 . في مختلف المحطات التي ناقشنا فيها هذه الحكومة عبر قوانين المالية انطلاقا من 2008 مافتئنا نثير مسألة الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة وعلى تنفيذ الميزانيات التي نصوت عليها ، وأكدنا دوما ونؤكد هذا اليوم من جديد بأن سلطات البرلمان في المراقبة محدودة إذا لم تكن منعدمة انطلاقا من وضع مشروع القانون المالي إلى تنفيذه مرورا بالتصويت عليه . وعندما نعيد نفس التساؤل اليوم فليس من باب النرجسية بل لضرورة حل هذا الإشكال العميق والذي يجعل من البرلمان واجهة لا ترقى إلى مستوى مؤسسة تشريعية لها صلاحيات مراقبة ما صوتت عليه. فهل يساهم البرلمان في وضع القانون المالي ؟ هل تساهم الأغلبية في وضع التوجيهات العامة للقانون المالي ؟ وفي غياب ذلك فعليا وليس شكليا هل يرتكز المشروع على دراسة الآثار مثلا بالنسبة لمدى استفادة الفئات وتوزيع الموارد؟ هذا فحوى النقاش القبلي ، صحيح أن السيد وزير المالية والاقتصاد اطلعنا على الخطوط العريضة للنسخة الأولى للمشروع ، ولكن ما نطمح إليه هو صياغة التوجيهات العامة لا الدخول في التفاصيل . هل تساهم المناقشة في البرلمان في تحسين السياسات العمومية ؟ . لقد بذلت الفرق البرلمانية مع رئاسة مجلس النواب جهدا من أجل تحسين النقاش وعقلنة الزمن المخصص للنقاش ( تخصيص بضع ساعات بدل عدة أيام ) ونأمل انخراط الحكومة بحضور أكثر في هذا النقاش . إننا في الحقيقة نناقش نوايا وأهدافا مرقمة ولا نراقب سياسة حكومية واضحة ، إننا نراقب وثيقة تركيبية دسمة تهم ميزانيات قطاعية ولا نراقب سياسة حكومية في بعدها الشمولي . وفي غياب التقرير الفعلي عن مستوى ونسبة التنفيذ فإننا نناقش أهدافا ولا نراقب الانجازات . من هنا وأيضا على الأقل عبر الثلاث مشاريع قوانين للمالية المنصرمة ، أكدنا على ضرورة إخراج القانون التنظيمي للمالية لحيز الوجود باعتباره دستور المالية العمومية . لقد كنا نأمل أن يأتي مشروع القانون التنظيمي قبل هذا القانون المالي ليكون نقاشنا على ضوء مقتضياته ، لكن ضاعت مناسبة أخرى سنعيش فيها نفس الوضع الذي أشرت إلى بعض اختلالاته ورتابته. إن هذا التساؤل جوهري في الممارسة الديمقراطية وليس ترفا للبرلمان ، بل يمكن القول بأنه يعتبر جوهر الممارسة والمراقبة الدستورية من طرف البرلمان على أعمال الحكومة. إن تبخيس العمل السياسي يأتي أيضا من تبخيس دور منتخبي الشعب بمجلس النواب في القيام بمهامهم الرقابية. أما المسألة الرابعة فتكمن كما أوضحنا ذلك في مناسبات سابقة في مفارقة هيمنة النظرة القطاعية الممركزة على المقاربة المجالية وأكدنا على أن التطور القطاعي منفردا هو مرادف للهيمنة القطاعية كما أن مسألة التوزيع الترابي العادل للمشاريع وتوطينها يظل من أهم انشغالاتنا في الفريق الاشتراكي حيث لا نعرف أحيانا المعايير المتخذة في توطين وتوزيع مشاريع الدولة عبر التراب الوطني السيد الرئيس ، السيدات والسادة الوزراء ، السيدات والسادة النواب ، هذا رابع قانون للمالية في عهد الحكومة الحالية ، وكغيره من مشاريع قوانين المالية ، يتم تحضيره في مكاتب مغلقة بإحكام ويحال على البرلمان في وقت وجيز لا يسمح بقراءته جيدا وتحليل مضامينه فبالأحرى مناقشته وفي نظرنا فإن مشروع ميزانية الدولة ينبغي أن يكون مناسبة لتبادل الآراء بين الخبراء من الاقتصاديين وأساتذة الجامعة المتخصصين وطبعا البرلمان الذي يناقشه ويصوت عليه نتمنى أن يتحقق هذا ببلادنا مستقبلا مع القانون التنظيمي المقبل الذي نطالب الحكومة بالتعجيل بعرضه للنقاش . ما هي السمات البارزة التي يحملها القانون المالي 2011 ؟ الأهداف المتوخاة : معدل نمو 5% ، حصر عجز الميزانية في 5 ، 3 % ، والتضخم في 2% ، مواصلة دعم المواد الأساسية ، الحفاظ على وثيرة الاستثمار العمومي إعادة ترتيب الإنفاق العمومي ، استقرار التوازنات الاقتصادية والمالية الأساسية إنشاء صندوق خاص لدعم الاستثمارات خاصة الأجنبية ...الخ . لن ندخل في جدل حول فرضيات هذه الميزانية ومدى صحة تقييمها لآثار الأزمة العالمية على الاقتصاد الوطني. فالثابت هو أن الأهداف المعتمدة تبقى متفائلة بالنسبة لتراجع المؤشرات المرتقبة للاقتصاد العالمي وخصوصا المنطقة الأوروبية التي ستعرف انكماشا اقتصاديا من جراء سياسات التقشف المتبعة. الثابت كذلك هو إظهار مستوى التحكم بصرامة في عجز الميزانية كما تبنته الحكومة انسجاما مع الرغبة في الحفاظ على ثقة المستثمرين والمؤسسات المالية الدولية المانحة للقروض . والثابت أخيرا من خلال النقاش بين الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين بمناسبة القانون المالي أن نسبة عجز الميزانية نفسها محل جدل بين تطلع الحكومة إلى حصره في نسبة قريبة من الصفر ولو تم اللجوء إلى الاقتراض ، هناك من الاقتصاديين من يرى أن الجرأة السياسية تقتضي كسر هذا الحاجز وتمويل الاقتصاد تحت شعار تحريك مجالات الشغل والاستثمار ولو تجاوز العجز المالي 5%. ما يهمنا من هذا النقاش هو توجه الحكومة الذي لمسنا فيه مسحة من الإجراءات تقترب من هذا المنحى الأخير ، تتجاوز هاجس العجز المالي دون الإفصاح عن ذلك عبر توجه استراتيجي ليبرالي غير صريح، مجرد تساؤل لا نخفيكم بأن أسباب نزوله مردها مكتسبات الإصلاحات التي شهدتها العشرية الأولى من هذا القرن على وجه الخصوص .. أسباب النزول تكمن في المساءلة. ولا نجزم بوجود هذه النية فقط نريد أن نذكر بأن هاجس الليبرالية المتوحشة وما خلفته من مآسي لازال حاضرا في ذاكرة الأزمة الحالية التي يعيشها العالم ونحن جزء منه. بغض النظر عن هذه الملاحظات فالثابت أيضا أن هناك جهدا بذلته الحكومة لتجاوز الظرفية الصعبة وتجاوز المعادلة الصعبة التي تكمن في الموازنة بين الحفاظ على وثيرة الاستثمارات والمداخيل، أمام تراجع الاستثمارات الخارجية والطلب الخارجي وتنامي أعباء صندوق المقاصة (17 مليار درهم) وتفاقم عجز ميزان الأداءات والميزان التجاري ، الحكومة بدلت جهدا فيما يخص دعم القطاعات الاجتماعية كالتعليم والصحة والعدل دعم الطبقات الفقيرة من خلال دعم إضافي لمجموعة من الصناديق. إن تحسين حكامة المالية العامة عبر الإصلاحات التي تمت منذ 1998 أدى إلى تنامي مستمر في الموارد ويجسد اليوم مكتسبا أساسيا يوفر للحكومة هامش تدخل الدولة لتحريك الاقتصاد الوطني عبر الاستثمار العمومي ، في وقت تضطر معظم البلدان المتقدمة إلى اللجوء لسياسات تقشف صارمة. وبالأرقام نسجل بإيجاب إحداث 18.802 منصب شغل ، 17 مليار درهما لدعم المواد الأساسية ، 5 ملايير درهما زيادة في دعم الاستثمار العمومي ليصل إلى 167 مليار درهما 20 مليارا درهما لتوسيع ولوج الساكنة القروية للتجهيزات والخدمات الأساسية 3 ملايير درهما للفئات الأكثر خصاصا (برنامج تيسير في مجال التعليم) حوالي مليار ونصف مليار درهما للتعميم التدريجي لنظام المساعدة الطبية مليارين ونصف مليار درهما لدعم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية . هذه العناوين تنم عن جهد بدلته الحكومة وهو جهد يستحق التقدير اعتبارا للاكراهات التي أشرنا لبعضها ، وهذا الجهد يضاف إلى مواصلة الجهد لتقويم المنظومة التعليمية وتقييم الشطر الأول من البرنامج الاستعجالي، إيجابياته واختلالاته ، ومواصلة إنجاز الأوراش الكبرى والإصلاحات الهيكلية كما هو الشأن في قطاعات النقل الطرقي والبحري والسككي وخفض التكاليف اللوجستيكية لتقوية التنافسية الاقتصادية الوطنية إضافة إلى الجهود المبذولة في مجالات تعزيز النجاعة الطاقية بالرفع من القدرة الإنتاجية عبر المشروع المغربي للطاقات البديلة تفعيل إستراتيجية المغرب الرقمي مواصلة تعزيز سياسة السدود وإعداد الميثاق الوطني للبيئة . كما أن هناك قطاعات متعددة كالصحة والسكنى والتعمير والتنمية المجالية والثقافة والشباب والرياضة والأوقاف والشؤون الإسلامية وأوضاع جاليتنا بالخارج كلها موضوعات سنعود إليها بالتفصيل في مناقشة الميزانيات الفرعية ، مع الوقوف عند ثلاث قطاعات لها انعكاسات آنية على شريحة واسعة من المواطنين : أولهما فئات الطبقة المتوسطة والصغرى ، قطاع الفلاحة والصيد البحري ثم الطبقة الشغيلة . أن الجهود التي بدلت لا زالت في حاجة إلى الدعم من أجل أن نجد أثر لها في النسيج الاجتماعي للطبقات المتوسطة باعتبار دورها الأساسي في تطوير المجتمعات والحفاظ على التوازنات الأسروية والاجتماعية عموما .. إضافة إلى الطبقة ذات الهشاشة والتي يعاني جزء منها اليوم من غلاء المعيشة وتكاليف الحياة اليومية. إن العالم القروي وتحديدا المجال الفلاحي يواجه صعوبات في مواجهة معيشه اليومي وتكاليف الإنتاج ، إننا إذ ننخرط في الإجراءات التحفيزية لدعم سلاسل الإنتاج ذات المردودية العالية ، نرى بأن الرهان المستقبلي هو إدماج الفلاح الصغير والمتوسط في المنظومة الإصلاحية حتى لايظل خارج الاستفادة من جهود الدولة إذ تحول مجموعة العوائق دون ولوجه مجال الإعفاءات والتحفيزات التي هو أولى بها أما الطبقة الشغيلة فإن الرسالة التي بعثتها عبر الاحتجاجات الاجتماعية الأخيرة نفترض أن الحكومة استمعت إليها بإمعان ويجب التفكير في إيجاد حلول تدريجية للمشاكل المطروحة .. إننا نتفهم إكراهات التوقيف الظرفي ويجب أن يكون ظرفيا لمسلسل الإصلاحات الضريبية في جانبه المتعلق بالضريبة على الدخل ونأمل استئناف هذا الورش للتقليص التدريجي من الضريبة على الدخل ومواصلة تعميم الزيادة في الأجور في مواجهة غلاء المعيشة . إن هذا الجانب يدفعنا إلى التساؤل حول تأثير كثلة الأجور في الوظيفة العمومية وما تشكله من ضغط على ميزانية الدولة حيث انتقلت من 66 مليار درهما سنة 2007 إلى أزيد من 86 مليار سنة 2011 وهي مرشحة للزيادة على الرغم من المغادرة الطوعية (2005) ألم يحن الوقت لتقييم هذه الوضعية الشاذة؟.. . أننا نسجل بإيجابية وفاء الحكومة بالتزامها والإتيان بصندوق التكافل العائلي الذي ناضلنا من أجله كثيرا وتحديد مصادر تمويله ونعتبره دعامة أساسية للتفعيل الأمثل لمدونة الأسرة وآلية هامة للمساهمة في رفع الحيف عن الآف النساء والأطفال وضمان الحد الأدنى من العيش الكريم لهم كما لا يفوتنا التنويه بمواصلة اعتماد تخطيط للميزانية مرتكز على النوع بغاية العمل على الحد من التفاوتات بين الجنسين نتمنى كذلك استجابة الحكومة لضرورة تنزيل توصيات الإنصاف والمصالحة ، ونسجل بإيجابية الإجراءات التحفيزية لإدماج القطاعات الغير مهيكلة في القاعدة الضريبية لما في ذلك من عدالة وتكافؤ الفرص بين الفاعلين والتخفيف من الأعباء الضريبية على الملزمين ، كما نسجل بإيجاب الإجراءات التحفيزية للادخار والتي أدخلنا عليها تعديلات أثناء مناقشة مشروع القانون وهي تعديلات قدمناها في إطار فرق الأغلبية سأتعرض لبعضها لاحقا . السيد الرئيس ، السيد الوزير الأول ، السيدات والسادة الوزراء ، السيدات والسادة النواب ، ثلاث تساؤلات قبل أن أنتقل إلى الشطر الأخير : لقد التجأت الحكومة إلى الاقتراض الخارجي لمبلغ مليار أورو قابل للاستحقاق خلال 10 سنوات وبفوائد تفضيلية ، وقد رأت الحكومة في ذلك مؤشرا إيجابيا وباعثا على الاطمئنان يعزز الثقة في اختيارات بلادنا وهذا ما نأمله ونحن على معرفة بكون تجنب الاقتراض الداخلي بالالتجاء للاقتراض الخارجي يخفف من عبء الضغط في مجال السيولة. ومع ذلك فإن فرصة هذا النقاش تستدعي طمأنة البرلمان والرأي العام لهذا التوجه إذ هناك مخاوف من أخطاء الماضي ، أخطاء السبعينات التي جرت ويلات على بلادنا استدعت تقويما هيكليا في وقت لا يعرف فيه لا كيف أنفقت تلك القروض ولا أين .. ومن جانب آخر ألا ترون السيد الوزير أن قرارات من هذا القبيل هي قرارات سيادية ينبغي الرجوع فيها للبرلمان . إن إيضاحات في هذا الموضوع من شأنها الاطمئنان إلى سلامة التوجه ونجاعته . تساؤل آخر السيد وزير المالية حول حدود التلاقي والقطيعة بين الخدمات العمومية والامتيازات التي تمنح للمؤسسات العمومية ، وهي مؤسسات تتجاوز أحيانا حجم إدارات الدولة نفسها دون أن تكون معنية بالخدمة العمومية. فيكاد لا يعنيها الأمر بغض النظر عن الظرفية الاقتصادية وصعوباتها. تساؤل ثالث ، ما مدى قدرة المؤسسات على التنفيذ خاصة ونحن لا نتوفر على بيانات عن وثيرة تنفيذ الميزانيات التي نصوت عليها وتعلمون ما لهذا الموضوع من أهمية وانعكاسات تنموية سلبية على المردودية الاقتصادية والاجتماعية . السيدات والسادة ، جاء قانون المالية ببعض الإجراءات تهدف إلى تحسين العلاقة بين إدارة الضرائب والملزم ومن هذه الإجراءات : تصنيف المقاولات ومنح المصنفة منها تعاملا تفضيليا . وضع ميثاق الخاضع للضريبة وهو وثيقة تحدد حقوق وواجبات كل من الإدارة والملزم . وضع مساطر جديدة تمكن الأفراد الممارسين لنشاط مهني معين من التحول إلى شركة دون أن يكون لذلك أثر سلبي جبائيا. إننا إذ نسجل إيجابية هذه الإجراءات نؤكد في نفس الوقت على ضرورة الاستمرار في تقوية مسار الصرامة في استخلاص الضرائب وتطبيق القانون على كل الملزمين وخصوصا المقاولات الكبرى مغربية كانت أو أجنبية . إن المغرب يعتمد أساسا على مداخليه الضريبة لتمويل المشاريع والاستثمارات الاقتصادية والاجتماعية . وسيكون لأي انخفاض هيكلي في المداخيل أثر سلبي على كل هذه الأوراش . إن ارتفاع المداخيل الضريبة خلال السنوات الأخيرة يرجع أساسا إلى تحسن أداء الاقتصاد المغربي وتنامي أرباح المقاولات المغربية . ولكن هذا التحسن ما كان ليعطي هذا الارتفاع في مداخيل الضريبة لولا الإصلاحات التي همت التدبير الضريبي. إننا نؤكد على ضرورة إعادة النظر في العديد من الإعفاءات الضريبية التي مازالت تحرم ميزانية الدولة من مداخيل هي في أمس الحاجة إليها . كما نؤكد على ضرورة تقوية المراقبة على فروع المقاولات الأجنبية بالمغرب التي تستعمل وسائل وتقنيات متنوعة لتهريب جزء كبير من أرباحها إلى بلدانها الأصلية . وعلى صعيد آخر ، وأمام نسب الأرباح المرتفعة لشكل غير عادي والتي تحققها عدد من كبريات الشركات ، بنتائج صافية تتجاوز 30% من رقم المعاملات وهي نسب لا نجد مثيلا لها في البلدان المتقدمة أو النامية ، أمام هذه النتائج نتساءل عن إمكانية إقرار نظام ضريبي عادل ، حتى يتمكن الاقتصاد المغربي والمقاولات الصغرى والمتوسطة ، والمستهلك الفردي من استرجاع جزء مما تستنزفه منه هذه المقاولات الكبرى في سوق تنعدم فيه أجهزة فعالة لتقنين المنافسة والدفع بأثمان الخدمات والسلع نحو الانخفاض . إننا نتمنى أن تدرس الحكومة بشكل جدي إقرار هذه المساهمة الاستثنائية في القانون المالي لسنة 2012 . المقاولات الصغرى والمتوسطة إننا نسجل إيجابية الإجراء الذي يهم المقاولات الصغرى والمتوسطة والذي تخفض بموجبه الضريبة على الشركات من 30% إلى 15% إذا كان رقم معاملاتها لا يتجاوز مليوني درهم ونصف . كما نسجل إيجابية قبول الحكومة لتعديل الأغلبية الذي يقضي بتمديد الإعفاء من الضريبة على الشركات بالنسبة للمقاولات التي تقوم برفع رأس مالها . هذا الإجراء الذي كانت له نتائج جد إيجابية على النسيج المقاولاتي المغربي والذي ساهم في معالجة إشكالية ضعف رأسملة المقاولات الصغرى والمتوسطة ببلادنا . إننا هنا نغتنم هذه الفرصة لننبه إلى انعدام التكافؤ في الفرص بين المقاولات المغربية ونظيرتها الأجنبية للولوج لبعض الصفقات الكبرى وهو عائق يحول دون تطويرها. ومن شأن استمرار نفس الوضعية أن تضر باقتصاد البلاد وتطوير المقاولة المواطنة. تشجيع الادخار جاء قانون المالية كذلك بمنظومة متكاملة لتشجيع الادخار الفردي وتوجيهه نحو بعض الأوليات كالسكن أو التعليم . وبموجب هذه المنظومة يتم إعفاء الفوائد المدفوعة للمدخر من الضريبة على الدخل. ضرورة الاحتفاظ بهذه المدخرات لمدة 3 سنوات على الأقل و 5 سنوات بالنسبة لمخططات الادخار بالأسهم . لا بد للحديث عن القطب المالي للدار البيضاء باعتبار المأمول فيه: أن يشجع على جلب الاستثمارات وخلق قطب مالي جهوي . أن يشجع على خلق مناصب شغل خلق أنشطة موجهة تصدير . بالمقابل هناك إعفاء من الضريبة على الشركات لمدة 5 سنوات ثم نسبة مخفضة 8،75% عوض 30% فيما بعد . كان هناك اقتراح بسن نظام ضريبي تفضيلي بالنسبة لغير المقيمين على الدخل بالنسبة للمأجورين بهذه المقاولات 20% عوض 40% وقد رأينا في هذا الإجراء إخلالا بالعدالة الضريبية بين المغاربة والأجانب وغير المقيمين وقد قبلت الحكومة تعديلا يحدد الاستفادة من التعامل التفضيلي في 5 أفراد عن كل شركة وذلك لتمكين هذه المقاولات في مرحلة انتقالية من جلب بعض التخصصات غير المتوفرة في السوق الوطنية والتي من شأنها أن تساهم في نقل بعض التقنيات المالية المتطورة إلى باقي الأجراء . إجراء جديد جاءت به الحكومة يتمثل في تجديد حظيرة مركبات النقل الطرقي فبالإضافة إلى الدعم الذي كان معمولا به في إطار التحفيز على تجديد العربات بالنسبة لنقل البضائع جاء القانون بإجراء جديد يهم النقل العمومي الجماعي للأشخاص داخل الوسط القروي . رفع الدعم من 70.000 إلى 110.000 درهم حسب نوعية العربة وهو شيء إيجابي خصوصا في العالم القروي وتقتضي المرحلة المقبلة ضرورة التفكير في الرخص والمطابقة مع مدونة السير . وأيضا ضرورة التفكير مستقبلا في إجراء مماثل يهم تحديد حظيرة الطاكسيات الكبيرة والصغيرة . التعديلات ومن التعديلات التي تقدمنا بها وقبلتها الحكومة في إطار تعديلات الأغلبية . إعفاء جوازات السفر بالنسبة للقاصرين المقيمين بالخارج وفتح نقاش مع وزير المالية حول التغطية الصحية للمقاومين والتزامه بإيجاد حل للعجز الذي تعرفه هذه التغطية . صندوق التكافل ضمان تمويل إضافي لهذا الصندوق عوض الاعتماد على مداخيل رسوم الزواج والطلاق وذلك عبر تخصيص 20 % من الرسوم القضائية . رفض الإجراء الاستثنائي لإعفاء بعض المؤسسات من بينها الخطوط الملكية المغربية من الضريبة من المنبع ليس لأننا لا نريد دعم هذه المؤسسة ولكن لأن الحل لا يجب أن يكون جزئيا بل يدخل ضمن برنامج متكامل لإصلاح المؤسسة وتحسين خدماتها . تمديد أجل تحويل صناديق الشغل إلى فاتح يناير 2012 عوض فاتح يوليوز 2011 حتى تتمكن الحكومة من إيجاد حلول مناسبة للملفات العالقة الاجتماعية والتدبيرية . هذه السيد الرئيس ، السيد الوزير الأول ، السيدات والسادة الوزراء والسيدات والسادة النواب ، بعض الملاحظات والاقتراحات والجوانب التي يرى الفريق الاشتراكي أنها تستحق المعالجة في هذا النقاش. لقد تعاملنا في فريقنا بإيجابية مع هذا القانون وخصصنا له يوما دراسيا ، كما خصص له فريقنا حصصا للمناقشة القطاعية أخذا بعين الاعتبار إكراهات المحطة ومعتبرا أنه قانون انتقالي بامتياز من زاويتين لأنه نتمنى أن يكون آخر قانون في إطار القانون التنظيمي الحالي للمالية ، كما انه انتقالي في منظور النظام الجهوي الذي تترقبه بلادنا.